برهان غليون .. بعثيٌ ( مُمانع ) في الخرطوم .. حقوقيٌ ( مُناضل ) في دمشق !! : ـ

ما إن أصدرت محكمة الجنايات الدولية عام 2009 م مذكرة إيقاف بحق عمر البشير على خلفية إتهامات له بإرتكاب جرائم قتل mmgوتعذيب وإغتصاب بدارفور حتى سارع الفارس الليبرالي الحداثي المستنير السربوني الجهبذ برهان غليون مُمسكاً بقلمه ، مُطلقاً العنان ليراعه ، دالقاً الأحبار ، مُسطراً الأفكار ، دفاعاً عن البشير وذبّاً عنه ناعتاً إيّاه بأحد حصون ( الممانعة العربية ) ودعاة ( الشريعة الإسلامية ) المستهدَفين من قبل الغرب الذي يغض الطرف ـ حسب تعبير غليون ـ عن مايحدث من مجازر في غزة وفي لبنان .
مؤكداً ـ أي غليون ـ أنّ البشير هو الضمان وصمامة الأمان ( لوحدة السودان ) وإستمرار خطِّه ( التنموي الإقتصادي ) الذي إستنه منذ عام 1989 م ، واصفاً ـ أي غليون ـ تقارير لجان أبناء دارفور القانونيين ـ الذين عكفوا عليها طيلة ثلاث سنوات جامعين فيها الأدلة المادية والتسجيلات الصوتية ، مُعِدِّين فيها الشهود ومرحليهم إلي أماكن آمنة في الخارج ، جامعين الوثائق والصور والتي أشارت وبوضوح إلى إرتكاب جرائم حرب وإباداة جماعية وتطهير عرقي تمت على أيدي مليشيات البشير الإسلامية ، واضعين كلّ ذلك أمام المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الذي وضعها بدوره أمام محكمة الجنايات الدولية فأصدرت الأخيرة المذكرة التوقيفية بناءً عليها ـ اقول يصف كل ذلك برهان غليون ( بالمبالغة في تصوير حجم الجريمة ) التي أسفرت عن مقتل نصف مليون معظمهم من المدنيين في دارفور .

حينها أمسكنا علينا أقلامنا وقراطيسنا ، وآثرنا الصمت إمعاناً منا في التريث وقد إلتمسنا العذر لمفكرنا المستنير الحداثي السوربوني بإعتبار وقوعه تحت تأثير الإستقطاب الإسرائيلي / السوري ومايتبع ذلك من ( تهيؤات ) المؤامرة الصهيونية الماسونية الصليبية الغربية ، علاوة على بُعده عن واقع فسيفسائية الوضع السوداني المتشعبة ، وقد قلنا أنّ من الأفضل أن نتوسم في الرجل حسن النية ونقاء السريرة والجهل بأبعاد الأزمة بدلاً من نعته بالقابض للثمن أو بمثقف السلطان .

أما الآن وقد حصحص الحق وشربت سورية من ذات الكأس الذي تجرَّع سمومه أبناء دارفور ، كأس الإستبداد الأسدي والتطهير الطائفي ودكّ القرى وحرق قاطنيها وقصفهم وتشريد الالاف بذات الذريعة التي تزرّع بها البشيرعندما فعل المثل بالسودانيين وصدقها غليون ـ أو هكذا يزعم ـ ذريعة أنّ بلاده خط مواجهة للعدو الصهيوني الغربي لذلك لا مجال للحديث عن أبعاد الازمة الإنسانية .
واما وقد إستبانة سريرة الرجل وأفصحت عن نفاق وكذب وتدليس عندما وقف بمنتهى الصفاقة والبجاحة يوم أن ذبح البشير شعبه مُتعاطفاً مع هذا الأخير وهاهو بشار الأسد يفعل المثل بأهل غليون دون أن يقف الأخير ذات الموقف ـ وكأنّ دماء أبناء دارفور أرخص من دماء أبناء حمص ـ فقد حُقّ لنا أن نمتطي بدورنا الأسافير ، ونسرج الكيبورتات ، رداً وذبّاً عن أبناء دارفور الغراء ودفاعاً عن حقهم في الحياة والديموقراطية والعيش الكريم الذي لايقل عن حق أبناء درعا أو حمص أو دير الزور أو ريفي دمشق وحلب وأطفال الحولة مقدار ذرةٍ من خردل ، فإلى مضارب الرد الذي لن نذكر فيه أو نتحدث عن نسب الفقر التي تجاوزن ال90% منذ عام 1989 أو تضخم العملة والإنهيار الإقتصادي التام في فترة البشير أو إنفصال الجنوب الذي كان البشير ( صمام وحددة السودان كما وصفه غليون ) أوّل المباركين له .

بل سنكتفي بكشف نفاق غليون وإزدواجية معاييره الباهتة .
فقد إندلعت الإنتفاضة في سورية بعد ثلاث سنوات فقط من مذكرة توقيف البشير والتي وقف على إثرها مفكرنا الهمام وأحد فرسان الحداثة والإستنارة الاشاوس ـ برهان غليون ـ منصباً نفسه قلب دفاع للنظام الثيوقراطي الظلامي الإستبدادي الذي يُعتبر نظام البعث نظاما ديموقراطياً على الطريقة السويدية إذا ما قورن به ، وإنبرى للدفاع عن حصن ( الممانعة العربية ) حسب وصفه آية الله عمر البشير ، ضارباً بعرض الحائط مبادئه السوربونية الحداثوية النبيلة .

إندلعت بعد ذلك بثلاث سنوات فقط الإنتفاضة المسلحة في سورية كما في دارفور ، بل وبدرجة تكاد تكون كربونية الشبه بها ، وضد حصن آخر من حصون ( الممانعة العربية ) ـ حسب مفهوم غليون نفسه للممانعة ـ بل مؤسسها وموطِّد أركانها ومُرسي دعائمها حزب البعث العربي الاشتراكي السوري ، المدعوم بقوى مستهدفة كما النظام السوداني ـ ( التنموي الوحدوي المتطلع لتطبيق الشريعة ) حسب وصف غليون ـ قوى مثل حزب الله وايران وحماس وحركة امل .

جميع الأوضاع والمعطيات كانت توحي بأنّ الفارس السوربوني سيقف ويكرِّر موقفه الداعم لخط ( الممانعة العربية ) وسيمتشق حسامه المهند في وجه ذوي المعايير المزدوجة ـ التي تغض الطرف عن مجازر لبنان وغزة وأصبحت مقضوضة المضاجع بسبب مايحدث في سورية ـ كما وقف مع النظام السوداني .
ولكن مفكرنا السوربوني الطائفي العنصري الشوفوني الفاشستي ـ الذي لايرى في أطفال دارفور الذين أُحرقوا أحياء إلاّ عبيداً يقفون عقبة كأداء ومتراس صلب في وجه مشروع الممانعة العربية الإسلامية البشيرية الغليونية ـ أقول لم يقف هذه المرة برهان غليون مع الممانعة الأسدية البعثية العربية السورية ، بل وقف منادياً من سماهم سابقاً ـ بذوي المعايير المزدوجة الذين يعمهون عن مجازر غزة ولبنان ـ للتدخل بسوريا ، ربّما لأنّه يعتقد أنّ الممانعة هذه المرة علوية رافضية وهو السني التَقّي الورِّع سليل الفرقة الناجية من النار ( أهل السنة و الجماعة الأبرار) وهي ذاتها جماعة عمر البشير .

إنّ كلّ مايُرتكَب من مجازر في سوريا وإنتهاكات لحقوق الإنسان لا تزيد إن لم تقل وثوقيةً مما هو مثبت بحق ممارسات البشير في دارفور ، ورغم ذلك لم يقل السوربوني صاحب المنهج العلمي التحليلي الدقيق أنّ ثمّة إحتمال ـ ولو مجرد إحتمال ـ بأنّ مايحدث في سورية قد يكون ( تضخيم للجرائم ) كما أكد الأمر في حالة جرائم البشير الموثقة قانونياً و بشكل أكثر إنضباطاً ودقة ، رغم أنّ الأسد ( ممانع ) أقدم وأشرس من البشير ، وبالتأكيد عربي ـ بمنطق اللون المرجح لكفة العروبة عند أهلها ـ أكثر من البشير ، بل ذهب غليون إلى أنّ ما حدث ويحدث في سورية هي حرب ضارية تُشن على السوريين من قبل الأسد بغرض القضاء على تطلعاتهم نحو الديموقراطية!

قتل البشير ـ حصن الممانعة العربية الإسلامية ـ في دارفور وحدها أكثر من نصف مليون وفقاً لتقارير الأمم المتحدة الموثقة حتى قانونياً ، بل إنّ البشير نفسه إعترف أنّ الضحايا بالالاف ، وقتل حصن الممانعة العربية البعثية ـ وفقاً لتقارير الأمم المتحدة ذاتها ـ مائة الف إلى الآن ، ورغم ذلك فإنّ غليون ـ الذي أدان ونعى إزدواجية المعايير الغربية ـ يدين بذات المعايير المزدوجة الأسد ويناصر البشير !!!!! .
مليشيات الإسلاميين البشيرية ذات الغطاء السوربوني الغليوني ذبحت وحرّقت ودمّرت وخرّبت وشرّدت الملايين ، ومليشيات البعث في سورية فعلت المثل ويشاركها الإسلامييون المعارضون المُبارَكون من قِبَل غليون السوربوني ، ورغم ذلك يدين غليون الأسد الذي يستأسد في وجه الإسلاميين كما يستأسد في وجه شعبه ، ويناصر البشير الإسلامي الذي يستأسد في وجه شعبه .
على الأقل ثمّة مبرِّر لليبرالي الحداثي للتعاطف مع الأسد ـ وهو من وجهة نظري مبرِّر واهي وباهت بالطبع ـ ولكن دعنا نتعاطى معه رغم بهتانه ، أي مبرِّر أنّ الأسد يُحارب الإسلاميين ، ولكن ما مبرِّر غليون الليبرالي الحداثي لمناصرة البشير الإسلامي وبالمقابل إستعداء الأسد المحارب للإسلاميين عسكرياً ( وليس معرفياً بالطبع ) ؟

أنا لا أرى من مبرِّر إلاّ أنّه ( قبض الثمن ) إمّا من حماة البشير ( الخليجين ) ، أو ربّما من البشير نفسه . أنا لا أرى من مبرِّر إلاّ عنصرية غليون تجاه أطفال دارفور السود الذين يبدوا مشهدهم وهم مذبوحين أو صدورهم بارزة العظام وألسنتهم يعلوها الذباب من الجوع مشهداً مألوفاً وطبيعياً بالنسبة للرجل الغليوني الأبيض ومنظر الأطفال البيض المذبوحين هو الأمر الغريب والمنكر . أنا لا أرى من مبرِّر سوى أنّ مثقفنا السوربوني يرى ـ وبمنتهى الطائفية ـ في البشير حاكم سني وفي بشار حاكم علوي رافضي ..

سيدي المثقف الليبرالي الحداثي المستنير غليون إن لم تكن تلك مبرِّراتك لتناقض كلا الموقفين من بشار والبشير فما هو الفرق من وجهة نظرك بين البشير والاسد ؟
ما الفرق بين البعث السوري والحركة الإسلامية السودانية ؟
ما الفرق بين أطفال الحولة وأطفال دارفور ؟
ما الفرق بين الدم الأسود والدم الأبيض ؟
ما الفرق بين هولوكست سورية البعثي وهولوكست السودان الإسلامي ؟
ما الفرق بين قاتل يُقدِم على القتل بدوافع طائفية كبشار ، وبين قاتل يُقدِم على القتل بدوافع دينية وعرقية ؟
لماذا تطالبنا أن نتعاطف مع أطفال مجزرة الحولة وأنت تُبارك مذبحة أطفال دارفور ؟

سنتعاطف بالطبع مع أطفال الحولة ومع ضحايا المجازر البعثية والإسلامية في سورية لأنّنا لسنا عنصريين مثلك .
سنتعاطف مع دعاة الديموقراطية في سوريا وسندين دعاة الإستبداد البعثي والإسلامي سيان ، وبذات المقدار ، لأنّنا أخلاقيون ولسنا قابضين لأثمان ما تخط يراعنا .
سوف لن نتعاطف مع بشار نكايةً بك ، ولن نتعاطف مع الإسلاميين دعماً لك في سورية ، ولكنّنا سنتعاطف فقط مع السوريين الأشراف الذين يدينون بوجدان صادق مجازر البشير في دارفور، وتشرئب أعناقهم وتتطلع وتستشرف آفاق ديموقراطية حقيقية لا تصنعها لهم قطر او السعودية ، وإنّما يصنعونها بكفاحهم الوطني ونضالهم الشرس ضد عصابات البعث والإسلاميين ، ضد ملالي إيران المعتوهين الذين يريدون السيطرة على العالم ، وضد مشائخ الخليج المخنثين الذين يريدون أن يشتروا العالم .
هذا هو الفرق بيننا وبينك سيدي السوربوني .. لسنا عنصريين ولا فاشستيين ولا طائفيين ولا نكيل بمكيالين ولا قابضي الدراهم القذرة البترودولارية ، لذلك الدم عندنا كلّه حرام ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !

محمد ميرغني – مفكر حر

About محمد ميرغني

محمد ميرغني ، كاتب ليبرالي من السودان ،يعمل كمهندس معماري
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.