أنماط التعليم ومعجزات اليابان!

الشرق الاوسط اللندنية

تركي الدخيل

«التعليم في اليابان ليس الهدف منه تكوين أناسٍ يتقنون تقنيات العلوم والآداب، والفنون، وإنما هو تصنيع الأشخاص المطلوبين للدولة»… هذه العبارة قالها أول وزير تعليم في اليابان، أرينوي موري في عام 1885، عبارة تعبر عن الأساس ذاته، التي سار عليها جمع من الدول الآسيوية ذات التكوين الغربي، مثل كوريا الجنوبية، واليابان، وسنغافورة… كلها ذات امتداد تاريخي مع الثقافة الغربية.

يروي الأديب الياباني كينزابورو أوي (1935 – ) عن تشكل اليابان: «نحن غارقون حتى العنق في الثقافة الغربية، ولكننا غرسنا بذرة ضئيلة، وبمثل ما تضرب البذرة بجذورها بالأرض وتنمو، فإننا نشرع في إعادة خلق أنفسنا»… ذلك الأسلوب جعل المستوى الحضاري لليابان بقدر ما له امتداد الغربي، فإن جذوره وعروقه وتربته ذات أصول يابانية بحتة، إنها حضارة استلهام عميق تراكم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان للتعليم وتطويره أبرز دور، للقيام بمهام النهضة الحضارية.
مر على تكون التعليم النظامي بالدول العربية، ما يقارب القرن من الزمان، غير أنه بمجمله تعليم لا يقارب تجارب الأمم الأخرى، التي صقلت مؤسساتها التعليمية، إذ صبغت الجامعات والمدارس بطرق الكتاتيب ولم تتحرر منها، لهذا بقيت أسيرة التلقين والترديد، أكثر من تعليم الإنسان اكتشاف شخصيته. هيمنت أساليب الأسئلة الناجزة، والإجابة المعلبة الجاهزة على المناهج التربوية، واستبعدت الأدوات الفكرية، والصيغ الفلسفية من التأسيس العلمي للإنسان… تجربة اليابان التعليمية، رغم تأخرها عن تجربة العالم العربي، فإنها تفوقت علينا بما لا يمكن قياسه!
يسجّل المؤلف الأميركي باتريك سميث (1927 – 2014) في كتابه «اليابان رؤية جديدة»، مشاهداته وتجاربه في المدارس اليابانية، إذ يلاحظ أن «المديرين في المدارس يتكلمون بحماسٍ عن فضائل التعليم الليبرالي، يعتبر تاشيو إيجيما، مدير مدرسة مينامي الإعدادية، أن الواقع ليس مجرد تجميع الحقائق العلمية، وإنما هو أيضاً كيفية وصول الشخص إلى جوهر هذا الواقع في الحياة اليومية، إننا نريد طلاباً يستكشفون مشكلات في الطبيعة ويجدون حلولاً لها… في أثناء زيارتي لمدرسة سكاي الابتدائية قال لي يوهوسونو، إن واجبي أن أُنشئ التلاميذ، ليصبحوا ناضجين قادرين على تقوية بناء الأمة، ومبدئي الأساسي هو كل شخص يستطيع أن يقوم بأي دور».
كوّن التعليم الرصين، المبني على أسس بناء الشخصية، المجتمعات المتطورة في آسيا وعلى رأسها اليابان، إذ استطاعت تجاوز الانكسارات الكبرى بعد أن سُحقت سحقاً في الحرب العالمية الثانية… نهضت من كبوتها، وتفاعلت مع المحيط ومع الأمم التي هزمتها مثل الولايات المتحدة، وانسجمت مع إرثها، مما جعل الحصيلة النهائية متجليةً بفردٍ دخله عالٍ… تصنيف التنمية البشرية بمستوى رفيع، نهضة اقتصادية، رفاه اجتماعي، وانتظام سياسي، لأن البنية التي أسست المجتمع ليست عرقية، رغم تعدد الأعراق داخل المجتمع بين الصينيين، والكوريين، وسواهم، بل التأسيس قاعدته الصلبة بكلمة واحدةٍ هي «التعليم».
السر الأبرز، لنجاح التعليم باليابان يعتمد على 3 أسس؛ هدف التعليم بناء الشخصية… صناعة التخصصات المنتجة على أرض الواقع… والثالث هو التعليم بالشراكة، إذ يكون الطلاب متعلمين ومعلمين لبعضهم بعضاً في الوقت نفسه، المسافة بين الطالب وأستاذه قصيرة للغاية، مع غرسٍ مبكر منذ الروضة – التي يدخلها قبل الدراسة 90 في المائة من اليابانيين – بأن ما نتعلمه هو لخدمة الأمة العظيمة، وبالتعليم يمكننا تجاوز الأزمات… ذلك هو الشعار، وبالفعل تغلبت على الأزمات الاقتصادية، واستوعبت مع تقادم السنين حتى أخطار الزلازل، التي تتعرض لها اليابان بشكلٍ مستمر بفعل الطبيعة الجيولوجية، كان العلم والتعلم السلاح الأبرز بوجه تلك التحديات!
في عام 1955، كتب العالم الإنثروبولوجي كلود ليفي شتراوس (1908 – 2009) عن العلاقة بين الثقافات: «كلما قل تواصل ثقافة مع أخرى، قل إمكان أن تفسد إحداهما الأخرى، ولكن من جانبٍ آخر، يقلّ كذلك إمكان أن تكتشف ما في الأخرى من ثراء ودلالات، وتنوع، وتلك مفارقة لا حل لها».
اليابان أمة تعلمت وعلمت… بهذا نهضت!. . . . .

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

الصندوق الأسود- مقتل كمال جنبلاط

الصندوق الأسود- مقتل كمال جنبلاط

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

شاهد الناشطة جود العقاد 6 سنوات ثورية سورية

شاهد الناشطة جود العقاد 6 سنوات ثورية سورية

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

المحامي ادوار حشوة : لماذا انسحبت الفصاىل من استانا ؟

ليس صحيحا ان الانسحاب لان الروس اخلوا بالتزاماتهم بل لان النظام مدعوما من ايران خرقا اتفاقية وقف إطلاق النار التي على اساسها كان موتمر استانا الذي يفترض ان يكون مدعوما من تركيا وروسيا وايران كجهات دولية ضامنة فتبين ان اي بنود مهمة من الاتفاقية لم تنفذ واجتاح النظام مواقع ليست من النصرة ولا داعش والهدف هو تحقيق انتصارات عسكرية لتعطيل العملية السياسية
وجاء تصريح الرئيس الاسد الأخير مؤكدا على ذلك حين قال لوكالة الأنباء الصينية (الحل الوحيد هو المصالحات التي نجريها) فأغلق الباب على مجمل القضية السياسية, ولكي نعرف ما هي الخروقات للاتفاقية لا بد للعودة الى الاتفاق .

– وقف إطلاق النار يشمل المناطق المسيطر عليها من النظام والفصاىل
-يجب ابعاد الأسلحة الثقيلة عن خطوط التماس تحت الرقابة الدولية
-يمنع احتلال اي مواقع من اي طرف بعد توقيع الاتفاق
– يتوقف الطيران وكل مقذوفات واي اعمال تخريب وتجسس واغتيالات وتعطيل مصادر المياه
-يمنع تحليق جميع الطائرات والمروحيات ما لم تحصل على إذن من المراقبة الدولية
-يجري تثبيت مواقع الطرفين من قبل لجنة المراقبة
-كل منطقة يحررها اي طرف من داعش له الحق بالسيطرة عليها
-يجب انسحاب كل الميليشات الأجنبية خلال شهرين تحت إشراف المراقبة
-يجب وصول المساعدات الانسانية وفك الحصار والعودة الامنة للمهجرين والغاء كل التدابير القانونية والأمنية بحقهم
-إطلاق سراح المعتقلين السياسين لدى الطرفين والبحث عن المفقودين
باستقراء الواقع لم يتحقق اي بند لم يخترق كليا وجزئيا واجتياح مصادر المياه في الفيجة وتدمير مركز مساعدات أدلب
واستمرار القتال والتوسع وتحليق الطائرات وبقاء المليشيات وعدم إطلاق المعتقلين وغير ذلك أعطت مشروعية لموقف من رفضوا الآستانة من الفصائل ومن السياسين وهذه هي القصة وهذا هو السؤال
١٤-٣-٢٠١٧

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

شاهد قيادي في الإخوان المسلمين يتحدث عن التاريخ المخزي للقادة العرب

نشر الداعية الإسلامي، طارق السويدان، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الخليج، مقطع فيديو على قناته في ” يوتيوب”  (شاهده اسفلا)  عن الحال المخزي للقادة العرب في التاريخ جاء فيه:”  مصائب أصابت البشرية بسبب قرارات كانت قرارات فردية وهذه ليست فقط مشاكل أصابت الغرب، حتى عندنا وصلتنا نحن الحرب العالمية الثانية بل دمرتنا، وهذه المسألة لم تتوقف وإنما استمرت وخاصة في عالمنا العربي … الديكتاتوريات المتتالية التي أصابتنا، ولعل من أشهر هذه القيادات السيئة، وتأملت في التاريخ، فمن أسوأ القيادات السيئة التي مرت في التاريخ، المقبور الطاغية معمر القذافي الذي تسلط على الشعب الليبي الكريم طوال 42 عاما.”.. انتهى الاقتباس..  هههه..  وسؤالنا للداعية الكريم بأن تاريخ العرب مخزي منذ مئات السنين والقذافي حكم اقل من خمسين سنة..  وهذا يعني بان تاريخ الخزي يمتد لمئات السنين والقذافي هو نتيجة وليس السبب…. صورة تجمع القرضاوي والسويدان من اهم قادة جماعة الاخوان المسلمين

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | 1 Comment

بالفيديو| ما بقي من متحف الموصل التاريخي

ما هو سبب دمار وخراب وتخلف بلادنا …. الغريب أن الكثيرون يتعاطفون مع مثل هؤﻻء الرعاع … #بالفيديو| ما بقي من متحف الموصل التاريخي #العراق #الموصل

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

حمير بالجملة …

..

حمير بالجملة …

كان هناك حمار مربوط بشجرة بالحقل… جاء الشيطان وفكَّ حبله …
دخل الحمار إلى حقل الجيران وبدأ يأكل الاخضر واليابس….

رأته زوجة الفلاح صاحب الحقل وجن جنونها… تناولت البارودة وقوصت الحمار…
صاحب الحمار سمع صوت الرصاص ولما شاف حمارو مقتول، غضب كتيراً وأخرج بارودته وقتل زوجة الفلاح …
كان الفلاح عائداً لبيته … رأى زوجته مقتولة ففقد عقله…
أتى بالبارودة وقتل صاحب الحمار…

شخص واقف جنب الشيطان… قال له: يا شيطان شو عملت؟
أجابه الشيطان: انا ما عملت شي … بس فلتت الحمار …

كم حمار فلت ببلدنا ؟؟!!

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

جواد الأسدي في المشهد

مشاهد من سيرة المسرح العربي المعاصر، محمّلة بتجارب شخصية، عاشها المخرج والكاتب المسرحي العراقي جواد الأسدي ابن مدينة كربلاء . النظام العراقي السابق أعدم شقيقيه. أما هو فترك العراق وعاد بعد سقوط النظام عام ألفين وثلاثة، ثم اختار الرحيل مجدداً. يروي للمشهد رحلة مسرحه من العراق الى سوريا ولبنان والمغرب.

Posted in الأدب والفن, يوتيوب | Leave a comment

DNA – 14/03/2017 إيران تريد الحوار..والخليج يتدلَّل

DNA – 14/03/2017 إيران تريد الحوار..والخليج يتدلَّل

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

ايام لا تنسى مع محمود درويش بمناسبة ذكرى ميلاده (1941 – 2008)

في أواخر سنة 1969، كنت حينها أدرس في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو- الاتحاد السوفييتي آنذاك، وصل لعلمنا أن محمود درويش حصل أخيرا على جواز سفر مؤقت، لمدة سنة واحدة أو أقل قليلا.. لمغادرة إسرائيل إلى موسكو.. إلى معهدنا. (معهد الأحزاب الشيوعية كما كان يعرف واسمه الرسمي “معهد العلوم الاجتماعية”).
كنت في بداياتي الأدبية… كاتبا مبتدئا تشده رومانتيكية الأدب، كان يومها محمود درويش نجمنا الأدبي الأعلى الذي لا تخلو مهرجاناتنا من قصائده.
كانت قصائد محمود درويش قد بدأت تتحول إلى محفوظات وطنية نرددها.. وما زلت أذكر مقاطع عديدة من قصائده التي ألهبت الجماهير في نضالها الشرس سياسات القمع ومصادرة الأرض وتضييق الخناق على القوى الوطنية وضد العزل العنصري وضد نظام الحكم العسكري البغيض المفروض على العرب وحسب قوانينه طبقت سياسات النفي والاقامات الجبرية وتحديد التنقل واثبات الوجود في مراكز الشرطة وهو ما عانى منه محمود درويش والعشرات من رفاقه لسنوات طويلة. انا ايضا قيدت حرية تنقلي ولم أكن قد تجاوزت سن العشرين، المضحك اني وصلت بتصريح عسكري لمطار اللد (بن غوريون اليوم) وسجل تحت الهدف من الوصول للمطار “السفر للاتحاد السوفييتي فقط” وكأنهم يحددون مكان وجودي خارج إسرائيل أيضا، رغم إني سافرت أولا لقبرص… وقد سجل في التصرح الطريق التي يجب أن التزم بها للوصول إلى المطار مع ملاحظة تمنعني من الدخول للبلدات في الطريق، ما عدا لمحطات الوقود…
في مثل هذه الظروف نشط محمود درويش وكتب قصائد المقاومة، في مفهوم التحدي للسلطات العنصرية الغاشمة والدفاع عن الحقوق القومية للشعب الفلسطيني من داخل الوطن المنكوب. كانت القصيدة أهم من خطاب سياسي، القصيدة خطاب مجند للنضال.. من هنا أنا على قناعة تامة أن شعرنا المهرجاني الوطني لعب دورا تثقيفيا وسياسيا هاما لا يمكن مقارنته بأي شعر منصات آخر. لذلك حين تقييم هذا الشعر، يجب أن نفهم أن حديثنا عن الشعر الوطني أو المهرجاني التقليدي، له قيمة خاصة في الشعر الفلسطيني الذي كتبه الشعراء العرب الفلسطينيون في إسرائيل. قيمته تتجاوز فنيا أيضا، كل الشعر الشبيه الآخر الذي كان يغرق فيه الشعر العربي.
لم تكن معرفة سابقة شخصية بيني وبين محمود درويش، رغم إننا كنا من نفس الموقع السياسي، كان محررا للمجلة التي اعتبرت فخر ثقافتنا المحلية. مجلة “الجديد” التي تعتبر أيضا من أفضل المجلات الثقافية العربية على الإطلاق. لا ابالغ بالقول ان مجلة “الجديد” كانت جامعة ثقافية لعشرات المثقفين.. وما زلت أعتبر نفسي خريج هذه الجامعة الثقافية، التي لعبت دورا ثقافيا سياسيا هاما في كسر دائرة التجهيل بتراثنا العربي، كسر عزلنا عن الثقافة العربية.. وتنشأة جيل جديد من المثقفين بعد النكبة.
كنت أعرفه من المنصات ويعرفني من القصص التي أرسلها للنشر في الجديد… وقد شعرت بتوتر من لحظة اللقاء مع محمود درويش وانتظرتها قلقا من طول الدقائق…
وصل محمود درويش إلى موسكو، نقلوه كالعادة إلى “الداتشا” – قصر للنقاهة في الجبال.. حيث كانت تجرى الفحوصات الطبية لكل الوافدين للمدرسة الحزبية في موسكو.. قبل نقلهم إلى بيت الطلبة وبدء برامج التعليم في المعهد.
ذهبنا، نحن الطلاب ، الرفاق العرب من إسرائيل لزيارة محمود درويش ورفاقه في “الداتشا”.. وكانت تلك أول مرة نلتقي وجها لوجه، نتعارف ونتبادل التصافح بالأيدي.
راقبت كل حركات محمود درويش لسبب لا أفهمه، ربما لأفهم العلاقة بين هذا الإنسان الهادئ الوديع، الذي اسمه محمود، له مظهر الإنسان الحالم… وبين شعره المتفجر بنار الغضب والثورة والجرأة. ربما توقعت ان أرى إنسانا حديديا رهيبا لكلماته فعل الرصاص… ولكني وجدت إنسانا حلو المعشر، حديثه عذب جذاب، يحب الحياة، يضحك بطلاقة، رقيق لأقصى ما تحمله الرقة والدماثة من معنى. له مظهر حالم كما قلت وربما حتى بعض الحياء.
هذا هو انطباعي الأول عنه.
سألت نفسي وقتها: ترى هل وراء هذا الإنسان الرقيق الهادئ، الذي يرعب دولة إسرائيل.. يختبئ أسد متوثب ومرعب؟!
هل حقا هذا هو محمود الذي سجن وعانى من الاضطهاد، من الحبس المنزلي وتقييد حرية التنقل لدرجة عدم السماح له بزيارة أهله على بعد نصف ساعة سفر من حيفا؟!
هل هو محمود نفسه، الرافع لراية شعبه، المعبر عن مآسيه، من النكبة حتى مجزرة كفر قاسم الرهيبة (50 ضحية) ومقتل الشباب العرب الخمسة والتنكيل بجثثهم بصورة وحشية وغيرها من مآسينا المتواصلة، مثل مصادرة أراضينا ومنعنا من العودة إلى قرانا المهجرة وتقييد حريتنا بالعمل ؟!
أعرف إن بعض ما أكتبه اليوم يبدو كتابة عن عالم آخر.. مساحة الحرية اليوم واسعة جدا.. القيود تحطمت.. رغم استمرار سياسات التمييز العنصري، إلا إننا أنجزنا بنضالنا مكاسب تبدو اليوم شيئا عاديا لا يحتاج إلى تفكير ونضال. لكن الويل لشعب ما زال مشردا في وطنه وخارج وطنه من الاطمئنان لمنجزاته واعتبارها أمرا لا عودة عنه، لأن القوى الفاشية ما زالت تتحين الفرصة للانقضاض على ما أنجزناه وما حققناه من قامة مرفوعة..
سألت نفسي أيضا: هل حقا هو محمود نفسه الذي أطلق عليه شعبنا لقب ” شاعر النكبة “؟!
قلت كنت في بداياتي، كان محمود قد بدأ اسمه يسبقه أينما ذهب، كان العالم العربي منبهرا بشعره وشعر زملائه ، وكل ما ينشر تحت اسم الشعر عندنا حتى لو كان بلا معنى ولدرجة تجاوزت المنطق.. مما جعله يطلق صرخته الشهيرة وقتها، عبر مجلة الجديد: ” أنقذونا من هذا الحب القاسي”. كأنها كانت نبوءة لخطر العشق العربي بلا منطق لكل ما ينتجه أدبنا المحلي.
شعرت بالرهبة والارتباك وانا بالقرب منه، اسما مبتدئا لا يعرف لغة التودد ولا أعرف أن أبني علاقات على أساس المنفعة الذاتية، أو التعلق بسماجة بالآخرين.
بعد الفحوصات وانتهاء الترتيبات المختلفة، التحق محمود بمعهدنا.
لا أدري كيف ذاب الثلج بيننا، وكيف استقرت العلاقة الفريدة التي جمعتني به في المعهد. لكنها لم تستغرق غير أيام قليلة.. حتى استطعت التخلص من ارتباكي والحديث الحر معه..
سحرتني شخصيته بوداعته التي تبلغ حد الطفولة، مع ازدياد معرفتي به، كنت أكتشف أمامي معدنا صلبا نقيا، أنسانا حقيقيا لا تتنازعه الميول الطارئة ولا يبني علاقاته إلا على أساس الاحترام.
قلت اني لا أذكر تماما كيف تطورت علاقتنا، لكن الواضح ان وجودنا في نفس بيت الطلبة، في نفس المعهد، في نفس طبقة بيت الطلبة وفي فرقة واحدة لا يتعدى أفرادها الثمانية… جعل المسافة بيننا تتقلص، اللقاء اليومي بدا يولد تفاهما في الذوق والميول وحب الحياة، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني.. إلى جانب معرفتي الجيدة نسبيا باللغة الروسية وبالعاصمة موسكو ومطاعمها الجيدة وحدائقها الجميلة وشوارعها وسائر تفاصيلها… وقد اكتشفت ان هذا الإنسان الحالم لا يحفظ الشوارع بسهولة، لا يحب التقيد بنظام بيت الطلبة الذي يحدد ساعات بقائنا خارج المنزل حتى الحادية عشرة مثلا، حيث كان الحارس للمبنى يغلق الأبواب ومن يتأخر يواجه مشكلة الدخول، ثم تنبيها وانتقادا من إدارة المعهد.. ألخ. في أول سهراتنا بالخارج أخبرت محمودا بهذا التحديد.. فرفضه ضاحكا معبر عن أمنيته التي طالت بقضاء سهراته خارج غرفته لساعات الفجر. ففهمت انه يعني أن هذه فرصة العمر، فبعد سنة سيعود إلى حيفا والى الحبس المنزلي بعد غروب الشمس وحتى شروقها، حسب قانون الطوارئ الانتدابي الذي واصلت إسرائيل فرضه على ابرز المناضلين العرب ولتذهب كل التقييدات إلى الجحيم!!
حاولنا ان نحصل على إذن بالبقاء خارج المنزل لوقت أطول، فلم ننجح، فوجدنا طريقة لا يمكن أن تفشل، بإهداء بواب المبني، قنينة فودكا كلما شئنا أن لا نعود في الوقت المحدد… كنا نعلمه مسبقا.. وكان دائما على استعداد للتغاضي عن موعد عودتنا وهكذا نجحنا في التحرر من قيود النظام.
كان جليا أن متعته الكبرى أن لا يعود للمنزل قبل الفجر، كأنه يقهر شرطة إسرائيل بسهراته حتى الفجر هنا في موسكو.
في موسكو التقى محمود درويش بالناقد والمفكر اللبناني حسين مروة، الذي كان يعد رسالة الدكتوراة في نفس المعهد. والذي اعتبر في وقته (1969) محمود درويش كأبرز شاعر عربي معاصر في مداخلة قدمها في إطار المعهد إمام أساتذة وطلاب المعهد.
التقى محمود درويش في موسكو بعدد من أدباء العربية، بقي في ذهني منهم الكاتب السوري سعيد حورانية، الذي كان يحرر أسبوعية ” إنباء موسكو ” باللغة العربية، حيث كنت أنشر قصصا ونشر محمود احد قصائده الجديدة التي كتبها في موسكو، أظن انها كانت انتقادا لأنظمة عربية تعاملت معنا كعملاء للصهيونية. كذلك التقى مع الشاعر السوداني جيلي عبد الرحمن، مع الناشر اللبناني، من دار العودة، محمد سعيد محمدية، مع الأديب اللبناني د. سهيل إدريس صاحب الآداب اللبنانية، مع الكاتب اللبناني محمد دكروب، محرر مجلة “الطريق” اللبنانية وغيرهم تفوتني أسمائهم… وقد حضر بعضهم إلى موسكو بعد انتشار خبر وصول درويش إليها.
قضيت أكثر من نصف سنة مع محمود درويش، في لقاء يومي وأحاديث يومية، للأسف لم أسجل أيا منها، وبعضها كان يتعلق بأدبنا المحلي، مشاكله ومشاكل تطويره، التجديد في الشعر وقد بدأت ألمس من وقتها انطلاقة محمود درويش نحو ما بات يعرف في شعره اليوم بالفضاء الإنساني العالمي… خارجا من مرحلة الشعر الوطني التقليدي، قبلها شعره الغنائي الغزلي ثم الوطني ألمنبري ان صح التعبير وصولا للوطني الانساني…
بدأت ملامح الفكر الإنساني الشمولي تأخذ مساحة هامة في كتاباته الشعرية الجديدة.
صحيح إني أتحدث عن ذكريات بات عمرها اليوم خمسةعقود، وقد نشرت بعض تفاصيلها قبل عقدين من الزمن، وهي التي اعتمدتها في هذه المراجعة..
في ذكرياتي عن لقائي بمحمود درويش في موسكو تختلط أمور كثيرة.. هناك ما أعتبره من المسائل الذاتية جدا التي لا أحب الخوض فيها.
عندما سمعت، بعد عودتي بشهر أو أكثر محمود درويش يعلن عبر إذاعة القاهرة (1970) انتقاله لموقع آخر، حزنت وفرحت في نفس الوقت. حزنت لفقداننا هذا الركن الهام في شعرنا المحلي وفرحت لانطلاقة النسر من أسره. بنفس الوقت لم أتفاجأ من خطوته. ربما يصعب علي تفسير ذلك، ولن أحاول تفسير خطوته التي لم تفاجئني. لأنها قد تحمل الكثير من باب التأويل، هذا لا أحب التطرق إليه، لأني إذا لمست بعضه، فذلك بسبب قربي الشخصي من محمود في تلك الفترة. بلا شك ان وجود محمود درويش في نفس المعهد وما أثاره وصوله إلى موسكو في وقته من اهتمام واسع، حفزني على المزيد من الإبداع، من جعل الإبداع، الفكر والنشاط الثقافي عامة مبدأ ومنهجا لحياتي. كان الطلاب العرب يتساءلون عن مكان درويش في موسكو، وكثيرا ما عرفوه في الشوارع ونادوه باسمه ليحيوه بحب وتقدير ما رأيت مثله في حياتي.
الانعكاس الأساسي علي انه جعلني أفهم الأدب كالتزام واع بقضايا الناس وتطلعاتهم وان الوطني حقا هو إنساني بالمقام الأول أيضا.
اليوم حين أنظر لخارطة العالم الثقافية، ارى المكانة المرموقة لمحمود درويش، دوره الطليعي في خريطة الشعر العربي واسمه الذي صار عنوانا لقضية وطنية وإنسانية في نفس الوقت.
محمود درويش هو سنديانتا الشعرية.. حلمنا ونموذجنا الأعلى… أشعر كم سنبقى مقصرين، بحق الإنسان والشاعر.. المتألم لآلام شعبه، الذي ترك في نفس كل واحد منا شيئا من ذاته، شيئا من طهارته، شيئا من إنسانيته وشيئا من تحديه…
سيبقى محمود درويش علامة فاصلة لشعرنا، لثقافتنا، لإنسانيتنا ولقدرتنا على مواصلة الإبداع.. ومواصلة التحدي والنضال لتحقيق الحلم الكبير لمحمود ولشعب محمود، بإقامة دولة فلسطين الديمقراطية المستقلة، بيتا دافئا للشعب الفلسطيني، يكفي فخرا لشعب فلسطين شاعرهم القومي الإنساني، الذي صار اسمه مرادفا لما هو جميل وراق في الأدب العربي والعالمي كله.

nabiloudeh@gmail.com

Posted in الأدب والفن | Leave a comment