الفكر الإسلامي بين الانتقائية والتحايل والسذاجة: محمد الغزالي نموذجا 4

عبد القادر أنيس

أواصل في هذه المقالة الرابعة قراءة كتاب محمد الغزالي (حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة).
تتناول هذه الحلقة فصل: “حق الحياة والسلامة والأمان” في الإسلام من وجهة نظر الغزالي. (ص 38- 44).
كتب: “وهب الله نعمة الحياة للإنسان، وجعل حياطتها كلا وجزءا، وصيانتها مادة ومعنى في طليعة الأهداف التي أبرزها الدين، وتحدث فيها الرسل مبشرين منذرين”.
هنا يتوجب علي أن ألفت نظر القارئ إلى أن المقصود بالإنسان، عند الشيخ الغزالي، كما استنتجت ذلك هو الإنسان المسلم، كما سنرى، رغم أنه يستفيق بين صفحة وصفحة فيستخدم لفظ الإنسان للخداع فقط، ولكن سرعان ما تعود حليمة إلى عادتها القديمة ويعود الشيخ لمقصوده، وفاء لدينه، إن لم يكن رهينة هذا الدين.
يواصل الشيخ: “ولا عجب فإن شقاء حيوان وإزهاق روحه ظلما يعده الله العدل الرحيم جريمة يدخل فيها الإنسان النار.”
حجة الشيح حسب قول نبيه: “دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض”
قصة هذه المرأة التي دخلت النار لأنها حبست قطة قلما يخلو كتاب من كتب المناهج التربوية منها، كذلك لا يمل رجال الدين من تكرارها على مسامع الناس في كل مناسبة وفي غير ما مناسبة، ومع ذلك فما أشقى الحيوانات عندنا شأنهم شأن البشر. بل هناك تمييز بين الحيوانات من حيث النفع والضرر فيبيح الشرع قتل الضار منها مثل الأفاعي وهناك تمييز في اللون تماما مثل التمييز العنصري عند البشر. ففي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية نقرأ: “فإن الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كثيراً، وكذلك بصورة القط الأسود، لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره وفيه قوة الحرارة” .
فماذا يقول الغزالي في كلام مقيت كهذا (لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية)، وهو يعرف أن البشر أيضا فيهم السود الذين يعدون بعشرات الملايين، وحتى القرآن ذم هذا اللون في قوله: (يوم تَسْوَدُّ وجوهٌ وتَبْيَضُّ وجوه) فأعطى للون الأسود قيمة سلبية عكس اللون الأبيض. وقد أمر محمد بقتل الكلب الأسود: (عليكم بالكلب الأسود) لأنه شيطان يبطل الصلاة كما ورد في حديث: (يقطع الصلاة : المرأة والحمار والكلب الأسود…)
وبعد ذلك يكتب الغزالي: “أرأيت كيف أن إراحة حيوان وحفظ حياته باب إلى رضوان الله؟ وكيف أن إتعاب حيوان وإهدار حياته باب إلى سخطه؟).
طبعا لا نعدم في موروثنا الديني والأدبي أحاديث وأمثال تحض على الرأفة بالحيوان، كما نجد عكس ذلك أما أن يمارس شيخنا الانتقاء ويقدم دينه للعالم كبديل متفوق على المواثيق الدولية الحديثة المحكمة حول حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحتى حقوق البيئة وكلها من ثمار الحداثة، فهو نوع من التحايل والخداع وبطريقة ساذجة الهدف منها التقليل من شأن قيم الحداثة وتثبيط عزائم المسلمين في المطالبة بها.
نواصل مع هذا الشيخ (الفاضل) كما كان يقدم في تلفزتنا لسنوات طويلة وساهم بجدارة في تخريج أفواج الإرهابيين، يقول: “إن القرآن الكريم يعد إزهاق الروح جريمة ضد الإنسانية كلها.. (إنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).
الإنسانية والناس في عرف الغزالي تنطبق على المسلمين فقط مهما حاول استغفالنا. الدليل على ذلك أنه بارك قتل المفكر فرج فودة بحكم أنه مرتد رغم أن الرجل لم يصرح أبدا بأنه مرتد. ننقل من موقع إسلام أون لاين هذه الفضيحة لرجل يكذب علينا عندما يكتب في هذا الكتاب وهو يقول: (والمسلم وغير المسلم سَواء في حرمة الدم واستحقاق الحياة).
جاء في هذا الموقع: ” وقام بعض الشباب باغتيال فرج فودة، وكان لزاما على المحكمة أن تقول كلمتها فيهم، بعد أن قال محاموهم بأن فرج فودة مرتد عن الإسلام، والمرتد يُقتَل في الإسلام. .
“واستدعت المحكمة الشيخ الغزالي، وأفتى بجواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا افتياتا (تعديا) على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة، وهذا يعني أنه لا يجوز قتل من قتل فرج فودة.
“فقامت الدنيا ولم تقعد بعد شهادة الشيخ الغزالي، واتُّهم الرجل بألسنة حِداد أَشِحَّة على الخير مِنْ أناس لم يستقر الإيمان في قلوبهم، فضلا عمن يعادي منهج الإسلام.
“وذهب وزير إلى بيت الشيخ، وطلب منه أن يصرح أو يكتب مقالا يفسر به موقفه من قضية فرج فودة، لكن الشيخ أصر على موقفه، وعاد الوزير مرة ثانية يلح على الشيخ، فأجابه: أنا لم أكتب مقالا في صحيفة، ولا ألقيت خطبة في جامع، ولا محاضرة في جمعية، ولكني استدعيت للشهادة أمام محكمة، فشهدت بما أعتقد أنه الحق الذي أدين الله به وألقاه عليه، فإذا كان في شهادتي بعض الغموض فلتدعني المحكمة مرة أخرى، وأنا أشرح لها موقفي) عن كتاب (الشيخ الغزالي كما عرفته، ص: 271-275، للدكتور يوسف القرضاوي).
http://www.islamonline.net/arabic/In_Depth/Ghazaly/articles/07.shtml
هذا الكلام كتبه صديقه القرضاوي وهو عندي أصدق تعبير عن حقيقة الغزالي، بينما القرضاوي يحاول الدفاع عنه بخبث وبطريقة مخادعة: فالإرهابيون تحولوا بقلم القرضاوي إلى (بعض الشباب) فقط وليس إرهابيين أو على الأقل مجرمون خارجون عن القانون، والإرهاب الأعمى تحول عند القرضاوي إلى مجرد افتئات على سلطة الدولة فقط، واحتجاج الصحافة والمفكرين وبعض الرأي العام على الموقف التبريري للإرهاب الذي تبناه الغزالي أغضب القرضاوي وهو ما يعني قوله (فقامت الدنيا ولم تقعد بعد شهادة الشيخ الغزالي، واتُّهم الرجل بألسنة حداد أشحة على الخير مِنْ أناس لم يستقر الإيمان في قلوبهم، فضلا عمن يعادي منهج الإسلام).
ولا يخفى ما في كلام القرضاوي من تحريض إرهابي واضح عندما يتهم المنددين بموقف صديقه الغزالي بأنهم (أناس لم يستقر الإيمان في قلوبهم، فضلا عمن يعادي منهج الإسلام). فيتحول المجرم إلى ضحية والضحية إلى مجرم.
المأساة في هذه الفاجعة أن موقف الحكومة المصرية كان موقفا متخاذلا جبانا إن لم يكن متواطئا إلى أقصى الحدود وبدل أن يُقدَّم الغزالي للمحاكمة بتهمة التحريض على الإرهاب، نرى وزراء هذه الحكومة يعظمون من شأنه ويتملقونه ليحفظوا ماء وجوههم أمام الضمير العالمي.
هل بعد هذا تقام الدنيا ولا تقعد عندما يفشل وزير مصري فيما بعد في اعتلاء رئاسة اليونسكو رمز الثقافة والعلوم والفنون وحريات التعبير والإبداع والاعتقاد وكأنه من السهل خداع العالم مثلما يجري خداع شعوبنا في بلداننا.
ونعود لموضوعنا لنقول إنه مهما حاول الغزالي توسيع مفهوم الإنسان في كتابه فهو لا يتعدى الذمي المسيحي واليهودي على استحياء موغل في النفاق من قبيل نفاق حوار الأديان، أما غيرهما من البشر فلا حديث. نفهم هذا من الأحاديث النبوية التي يستشهد بها:
(ظهر المسلم حمى إلا بحقه)- (من جرد ظهر مسلم بغير حق ألقى الله وهم عليه غضبان)- (لَزَوالُ الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم). ولا بأس أن يورد الشيخ أحاديث أخرى من قبيل (من قتل قتيلا من أهل الذمة حرم الله عليه الجنة) أو (من قتل مُعاهدا لم يرح رائحة الجنة).
أما أن يغزو المسلمون بلدانا ويُخيروا أهلها بين الاستسلام والخضوع للاحتلال ودفع الخراج والجزية وهم صاغرون، وإذا رفضوا فهي الحرب والاستعباد عند الهزيمة والسبي ومصادرة الأملاك فالشيخ يحرص على التستر عليه ويعمل مع القرضاوي وغيرهما على مصادرة حق العلمانيين حتى في الاطلاع وإطلاع الناس عليه وإلا فالإرهاب والاغتيال نصيبهم. وهذا ما وقع لفرج فودة ويقع حاليا لسيد القمني ووقع لمثقفين وفنانين وساسة ومناضلين في الجزائر على يد تلامذة الشيخ الغزالي الذي صال وجال في طول البلاد وعرضها وفي وسائل الإعلام وفي قاعات المحاضرات وفي المساجد لسنوات طويلة مشرفا على وضع المناهج للجامعات والمعاهد الإسلامية كما أصبح له اليد الطولى على المسؤولين خاصة رئيس البلاد ذا التعليم المتواضع وقد أمر فأطيع فتم طرد مفكرين أمثال محمد أركون من مؤتمرات فكرية وتكفير كاتب وطني كبير مثل كاتب ياسين.
وتبلغ السذاجة أوجها عندما يستنتج الشيخ من قصص هامشية مبادئ عالمية عظيمة هي من صميم العصرنة والعلمانية والديمقراطية ليقول: (والحق أن الإسلام يوصد كل الأبواب أمام نفر من الخلق يستهينون بأقدار الآخرين وحقوقهم، خصوصا الحكام الذين قد يدهمون البيوت لتفتيشها أو يعتقلون خصومهم ويقيدون حركاتهم دون ارتباط لقانون أو رعاية لقضاء. تلك كلها سياسات جائرة تصطدم بما يقرره الإسلام في مجتمعه من تأمين مطلق للفرد وحس دقيق بحقوقه الشخصية) !!!!
لنر حشب الغزالي (ما يقرره الإسلام في مجتمعه من تأمين مطلق للفرد وحس دقيق بحقوقه الشخصية).
(عن أبي ذر قال: قال رسول الله ..: “أيما رجل كشف سترا، فأدخل بصره قبل أن يؤذن له، فقد أتى حدا لا يحل له أن يأتيه، ولو أن رجلا فقأ عينه بسبب ذلك لهدرت).
(وقال رسول الله “لا تأتوا البيوت من أبوابها –يعني مواجهةً تجعل القادم يكشف ما هنالك- ولكن ائتوها من جوانبها فاستأذنوا فإن أُذن لكم فادخلوا، وإلا فارجعوا).
السذاجة في هذا الكلام البسيط أنه يتجاهل الواقع البسيط الذي قيل فيه والذي يدحض كل مزاعمه حول حقوق مزعومة للفرد في الإسلام، وحتى معنى الفرد ذي الحقوق لم يكن يشمل حتى المرأة المسلمة. لنحك على طريقة الشيخ الغزالي: كانت البيوت في يثرب المدينة بدون أبواب مثلما كانت بدون مراحيض، مجرد ستائر من القماش يزيحها الريح بسهولة. وبما أن المسلمين، وبعد أن اشتدت شوكتهم فاغتنوا بعد عوز وشبعوا بعد جوع واكتسوا بعد عري، أصبحوا يحتجزون في بيوتهم نساء كثيرات وجواري وإماء بفضل الغزو والسبي والراحة المالية التي توفروا عليها، فقد بدأت الغيرة تتسلل إلى نفوسهم خوفا من أن ينافسهم منافس فيما ملكت أيمانهم، كانوا يتضايقون من بعض التصرفات غير الظريفة من بعض المتطفلين. هذا ما تعنيه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا …..)
ونظرا لطرافة تفسير ابن كثير لهذه الآية نورد بعض المقتطفات منه:
(هذه آية الحجاب وفيها أحكام وآداب شرعية وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال وافقت ربي عز وجل في ثلاث: قلت: يا رسول الله لو اتخذتَ من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى “واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى” وقلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البَرّ والفاجر فلو حجبتهن فأنزل الله آية الحجاب وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه في الغيرة “عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن” فنزلت كذلك وفي رواية لمسلم ذكر أسارى بدر وهي قضية رابعة وقد قال البخاري أن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش التي تولى الله تعالى تزويجها بنفسه ( !!!! ).
لجأت لهذا الاستطراد الجاحظي الذي يبدو مخلا بفنية المقال حتى أؤكد صحة العنوان الذي اتخذته لهذه السلسلة من المقالات: الانتقائية والتحايل والسذاجة في تفكير الإسلاميين.
يتبع..

About عبدالقادر أنيس

كاتب جزائري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.