تأملات طفلة في مجتمع عربي

فؤاده العراقيه

وانا طفلة كان يتبادر الى ذهني سؤال لا يهتم له الكبار فكنت اسأل عن السبب في أن الشركات التي تنتج مواد التنظيف والغسيل تخاطب النساء فقط , كأن يضعون في اعلى العلبة افتحي من هنا أو اضغطي هنا , فكنت أخجل من هذه العبارة ولكني أداري خجلي منها عن طريق قطعهذه العبارة ورميها في سلة المهملات لقناعتي بأن هذا هو مكانها الأصلي , أو اقوم بتضليل تلك العبارة أو مسح حرف الياء أو نون النسوة التي كنت اخجل منها دوما حيث كانت نفسي تشمأز منها كونها تخاطب الجنس الأدنى فقط والذي انتمي اليه وسأتحمل في المستقبل أعباء وقرف هذا العمل الذي سيشل قدراتي ولا أستطيع الأبداع من خلاله , تصرفي هذا على السجية يحمل من العفوية والسذاجة الشيء الكثير .
في نفس الوقت كنت ارى جميع الكتب المدرسية تخاطب الذكور دوما في عباراتها مثل عزيزي الطالب , أو تكون صيغة السؤال في الأمتحانات : عرف ما يأتي أوعلل ما يلي ….. بغض النظر عن عدد الطالبات الأناث في الصف الدراسي والذي كان يفوق عدد الطلاب الذكور حيث الأناث مغضوض النظر عنهم دوما , كذلك في الشوارع والمحلات تكتب اللافتات للذكور فقط وفي التلفزيون يقول المذيع عزيزي المشاهد غير مباليا للمشاهدة الا ما ندر من البعض الذين كانوا يفرحوني عندما يبدأون اخبارهم بسيداتي وسادتي , كأن حياتنا خالية من النساء ولا دور لهن فيها سوى للبيت وللغسيل والمطبخ والتنظيف , فكنت اسأل عن السبب في خلو البلاد من تفاعل النساء فيها وحجبهن عن الدور الطبيعي للأنسان وعن معنى يقنعني بهذا الحجب , ويأتيني الجواب بأن الذكر كل شيء في حياتنا هو الأقوى والأذكى والأرقى .
كنت أرى جميع عوائلنا عندما كنت ازورهم مع والدتي تقوم على التفرقة واذلال المرأة , فعندما كنت ارى الأم تقف في المطبخ تعد الطعام لتنتهي الى اعمال المنزل الأخرى من تلميع وترتيب وغسل الملابس وكيها وحاجياتهم التي لا تنتهي وبالأضافة الى متابعتها لدروسهم لو كانت الأم متعلمة , تقوم بجميع هذه الأعمال وهي سجينة بين جدران واعمال تقتل حسها ومشاعرها .
أما الزوج فيعمل خارج البيت ليأتي لهم بالمال ليعيلها , بمعنى يتصدق عليها عندما يرغب بل ويزيد لها مصروفها عندما تكون اكثر طاعة له لتملي غروره المنقوص ورجولته المزيفة حتى يشعر بانه الأقوى والأرقى ليجد من خلالها ما يميزه فيحمد ربه على انه لم يخلقه امرأة , فيخلق بذلك ميزة له من خلالها يتفوق بها عليها بعد ان يشعر بعجزه في احيان كثيرة عند خروجه للشارع .
بعد ان يأخذ هذا الزوج حمامه المهيأ له ويرتدي ملابسه النظيفة والمكوية بعناية يجلس هو واضعا رجلا على رجل ينتظر طعامه بعد ان تُهيأ له زوجته مستلزمات الهدوء من ابعاد الأطفال عنه ليتناول طعامه بمتعة , بعدها يذهب لفراشه ليأخذ قيلولته فتتحمل هي مسئولية الهدوء ومنع الأصوات المزعجة عنه ليستمتع بنوم مريح , ثم بعدها ينهض ليرتدي ملابسه التي اعدتها له بعناية ويخرج بعد هذه القيلولة ليجدد نشاطه ويُمتع مزاجه ويزيل الملل الذي يحيطه من جدران البيت , ليلتقي بصديقه الرجل الذي يشبهه عقلا , أما امرأته فهي الجسد له والنقيض العقلي بعد ان سلبها مجتمعها ذلك العقل معتبراّ اياها جسداّ لمتعة الرجل فقط .
كثير من الفتيات تنتابهن مثل هذه الأسئلة ولكنها تتبدد بقساوة وجبروت القوانين والسلطة التي تريد للمرأة هكذا حياة .
سؤالي هو : كيف تستطيع هذه الزوجة في ظل هذا النظام العبودي أن تبدع في عمل ما او تُنمي أي موهبة تمتلكها ؟ كيف سينهض مجتمع نصفه مشلول القدرات مُسخر لأعمال تشل كل فكر لديه ليصبح مجرد روبورت لقضاء احتياجات النصف الثاني منه ثم قضاء احتياجات الأطفال الجسدية دون العقلية ؟ هي غير قادرة على ان تنمي فكرها ولا مجال لها للابداع في خضم حياتها هذه , والنتيجة ستفقد هذه الزوجة جميع قدراتها وستؤثر على ابنائها وتربيتهم بعد ان تصبح مجرد ماكينة للتفريخ ولعمل يومي بلا ارادة ولا فكر, مرعوبة دوما من زوجها وتحاول ارضاءه كونه ولي نعمتها, ليكون دورها مقتصرا على خدمته خوفا من طلاقها فمن حقه ان يطلقها ولأسباب كثيرة منها ما يستطيع ان يفتعلها بسهولة , لكن لا يحق للزوجة ذلك ولو طلبت التفريق فلها ان تتحمل نتائج عملها الغبي من جهد ووقت واموال تستنزفها منها المحاكم , ومن ثم الفشل وبعدها يأتي دور التهديد من قبل الزوج فله حق تأديبها واهانتها , ولهذا السبب لا تجرؤ غالبية النساء على هذه الخطوات مهما قسى عليهن الزوج وخصوصا بعد ان هدرت حياتها متوكلة على هذا الزوج الذي اعطته حق امتلاكها من خلال اعالتها دون الأعتماد على نفسها .
هذه العلاقات ارتكزت على اساس الحب الجسدي بدون وعيا بها وبأرادة منعدمة معتمدة على الغريزة فقط , وبهذا قد تقدمنا شكلا بالزمن ورجعنا للخلف قرون .

تقوم علاقاتنا على اساس الحب المريض والتفرقة بين الجنسين اي المالك والمملوك , وتقوم على اساس الطاعة للرجل المعيل سواء من الزوجة او الابناء ولكنهم خسروا ارادة ابنائهم وابداعهم ومن ثم حياتهم باكملها , بمعنى الخسارة لثلاث ارباع مجتمعنا .
اليوم خرجت أغلب النساء للعمل واستقلت ماديا ولكن لن تستطيع الأستقلال فكرياّ من هذا الموروث االبليد, فبالأضافة الى اعمالها المنزلية اصبحت تعمل خارج المنزل بعد ان اضطر الرجل لأعانة المرأة له ولكن لا يحق لها ان تتصرف بمالها الذي تجنيه ايضا فهو حكراّ لذلك الزوج فازداد عبأها اكثر .

فلا ينصلح حال مجتمع الا بثورة على القانون الفاسد من خلال السلطة التي تتحكم بأنسانيتنا .

ابداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا بهم نهزم التخلف وننصر الأنسانية
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

About فؤاده العراقيه

كاتبة عراقية ليبرالية
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.