سياسة النأي فقدت صلاحيتها والأزمة إلى تفاقم ما بعد سقوط النظام السوري أخطر وأصعب لبنانياً

سابين عويس    النهار اللبنانية

مع التطور القضائي الاخير المتمثل بالمواجهة القائمة على خلفية المذكرات المتبادلة بين لبنان وسوريا، بات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمام حقيقة أن معادلة الناي بالنفس عن سوريا لم تعد تصلح بعدما بلغت نار الازمة الداخل اللبناني وباتت تمس بتداعياتها كل المجالات السياسية والامنية والاقتصادية.

وإذا كان ثمة في الحكومة من يرى أن تلك السياسة أتاحت للبنان تأخير وصول الازمة لنحو عامين (منذ موعد إندلاعها قبل أكثر من عشرين شهرا)، على رغم الإضطرابات والحوادث المتنقلة التي أفرزتها، فإن مفهوم النأي بات يحتاج إلى صيغة مطوَرة ترمي إلى تحصين الساحة المحلية وجهوزها لمواجهة الإنفجار من الداخل، خصوصا أنه كلما إقترب النظام السوري من السقوط – وقد بات ساقطا عمليا في حسابات الخارج وجزء كبير من الداخل – برز إقتناع وتعزز لدى بعض الجهات المحلية (في المعارضة ومن خارجها)، معطوفاً على مخاوف دولية من أن مرحلة ما بعد الاسد أشد صعوبة وقساوة وخطورة على لبنان، سياسياً وأمنياً وحتى إقتصادياً، على قاعدة أن السيناريوات المطروحة لتلك المرحلة تكشف سوريا ومعها المنطقة على كل الاحتمالات.

ويصف مرجع مالي كبير الوضع بـ”الدقيق جداً”، معرباً عن قلقه من الانعكاسات السلبية للوضعين السياسي والامني غير المستقرين داخليا على الاقتصاد. ويعزو هذا القلق إلى حالة الغموض وعدم إتضاح ملامح المرحلة المقبلة. فعلى الصعيد الحكومي، لا تبدو الصورة واضحة في شأن التغيير الذي تطالب به المعارضة وتضغط في إتجاهه، علما أن هذا المرجع من الداعين إلى عدم إدخال البلاد في الفراغ، ليس تمسكا بالحكومة الحالية وإنما خوفاً من تطورات تقلب المشهد في مرحلته الانتقالية بين إستقالة حكومة وتشكيل أخرى. عامل القلق الآخر يتعلق بمسألة الانتخابات النيابية، وعدم تبين مصيرها ومدى قبول القوى السياسية بإجرائها وفق قانون الستين.

ويدلل المرجع على خطورة غياب التعامل الجدي والمسؤول مع التداعيات الاقتصادية للأزمة السورية. فالاقتصاد واجه منذ إندلاع الثورة صدمات متتالية أنهكت قطاعاته وقوضت مكامن القوة فيه سياحيا وخدماتيا وتجاريا. ولم يسلم الا القطاع المالي الذي حافظ على مناعته، لكنه لم يتمكن من الافادة من فرصة هروب الاموال السورية. فجاءت عمليات الخطف على الحدود لتثير ذعر السوريين من نقل أموالهم الى لبنان، وقابل ذلك ضغط اميركي على المصارف اللبنانية لمنع إستغلال الوضع والسماح لسوريا بالتفلت من العقوبات. وكانت النتيجة أن صبت الودائع السورية في دبي بدلا من بيروت. (قدّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في دردشته مع صحافيين في دارته في طرابلس قبل أيام حجم الاموال التي خرجت من سوريا بـ12 مليار دولار).

ويرفض المرجع مقولة إن نمو قاعدة الودائع في المصارف اللبنانية عائد إلى الفوائد المترتبة عليها (وهي بمعدل 6 في المئة تمثل نسبة الزيادة المسجلة هذه السنة تقريبا)، ويقول إن الانجاز في مثل الحالة التي يعيشها القطاع المالي في لبنان بظل ضغوط دولية وأزمة اوروبية ومقاطعة خليجية وقيود المعايير المالية الدولية، يتمثل في إمكان الحفاظ على الودائع وعدم خروجها، علما أنه لا بد من الاشارة إلى أن لبنان فقد ودائع رجال النظام التي كانت خرجت من النظام المصرفي اللبناني في المرحلة الاولى من الثورة.

ولا يخفي المرجع قلقه من مرحلة ما بعد الاسد. ففي رأيه أن النظام بات في وضعه الحالي بمثابة الساقط عمليا. وعدم إنهيار الليرة السورية يعود إلى المال السياسي الذي تغذى به المعارضة السورية من الخارج، فضلا عن الاموال التي يصرفها النظام لدعم صمود جيشه النظامي. ومرد هذا القلق في الدرجة الاولى الى أن البدائل للنظام غير واضحة، مما يعني أن سوريا معرضة للدخول في الفراغ والفوضى، فيتكرر النموذج العراقي أو المصري حيث الاضطرابات والتفجيرات لا تزال تهدد إستقرار البلدين وتحول دون عودة الاوضاع الى طبيعتها.

قد لا يكون لبنان بمعزل عن الفوضى السورية، ولا يمكنه في أي حال النأي عنها كما هو حاصل اليوم. ولا بد من كسر حلقة المراوحة التي يدور فيها المشهد السياسي الداخلي بعدما باتت تهدد ما تبقى من الحد الادنى من الاستقرار. وملفات الكهرباء وسلسلة الرتب والرواتب كما ملفات الامن باتت نماذج صارخة من العجز الرسمي الذي يكبل الحكومة ويمنعها عن إتخاذ القرارات وتنفيذها رغم القرار لدى كل مكوناتها بضرورة تفعيلها وتزخيم عملها.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.