الولايات المتحدة ليست سبب الفوضى السورية

 آرون ديفيد ميلر : الشرق الاوسط

من الذي أضاع سوريا؟ تشير تعليقات بعض أعضاء الكونغرس الأميركي والمحللين والصحافيين، وحتى هيئة تحرير صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، إلى أنه لا يوجد أدنى شك في أن من أضاع سوريا هو الرئيس السوري بشار الأسد وسياساته الدموية، ولكن مأساة سوريا تعد أيضا نتيجة مباشرة لفشل ذريع في القيادة من جانب المجتمع الدولي والولايات المتحدة على وجه التحديد. ومع ذلك، لا تمثل القضية السورية إخفاقا تاما للرئيس الأميركي باراك أوباما، فهي ليست «رواندا»، على أي حال (في إشارة إلى تباطؤ أوباما في التدخل في حرب رواندا).

 وتعتبر فكرة أن أي أحد سوف يفوز بسوريا أو يخسرها، أو أن الولايات المتحدة يمكن أن تحدد شكل النتيجة النهائية التي ستؤول إليها الأمور في سوريا، هي فكرة تليق بمنهج التسلط المتعجرف والتحليل المعيب اللذين أدخلا سوريا في متاعب جمة في منطقة الشرق الأوسط على مر السنين.

 ومن بين مميزات الربيع/الشتاء العربي أن الشعوب العربية باتت هي من تملك إرادتها وتحدد سياستها، مهما كان الثمن، وكثيرا ما كان من المؤلم مشاهدة هذا الشعور بالتملك – فالديمقراطية لا تعني الليبرالية – إلا أن هذا الشعور قد أضفى السلطة والشرعية على الاضطرابات السياسية التي تجتاح المنطقة منذ أواخر عام 2010. وهو ما يعني أن ما يحدث هو تغيير حقيقي وبإرادة الشعوب نفسها. ولم تتدخل الولايات المتحدة أو إسرائيل في الاضطرابات والتغييرات التاريخية التي سادت منطقة الشرق الأوسط، ولا ينبغي لهما أن تقوما بذلك.

 يطالب البعض بضرورة التدخل العسكري في سوريا أسوة بما حدث في ليبيا، ويقولون: إن الولايات المتحدة قد ساعدت الثوار على التخلص من القذافي، فلم لا تقوم بنفس الشيء في سوريا؟

 في الحقيقة، ثمة ثلاث حقائق مترابطة مع بعضها البعض يجب توافرها أولا قبل تدخل واشنطن في الأزمة السورية، وتتمثل أولى هذه الحقائق في وجود إجماع دولي على ضرورة التدخل في ليبيا، وتحديدا من خلال الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي، أما الحقيقة الثانية فهي أن ليبيا كانت ضعيفة من الناحية العسكرية، فقد كان نظامها ضعيفا ولم يكن لديه نظام دفاع جوي قوي، كما لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل ولم يكن لديه أي حلفاء، أما الحقيقة الثالثة فتتمثل في أن الثوار الليبيين سيطروا على مناطق منفصلة، بحيث أصبح تنظيمهم أكثر سهولة.

 وتختلف الأوضاع في سوريا اختلافا كليا عما كانت عليه في ليبيا، وذلك بسبب وجود عوامل متعددة ومتقلبة تؤثر في الأزمة السورية تتمثل في الحرب الأهلية والعنف الطائفي والتدخل من جانب القوى الأجنبية. يرى البعض أن الولايات المتحدة هي التي خلقت هذه الفوضى، ربما كان هذا صحيحا ومنطقيا لو كان هناك خيارات جيدة للتدخل في وقت مبكر لتجنب المصير الذي آلت إليه البلاد، ولكن هذا لم يكن موجودا بالطبع، رغم أنه كان يمكن للولايات المتحدة أن تقدم مزيدا من المساعدات الإنسانية، وكان يمكنها أيضا أن تلعب دورا أكثر إيجابية وفعالية في وقت مبكر للمساعدة في تنظيم المعارضة بشكل أفضل، حتى وإن كان بشكل سري.

 منذ اندلاع الصراع في بداية عام 2011، كانت كل المعطيات تؤكد على المخاطر التي قد تواجه أي تدخل عسكري أميركي في سوريا، وذلك بسبب قوة الجيش السوري وقيام حلفاء سوريا – روسيا والصين – بعرقلة قرارات مجلس الأمن، وكذلك قيام طهران بدعم نظام الأسد بالمال والسلاح، وتصميم الأسد على القيام بأي شيء من أجل البقاء مهما كانت النتائج، ونجاحه في إحاطة نفسه بدائرة من المسؤولين العسكريين والأمنيين والاستخباراتيين العلويين، وهو ما يعني أن الخيارات العسكرية لم تكن كافية لإسقاط النظام أو مساعدة الثوار على تحقيق النصر.

 ويكفي أن نعرف أن سوريا بحاجة إلى ضغط عسكري مباشر، وبالأحرى هجوم جوي وصاروخي، من أجل إيقاف الهجمات التي تشنها قوات النظام ضد الشعب السوري فقط، فما بالنا بما تحتاجه من أجل إسقاط نظام الأسد برمته؟ في الحقيقة، لم يتم وضع ذلك في الاعتبار بصورة جدية، كما أن تسليح الثوار وفرض منطقة «حظر جوي» في سوريا لا يشكلان سوى أنصاف حلول تحمل الكثير من المخاطر ولا يمكن التنبؤ بعواقبها، خاصة في ظل قلق الولايات المتحدة من قيام روسيا وإيران بتزويد نظام الأسد بمزيد من الأسلحة. ولم يكن بمقدور الولايات المتحدة الضغط أكثر على روسيا بشأن الأزمة السورية، وذلك لأن واشنطن تسعى لأن تساعدها موسكو في الضغط على طهران بشأن البرنامج النووي الإيراني.

 والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هي الجهة التي يتعين على الولايات المتحدة تسليحها؟ فبمجرد أن تقوم الولايات المتحدة بدعم وتسليح مجموعة معينة من الثوار، ستكون واشنطن مسؤولة عن تصرفاتها وأفعالها. قد يكون لبعض الدول المجاورة مصلحة ما في تسليح السنة في سوريا، ولكن ما مصلحة الولايات المتحدة في ذلك؟ وفيما يتعلق بالأكراد، لم تمنع الولايات المتحدة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من التدخل العسكري في سوريا، ولكن أردوغان وجد معارضة شديدة من جانب الشعب التركي ومن 15 مليون علوي يعيشون في تركيا ويشكلون جزءا من الشعب التركي.

 باتت المشكلة السورية معقدة للغاية نتيجة لأنهار الدماء التي سالت، ولذا لا يمكن تخيل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض بين النظام والمعارضة، ومع ذلك لم تكن هذه الأهوال كافية لحث المجتمع الدولي المنقسم على نفسه والذي يبحث عن مصلحته في المقام الأول، للتدخل لوقت إراقة الدماء.

 لا يعلم أي شخص ما الذي سيحدث لو تدخلت الولايات المتحدة بشكل أكبر في هذا الصراع، ولكن إلقاء اللوم على واشنطن والإشارة إلى أن إدارة الرئيس أوباما جعلت الأمور أسوأ في سوريا يعني أننا لم نفهم الطبيعة القاسية للمأساة السورية وحدود القوة الأميركية والأولويات الوطنية للولايات المتحدة، ولا سيما أنها خرجت للتو من حربين خارجيتين تعدان الأطول في تاريخها، وكانت تسأل نفسها «متى يمكننا أن نغادر؟» بدلا من «هل يمكننا أن ننتصر؟».

 وقد أظهرت آخر استطلاعات الرأي حول التدخل الأميركي في سوريا أن الشعب الأميركي يفهم ذلك جيدا، حتى وإن كان هذا غير مفهوم لأولئك الذين يطالبون واشنطن باتخاذ خطوات أقوى. ليس مطلوبا من الولايات المتحدة السيطرة على التاريخ برمته، أو السعي لحل كل مشكلات العالم وتعقيداته، بل يتعين على واشنطن ترتيب بيتها من الداخل قبل أن تسعى لإصلاح الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

 * نائب رئيس المبادرات الحالية بمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين ومستشار وزراء الخارجية الديمقراطيين والجمهوريين فيما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط، ومن بين مؤلفاته كتاب «هل يمكن أن يأتي رئيس عظيم آخر للولايات المتحدة؟»

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.