أقزام الديكتاتورية

محمد الرديني

في إحدى بلاد الكفار جمعية أطلقت على نفسها جمعية الثقافة العربية وهي في الواقع ومنذ أكثر من ٢٠ سنة مضت على تأسيسها ليس لها علاقة لا بالثقافة ولا بالعرب.
لماذا؟
ليس السبب في الناس الذين قادوها وإنما يبدو أنها بسبب الجينات العربية وخصوصا العراقية التي تكره العمل الجماعي .
العمل الجماعي بالنسبة لبعض العراقيين هو ذوبان الشخصية وعدم إرضاء الغرور الأجوف الذي من خلاله يجب استعراض عضلاته الفكرية والتاريخية وحتى الجغرافية منها.
العراقي ديكتاتور منذ صغره فهو الأخ الذي يجب ان يحافظ على أخته حين تخرج إلى الشارع وهو مشروع مخابرات مصغر لكتابة التقارير عن تحرك أخته ومن لف لفها.
والعراقية من جهتها أما مقادة ليس لها في أمرها حيلة وأما خنوعة ترضى بما هو مقسوم لها.
وهذا الكلام ليس مطلقا ولكنه يحتل 99.9%.
نعود إلى هذه الجمعية البائسة.
قبل أيام جرت انتخابات الهيئة الإدارية وفازت في رئاسة الجمعية شاعرة لم يتسن لأولاد الملحة أن يقرأها لها شيئا.
ويبدو أن احد الكتاب، كما قيل لكاتب السطور، استبشر بالخبر خيرا فهو معروف بحسن نيته ،وثقته بالآخرين لا حد لها فقد كتب رسالة خاصة الى من يهمه الامر يقول فيها:
سيدي الكريم
وجدت من المناسب أن افضفض لك عن حسرتي فقد آملت خيرا في الهيئة الإدارية الجديدة خصوصا وان الرئيس شاعرة لها ديوان مطبوع وكانت مناسبة أن اطرح عليهم حفل توقيع كتابي الجديد مع مناسبة حفل توقيع كتاب هذه الرئيسة.
وكنت اشعر سيدي الكريم أنها فرصة رائعة أن يشترك كتابان في جلسة واحدة ليطرحا ثمرة جهودهما أمام جمهور معني بالثقافة.
ولعلك تعرف سيدي أنه من النادر أن يلتقي كاتبان في حفلة توقيع واحدة أمام الجمهور ولهذا كان الشعور بالغبطة لايوصف.
ولكن من حيث لم أتوقع سيدي الكريم فقد رفضت الرئيسة أن يشترك احد معها في حفل التوقيع لانها تريد أن توزع كتابها لوحدها أمام الجمهور.
ليكن لها ذلك وليس هناك من سيزاحم هذه الشاعرة ولكن لابد من وجود أخلاق ثقافية تربأ عن ممارسات الأميين والجهلة.
المثقف كما تعرف سيدي ويعرف معظم الناس يكره الأنانية والتسلط ودائما يبحث عن العمل الجماعي ومن هنا كنت أتوقع أن يتصل في هذا العبد الفقير الى ربه احد من اعضاء مجلس مجلس إدارة هذه الجمعية ليهنئني أولا على صدور كتابي وليشكرني ثانيا على قبول اشتراكي في حفل توقيع مزدوج.
لدي سيدي سؤال يحيرني عسى أن تشبع فضولي وتجيبنئ عليه:
هل العراقي يصلح لكل شيء إلا أن يكون سفيرا لبلاده، بمعنى أن يكون في منصب مسؤول في بلاد الكفار؟ وهل صحيح انه ما أن يستلم موقعه حتى تراه يشتري ٢٠ قفلا أو ” زرادية” ليقفل بها مكتبه ويكتب على بابه ممنوع الزيارات حتى أشعار آخر؟ وهل صحيح أن الجينات العراقية لاتشبه أي جينات إنسانية أخرى من حيث فقدان التواصل والتعاون والبحث عن سبل لزيادة الأواصر الاجتماعية.
في معظم بلاد الكفار لدى الجالية الهندية أكثر من جريدة توزع مجانا ولدى الجالية الصينية ٣ جرائد أو أكثر توزع هي الأخرى مجانا عدا الجاليات الأخرى التي لاتقاس إمكاناتها المالية بما تملك الجالية العربية أو العراقية على وجه الخصوص.
في بلد الكفار إياه لدى هذه الجمعية نشرة شهرية من اهم مواضيعها كيف تطبخ كبة الموصل والتبسي وحامض شلغم.
أرجو إلا أكون قد أزعجتكم ولكن للضرورة أحكام
ودعناكم.
فاصل نفسوي: دعوة حارة الى زميلي الدكتور قاسم حسين ليتحفنا برأيه عن شخصية الفرد العراقي وحبه للديكتاتورية المعاصرة فهو اقدر على ذلك من كثيرين

تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.