بقلم ماهر جبره/
فزعتني صورة صديقة على فيسبوك وهي غارقة في دمائها بعد أن تعرضت لحادث مؤلم جدا السبت الماضي. سمية ط. التي تعرضت للتحرش الجسدي والجنسي منذ سنتين، في حادثة شهيرة عرفت وقتها بحادثة “فتاة المول”. ففي أكتوبر 2015 كانت سمية تتسوق في الحرية مول في حي مصر الجديدة، عندما اقترب منها الجاني، ودون أي سابق معرفة طلب منها أن تذهب معه إلى منزله، بحسب روايتها. وعندما رفضت وقالت له سأطلب لك الأمن، رد عليها بالصفع والركلات!
وقتها عوقب الجاني بالحبس أسبوعين وكفالة قدرها مئة جنيه! وللأسف، ظهر نفس الشخص مرة أخرى بعد سنتين لينتقم من ضحيته، ويعاقبها على شجاعتها عندما أبلغت عن الحادث. وعندما حاولت سمية الهرب منه، لحق بها وضربها بسلاح أبيض، مما تسبب لها في عاهة مستديمة، عبارة عن جرح غائر في الوجه طوله 20 سم.
سمية لم تستطع أن تحصل على حقها في المرة الأولى. فقد خذلها القانون الذي أعطى للمجرم عقوبة لا تُذكر ولا تتناسب مع ما اقترفه. وقد خذلها أيضا جزء من المجتمع الذي وجه لها اللوم، باعتبار أن البنت دائما هي السبب. أما الإعلام ففي معظمه تضامن معها، إلا أن إحدى مقدمات برامج التوك شو الشهيرة شهّرت بها، بدلا من مساندتها كضحية للعنف والتحرش الجنسي!
والحقيقة أن تحويل المجني عليه إلى جانٍ في مسألة التحرش بالنساء، أمر شائع جدا. فكمُّ الحالات التي رصدها الإعلام في السنوات الماضية عن نساء تعرضن للتحرش سواء في المواصلات أو أماكن العمل أو الشوارع وفشلن في معاقبة الجاني لا يُحصى! ففي أغلب الأحيان عندما يحاولن الحصول على حقهن بالقانون، يقف الجميع ضدهن. بداية من المارة الذين غالبا ما يلومون الضحية بسبب ملابسها أو طريقة مشيها أو ما شابه، ووصولا إلى رجال تنفيذ القانون الذين يتعاملون في أحيان عديدة مع التحرش الجنسي، باعتباره أمرا تافها لا يستحق أن يتحول إلى قضية.
ومن الجدير بالذكر أنه في عام 2013 أجرت الأمم المتحدة دراسة عن الموضوع، فأظهرت أن أكثر من ٩٩٪ من نساء مصر تعرضن للتحرش. علما بأن الدراسة سجلت التحرش الجنسي بصوره المتعددة بداية من استخدام الألفاظ غير اللائقة مرورا باللمس ووصولا إلى الاغتصاب. والسؤال هنا هو لماذا وصلنا لهذه الدرجة من تفشي هذا الوباء اللعين؟
الحقيقة أن الأسباب عديدة لكني سأكتفي هنا بمناقشة سببين، الأول والأخطر في رأيي، هو ثقافة لوم الضحية. فكم من مرة سمعنا أن لبس المرأة هو السبب، وأنها كقطعة الحلوى التي لو تغطت فستقي نفسها من التحرش، أما لو كشفت شعرها أو ارتدت من الملابس ما يظهر قليلا من أنوثتها فهي السبب في تحرش الشباب بها! للأسف أن هذه الأفكار التي تلقي باللوم على المرأة وتبرر التحرش هي ملخص ما قاله عدد لا بأس به من الشيوخ على مدار السنوات الأربعين أو الخمسين الماضية.
والحقيقة أن هذا الادعاء يخالف الواقع تماما. فعلى سبيل المثال، لو شاهدت أفلام الأبيض والأسود في الخمسينيات والستينيات، ستجد أمهاتنا وجدّاتنا يسرن في الشوارع بالتنورات والفساتين القصيرة، ومع ذلك فإن نسب وصور التحرش لم تكن أبدا بهذا الشكل. وهنا ببساطة علينا أن نعترف أن انتشار ظاهرة الحجاب والخمار، لم يقلل من التحرش بل زاد منه. وتفسير ذلك بسيط جدا، فالمشكلة ليست في الحجاب أو الخمار، ولكن المشكلة في ثقافة عدم احترام وأحيانا احتقار من لا تلتزم بهذا الزي، مما يجعل المعتدي ينظر لضحيته باعتبارها مخطئة وتستحق التحرش بها.
دعني أضرب لك مثالا حتى تتضح الصورة. منذ عدة أشهر، ظهر الشيخ صبري عبادة وكيل الأزهر مع وائل الإبراشي على قناة دريم وتحدث عن قضية الحجاب. وفي معرض كلامه قال أنتِ كامرأة عندما تسيرين بلا حجاب أو كمتبرجة، فإنك تساعدين المتحرش أن يتحرش بك. كما هاجم إحدى الضيفات التي ظهرت معه في نفس البرنامج باعتبارها غير محجبة وقال لها أنتِ ضد الدين.
بعدها بأسابيع قليلة بدأت ظاهرة خطيرة جدا في منطقة عزبة النخل في القاهرة. حيث بدأ بعض الشباب الصغير السن من سائقي التوك توك بإلقاء الكلور الخام على البنات غير المحجبات. ربما لن يرى البعض أي علاقة بين الحادثتين، وبالطبع الشيخ عبادة لم يأمر الشباب بأن يفعلوا ذلك. ولكنه حرض علنا على غير المحجبات، باعتبارهن مفسدات وعدوات للإسلام، وهذا يكفي في مجتمع مثل مجتمعنا المصري.
السبب الثاني في نظري، هو ثقافة الإفلات من العقاب. فهناك مثل شهير يقول من أمن العقاب أساء الأدب. أنا شخصيا عشت معظم حياتي في مصر قبل أن أنتقل للولايات المتحدة، ورأيت كيف إنه في مصر، من السهل جدا الإفلات من العقاب في حالات التحرش الجنسي على عكس ما رأيته في أميركا.
أتذكر أول أسبوع عشته في الولايات المتحدة، عندما توقفت أنا وصديق لي عند محل صغير علي طريق سريع لشراء بعض اللوازم. دخلنا المحل لنجد البائعة تقف وحيدة في منطقة شبه مهجورة وفي ساعة متأخرة من الليل. سألت صديقي والذي كان حينها قد قضى سنة في أميركا وقلت له كيف لفتاة صغيرة وجميلة أن تقف وحدها في منتصف الليل على طريق خال من المارة، دون أن تخاف من التحرش؟ ضحك صديقي وقال لي: يا ماهر الرجال هنا هم من يخافون، فالشرطة تتعامل بجدية شديدة مع بلاغات التحرش.
عشت في أميركا بعدها سنوات ورأيت بأم عيني كيف تحقق الشرطة بمنتهى الجدية في هذه البلاغات، حتى ولو كان الدليل الوحيد المتاح هو شهادة الضحية دون أي دليل مادي آخر. هذا القانون وثقافته هو الذي يعطي المرأة الحماية المطلوبة للعمل والتحرك بحرية واثقة أن الدولة ستحميها إن تعرضت لشيء. لا يعني هذا إن كل متحرش يتم عقابه، فالبعض بالتأكيد يفلت. ولا يعني ذلك أيضا أن أميركا ليس فيها تحرش، فهذا ليس حقيقيا. ولكن يعني ذلك شيئا واحدا ألا وهو أن كلا من الدولة والمجتمع ينحاز لصف الضحية إن تعرضت للانتهاك، بينما ننحاز نحن لصف الجاني فنجعل الانتهاك أضعافا، مرة من الجاني ومرة من الدولة التي تتهاون مع هذه الجرائم ومرة من المجتمع الذي يبررها!!
شبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
فيلم ضحك ولعب وجد وحب
Published by:أسامة حبيبهل كان جمال كليوپاترا سبباً في شهرتها ؟
Published by:عضيد جواد الخميسيابن خلدون وساسة العراق
Published by:مفكر حرألنزاهة ليست نزيهة لذا ألعراق في مهبّ ألرّيح:
Published by:عزيز الخزرجيأوراق شتاء
Published by:عصمت شاهين دو سكيثلاث سيناريوهات ليوم "تتويج" #بايدن في #واشنطن .
Published by:مفكر حردراسة شرعية للشيخ علي محمد شوقي في آداب وأحكام استخدام #الفيسبوك
Published by:مفكر حردراسة امريكية حول سياسة #بايدن الجديدة في #سوريا: دعم #الاكراد ضد اعتداءات #تركيا
Published by:أديب الأديبعلم الجهل
Published by:ميسون البياتيغزل سوري بامتياز ...
Published by:مفكر حرفيلم فوتوكوبي
Published by:أسامة حبيبكيفيّة ألتّخلص من آلكارثة ألعراقيّة؟ ألقسم ألأوّل
Published by:عزيز الخزرجيمراجعة نقدية لرواية "حازم يعود هذا المساء" لنبيل عودة
Published by:نبيل عودةعن اي ديكتاتورية وأي ديمقراطية تتكلمون ؟
Published by:مفكر حر#أم_سيف...يوتيوبر عندها خمسة مليون متابع. وضعت الشارع العربي بحيرة ب30 ثانية
Published by:مفكر حركنيسة المورمون جمّعَت 100 مليار دولار أمريكي استعداداً لظهور السيد المسيح القادم
Published by:مازن البلداوياللواء عدنان الأسد: يفضح فساد الوزراء واعضاء مجلس الشعب ولكنه يستثني عائلة الاسد
Published by:مفكر حرقصة المنتخب العراقي والعلم المقلوب
Published by:اسعد عبد الله عبد عليكل السوريين بانتظار و ترقّب النبأ المفاجأة بترشّح بشار الاسد لولاية أسدية عاشرة.
Published by:زياد الصوفيابرز التعديلات على قانون الاحوال الشخصية السوري
Published by:مفكر حراوصف المسيح ومحمد في القرآن والسنة
Published by:صباح ابراهيمهل يجوز ان ( تفسي ) جنب مراتك ؟
Published by:مفكر حربدون بروتوكولات ...،
Published by:ميخائيل حدادفيلم هيبتا
Published by:أسامة حبيب#شاهد #الأسد يعلن عن دين جديد في #سوريا و #ماغي_خزام تصفه بالشيطاني
Published by:ماغي خزامقراءة في العلم والعلماء والأسلام
Published by:يوسف يوسفالانتخابات الديمقراطية في نظام #الاسد والبرامج الانتخابية
Published by:زياد الصوفيتدعم الولايات المتحدة الحوار الكردي-الكردي وتتطلع إلى استمرار تقدمه
Published by:مفكر حرلماذا تعيد المؤسسات التفكير بموضوع تبرعاتها المالية
Published by:مازن البلداويتحالف خامنئي وكورونا لارتكاب جريمة إبادة جماعية لأبناء الوطن
Published by:حسن محموديمـــرة ملكـــة .. دائمــا ملكـــة!!
Published by:نبيل عودةانتهاكات حقوق الإنسان في إيران عام 2020
Published by:حسن محمودياثار بابل وغياب المنظومة السياحية
Published by:اسعد عبد الله عبد عليحفنة من الثلج الساخن
Published by:حمدي تمّوزأَ لا من مسؤول شريف يعتبر مِن مواقف عليّ(ع)!؟
Published by:عزيز الخزرجي#سوريا: اعتماد تحليل ال "دي ان ايه" لاثبات النسب #سلوى_زكزك
Published by:مفكر حرمحدش قدر يتخلص من #صفوت_الشريف في #مصر
Published by:مفكر حردكتور عنوسة
Published by:مفكر حر#شاهد #ربيع_الخولي يقرأ الفاتحة و #ماغي_خزام ترد
Published by:ماغي خزاماعتراف صادم لقائد قوى الأمن #ايران .. هناك 400 ألف مدمن في #طهران وحدها
Published by:مفكر حرشبكات معقدة خططت ونفذت لصفقة نترات الأمونيوم حتى وصولها لمرفأ #بيروت يقف #الاسد
Published by:أديب الأديب#شاهد امارة #غزة شمال #سوريا #فرقة_الحمزة - تفقد جاهزية مقاتلو قاطع غصن الزيتون
Published by:مفكر حرحكاية أم كلثوم مع أهل الشام
Published by:مفكر حر#شاهد #محمد_المسيح #التاريخ_المبكر_للإسلام 84 ما هو الذكر وصحف إبراهيم وموسى؟
Published by:مفكر حرحين أتيت موؤودة من بطن أمي
Published by:مفكر حرحوار مع الشاعر عصمت شاهين دوسكي
Published by:عصمت شاهين دو سكيتغريدات القرضاوي
Published by:مفكر حرسننتقم وننتقم .. ولم نرى غير الوعيد والكلام
Published by:سرسبيندار السندي#السيسى و #الإخوان .. وخطة نشر وباء #كورونا فى #مصر ..
Published by:سيتى شنوده#شاهد #ماغي_خزام تضع #الأسد في أزمة وتفضح كذبة عروبة #سوريا
Published by:ماغي خزامأحدث التعليقات
- س . السندي on #شاهد #الأسد يعلن عن دين جديد في #سوريا و #ماغي_خزام تصفه بالشيطاني
- ابو حيان الماوردي on هل يجوز ان ( تفسي ) جنب مراتك ؟
- John mahfoud on شاهد تطاول على العقيدة المسيحية بأنها هشة و محرفة فأتاه الرد الساحق من الاعلامية ماغي خزام
- Abdulnasser alnabulsi on شذوذ ام كلثوم
- سيباويه العراقي on تغريدات القرضاوي
- س . السندي on ومضة للتعبئة القسرية للعقلية الأسلامية
- Ben cheikh jamila on ومضة للتعبئة القسرية للعقلية الأسلامية
- س . السندي on ومضة للتعبئة القسرية للعقلية الأسلامية
- Imad on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- aram on #شاهد #كمال_اللبواني يرد على #أنس_العبدة فاضحاً فساد #الإئتلاف_السوري_المعارض.. هههه لم نرهم عندم سرقوا ولكن رأيناهم حين اختلفوا
- talal al khoury on اساطين القانون: يعرضون كيف يستطيع ترامب ان يفوز بقضية تزوير الانتخابات امام المحكمة العيا
- talal al khoury on نهاية التاريخ والانتخابات الامريكية
- دحيه الكلبي القرشي on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- مفكر حر on فيلم الكنز :الحقيقة والخيال
- س . السندي on فيلم الكنز :الحقيقة والخيال
- جابر on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- مسعود الاذقاني on #شاهد الشيخ العراف #رامي_مخلوف وتنبوءات 2021
- فاضل البراك on الجماهير البعثية والصنمية تتناكح من جديد
- س . السندي on #شاهد نصب تذكاري لقاسم #سليماني في #بيروت يثير غضب اللبنانيين
- Taha on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- Taha on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- Taha on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- مفكر حر on فيما يخص الشأن السوري بيان #قمة_العلا على البنود التالية
- فراس on فيما يخص الشأن السوري بيان #قمة_العلا على البنود التالية
- مفكر حر on “مُحمَّد” في “الشهادتين” هل هو المسيح ؟؟؟ّ !!!
- نافع شابو on “مُحمَّد” في “الشهادتين” هل هو المسيح ؟؟؟ّ !!!
- سليم on عائلة الأشقاء محمد, كاميليا, ووجدى العربى الإرهابية من الوسط الفني المصري
- Zidan Dallah on أنجس شعب على أطهر أرض: الجملة الشهيرة المتداولة بالأوساط الفلسطينية
- أسامة حبيب on حمار راهن على حمار
- س . السندي on حمار راهن على حمار