تفاهة الثقافة !

رعد الحافظ

(ج2 من الفصل الأوّل من كتابي ,سُبُل النهوض في الشرق الأوسط)!

مقدمة:
اليوم 19 / 09 / 2012 تداعيات الفلم المُسيء (براءة المُسلمين) ما زالت مستمرة المستفيدين منها كُثر والقائمة تطول :
من حسن نصر الله وسيّده الخامنئي وحليفهم الطاغية البعثي بشار الاسد
الى أصغر إرهابي وهّابي يعتقد بوجوب قتل الملايين مقابل أيّ فلم مُسيء!
نظرتي لأيّ فكرة أو حزب أو جماعة أو دين أو آيدولوجيا في هذه الدُنيا تتلخص بما يلي :
هي نبتة تنمو وتكبر مع الزمن ,تتفرع عنها الأغصان والأوراق ,وربّما تُزهر وتُثمر .وبالطبع تمتد جذورها عميقاً في الارض كلّما طال عمرها!
لكن عاجلاً أو آجلاً مصيرها الزوال وحلول نبتة اُخرى محلها!
فترة بقائها تعتمد على تركيبتها وضعفها والظروف الخارجية من جهة,أو قوتها وثباتها ونفعها للناس بحيث يُقبلون عليها للرعاية والإهتمام من جهة اُخرى!
كذلك هي طبيعة الاشياء!
***
وقائع تأريخيّة!
في حياة العرب والمسلمين كباقي الشعوب أنواع مختلفة من الصراعات ,إنّما أهمّها وأطولها نوعان هما :
1/ الصراع على السلطة والمال!
2 / الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة (رغم إنكارهم لذلك)!
كلاهما إبتدؤوا منذ الساعات الأولى لوفاة النبي وإستمروا الى يومنا!
بينما أهمّ صراع بشري حالياً هو الصراع المعرفي بين العلم والعمل من جهة ,
ضدّ الجهل والتخلّف والكسل من جهة ثانية!
المسلمون (غالباً) ينأؤون بأنفسهم عن هذا الصراع الحضاري ضدّ التخلّف. ليستبدلونه بصراع المؤامرات الكونيّة والإسلاموفوبيا المزعومة ضدّهم!
الإسلاموفوبيا كذبة إخترعها بعض ساسة الغرب نفسه (اليساريين بالذات) لأجل دواعي إنسانية و منافع إنتخابيّة على السواء!
الحقيقة على الأرض ليست كذلك بل العكس تماماً!
***
الدلائل!
أدلّتي على عدم وجود الإسلاموفوبيا حالياً بشكل ملحوظ هي التاليّة :
1 / الغربيون (المنفتحون على الآخر) هم الذين إخترعوا هذا المصطلح وروّجوه كي لا تظهر عقدة إجتماعيّة جديدة ,قد تقود لاحقاً الى الكراهية!
بينما الإسلاميّون تلقفوا هذا المصطلح وإستخدموه في كلّ جملة غبيّة ينطقون بها. فإن كنّا نصدق ونؤمن بما يستنتجه الغرب الكافر من أفكار فالأولى أن نفعل ذلك في باقي الأشياء المُفيدة وليس بطريقة (مغالطة إلتقاط الكرز)!
2 / بعد أكبر عمل إرهابي عرفه التأريخ الى يومنا في 11 سبتمبر 2001
وبعد توّفر وثبوت جميع الأدّلة بأن القائمين به مسلمين (سعوديين بالتحديد) بأموال ورجال وتخطيط إسلامي بحت ,لم يقفل الغرب أبوابه بوجه اللاجئين المسلمين.
لا بل زادت وتضاعفت الأعداد المتدفقة إليه,خصوصاً مع الأزمة السورية (والمسلمون كلّ يوم لديهم أزمة إنسانيّة جديدة)!
فلو كان هناك ما يشبه ريحة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية,لصوّت الناخبين بنسبة عالية لأحزاب اليمين (المتطرّف) ,التي تدعو الى تقليل الهجرة الى بلادهم .ولفازت تلك الأحزاب ووصلت السلطة ومنعت قدوم المسلمين .لكن ذلك لم يحدث بشكل واسع حتى اليوم (وإن كان متوّقع الحدوث مستقبلاً) ,فأين الإسلاموفوبيا اليوم؟
3 / المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) توصي شعبها وحكومتها بفتح أذرعهم وقلوبهم للمهاجرين .فتستقبل بلادها خلال عام 2015 فقط مايزيد عن مليون مهاجر غالبيتهم مُسلمين .فهل هذه إسلاموفوبيا؟
4 / يومياً نسمع عن أعمال إرهابية يقوم فيها أحد اللاجئين الإسلاميين الى الغرب بطعن أو قتل مجموعة من المواطنين هناك .ويكون تصريح الشرطة بأنّ الحادث لا علاقة له بالإسلام أو بالسياسة .بينما نحنُ الناس العاديين الذين نتابع الخبر عن كثب نعلم علم اليقين أنّ الشخص مسلم وكان يردّد عبارة (الله أكبر) خلال تنفيذ جريمته ,فأين الإسلاموفوبيا؟
5 / أحداث باريس الإرهابية في نوفمبر 2015 وضحاياها بالمئات ,ولم توقف فرنسا قبولها للمسلمين ,هل هذه إسلاموفوبيا؟
6 / عام 2016 فاز بمنصب عمدة لندن السيد صادق خان ,وهو مسلم من عائلة باكستانية مهاجرة الى بريطانيا .فهل إنتخاب غالبية سكان لندن التسعة ملايين لهذا الرجل يدّل على وجود أيّ نوع من الإسلاموفيا؟
وبمناسبة هذا الحدث بالذات كتب التنويري المصري (د.خالد منتصر) مقالاً بعنوان :عمدة لندن مسلم ,عُقبال محافظ قنا ما يبقى مسيحي!
7 / قبل عمدة لندن بإسبوع كان إختيار اللاعب المسلم (رياض محرز) كأفضل لاعب كرة قدم هذا العام في الدوري الإنكليزي الشهير Premier League فهل إختياره من اللاعبين الإنكليز وبوجود منافس قوي له ,هو زميله في نادي ليستر ستيي (فاردي) و هو هدّاف الدوري هذا العام ,يمّت للإسلاموفوبيا بصلة؟
8 / في قصة تدّفق المُهاجرين المسلمين على أوربا في الاعوام الأخيرة ,جميعنا سمعنا بالإتفاقيّات الصعبة التي يعقدها الإتحاد الاوربي مع تركيا (المسلمة) والمليارات من اليوروات التي تُدفع لحكومة أردوغان الأرعن ,فقط ليساعد في وقف تدفق المهاجرين ,ونسبة منهم يلقي حتفه في البحر ,دون إهتمام يذكر من جميع الدول الإسلاميّة حتى الغنية منها .
أفلا كان من الأسهل للأوربيين أن يغيّروا ولو قليلاً قوانينهم المتساهلة جداً فيمنعون قبول اللاجئين الجدد ,أو (غير الرسميين) على الأقل؟
فأين الإسلاموفوبيا من ذلك؟
9 / حتى الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب ,الذي تعتبره الغالبية المسلمة ظاهرة صريحة للإسلاموفوبيا ,هو عندي ليس دليل!
فهو عمليّاً يريد فصل المسلمين العاديين عن (الإسلاميين) الإرهابيين الذين يسعون لدمار الآخر ! يريد منع قبول هؤلاء في بلدهِ لإتقاء شرورهم ,فيحظى المسلم العادي بعدها بالإحترام اللائق !
10/ بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية المُتهمة بالإسلاموفوبيا عمّال على بطّال ,هم يكتبون وينشرون حسب حريّة الرأي والتفكير التي يحرصون عليها أكثر من حرصهم على باقي تفاصيل حياتهم الرئيسة .ونظرة واحدة لوسيلة بارزة من تلك الوسائل (الـ BBC العربية مثلاً) ,سنجد أنّها غدت وسيلة إسلامية تقريباً ,أقرب من كونها وسيلة إعلام غربية عالمية !
فعن أيّ إسلاموفوبيا تتحدّثون ؟ مالكم كيف تحكمون؟
تلك عشرة أمثلة ويمكنني الإستمرار بسرد مئات غيرها !
أستطيع التكلّم عن حقائق وأرقام وأحداث يوميّة نعيشها ونسمع بها ,وقتل يقوم به مسلمون متطرفون لأناس أبرياء في أوربا وباقي العالم .
وعندما نسأل عن هوية القاتل وعلاقته بالإسلام ,يُجيب السويديين العاديين بجملة :
ingen aning
أو ليس لي أدنى فكرة .لأنّ ذكر ديانة الجاني ممنوعة أصلاً في السويد !

***
الخلاصة :
كلّ شيء يبدأ من التسميّة ,من اللغة المستخدمة ومعاني الكلمات !
ممارسة الجنس في اللغات الاوربية تسمى مُمارسة الحبّ !
بينما في العربية يُقال :الوطيء ,الجماع ,النكاح ..أو شيء من هذا القبيل !
برأيكم : ألا يؤدي هذا في النهاية الى فوبيا ضدّ الحُبّ (فيلو فوبيا)؟
في الواقع أنا أسأل (وأغصّ بسؤالي) كم فوبيا لدى المسلمين تجاه الآخر؟
ألا نعتبر كلّ تمثال حضاري رفيع القيمة الفنيّة والتأريخية ,حجراً سوف يُعبَد لا محالة؟ هل هذه فوبيا تجاه التماثيل أم نكتة مثلاً ؟ تذكروا تفجير تماثيل بوذا في أفغانستان وعشرات غيرها في العراق وسوريا !
ألا نعتبر كلّ آخر (غير مسلم) كافر يستحق عذاب جهنّم وبئس المصير؟
هل هذه فوبيا تجاه الآخر ,أم محبة و إحترام؟
ألا نعتبر كلّ حركة وعمل غربي وتخطيط رشيد منهم
Rational Planing
مؤامرة موّجهة ضدّ العرب والمسلمين؟ هل هذه فوبيا أم ذكاء جماعي؟

ألا نعتبر كلّ علماني ,كافر يستحق الحرق بالكاز الوسخ والتنكيل والتشهير؟
هل هذه فوبيا ضدّ الحرية الفكرية ,أم مشاعر ناس مؤمنين بالفطرة ؟
في الواقع لا يوجد مرض إجتماعي معروف (أو غير معروف) إلّا وتجد له جذور متأصلة عميقة في مجتمعاتنا البائسة .
كلّ ذلك في ظنّي سببه الأوّل الركون الى المشايخ الحَمقى وتعاليمهم وخرافاتهم وسفالاتهم .والإبتعاد عن العِلم وطريقة التفكير العلمي !
بالطبع تبقى الحكومات العربية (حتى بعد أحداث الربيع العربي الذي تحوّل الى خريف إسلامي مُخيف) ,قاصرة عن صنع الفارق والبدء بالتصحيح.
حتى في مصر الرائدة في المنطقة التي كنّا نمنّي النفس بأنّها بعد ثورة 30 يونيو 2013 ستقود مصر والمنطقة بأكملها الى الإصلاح والنهوض!
نجد الحكومة والرئيس الحالي يجاملون السلفيين ويخضعون لهم ,رغم شعار تجديد الخطاب الديني الذي رفعوه .ونسى الجميع إسلام بحيري !
لا بل أنّ دولاً إسلاميّة كانت رائدة في العلمانية في المنطقة (تركيا كمال أتاتورك) نجدها اليوم ترتد الى العصر العصمنلي القذر بخطى متسارعة بقيادة أردوغان وحزبه الإسلامي !
أفلا ننظر لسلبيات ثقافتنا وكراهيتنا لنتوقف عن إتهّام العالَم بالإسلاموفوبيا !

ملاحظة / الكتاب كاملاً سيتوفر قريباً على كوكل مجاناً !

رعد الحافظ
5 أغسطس 2017

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.