يبدو أننا وإلى يومنا هذا، لم نستوعب أن العالم يشهد تحولات فكرية وثقافية غير متوقعة، تجاوزت أنساقه الاقتصادية والسياسية، وذلك بفعل التطور السريع لمنظومة القيم، وسمو النقاش العلمي الدقيق في العديد من القضايا المجتمعية الملحة ،وهذا ما عجل باصطدام قوي بين فكر متحرر وتيار محافظ، يميل إلى التمسك بقيم ثقافية مغلقة غير قابلة للتجدد والانفتاح .
ويبدوا أن الاتجاه الراديكالي المحافظ في كل تمثلاته وتشكلا ته ،عبر صيرورته الزمنية ،ينطلق من قاعدة مؤطرة، وفق مصالح معينة ،تجعل أي خروج عن الدوائر النفسية والثقافية والفكرية المرسومة ،هو انهيار فعلي لمقوماته وشروط نزوله ،وبالتالي فالصراع الذي عرفه العالم إلى يومنا هذا ،على مستوى منظومة القيم، في كل أبعادها التاريخية وتمددها الجغرافي ،ما هو إلا تفسير موضوعي لصراع بين العقل، كآلية لتحديت المفاهيم، وأذات لتدبير الاختلاف والسلوك الإنساني، واتجاه رجعي محافظ ،بكل حمولاته الثقافية والفكرية والاقتصادية، يتشبث بثوابته القاعدية ،ويعتبر أي نقلة أو انفتاح هو انهيار فعلي لتواجده ،وبالتالي فأي صراع كيف ما كانت معالمه وآثاره ونتائجه ما هو إلا تفسير عملي لهذا التناقض والاختلاف ، ومن هذا المنطلق فالحضارة الإنسانية كتعبير مجتمعي هي انعكاس طبيعي ، لقدرة الإنسان على إحداث توازن بناء بين العقل ومجموعة القيم ومنظومة الأخلاق السائدة .
إن تبخيس العقل وضرب كل الاجتهادات العلمية الدقيقة في كل مجالاتنا الاقتصادية والفكرية وقيمنا الأخلاقية ، دليل واضح على المنهج الذي اتخذته التوجهات المحافظة في ترسيخ مفاهيمها وقوة ونجاعة تحليلها دون أن نميز بين سبقها التاريخي في ولوج المدنية بكل أبعادها الدلالية أو بين الدول التي كانت يسميها الغرب الإمبريالي بالخارجة عن الحضارة والتمدن وبالتالي ، فالصراع لم يكن بين اتجاهين محافظين يختلفان في الجغرافية والتاريخ بل هو تحالف موضوعي بين منهجين مغلقين متقاربين في الرؤية والتحليل ينهلان من منبع المحافظة والتقليدانية .
إن إعمال العقل والنقاش الفكري الرزين، طرح البدائل الموضوعية في سجال مجتمعي معقد، أملته التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها العالم، وما أفرزه من مظاهر الفقر والجهل والتهميش والفوضى والدمار، جعلت الاتجاه المحافظ في موضوع تساؤل يومي، حول الكوارث التي ساق إليها المجتمعات البشرية .
إن جزءا من هذا النقاش، تحمله المجتمع المدني، واتخذه واجهة نضالية لصياغة سؤاله المرحلي، حول تجديد الخطاب السياسي ،وفق مقاربة عقلية، تعيد النظر في أشكال البناء الاقتصادي والاجتماعي ،ومنظومة القيم السائدة ، غير أن ذلك لم يكن بالأمر الهين ،في ضل مجتمعات غارقة في التقليدانية، والنازعة إلى التشدد والانغلاق ، لأن أي نقاش موضوعي سيعيد النضر في العديد من المقاربات ،وسيجر المجتمع البشري إلى طرح أسئلته بمفاهيم جديدة ،قد تؤدي إلى عصر التحرر الفكري الواسع وأنسنة قيمه الكونية ،بدون قيود مسبقة ، وهذا ما يعكس الصراع الاقتصادي والسياسي، والمخاض الثقافي الذي يعيشه العالم اليوم ، تحت مسميات متعددة منها صراع الحضارات أو الحروب النووية أو أسلحة الدمار الشامل أو الحروب حول الطاقة أو التيارات الفكرية الهدامة والطائفية المفبركة ، كلها تعكس المقاربة الخلفية لنوازع ثقافية فكرية محافظة ، تأخذ لبوسا دينيا وأمنيا ونفسيا بتعابير اقتصادية وسياسية وأخلاقية .
لقد حمل الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رهان تحديث بنيات المجتمع، وفق مقاربات تجعل العقل والتحليل العلمي الدقيق، أسس بناء خطابه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، الذي أسهم في حلحلة الوضع المجتمعي السائد ،وغير من مجريات النقاش، وفق شروط تاريخية لم تكن مستعدة لتحمل خطاب الحداثة وإعمال العقل في قضاياه المجتمعية الدقيقة، خاصة وأن بنيات مجتمعنا بكل تمددها الجغرافي وتركيبها القبلي ،وضعف تمدنها الفكري وتصلب وسائطها المادية وغير المادية ، جعلت كل مقاربة علمية واجتهاد فكري نوع من التضليل وخروج عن الإجماع ، مما جعل حتمية الصراع الثقافي تأخذ أبعادا تتجاوز كل الطروحات الفكرية والنظريات السياسية والاقتصادية التي طرحها المؤتمر الاستثناني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لسنة 1975 ، وبعيدا عن مجريات التفاصيل اليومية للنقاش الاتحادي ،عبر صيرورة زمنية تتجاوز أربعة عقود من الزمن ، يضل مجمل النقاش المطروح هو ما بين منهجيتين واضحتين في القراءة ، تجعل من الإنسان في منظومة الفكر ألإتحادي، كائن بشري يمتلك مقومات التحليل وشروط الترقي الاقتصادي والاجتماعي بدون رقابة مادية سلطوية ،تحجب العقل وتجعله رهينة منظومة أخلاقية تسلبه القدرة على التفكير والاجتهاد، وهذا ما جعل المدرسة الاتحادية بكل رموزها التاريخية وإنتاجها الفكري ضحية لكل المؤامرات الهادفة إلى تزييف الحقائق وتشويه الوقائع وتمييع الخطاب السياسي، في أشكال متلونة تخدم في العمق منظومة التحكم وقوى المحافظة الرجعية واللبوس النفعي ، وهذا ما يجعلنا نقف مشدوهين أمام هذا الهجوم الكاسح والغير المفهوم على العقل وتحديث بناء الخطاب السياسي بالمغرب ، لأن المشكل مهما اختلفت التفاصيل هو مابين العقل كمحدد رئيسي في حياتنا المجتمعية اليومية ، وتأثيره على منظومتنا التربوية والإعلامية والثقافية والذي يجسده الفكر الاتحادي، في خلاصاته الواضحة حول بناء الدولة الوطنية الديمقراطية وأنسنة قيمه الثقافية والأخلاقية .
حسن الأكحل: كاتب – حقوقي – مناضل إتحادي ونقابي مغربي.
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
#شاهد إمام #كندا #شيرين_أبو_عاقلة ماتت على غير الإسلام ليست في الجنة
Published by:مفكر حر#خامنئي يحوّل قوى الشرطة إلى قيادة عامة ويشكّل جهاز استخبارات للشرطة خوفًا من الانتفاضة
Published by:حسن محموديإِنْ كُنْتَ رَجُلًا.. دُقَّ وَتَدًا فِي الْمِقْبَرَةِ لَيْلًا!
Published by:آمال عوّاد رضوانفيلم "درب المهابيل"
Published by:أسامة حبيبوصيتي: بقلم رياد حيدر
Published by:مفكر حرشرفُ العا..هرات!
Published by:مفكر حرنظرة في روايات الرعب
Published by:اسعد عبد الله عبد عليلم أجد أمة في العالم تمجد دين غزاتها ومحتليها كأمة الكورد
Published by:سرسبيندار السنديالأسلام المبكر حقبة بلا تاريخ
Published by:يوسف تيلجيأريدك أن تأتي إلي حالا
Published by:مفكر حرورش الفنّ في عصر النهضة بقلم : عضيد جواد الخميسي
Published by:عضيد جواد الخميسي#نبيل_فياض: متى نخرج من زمن الطوائف؟
Published by:مفكر حررسالة من أب مهاجر إلى وطنه الغادر
Published by:علي الكاش#شاهد #أطفال_داعش - جيل #العراق الضائع وثائقية #دي_دبليو
Published by:مفكر حرهل من الحكمة شمل السلفيين والإخوان في أي حوار وطني في مصر ؟؟؟
Published by:أحلام اكرمقبل البداية ( 1 )
Published by:عصمت شاهين دو سكي#شيرين_ابو_عاقلة نجمة #القدس والحاقدين
Published by:صباح ابراهيمافكار للنهوض بواقع الاندية اقتصاديا
Published by:اسعد عبد الله عبد عليفيلم "على من نطلق الرصاص"
Published by:أسامة حبيب#نصاب_أسوان #مصر
Published by:رشا ممتاز#شاهد الوثائقي الفرنسي: #باسم_الآب_والإبن_والجهاد
Published by:مفكر حرهل الإسلام والقرآن صالح لكل زمان ومكان ؟
Published by:صباح ابراهيم#القومية_العربية فكر المسحيين الشوام كى يواجهوا عملية #التتريك
Published by:رشا ممتاز#شاهد شيخ شيعي ل #حسن_نصرالله نساء الشيعة يردن أن يشحدوا
Published by:مفكر حر#علي_فرزات: #ذو_الهمة_شاليش رحمه الله
Published by:مفكر حر#إيران 16 إعدامًا في أسبوع واحد، قتل سجين تحت التعذيب، 300 إعدام في عهد #إبراهيم_رئيسي
Published by:حسن محموديفيلم "مسافة ميل بحذائي"
Published by:أسامة حبيبمن هو محمد ؟!هل كان اسمه قتم بن عبد اللات أم إياس بن قبيصة؟
Published by:مفكر حرشعوب محترمة وأنظمة سياسية غير محترمة
Published by:مفكر حرحديث الجمال
Published by:عصمت شاهين دو سكي#شيرين_أبو_عاقلة بين الترحم وبين التكفير
Published by:يوسف تيلجيفهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج2
Published by:ابراهيم امين مؤمنلماذا الفلسطينيون وحدهم يدافعون عن المسجد الأقصى؟
Published by:مفكر حر#شاهد شيخ ليبي يفتي بعدم الجواز بالترحم على الشهيدة #شيرين_أبو_عاقلة
Published by:مفكر حر** الحلقة 3 ...من أشهر عشرين كذبة في الموروث الاسلامي
Published by:سرسبيندار السنديهل سمعتم بالقانون الجديد "ممنوع الكلام"!
Published by:اسعد عبد الله عبد عليالبیان الصحفي لمحكمة استئناف #أنتويرب البلجيكية بشأن إدانة 3 إرهابيين ل #نظام_الملالي
Published by:حسن محمودي#شيرين_ابو_عاقلة وحقد الحاقدين
Published by:صباح ابراهيمفالرحمة شيء عظيم ولا يستحقها الا المسلمون
Published by:مفكر حرمفاوضات #فيينا تتأرجح بين القبعة والعمامة
Published by:علي الكاش#شاهد مسلسل #كسر_عضم إهانة المسيحيين المتعمدة … #ماغي_خزام
Published by:ماغي خزام#شاهد #الولايات_المتحدة: تحويل جثث الموتى الى قلادات الماسية يرتديها ذووي الفقيد
Published by:مفكر حرفيلم "زائر الفجر"
Published by:أسامة حبيبأول معانقة وتقبيل فتاة في حياتي .. كانت آريب جميلة جداً
Published by:مفكر حرمن هي الشهيدة الصحفية الفلسطينية شيرين نصري أبو عاقلة 51 عاما
Published by:مفكر حر#شاهد شيوخ الضلال(٣) يشوهون سمعة الرسول الكريم بأنه يركب
Published by:مفكر حرإضاءه على #الطائفه_الإسماعيليه الكريمه ماضياً وحاضراً
Published by:مفكر حرلمحات عن توظيف العهد القديم في القرآن
Published by:يوسف تيلجيفيلم "صمت القصور"
Published by:أسامة حبيبأحدث التعليقات
- صباح العراقي on #شاهد إمام #كندا #شيرين_أبو_عاقلة ماتت على غير الإسلام ليست في الجنة
- س . السندي on لن تنسحب #روسيا من #سوريا وتسلم مواقعها ل #إيران الا اذا خسرت حرب #اوكرانيا وسقط #بوتين
- س . السندي on رسالة من أب مهاجر إلى وطنه الغادر
- س . السندي on لم أجد أمة في العالم تمجد دين غزاتها ومحتليها كأمة الكورد
- Ryad on وصيتي: بقلم رياد حيدر
- يحي عيس محفوظ on قصة الملك سليمان في التوراة والقرآن
- يحي عيس محفوظ on قصة الملك سليمان في التوراة والقرآن
- يحي عيس محفوظ on قصة الملك سليمان في التوراة والقرآن
- يحي عيس محفوظ on قصة الملك سليمان في التوراة والقرآن
- عزيز حميد مجيد on #شاهد شيخ شيعي ل #حسن_نصرالله نساء الشيعة يردن أن يشحدوا
- ليثاب السنكور on #علي_فرزات: #ذو_الهمة_شاليش رحمه الله
- عبد الله on الفرق بين إعفاء اللحية والكلب بين السنة النبوية والعلم
- صباح العراقي on #شاهد مسلسل #كسر_عضم إهانة المسيحيين المتعمدة … #ماغي_خزام
- صباح العراقي on فالرحمة شيء عظيم ولا يستحقها الا المسلمون
- س . السندي on فالرحمة شيء عظيم ولا يستحقها الا المسلمون
- س . السندي on #شاهد #الولايات_المتحدة يساريون يهاجمون المصلين بكنيسة كاثوليكية بسبب حق الإجهاض
- مفكر اسلامي متحرر on فالرحمة شيء عظيم ولا يستحقها الا المسلمون
- بخار البخاري الصحيح on #شاهد شيوخ الضلال(٣) يشوهون سمعة الرسول الكريم بأنه يركب
- Dr Peter Fares on آيات ناقصة لا معنى لها
- Max Ivanovich on لماذا تم تصميم ستاد قطر على شكل فرج امرأة
- س . السندي on محمود حسنى رضوان: لا للجلسات العرفية وتبويس اللحى.. لابد من محاسبة الصيدلى المخطئ.. سيادة القانون هى الحل
- Shakir on تبادل الزوجات عند العرب قبل وبعد الإسلام
- اابوالياس on زواج الرسول من العذراء مريم بين المنطق والهلوسة
- س . السندي on المحامي #ادوار_حشوة ! كيف باع #بوتين #آيا_صوفيا؟
- الحسن الاول on #شاهد #حامد_المالكي كاتب سيناريو يشرح كيف كانوا يكتبون المسلسلات التاريخية الإسلامية
- سعد بن أبي بكر on العرب اكثر الشعوب تديناً واكثر الشعوب فساداً في الارض
- س . السندي on #شاهد فتوى رمضانية تستفيد منها البشرية وتحل كل المشاكل السياسية والإقتصادية وتؤمن الرخاء
- Mazin Al-Baldawi on ياشوع بالسريانية تكتب (ܝܫܘܥ)
- علي الهاشمي القرش on آيات القرآن المقتبسة من التوراة
- عمر المحول رحله on فضيحة عقد النكاح