طراطير في مجلس البرطمان

محمد الرديني

في الاسبوع هاجمت الصحف المحلية في احد بلاد الكفار حكم القاضي الصادر بسجن قاتل كلب سنة واحدة مع وقف التنفيذ.
بايجاز، القصة لاتتعدى احدى نوادر جحا في العصراليتيم فقد كان احد المواطنين الذي يسكن في غابة من الغابات التي انعم بها رب العزة عليهم ناشدا الهدوء والتأمل والاسترخاء بعيدا عن صخب المدينة ونقاط السيطرة و”عفرتت” رجالها.
وقبل حوالي 9 أشهر ازعجه كلب يبدو انه متشرد ،لاصاحب له، كان ينبح وكأنه، كما قال الرجل في افادته، بشكل متواصل رغم انه حاول ان يطعمه ويقوده لبيته ولكنه كان شرسا فرفض الطعام كما رفض الضيافة.
وتكرر نباحه في الليلة التالية وحين تأكد الرجل ان هذا الكلب متشرد اطلق النار عليه وارداه قتيلا.
وبعد ان نطق القاضي بالحكم وسكت عن الكلام المباح القت الصحف لومها على القاضي الذي اصدر حكما مخففا ضد هذا الرجل “القاتل” والذي سيشجع الكثيرين على قتل الكلاب السائبة دون وجه حق.
لنأخذ اركان الجريمة : كلب سائب بدليل ان لا بطاقة لعنوانه تعلق عادة في رقبته.. رجل يحب الهدوء..الكلب قد ينقلب الى حيوان شرس بدون سبب لأنه ظل ينبح بشكل متواصل وبدون سبب ايضا.. الدافع شرعي ومسبب.
نقطة نظام: معظم بلديات الدول العربية تمنح مكآفات مالية لمن يقتل كلبا ويأتي برأسه كدليل على ذلك.
ماعلينا..
ولأن الكلاب انتهى عصرها منذ ايام حصرم باشا ولم يعد يشاهدها الناس الا في اقاصي القرى الطينية حيث الماء والكهرباء لايدخل لها الا بموافقة موسوعة”جينيز”،فقد بدأ القوم بالالتفات الى البشر منطلقين من قناعة ان الانسان ارخص بكثير من الكلب وقتله لا يتطلب جهدا يذكر.. ومن هم وصاحبنا المفتش العام لوزارى الصحة الذي يحمل اسم لاعلاقة له به “عادل محسن”.
وحسب شهادة عضو لجنة الصحة والبيئة في مجلسالبرطمان حسن الجبوري التي ادلى بها في مؤتمر صحفي ” ان “مجلس النواب شكل لجنة مكونة من الصحة والبيئة واللجنة القانونية وكذلك من لجنتي النزاهة وحقوق الانسان للتحقيق في تجاوزات مفتش وزارة الصحة عادل محسن”.
ولأن رجال الاعلام الحاضرين تعودوا على مثل هذه المصطلحات فلم يصغوا اليه تماما الا حين قال “ان هذا المفتش تسبب في وفاة 20 امرأة حامل في مستشفى البتول في ديالى ولم يكتمل التحقيق في القضية لحد الان منذ2010”.
شفتوا؟؟ المرأة الحامل ارخص بكثير من الكلب السائب!
مضى على وفاة هؤلاء الحريم سنتين ولك يهتم احد بمباشرة التحقيق فيه.. سنتين على وفاة 40 انسانا، المرأة وجنينها، ومجلس البرطمان يسأل هل نناقش البنى التحتية ام زيادة الرواتب التقاعدية ام استضافة وزير الكهرباء ام نستمع الى ارشادات حسنة ملص؟.
هذا الاخ العادل ليس قاتلا فقط وانما مصيبته الكبرى ايضا انه:
1- امر باغلاق المجلس التحقيقي بشأن التزوير في التعيينات في دائرة صحة الكرخ.
2- التدخل في تأخير بعض المشاريع الخاصة ببناء المستشفيات.
3- مكتب مفتش وزارة الصحة غير متعاون مع لجنة الصحه والبيئة النيابية.
هل تريدون الالعن في هذه الفوضى؟.
كانت المحكمة الاتحادية قد رفضت في وقت سابق تجديد خدمة المفتش العام لوزارة الصحة الا بعد موافقة مجلس النواب بالاغلبيةو ذكرت في بيان نشر على موقع مجلس القضاء: اصدرت المحكمة قرارها المرقم 70 بتأريخ 26/12/2011، بألزام رئيس مجلس الوزراء أضافة لوظيفته بإتباع الالية المنصوص عليها في الامر رقم (57) بعرض أمر تجديد خدمة المفتش العام لوزارة الصحة (د.عادل محسن عبد الله) على مجلس النواب للمصادقة عليه او بعدم المصادقة وذلك باغلبية أصوات اعضائه.
واصدر مجلس البرطمان توصياته في جلسته 45 المنعقدة في 27 / 3 / 2011 الى مجلس الوزراء التي يطلب فيها إقالة المفتش العام (عادل محسن عبد الله).
ماذا حدث بعد ذلك؟.
سعادة رئيس الوزراء حفظه الله ورعاه اعطى مجلس البرطمان “اذن من طين واذن عجين” واهمل الامر ومازال الدكتور عادل محسن العبد الله على رأس وظيفته رغم قرار البرطمان الذي اتضح بعد طول بحث واستقصاء انه وشقيقته المحكمة الاتجادية “لايهش ولا ينش”.
اين انت يا الجواهري حتي “تطرطر لهم”.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.