بعض من حكايات جدتي عن ذلك الزمان الاغبر

محمد الرديني

قالت جدتي في قصة ما قبل النوم للبالغين فقط..
مر ذات يوم على ولايتنا رجال ملتحين اصحاب بشرة سوداء او بنية داكنة وبعضهم يمسك بيده حبات خرز طويلة وآلاخر وضع شيئا على رأسه حسبناها تقيهم من الشمس ولكن ظهر بعد ذلك ان لهم بها مآرب اخرى.
وكانت الشمس في تلك الايام ساطعة بل محرقة حتى انهم سألوا بعضنا عن سبب شدة الحرارة فقالوا لهم انه موسم الصيف ايها السادة فردوا ساخرين : الاتملكون مكيفات الهواء البارد ايها القوم فاجابوا: ليس لدينا كهرباء.. فردوا ايضا ساخرين ولكنكم تملكون المهفات والاشجار المضللة فقالوا لهم اذهبوا عنا فيبدو انكم جئتم مباشرة من وادي اهل الكهف رغم ان كلبكم لم يكن معكم.
في المساء كان القمر قد سمع الحوار كله فراح مسرعا الى الشمس ليسألها عن سر غضبها على هؤلاء القوم ولماذا تشويهم بالحرارة وما هم بكافرين.
فقالت الشمس : اسمع ياهذا انا مجرة صغيرة ولدي ثمانية كواكب فقط وهناك شموس اكبر مني تضم ملايين المجرات وكل مجرة تضم ملايين الكواكب وكلها ترفع شعار لاتغير الشمس من حرارتها حتى يغير الناس مافي قلوبهم.
فسال القمر عن هذا اللغز فردت الشمس:
-ان حرارتي تغطي الارض كلها واذا كانت ساخنة على هؤلاء القوم فلأنهم لايحسنون التصرف ويتصرفون مثل السواح في بلادهم.
الح القمر مجددا لكي يفهم فقد عصى عليه ماتريد الشمس قوله.
– صاحت الشمس: لو عندي حرارة أشد لالهبت بها رؤوس هؤلاء القوم اكثر.. الايملكون ما انعم الله به عليهم ليتقوا حر الصيف وبرد الشتاء.. لماذا يمشون حفاة على ارض ساخنة مترعة بالنعيم.. لماذا يضعون على رؤوسهم اغطية بلا لون ليتقوا بها حرارتي وقد خٌلقت لهم عقولا بها يستثمروا اموالهم ويسعدوا حالهم.
رد القمر: ولكنك تعرفين الحال فالرجال هنا قد اعيتهم وعثاء السفر وما لهم طاقة ليستعملوا عقولهم بعد ان سلبها منهم القوم الاعلون.
– غضبت الشمس مرة اخرى: وما ذنبي انا اذا كانوا يرون الباطل ويغضون الطرف عنه.. هل سمعت كم يملك هؤلاء الذين يعيشون في مركز الولاية؟
-لا .. لم اعد اسمع شيئا.
-يقال والعهدة على القائل وهو مقرّب من اولاد عم هؤلاء القوم ان ثروات القوم الخرافية وزعت على ما يسموهم القوى السياسية بالشكل الآتي:
– هنا صاح القمر:: ارجوك ، لا اريد ان اسمع فقد كفاني ما انا فيه اذ لم يعد الشعراء يتغنون بحسني وجمالي ولم يعد للحبيب حبيبة ولا للشاب وجه قمر مثل وجه محبوبته.
-كل هذا سيعود اذا عرفت.. اسمع اذن:
هناك فرق شاسع بين هؤلاء القوم ومسؤوليهم، وهؤلاء المسؤولين يملكون الان 700 مليار دولار مقسمة كالآتي:
رئيس مجلس البرطمان العراقي الذي تحرس بيته ثكنة عسكرية مجهزة باحدث الاسلحة يملك 24 مليار ان لم تزد قليلا.
-التحالف الكردستاني يملك الرقم الاعلى في عدد الاثرياء فثروات اعضائه تبلغ 300 مليار دولار وهناك خمسة مسؤولين كرد يملكون اكثر من ثلثي هذا المبلغ و10 آخرون يملكون الثلث المتبقي منه.
-ان 24 مسؤو لا من دولة القانون وهم اما نوابا او مسؤولين يملكون ثروة قدرت ب210 مليار دولار مقابل 25 مسؤولا في العراقية يملكون 180 مليار دولار.
واضافت الشمس عن مصدر له علم اليقين: ” ان قرابة 60% من المسؤولين العراقيين لم يطبقوا قانون كشف الذمم المالية لكل مسؤول قبل وبعد تسلمه اي منصب حكومي تشريعي او قضائي او تنفيذي”.
وهذه الثروات الضخمة للمسؤولين العراقيين الجدد هي من تقف بالضد من اقرار قانون الاحزاب الذي يضم في فقراته مواداً تطالب بوضوح تحديد جهة التمويل.
سكتت الشمس ولطم القمر على خده وقرر الكسوف ثم الخسوف ثم الاعتكاف.
فاصل غذائي من بطران:” بحسب خبراء قانونيين فإن هذا يعدُّ خرقاً وانتهاكاً للدستور لا يحاسب عليه المسؤول المتهرب فحسب، بل هيئة النزاهة وهيئة المساءلة والعدالة، لأن هذا الامر من اختصاص تلك الجهات وواجب عليهم تنفيذه.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.