روناك شوقي..اصداء المسرح الصامد

روناك شوقي..اصداء المسرح الصامد
عبدالله حبه – لندن
تعود المخرجة والممثلة المسرحية روناك شوقي لمقابلة الجمهور في عمل مسرحي جديدعلى قاعة ستانيسلافسكي في مسرح “كويستورس ثياتر” في لندن في عرض مسرحية ” همس الياسمين ” . وقد كرس هذا العمل لتكريم والدها الفنان المبدع خليل شوقي احد رموز المسرح العراقي البارزة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بمناسبة يوبيله التسعين. ولا اريد التحدث هنا عن انجازات هذا الفنان الكبير في الاذاعة والتلفزيون والمسرح في العراق والتي اوردتها عريفة الحفل قبيل بدء العرض فهي معروفة.

روناك وايسر شوقي في همس الياسمين

روناك وايسر شوقي في همس الياسمين

لقد قامت روناك بإعداد النص المسرحي كعادتها في العديد من اعمالها السابقة، فهي تحب الغوص في غمرة التأليف الى جانب الاخراج والتمثيل. واقتبس نص عرض “همس الياسمين ” من قصة ” الشقيقتان ” للكاتبة الكولومبية ماريا ديل سوكوروغونثالث. إن الشئ الرئيسي الذي جذب انتباهي هواختيار موضوع لا صلة له بالعراق وفي مناسبة تكريم شخص خليل شوقي الذي ابدع بالذات في اداء ادوار الشخصيات العراقية وفي المواضيع العراقية. لقد كان من الافضل

حسب رأيي الانطلاق من هذا لدى اختيار النص المسرحي ، لاسيما ان الجمهور يتكون من العراقيين ولو انهم في المهجر. ولكن موضوع العرض الحالي لا يقترب حتى من مشاكل المجتمع العراقي. وحبذا لو قدمت لنا روناك شوقي بهذه المناسبة احد اعمال الكتاب المسرحيين العراقيين. وقد برز لدينا العديد منهم منذ فترة الخمسينيات وحتى الوقت الحاضر. كما كان من الممكن اقتباس النص، ما دام الأمر يتعلق بالاقتباس

مي ورويدة شوقي في همس الياسمين

مي ورويدة شوقي في همس الياسمين

، من قصة او رواية لآحد كتابنا الكبار مثل ذوالنون ايوب وعبدالملك نوري اوغائب طعمة فرمان او مهدي الصقر او فؤاد التكرلي. وقد اخرجت فرقة ” استديو الممثل” سابقاً ومنذ تأسيسها عرضا مقتبساً من حكايات ألف ليلة وليلة. ويبدو أن الفنانة روناك شوقي مولعة بتقديم مسرحيات من طراز”المسرح النفساني”، حيث يتم التركيزعلى المعاناة النفسية للشخوص في ظروف معينة بدلا من التركيزعلى طرح قضية اجتماعية اوتأريخية ليست ذات طابع فردي. إن المسرح العالمي يتوجه حاليا نحو التعميم والتجريد عموما، حيث تقدم حتى المسرحيات الكلاسيكية بأساليب غير تقليدية. ففي مسرح “تاغانكا” في ،موسكو خرج فلاديمير فيسوتسكي على الجمهور في دور”هاملت” لشكسبير وهو يعزف على الجيتار. وقدم مسرح بوشكين في موسكو مسرحية “جعجعة بلا طحن” لشكسبير ايضا وبأزياء عصرية. بينما قدم مسرح”جلوب” البريطاني”عطيل”بهيئة ضابط من مشاة البحرية البريطانية، وبدت ديزدمونة لابسة الصديرية الواقية من الرصاص. ربما ان الهدف من كل ذلك هو تقريب العرض الى اسلوب تفكير المشاهد المعاصر حتى اذا لم يكن الموضوع محليا.
واعتقد ان مشكلة المسرح العراقي في المهجر لا تزال مرتبطة بالموضوع العراقي. لكن فرقة” استديو الممثل” قدمت سابقا “حفلة التيس”، ومن ثم قدمت “عندما تهوى الملائكة” واليوم تقدم “همس الياسمين”وجميعها بعيدة عن الاجواء العراقية.
لقد عرفت روناك منذ ان درست في معهد” غيتيس ” في موسكو في ورشة الاستاذ ميرسكي في الثمانينيات من القرن الماضي بعد تخرجها من معهد الفنون الجميلة في بغداد في عام 1977. وقد شاركت روناك كممثلة في مسرح ماياكوفسكي في موسكو في تمثيل احد الادوار في عرض مسرحية بوشكين “يفجيني اونيجين”. وجذبت روناك انتباهي في المعهد منذ ذلك الحين في كونها موهبة متوقدة ولاتعرف الكلل في البروفات المضنية. وقد اثنى عليها اساتذتها في المعهد لكونها جادة في التعامل مع دراستها. وخشيت كثيرا ان نفقد هذه الموهبة بعد خروجها من العراق مع غيرها من المسرحيين الى المنفى في سورية اولا ومن ثم في لندن ثانيا . علما ان الكثيرين من المسرحيين الآخرين فقدوا في شتى القارات اوعملوا في احدى البلدان العربية في سياق الهجرة القسرية بسبب الاوضاع المأساوية في العراق في العهد السابق. اما روناك فلم تستسلم لظروف الغربة الصعبة، وواصلت العمل حيث عملت في سورية في فرقة بابل المسرحية وشاركت في اعداد واخراج وتمثيل عروض”المملكة السوداء “لمحمد خضير و”وحشة” لتشيخوف و”المومس العمياء” لبدر شاكر السياب. وحاولت في عام 2010 تذكير الوطن بوجودها حين سافرت مع فرقتها من لندن الى بغداد وقدمت عرض “حفلة التيس” في المسرح الوطني. لكنها قالت حول هذه التجربة المريرة:” انك اذا رجعت كمواطن فهي مسألة سهلة، ولكن اذا رجعت كفنان ومنسي فتلك مسألة في غاية الصعوبة”. ان صمود روناك في موصلة العمل في ظروف الغربة الصعبة مسألة تستحق الاعجاب فعلا. ومهما كانت الملاحظات – وانا أعرف انها لا تضيق بالنقد لرحابة صدرها – على هذا العرض اوذاك من العروض التي تقدمها فإن هذا لا يقلل من قيمتها الفنية والثقافية.
ان جميع ابطال مسرحية ” همس الياسمين”هم من النساء . وقد نجحت روناك في اختيارالممثلات اللواتي يحمل بعضهن وكذلك بعض الفنيين لقب “شوقي”. وتبدو جليا للعيان خبرة مي شوقي في دور العمة وعشتار المفرجي ورويدة شوقي وحتى ربيع العبايجي ( التي تمثل لأول مرة في عمل مسرحي كبير) والتي اكتسبت بلا ريب المهارة في البروفات الكثيرة . ومن المعروف أن روناك تهتم بكل صغيرة وكبيرة في اداء ممثليها.
لكن حبذا لو كان الديكور اكثر بساطة، فهو لم يكن عنصرا مساعدا لاداء الممثلات بل العكس شتت الانتباه لدى الجمهور.كما ان الموسيقى لم تكن تتفق مع اجواء العرض المسرحي. وكان من الافضل ان يقوم بهذه المهمة احد المحترفين.
وعموما يمكن القول ان عرض”همس الياسمين” كان ناجحاً، ولقي الترحيب لدى الجمهور. فهو يشكل احد اصداء المسرح العراقي الصامد في الغربة. ونتمنى ان تواصل فرقة ” استديو الممثل” عملها النبيل والمبدع والانتقال به لاحقا الى ارض الوطن حيث خمدت شعلة المسرح الجاد بالرغم من محاولات المسرحيين الشباب لايقادها من جديد.
17/5/2014

About عبدالله حبه

ولد عبدالله محمد حسن حبه في بغداد وفي محلة صبابيغ الآل عام 1936. انهى الدراسة الابتدائية في المدرسة الجعفرية والمتوسطة في مدرسة الرصافة المتوسطة في السنك والثانوية في الاعدادية المركزية. وانهى الدراسة الجامعية في كلية الآداب فرع اللغة الانجليزية. أنهى معهد الفنون الجميلة فرع التمثيل. وحصل على بعثة لدراسة الدكتوراه في الاتحاد السوفييتي ونال الشهادة من معهد غيتيس للتمثيل في منتصف الستينيات. في بداية مشواره الفني مارس الرسم لعدة سنوات، إلى جانب كتابته للقصة. وأصدر مع صديقه القاص منير عبد الأمير مجموعة قصصية تحت عنوان "الحصان الأخضر" في بداية الخمسينيات من القرن الماضي. عمل في الصحافة الفنية وتحديداً في مجلة السينما التي كان يصدرها الفنان كاميران حسني في الخمسينيات من القرن الماضي. ثم انتقل للعمل في المجال المسرحي، وفي البداية مع الفنان جعفر السعدي ثم الفنان جاسم العبودي ثم انتسب الى فرقة المسرح الحديث قبل سفره الى الاتحاد السوفييتي عام 1960. شارك في التمثيل في الجامعة وفي اخراج عدد من المسرحيات في كليان بغداد، كما شارك في التمثيل في عدد من المسرحيات وفي تصميم الديكورات والمكياج للفرق التي عمل معها في تلك الفترة. ومنذ منتصف الستينيات توجه للترجمة من اللغة الروسية في موسكو،وترجم للعديد من فطاحل الأدب الروسي الكلاسيكيين والمعاصرين. عمل في وكالة تاس في موسكو وفي عدد من الصحف الصادرة ياللغة العربية في موسكو وفي عدد من البلدان العربية، ثم عمل لفترة في تلفزيو روسيا باللغة العربية، وعاد الآن للعمل في وكالة تاس.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.