الغربيون الذين اعتنقوا الإسلام 1-2

الغربيون الذين اعتنقوا الإسلام 1-2

كامل النجار

سألتني قارئة كريمة: كيف يُعقل أن بعض الغربيين المتعلمين والذين تربوا في مجتمعات حضارية قد بدأوا يدخلون الإسلام بأعداد كبيرة. هل هناك سر في الإسلام غير موجود في بقية الأديان يجعل هؤلاء الناس يعتنقونه؟
القارئة الكريمة ربما صدقت ما قرآته في المواقع الإسلامية أو سمعته من القنوات الفضائية الإسلامية، فالإسلاميون عادة يبالغون في كل شيء يخص الإسلام من قريب أو من بعيد. ففي ظرف السنوات العشر الأخيرة زادوا لنا أعداد المسلمين في العالم من حوالي بليون شخص إلى ما يزيد عن البليون ونصف البليون. وهذه زيادة لا يمكن أن تحدث في ظرف عشر سنوات أو حتى عشرين سنة. وبمثل هذه المبالغات قالوا لنا إن عشرات الآلاف من الغربيين يعتنقون الإسلام كل عام. وهذا زعم لا يقوم على أي دليل. أهل الإسلام يعرفون أن إسلامهم هش لا يقوى على الوقوف أمام العقل والتقييم العلمي، ولذلك يوهمون أنفسهم والعامة من المسلمين بأن دينهم ما زال بخير والدليل على ذلك أن الغربيين يعتنقونه زرافاتٍ ووحدانا. بل يتمادون أكثر ويزعمون أن المشاهيرالمسيحيين قد أعلنوا إسلامهم وهم على فراش الموت، فمثلاً زعم الدكتور محمد عمارة أن ميشيل عفلق قد أسلم قبل موته في عام 1989، وكتب الدكتور الإسلامي محمد عباس مفنداً ما قاله محمد عمارة (في كتاب الدكتور عمارة فوجئت به يتناول ما حسبته شائعة سخيفة عن إسلام سيد التيار القومي دون منازع: ميشيل عفلق، ودفنه وفق أحكام الشريعة. وكنت أرى في ذلك ترهات سخيفة كإسلام نابليون، أو كالحاج محمد هتلر) ( عبد الرحمن الراشد، الشرق الأوسط، 10 مايو 2007).
لا جدال أن عدداً من الشباب الغربي قد تحولوا إلى الإسلام، وسوف نناقش الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك. وسوف أبدأ هنا من حوالي القرن الثامن عشر وربما ما قبله بقليل حسب المصادر التي أعثر عليها، لأبين أن الأوربيين القلائل الذين دخلوا الإسلام في تلك السنوات كانت لهم دوافع خفية. ونفس الشيء ينطبق على الذين تأسلموا قريباً.
فإذا أخذنا القرنين التاسع عشر والعشرين مع نهاية القرن الثامن عشر، نجد إن أعداد الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام لا يتعدي المئات كما نلاحظ في موسوعة ويكيبيديا.
http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_converts_to_Islam
في ذلك الوقت انتشرت بين المثقفين الغربيين عامةً، والإنكليز خاصةً، فكرة الشرق الساحر ورمال الصحراء المترامية وقصص ألف ليلة وليلة. أعداد كبيرة من الغربيين الرومانسيين شدوا الرحال إلى الشرق وزاروا عدة مناطق عربية كانت في ذلك الوقت تحت الحكم العثماني. غالبية هؤلاء الرحالة رجعوا إلى بلادهم كما ذهبوا، ولكن بعض الانتفاعيين اعتنقوا الإسلام لحاجة في نفس يعقوب. نذكر منهم أشهرهم وهو جون فلبي Philby الذي كان يعمل في المخابرات السرية البريطانية. المعروف عن فلبي أنه كان ملحداً لا يعترف بأي دين، ولكنه بعد أن كسب ود الملك سعود وتوسط بينه وبين شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا لحيازة الشركة على حق التنقيب عن البترول مقابل 50 ألف جنيه سترليني كدفعة أولى ثم 5000 جنيه سنوياً تُدفع للملك عبد العزيز، أصبح فلبي الرجل المفضل عند الملك عبد العزيز وعند الشركة الأمريكية. وقتها رأى فيلبي الفرصة مواتية، فاستقال من الحكومة الإنكليزية، وأشهر إسلامه الذي أغضب زوجته الإنكليزية التي كانت تعيش في إنكلترا، وتزوج أكثر من زوجة مسلمة، كانت الأولى منهن جارية أهداها له الملك عبد العزيز، ثم اشتغل بالأعمال الحرة وأصبح وكيل شركة فورد بالمملكة واشتهر بحبه للفلوس حتى أن تجار جدة كانوا يسمونه “عبد القرش” بدل “عبد الله” الذي أصبح اسمه بعد أن أسلم. (The Devil’s Game) للكاتب روبرت دريفوس، ص 68.
Hedley Churchward رسام إنكليزي من مواليد 1929. في زيارة له لإسبانيا أسرته مناظر قصر الحمراء ومسجد قرطبة، وقرر الذهاب إلى المغرب ليعيش الأجواء العربية الأصيلة. ومع مرور الزمن اختلط بالأهالي ولبس الملابس العربية ثم أعلن إسلامه. سافر بعد ذلك إلى القاهرة وقد سبقته سمعته كرسام، فطلبوا منه رسم لوحات بأحد المساجد. بنى لنفسه بيتاً قرب الإهرامات وتسجل كطالب بالأزهر. وبعد تخرجه عمل مدرساً للسيرة النبوية في أكاديمية القاضي. ثم تزوج بنت أحد الشيوخ الشافعيين ونزح معها إلى جنوب إفريقيا بحثاً عن فرص عمل أكبر… هل أسلم هذا الرجل حباً في الإسلام أم حباً في الفنون الإسلامية التي رآها في الأندلس، أم لشيء في نفس يعقوب؟ فهو من المؤكد أنه لم يسلم بعد أن درس الإسلام واقتنع به لأن دراسته للإسلام بدأت بعد أن وصل القاهرة.
Alexander Russel Web صحفي أمريكي أُرسل إلى الفلبين في عام 1880 ليكون قنصلاً لأمريكا في مانيلا. هناك في عام 1887التقى ميرزا غلام أحمد، أشهر وأغنى مسلم هندي وقتها. بعد فترة أعلن السيد أليكساندر ويب إسلامه، وعندما رجع ميرزا غلام إلى الهند جمع تبرعات مالية ضخمة مكنت ويب من زيارة الهند والاجتماع بأكبر عدد من المسلمين الهنود، وزيارة المناطق السياحية المهمة. وبعد رجوعه من الهند أعلن أن زوجته وأطفاله كذلك أصبحوا مسلمين. ترك وظيفته كنقصل لأمريكا ورجع إلى الولايات المتحدة فعينه السلطان العثماني قنصلاً فخرياً للسلطان في أمريكا… هل نشتم هنا ما يشي أن المصالح المادية كان لها فعلٌ في هذه الحالة؟ وكيف أسلمت زوجته وأسلم أطفاله مباشرةً بعد إسلامه؟ هل درسوا الإسلام واقتنعهوا به، أم هل هو الفقه الإسلامي: إذا أسلم الرجل أصبح أطفاله مسلمين غصباً عنهم؟
Adam Neuser (1530-1576). ربما يكون هذا أول مسلم غربي في التاريخ. السيد نيوسر كان قسيساً في مدينة هيدلبيرج الألمانية. اختلف مع زملائه من اتباع مذهب كالفن البروتستانتي وأنكر فكرة الأقانيم الثلاثة. ولما ضاقت عليه الكنيسة وقاطعه الرهبان، كتب إلى السلطان العثماني يخبره أنه لو وصل بفتوحاته إلى ألمانيا فسوف يجد مؤيدين كثيرين. قبضت عليه السلطات ووضعته في الحبس ولكنه تمكن من الهروب والذهاب إلى اسطنبول حيث أعلن إسلامه، فعينه السلطان كاتباً بالقصر… هل هذا القس أإسلم اقتناعاً بالإسلام أم لعوامل أخرى؟
Johann Ludwig Burckhardt (1784-1817). بعد أن تخرج من جامعة ليبزج في ألمانيا، سافر يوهان إلى لندن في عام 1806 يحمل خطاب تعريف وتوصية من عالم الطبيعة يوهان فريدريك بلومينباخ Blumenbach إلى السير جوزيف بانكس رئيس اللجنة الجغرافية المعروفة ب “إتحاد إفريقيا”. اقترح السيد بيركهارت على اللجنة أن يكتشف لهم منابع نهر النيجر إذا قاموا بتمويل رحلته. وافقت اللجنة على طلبه في عام 1809. وبما أن رحلته كانت سوف تمر بمصر وليبيا وموريتانيا، فقد خمّن السيد بيركهارت أنه لو تعلم شيئاً عن الإسلام ومرر نفسه على أساس أنه مسلم فإن ذلك سوف يسهّل عليه مهمته. سافر إلى الليفانت (لبنان وسوريا) وتعلم العربي ودرس الإسلام ومن ثم أعلن إسلامه وسمى نفسه الشيخ إبراهيم بن عبد الله. من سوريا سافر إلى مصر في انتظار أن ينضم إلى قافلة مسافرة إلى ليبيا. ولكن القافلة تأجلت عدة مرات، وأخيراً تحدد يوم رحيلها في عام 1817، ولكن لسوء حظه فقد أصابته دوسنتاريا حادة ومات قبل يومين أو ثلاثة من بدء الرحلة. الجدير بالذكر أن عائلته أنكرت أنه أسلم… فهل أسلم هذا الرجل عن اقتناع بالإسلام أم لحاجةٍ في نفس يعقوب
Ian Dallas ولد في اسكتلندا عام 1930، وكان كاتباً روائياً وممثلاً على المسرح. سافر إلى المغرب في عام 1967 وهناك وقع تحت تأثير الصوفية مع جماعة القادرية وأعلن إسلامه وسمى نفسه عبد القادر الصوفي. كتب عدة كتب مثل “كتاب التوحيد” و كتاب “الحب” وكتاب “الأمل” الخ. هاجر بعدها إلى جنوب إفريقيا حيث ما زال يقيم ويستمتع بإقامة حفلات الذكر. يطالب هذا الشخص بإرجاع الدينار الذهبي الإسلامي والدرهم الفضي كي يسيطر التمويل الإسلامي على أسواق العالم ونسيطر على الربا ويعم الرخاء. فبديهي أن هذا الرجل استهوته الترانيم الصوفية ولم يحفل بدراسة الفقه الإسلامي وعواقبه الوخيمة على الإنسانية
حتى بعض النساء وقعن في هذه الحبائل الرومانسية في القرن التاسع عشر. نجد من هؤلاء النساء الشابة السويسرية إيزابيل ايبرهارت Isabelle Eberhardt (1877-1904). هذه الشابة كانت نتيجة علاقة غرامية بين أمها ومعلم أطفال الأسرة الميسورة. فمنذ البداية وجدت إيزابيل نفسها طفلة غير شرعية وأصغر من إخواتها بكثير، وكان إخواتها لا يطيقنها، فتنكرت لوضعها كأنثى وبدأت تلبس ملابس الصبيان وتتصرف كأنها صبي. في عام 1897 اصطحبت معها أمها وزارت الجزائر متنكرة كرجل. وهناك التقت بجماعات الصوفية القادرية وأعجبتها طبولهم ورقصاتهم، فأعلنت أسلامها ثم أسلمت أمها. أعجبتهما الجزائر وقررا الاستقرار بها، وسمت إيزابيل نفسها محمد إزادي. ماتت أمها بعد فترة وجيزة واستمرت إيزابيل في الجزائر وانضمت إلى صفوف الثوار ضد الاستعمار الفرنسي. وهناك التقت بجندي جزائري فتزوجته ولكنها لم تعش طويلاً بعد ذلك إذ انهد منزلهما عليهما إثر امطار غزيرة وفيضان…. فهل كانت إيزابيل شخصاً سوياً أم كانت نفسيتها معذبة تتوق إلى شخص أو أشخاص يحبونها، فوجدت في الصوفية ضالتها وأعلنت إسلامها؟ فسيرتها الذاتية لا تذكر لنا أنها درست الإسلام في أي وقت قبل إسلامها، أو حتى بعده.
في المقابل نجد هناك شخصيات غربية متعلمة مكثت في الشرق سنوات عديدة ولم يستهوهم الإسلام. فمثلاً البيريطانية جيرترود بيل أي مس بيل كما كانت تُعرف في العراق، قد مكثت منذ عشرينات عمرها في العراق وكانت الحاكمة الفعلية للبلد، ورسمت الحدود الحالية بين العراق والكويت وبين العراق وسوريا، وكانت لها صداقات مع شخصيات عراقية معروفة، ومع ذلك لم تسلم. ولورنس أوف أرابيا Lawrence of Arabia (1888-1935). ذلك الضابط الإنكليزي الذي كان خبيراً بالحفريات وعمل مع المخابرات البريطانية ليوقع القطيعة بين العرب والخلافة العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى، كان قد صادق الملوك والأمراء وعاش مع البدو في الصحراء ولبس لباسهم وركب جمالهم، وعاشرهم معاشرة الفرد للقبيلة، ومع ذلك لم يسلم رغم أنه خبر الإسلام ظاهراً وباطناً.
وإذا أخذنا القرون الطويلة التي استقر فيها الإسلام في إسبانيا أيام الدولة الأندلسية وقصورها الفاخرة وحماماتها الشعبية العديدة وجواريها وموسيقاها ومكتباتها العامرة، وكل ما يمكن أن يغري الغربيين ليعتنقوا الإسلام، فإنا لا نجد أي دليل أن الغربيين من خارج أو داخل إسبانيا نفسها قد أبدوا أي ميولٍ للإسلام، ولا تذكر لنا المصادر المتاحة أسماء أي أشخاص غربيين اعتنقوا الإسلام وقتها. فإذا لم يعتنقوا الإسلام وهو في عقر دارهم، لماذا يعتنقونه الآن؟
وقد رأينا في هذا المقال نوعية الرجال والنساء الذي اعتنقوا الإسلام في القرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، فيبدو أن غالبية الذين اعتنقوه كانت لهم مصالح دنيوية استطاعوا أن يحققوها بإعلان إسلامهم، أو استهوتهم الطرق الصوفية وحلقات الذكر والطبول. ولا نستطيع أن نجزم إن كان إسلامهم عن اقتناع بالإسلام أم لأنهم عرفوا من أين تؤكل الكتف، فأكلوا حتى امتلأت إمعاؤهم.
ونستطيع بتحليل خلفيات الذين اعتنقوا الإسلام منذ القرن الثامن عشر حتى الآن، والمذكورين في ويكبيديا، أن نعرف مستواهم العلمي ومستوى ثقافتهم. فعدد الذين تحولوا من المسيحية إلى الإسلام في تلك القائمة كان 171 شخصاً. منهم 19 شخصاً مهنتهم لعب كرة القدم أو الكريكيت، و 21 شخصاً خلفيتهم موسيقية، بمعنى أنهم فنانو موسيقى الراب أو ملحنون، و7 أشخاص من عالم محترفي الملاكمة، و3 مهنتهم التصوير. والجدير بالذكر أن 16 شخصاً من الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد أدينوا بممارسة الإرهاب سواء في أمريكا أو أوربا. فهل في هذه القائمة ما يجعلنا نعتقد أن الإسلام لابد أنه يملك من الحقائق وقوة الإقناع ما لا تملكه الأديان الأخرى، وأن الناس في أوربا يتسابقون إلى اعتناقه كما تزعم المواقع الإسلامية على الإنترنت، وشيوخ الإسلام من فضائياتهم؟
في اعتقادي أن سبب انتشار الإسلام في أوساط الشباب الضائع في أمريكا وأوربا سببه مادي بحت يرجع إلى بداية الستينات والسبعينات من القرن المنصرم عندما بدأت مملكة الوهابية ضخ البترودولارات لجماعة الإخوان المسلمين وبقية الجماعات الإسلامية الأخرى. وسوف اتعرض لهذا بالتفصيل في الحلقة الثانية من هذا المقال

كامل النجار (مفكر حر)؟

About كامل النجار

طبيب عربي يعملل استشاري جراحة بإنكلترا. من هواة البحث في الأديان ومقارنتها بعضها البعض وعرضها على العقل لمعرفة مدى فائدتها أو ضررها على البشرية كان في صباه من جماعة الإخوان المسلمين حتى نهاية المرحلة الجامعية ثم هاجر إلى إنكلترا وعاشر "أهل الكتاب" وزالت الغشاوة عن عينيه وتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من حقيقة الميثالوجيا الدينية الهدف الوحيد من كتاباتي هو تبيان الحقيقة لغيري من مغسولي الدماغ الذين ما زالوا في المرحلة التي مررت بها وتخطيتها عندما كنت شاباً يافعاً
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.