الثورة ليست اختياراً بل قدراً

 الثورات شأنها شأن كل ظواهر الطبيعة . ليست اختيارا . بل قدراً ..

 الثورات كالسيول والفيضانات .. يمكن لدول وشعوب وحكام .. التعامل معها بحكمة . وتفادي أضرارها . وتخزين مياهها لري محاصيل وحقول تعطي خيرا ..

 وشعوب وحكام آخرين . يتركونها تدمر وتهلك وتقتل وتخرب .. لا استفادوا من مياهها .. ولا أوقفوا أضرارها !

من قبل انتفاضات ثورات ما سمي بالربيع العربي . كان يوجد معارضون للثورات . مفكرون وكتاب ومثقفون .

مثلما للثورات مؤيدوها . ومن يدعون اليها , ومن يهندسون ويخططون لها .

كلمات مقتطفة من كتاب للمفكر المصري الراحل دكتور نصر حامد أبو زيد . نشرتها بالفيسبوك *. أرملته ” الدكتورة ابتهال يونس “. يقول دكتور نصر : “

(( نعود من خلال العقل السياسى المناهض للعقل الدينى على مستوى البنية السطحية الى الكشف عن تجذر حالة الاتفاق بين المثقف و السياسى على عزل الجماهير و حرمانها من ممارسة حقها الطبيعى فى الاختيار . اذا كانت الجماهير بسبب نقص وعيها ستختار (حلا اسلامي…ا) فان من حقها ان تمارس تجربة اختيار هذا الحل و عليها ان تدفع الثمن اللازم لاستكمال وعيها التاريخى و الاجتماعى .ان وصاية المثقف و السياسى تنتهى كلتاهما الى نتيجة واحدة.ديكتاتورية السياسة المطلقة من جهة و كهنوتية الفكر من جهة اخرى .ذلك ان الوصاية على الجماهير استنادا الى نقص وعيها يفضى الى تثبيت هذا الوعى الناقص و تأبيده (الدكتور نصر حامد ابو زيد من كتابه:النص السلطة الحقيقة)) ..

وكان لنا تعليق :

صحيح ما قاله دكتور نصر . ولكن .. عند استحالة أو فشل قيام شيء اسمه ثورة , يقودها المثففون والسياسيون . فالثورة ان نجحت في تسلم أدوات السلطة . مهمتها علاج أنيميا الوعي عند الشعب – بمحو الأمية ونشر الثقافة …. – ولكن الثورة في مصر قامت بالفعل مرتين في 1977 , و 2011 . و افتقدت خطة وآليات . صمان سلامتها – فكانت كحقل أثمر ثمارا . و غفل عنه صاحبه , أو أهمل في الاسراع في الجني . فألتقطتها الطيور السارحة .. الثورة ليست شيء خارج علي الطبيعة . فالطبيعة نفسها تثور . لها ثورتها المتعددة الأشكال .. – تحية لروح المفكر الكبير نصر أبوزيد .

ونضيف لتعليقنا السابق : ان المثقفين والسياسيين . هم عقل وضمير وقاطرة كل أمة .. فان تخلوا عن واجبهم خشية اتهامهم بفرض وصايتهم علي الجماهير ..(!) فكيف تسير تلك الأمة الا تخبطا في الظلام .. بدون عقلها وبدون عينيها – المثقفون والسياسيون – ؟!

من حق الجماهير أن تختار , وتجرب التيارات المختلفة . اسلامية وغير اسلامية . حتي تصل للأصلح . لو غاب تزوير الانتخابات والاستفاءات الشعبية , وبدون الرشوة والبلطجة . ولكن المشكلة في أن التيار الاسلامي بالذات . هو الأحرص علي استخدام والتوسع والتفنن في استخدام تلك الأساليب في الانتخابات والاستفتاءات ..! 

حسابات الثورة و حسابات الخنوع :

يمكن عمل حساب خسائر الثورة – من ناحية – , وحساب خسائر الخنوع لحاكم طاغية – من ناحية اخري – .

بعد احصاء خسائر الوطن والشعب من جراء الثورة . يتم احصاء ما فجعت به البلاد وما لحق بالعباد . طوال حكم طاغية فاسد . في 30 سنة – مثلا – علي النحو التالي :

عدد الذين قتلوا في سجون ومعتقلات وأقسام الشرطة والأمن طوال حكم الطاغية .

عدد من ماتوا فقرا . واما لعدم توفير العلاج لهم بمستشفيات الدولة .

عدد من ماتوا بسبب اهمال السلطات . في كوارث طبيعية , أو كوارث نتيجة اهمال المسؤولين الحكوميين أعوان الطاغية – مساكن قديمة تسقط فوق رؤوس سكانها . مباني مقامة عشوائيا لعدم قيام الحكومة بواجباتها نحو اسكان لائق , بأماكن آمنة لمواطنيها .

عدد من ماتوا نتيجة انتشار أوبئة وأمراض تلوث . لعدم اهتمام حكومة الطاغية بصحة المواطنين – سرطان . فشل كلوي , التهاب كبد وبائي , أمراض قلب

عدد من انتحروا يأسا من الحياة في ظل حكم الطاغية الفاسد – أشهرهم ” محمد البوعزيزي ” – التونسي الذي فجر تلك الثورات – بانتحاره .

عدد من ماتوا في انتفاضات سابقة تمكن الطاغية من اخمادها بالحديد والنار .

عدد نزيف العقول . التي هجرت بلادها – أو هربت من وطنها – بسبب سؤ أحوال البلاد في ظل حكم الطاغية . وتعرضهم للاضطهاد السياسي أو غيره من أنواع الاضطهاد .

عدد من لاحقهم نظام الطاغية وصفاهم جسديا بالخارج – من عبد الناصر , لصدام , للقذافي , لمبارك , لحافظ الأسد وولده بشار – وغيرهم .

عدد الفتيات اللائي تم دفن شبابهن وهن أحياءً , في مقابر العنوسة . وعدد الشباب الذين دفن شبابهم فوق أرصفة محطة قطار الزواج الذي لا يأتي الا قليلا وبعربات قليلة . في ظل نظام طاغية يسرق ثروات البلاد . ويسرق معها زهرات عمر فتيات وشباب الوطن .

عدد الأطفال الذين لم يدفعوا بعد من أعمارهم ومن سعادتهم . ولكنهم سيدفعون حتما , مثلما دفع الكبار قبلهم . – بطالة وفقر وانتحارات , ومرض وعنوسة – ثمن طغيان الحاكم الطاغية وفساده وفساد بطانته وحاشيته . لأن اصلاح ما خربه الحاكم الفاسد الطاغية , سوف يحتاج لسنوات وسنوات تمر من أعمار أطفال اليوم . ليجدوا أنفسهم قد كبروا , و لا يشعرون بانهم يعيشون في ظل وطن . وانما في أتون جحيم ؟

بعد عمل تلك الاحصائية . يمكن مقارنة الخسائر مع الثورة , والخسائر بدون الثورة .

سنكتشف أن ما يحدث بالثورات علي الطغاة . من أضرار . يحدث بدون الثورات , ولكن بالقطاعي – بالمفرق – وليس بالجملة . واغلبه لا ينسب للطاغية رغم انه السبب , ويمكن لأعوان الطاغية تبريره , أو نفيه أو نفي المسؤولية عن الحاكم وعن أنفسهم ..

أما مع الثورات .. فالمجرم يكون معلوماً , والجرائم واضحة ويصعب تبريرها او التنصل من المسؤولية عنها .

الثورة : ارادة ورغبة جادة للخلاص ..

والخنوع والاستسلام لحاكم ظالم . واستجداء الحقوق والاصلاح منه : أمل واهم في امكانية ( واحتمال ) اعتدال ذيل الكلب – الطاغية وحاشيته – .

الطغاة لا يتوبون . وانما يلونون ويبدلون أساليب طغيانهم . ويغيرون رجالهم وأدواتهم .

والطغيان داء لا علاج له الا بالكوي الثوري . بمكواة الثورة .

ان ضحيا الثورة هم ضحايا عزة وكرامة وفخر يسجله لهم التاريخ . لصالح شعب ووطن .

وضحايا الخنوع لحاكم مستبد . ونصيبهم عار يسجله عليهم التاريخ .

فلاسفة الخنوع للطاغية وشركاء الفساد . يحذرون من الثورات . داعين للتمسك بما يسمونه استقرار ! .. انه استقرارهم . واستقرار سيدهم فوق السلطة . أما الشعوب فلا تعرف استقرارا أو تتذوقه . في وجود ديكتاتور فاسد يبرك فوق صدر الوطن ..

ضحايا الثورات , في العادة ليسوا فقط من عامة من الشعوب . بل كثيرا ما تأكل الثورات أبناءها الذين صنعوها أو شاركوا في صناعتها – مفكرون وسياسيون ومنظرون وقادة ميدانيون . كثيرا ما تأكلهم الثورة , وهم راضون . ثمنا لمستقبل أفضل لشعب وللوطن ..

الثورات .. طاقة غضب وتفاعل في داخل , ومن داخل طبيعة الانسان . الذي هو جزء من الطبيعة بغضبها وثورات براكينها وزلازلها . وأعاصيرها ..

وعادة .. وقت مثل تلك الطواريء الطبيعية .. يخرج قطاع طرق , وأفاقون وخطافون , ومغتصبون .. ونهابون .. وتجارازمات ..

وكذلك الحال في الثورات .. نفس الشيء ..

احصروا ضحايا ثورات الطبيعة بالعالم . في كل عام – أعاصير زلازل بركين سيول ..الخ – .. وقارنوها بضحايا ثورات الشعوب . علي قهر وطغيان الحكام .. ستجدوا ثورات الشعوب هي الأقل أضرارا ..

فلماذا ينكرون علي الشعوب المقهورة حقها في الثورة ؟!

لا أحد يمكنه الغاء السيول والفيضانات . أو الزلازل والبراكين والأعاصير . بتاففه منها , وبصب لعناته عليها.

ولا أحد يمكنه الغاء أو منع الثورات . بتنديداته بما تتسبب فيه , من خروج عقارب وافاعي , وسحالي وضفادع . تركض فوق مياه , سيول وفيضانت الثورة . فتحدث الموت والرعب .

انها قدر من مقدرات الطبيعة . هذا هو حال ثورات الشعوب .. وفي نهايات الثورات :

يتوقف الدمار . وتهدأ الأمور . وتعود الأرض لتنبت , والأشجار تورق من جديد . وتعود العصافير تشقشق فوق الأغصان .. ويعود البشر المكلومون بفقدان أعزائهم وأحبائهم . للابتسام , والضحك , وللغناء والمرح .. وتمضي الحياة . في طريقها المعتاد . مثلما كانت تمضي منذ ألاف السنين .

—- * هامش :

http://www.facebook.com/photo.php?fbid=2282482507038&set=a.1396828286236.2056828.1398113251&type=1&relevant_count=1

*******************                صلاح محسن فيسبوك

About صلاح الدين محسن

صلاح الدين محسن كاتب مصري - كندي . من مواليد القاهرة عام 1948 عضو"اتحاد كتاب مصر" . عضو " جماعة الفنانين التشكيليين والكتاب " بالقاهرة عضو اتحاد كتاب كندا - تورنتو - PEN CANADA عضو " جمعيةالكتاب المغتربين " بكندا - تورنتو- التابعةلاتحاد كتاب كندا PEN CANADA. له عدد من المؤلفات في عدة مجالات - 16 كتاب . طبع بالقاهرة حتي عام 2000 تنشر مقالاته بأكثر من موقع الكتروني سجن بمصر 3 سنوات من 2000 : 2003 عن كتابيه " لا أحب البيعة " و "ارتعاشات تنويرية ".. لمطالبته بالديموقراطية وتداول السلطة بالكتاب الأول ، ولدعوته لعهد جديد من التنوير الفكري بحقيقة العقيدة البدوية والتاريخ العرباوي : بكتاب ارتعاشات تنويرية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to الثورة ليست اختياراً بل قدراً

  1. س . السندي says:

    ماقل ودل … بعد التحية والسلام ؟

    قالو ثورة … ولا مثلها في الهند والصين
    قلنا طيب … وين الثوار والأحرار والمظلومين

    قالو … هم في الشوارع والحارات وفي كل الميادين
    قلنا … ولكن لم نرى غير فعل السلف وألإخوان المسلمين

    قالو … ماهو هذه عيوب الثورات مايفلحها غير النصابيين
    قلنا … طيب وين الثوار المتنورين والناس المتعلمين

    قالو … موجودين على الفيسبوك والنت بين اليسار واليمين
    قلنا … لعد مبروك عليكم ثورتكم والمرشد والمرسي شيخ الدجالين

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.