ولاية أمر النساء

 سهى الجندي

لعل ولاية الأمر في الدول الإسلامية المسئول الأول عن هضم حقوق النساء خاصة وأن قوانين الأحوال الشخصية مستمدة من المذهب الحنفي والمالكي وغيرها بحسب مذاهب الشريعة الإسلامية. وتلعب ولاية الأمر دورا حاسما وقاصما في ترسيخ النظرة الدونية للمرأة في شتى مجالات الحياة مما يجعل إصلاح القشور غير فعال في حدوث إصلاح جذري في المجتمع وتكمن الخطورة ليس في هضم حقوق النساء ولكن في تراجع المجتمع برمته وغياب مفاهيم العدالة الاجتماعية بالنظر إلى أن النساء يحملن مسئولية تربية النشء الجديد وترسيخ قيم العدالة الاجتماعية ومفاهيم المستوى الحضاري فتغيب هذه المفاهيم من عملية التنشئة الاجتماعية وبالتالي يتراجع المجتمع بشموليته نظرا لأن جوانب الحياة متداخلة وتأثيرها جدلي ومتداخل.

تعرف ولاية الأمر في الفقه الإسلامي على أنها “الصلاحية القانونية الممنوحة لشخص مؤهل وكفؤ لحماية مصالح وحقوق شخص آخر يفتقر إلى القدرة على حمايتها بشكل مستقل”. أما الأشخاص الذين يوضعون تحت ولاية الأمر فهم ثلاثة: القاصر والمجنون والمرأة. وبموجب هذا التحديد فإن ولاية الأمر تذهب إلى الرجل إذ لا يمكن أن تكون المرأة ولي أمر المرأة. ويرى أبو زهرة العالم الإسلامي المصري أن ولاية الأمر تنقضي بزوال السبب فالقاصر يصبح مستقلا فور بلوغه سن الرشد والمجنون يصبح مستقلا فور عودة العقل إليه أما المرأة فلا يمكنها التخلص من ولاية الأمر بزوال صفة الأنوثة عنها لأن هذه الصفة دائمة مما يعني أنها لن تصبح مستقلة أبدا. وبكلمات أخرى، فالمعنى الضمني أن المرأة تبقى قاصرا وغير عاقلة طوال العمر وهذا يستدعي ولاية الرجل على أمرها.

ترسخ قوانين الأحوال الشخصية في المجتمعات الإسلامية مكانة الذكر والسلطة الذكورية في المجتمع وتمنحه حق ولاية الأمر حسب الترتيب من ناحية القرابة. وتضع هذه القوانين المرأة تحت ولاية الأمر إلى سن معينة كما في الأردن حيث تكون ولاية الأمر حتى سن الثلاثين بحسب المادة 185 من القسم الثالث من قانون الأحوال الشخصية الأردني لعام 2010 وقد تمتد فترة الولاية إذا كانت المرأة غير أهل للثقة. وفي السعودية واليمن تمتد ولاية الأمر طوال العمر. وتوضح القوانين أن سبب ولاية الأمر هو أن النساء قاصرات ومعتمدات على الرجل بحسب قربه في هيكل الأسرة. ويفسر الفقهاء ولاية الأمر بأنها تكليف للرجل لحماية المرأة وهذا يعني أنها لا تستطيع الزواج دون موافقته ولا تستطيع السفر دون موافقته ولا تستطيع الحصول على أوراق ثبوتية دون موافقته ويستطيع بسهولة التقدم بطلب رسمي لدى الدوائر لمنع إنجاز المعاملات الرسمية للمرأة التي تقع تحت ولايته. وفي هذه الصلاحية افتراض ضمني أن ولي الأمر يتمتع بصفات النزاهة والاستقامة. أما إذا أساء ولي الأمر استخدام صلاحيته، فللمرأة أن ترفع قضية في المحكمة تطلب فيها سحب حق ولاية الأمر من ولي الأمر لأنه يعضلها وإذا ما استطاعت المرأة إثبات العضل فإنها لا تتحرر من ولاية الأمر بل تنتقل ولاية الأمر إلى الرجل الثاني في الأسرة الذي قد يكون الأخ أو الجد أو العم.

وتكمن خطورة ولاية الأمر في أن الأحوال اليوم تغيرت عما كانت عليه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حيث كان هناك خطر وخوف من الغزوات وكان هناك كفار يستهدفون المسلمين ونساءهم كما أن المرأة لم تكن متعلمة ولم تكن ذات مال وتعتمد على الرجل في معيشتها. واليوم أصبحت المرأة متعلمة وذات دخل وأصبح هناك قانون يمنع الاعتداء على أفراد المجتمع. وقد نقلت وسائل الإعلام قصصا كثيرة عن عضل ولي الأمر الذي يمنع الفتاة من الزواج إذا كانت ذات مال ويمنعها من السفر من أجل الحفاظ على سمعة الأسرة وشرفها. غير أن اتهام الولي بالعضل من قبل الفتاة أو المرأة أمر في غاية الصعوبة لأنه مستهجن ويؤدي إلى تفكك الأسرة وانعدام المودة وانحلال الروابط الأسرية، ناهيك عن أن قيام المرأة برفع قضية على ولي أمرها يسيء إلى سمعتها في ظل مجتمع يعتبرها دائما الطرف الأضعف.

لقد أباح الإسلام تغيير القوانين ومنذ صدر الإسلام، قام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع مخصصات المؤلفة قلوبهم رغم وروده في القرآن الكريم وذلك لأن الأحوال تغيرت فلم يلتزم عمر بالنص تبعا لتغير المصلحة. وعندما حدثت المجاعة أوقف عمر عقوبة قطع يد السارق. كما روي عن الإمام الشافعي أنه حين انتقل من العراق إلى مصر قام بتمزيق اجتهاداته القديمة وغيرها تبعا لما اتضح له من الظروف الجديدة في مصر. إذن فتغير الظروف لا يبيح تغير الأحكام فقط بل ويوجبها لكي يستقيم حال المجتمع في ظل المتغيرات الجديدة. فالمرأة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانت تعيش ظروفا مختلفة كليا عن العصر الحالي ويجب الاستجابة لهذه التغيرات من خلال تغيير القوانين.

إن خطورة ولاية الأمر منبثق من أن ولي الأمر في عصرنا هذا مدفوع بمآرب كثيرة آخرها حماية المرأة مما يجعل المرأة مرهونة بصلاح أخلاق ولي الأمر، فإذا صلحت، صلح حالها وإلا فإنها تعامل كأحد ممتلكات ولي الأمر.

.

المصدر ايلاف

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

مائة يوم بعد الهجوم على أشرف وابادة 52 أشرفيا واحتجاز الرهائن السبعة

المضربون عن الطعام في مخيم ليبرتي و8 دول في العالم يطالبون باطلاق سراح الرهائن السبعة وتوفير الأمن لليبرتي

في اليوم المئة من المجزرة والاعدام الجماعي في أشرف واختطاف 7 من السكان على يد القوات العراقية ، أكد المضربون عن الطعام في ليبرتي و 8 دول في العالم على ارادتهم الصلبة في اصرارهم على مطالبتهم باطلاق سراح الرهائن السبعة وتوفير حماية ليبرتي. اطلاق الرهائن الأشرفيين السبعة يتصدر مطالب المضربين عن الطعام. الكثير منهم أفراد عوائل وذوي شهداء مجزرة الأول من ايلول / سبتمبر في أشرف أو الرهائن المحجوزين في السجون السرية للمالكي. ومع الأسف لزمت الأمم المتحدة والحكومة الأمريكية الصمت على مطالب المضربين عن الطعام.
بينما الحالة الصحيه لكثير من المضربين أخذت تتدهور وأن معظمهم فقدوا أكثر من 20 بالمئة من أوزانهم ويواجهون مضاعفات مختلفة مثل الصدمة والاغماء وزيادة الضغط والتشوش في الرؤية والسمع واختلالات في الهضم والدوار وآلام عضلية وعظمية … الكثير منهم نقلوا الى المستشفى والتحق متطوعون جدد الى صفوف المضربين.
كل الأدلة تثبت بوضوح أن الرهائن السبعة في العراق ومحتجزون في سجون سرية تشرف عليها رئاسة الوزراء العراقية وهم تحت الاستجواب والتعذيب و في خطر التسليم الى الحكومة الايرانية. اننا نطالب باطلاق فوري للرهائن السبعة واجراء تحقيق دولي مستقل من قبل الأمم المتحدة ونحمل المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة والأمم المتحدة المسؤولية عن حماية أرواح السكان والرهائن السبعة.
مئات من البرلمانيين ورؤساء الأحزاب والشخصيات الحرة والمدافعة عن حقوق الانسان في اوربا وأمريكا والدول العربية وآلاف من أبناء الشعب العراقي والدول العربية أعلنوا تضامنهم مع المضربين عن الطعام وأعلنوا دعمهم لمطالبهم.

لجنة الاضراب عن الطعام
9 كانون الأول/ ديسمبر 2013

Posted in فكر حر | Leave a comment

الجزر الإماراتية المحتلة بين الحق الإماراتي والتعنت الإيراني

بقلم: جواد الحيدري

المقدمة:

تقع الجزر الإماراتية أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى عند مدخل مضيق باب السلام، -حرفت إيران اسمه إلى هرمز-، في الخليج العربي الذي يعتبر من أهم المضايق والممرات المائية الحيويّة في العالم. ولهذه الجزر أهميّة جيوبوليتيكيّة وجيو-إقتصاديّة كبيرة، لأنها ذات موقع جغرافي مهم يوفر الحماية الاستراتيجية العسكرية. هذه الجزر غنية بالثروات البحرية والثروات المنجمية والنفطية، والواحات الزراعية الخضراء، وتزخر بالمياه العذبة، ما جعلها هدفاً للأطماع الإستعمارية إقليمياً ودولياً.

طيلة قرون ظلّت هذه الجزر خاضعة للسيادة العربية المتمثّلة بإمارتي رأس الخيمة والشارقة، واستمرت هذه السيادة حتى تاريخ انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج العربي، حيث نفّذت القوات الإيرانية التهديدات العلنية التي أطلقها شاه إيران في غير مرة بخصوص غزو الجزر واحتلالها، واحتلّت في فجر يوم 30/11/1971 جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وذلك قبل بضع ساعات من إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. فأخرجت الأهالي من ديارهم، وقامت بتهجيرهم عنوةً، مستخدمةً القوة والقسوة، منتهكةً الحرمات والحقوق والأوطان.

منذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظة، حاولت دولة الإمارات العربية المتحدة استعادة الجزر المحتلة بكافة السبل والوسائل السلمية، واعتبرت ذلك حقاً شرعيّاً تاريخياً ثابتاً مدعوماً بالأدلة والبراهين. بالمقابل ترى إيران أن الجزر المذكورة جزء لا يتجزأ من ترابها، وإنها قامت باسترجاع الجزر المغتصبة إلى الوطن الأم ليس إلّا. وإن قضية سيادتها على الجزر غير قابلة للنقاش.

تأسيساً على ما تقدم، تطرح التساؤلات التالية: ما هي الحقائق التاريخية والقانونية التي يستند إليها طرفا النزاع؟ وما هو موقفهما من الحل السلمي لقضية الجزر؟ وما هي الإجراءات التي قامت بها إيران بعد احتلالها الجزر؟

أولاً- الحقائق التاريخية:

ترى إيران أنّ احتلال جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى حقها المشروع، بل تذهب أبعد من ذلك حيث تعتبر أنّ سواحل وجزر الخليج العربي كلها ملك بلاد فارس التاريخي الذي يجب استعادته، وبذلك تبيح لنفسها احتلال هذا القطر العربي، -إنّ الأحواز العربية المحتلة أبرز دليل على ذلك-، والسيطرة على تلك الجزر، والتدخل في شؤون البلدان العربية الأخرى. وتزعم أنها كانت تسيطر على الجزر المحتلة قبل القرن السابع عشر، لكنها في عهدي الزندية والقاجارية فوّضت القواسم ليحكموا الجزر الثلاث المذكورة، وكذلك ميناء لنغة (لنجة)، وذلك لأنها كانت غير قادرة على صدّ الهجمات التي كانت تطال هذه المناطق بسبب عدم امتلاكها الأسطول البحري الفاعل.

هناك العديد من الشواهد والوثائق التاريخية التي تفنّد هذه المزاعم، وتدحض هذه الادعاءات الواهية، وهي كالآتي:

أ- إنّ الشواهد والقرائن التاريخية تظهر أنّ الساحل الشرقي للخليج العربي برمته إبتداءاً من الشمال وتحديداً الضفة الشرقية من شط العرب حتى نهر جاقين، كان موطن القبائل العربية التي عاشت في هذا الجزء الجنوبي عبر قرون، وأسست إمارات عربية عديدة أهمها إمارة المشعشعيين، إمارة بني كعب، إمارة بني أسد، إمارة بني تميم، إمارة آل كثير، سلطنة هرمز العربية، مملكة قيس العربية، إمارة بني عباس، إمارة القواسم، إمارة آل حرم، إمارة المنصوريين (بنو خالد)، إمارة آل مرزوق (المرازيق)، إمارة بني علي (المعلى)، إمارة بني حمّاد، إمارة العبادلة، إمارة بني بشر، إمارة بني معين، إمارة آل مذخور(مذكور)، إمارة آل زعابي (بنو مصعب) وإمارة المدنيين.

ب- يقول الرحالة الدانماركي “كارستن نيبور” الذي زار الخليج العربي عام 1762م، “إنّ هذه المنطقة لم تكن يوماً من الأيام جزءاً من بلاد فارس، وإنّ ملوك فارس لم يتمكنوا قط أن يكونوا أسياد البحر، وكان الخليج دائماً ملكاً للعرب. وإنّ الظروف المختلفة تدلّ على أنّ القبائل العربية استقرت على الخليج العربي قبل الفتوحات الإسلامية، ولقد استطاعت أن تحافظ على استقلالها دوماً. ويضيف أنّ لقاطني هذه البلاد لسان العرب وعاداتهم”.

ج‌- إنّ السلطات البريطانية تلقت عام 1864م، رسالة رسمية من حاكم قواسم الساحل تؤكد تبعية جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وصير بونعير له منذ أجداده الأوائل.

د‌- عام 1879م، أكد المقيم البريطاني في أبي شهر،-غيرت إيران اسمها إلى بوشهر بعد احتلال الأحواز-، أنّ جزيرتي طنب ولنغة تابعتان لسيادة القواسم.

ه‌- عام 1898م، رفض حاكم الشارقة منح امتياز لشركة أجنبية للتنقيب عن بعض أنواع المعادن الموجودة في باطن أرض جزيرة أبي موسى.

و‌- إنّ الشيخ محمد بن قاسم القاسمي حاكم رأس الخيمة في عام 1918م، رعى حفل تدشين على جزيرة طنب الكبرى، وكان يرافقه حينذاك المعتمد البريطاني في الخليج وقائد البحرية البريطانية.

ز‌- هناك وثيقة صادرة من وزارة الهند البريطانية في 24/8/1928م، تقول إنّ ملكية طنب الكبرى وطنب الصغرى تعود لرأس الخيمة منذ انفصالها عن إمارة الشارقة عام 1921م.

ح‌- عام 1930م، طالبت إيران باستئجار جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى من رأس الخيمة، ورفضت الأخيرة.

ط‌- حتى عام 1963م، لم يكن هناك إيراني واحد يقيم في جزيرة أبي موسى، وبدأ استقدام الإيرانيين مع دخول قوات الجيش الإيراني إلى الجزيرة بعد توقيع مذكرة التفاهم بين إيران وإمارة الشارقة.

ثانياً- مظاهر السيادة على الجزر:

منذ احتلالها الجزر الثلاث أبا موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى ادّعت إيران أنّ الجزر المذكورة هي جزء من ترابها الوطني، وتابعة لسيادتها. بينما رفضت دولة الإمارات العربية المتحدة منطق التحدي والعدوان الإيراني، وتمسكت بحقها المشروع في استرجاع سيادتها على الجزر المحتلة، وصرّحت أنّ الجزر الثلاث هي عربية الأصل، وأنها جزء لا يتجزأ من ترابها، وأنها محتلّة عسكرياً من قبل إيران، ويتوجّب عليها أن تستعيدها بكافة الوسائل السلمية.

وسط هذا التباين في المواقف، يطرح السؤال الآتي: ماهي الحجج والبراهين القانونية التي يستند إليها الطرفان في ادعائهما السيادة على الجزر الثلاث؟

تعرّف السيادة على أنها “السلطة العليا التي لا تعلوها سلطة…ومركز إصدار القوانين والتشريعات والجهة الوحيدة المخوّلة بمهمة حفظ النظام والأمن وبالتالي المحتكرة الشرعية الوحيدة لوسائل القوة ولحقّ استخدامها لتطبيق القانون”. وتتمثّل السيادة على الصعيد الخارجي بالإستقلال وعدم التبعية لدول أخرى، وبمظاهر سيادية كإيفاد واستقبال البعثات الدبلوماسية، وعقد المعاهدات وإبرام الاتفاقيات، ومنح الإمتيازات، وإعلان الحرب والسلام مع الدول الأخرى.

على ضوء ما تقدم، تعرض وجهة نظر الطرفين:

أ- الإدعاءات الإيرانية:

إنّ المتابع للشؤون الإيرانية يلاحظ أنّ تصريحات المسؤولين الإيرانيين تؤكد دائماً على فارسيّة الجزر وتبعيّتها لإيران، وذلك بالإستناد للحجج الآتية:

1- إنّ المصالح الإستراتيجية والأمنية في الخليج العربي تتطلّب سيادة إيرانية على الجزر الثلاث.

2- تزعم إيران أنّ الجزر الثلاث كانت تحت السيادة الإيرانية قبل الإحتلال البريطاني بثمانين عاماً.

3- تدّعي إيران أنّ الخرائط البريطانية تظهر الجزر المحتلة جزءاً من أراضيها، وذلك بالإستناد إلى الخارطة التي قدمتها وزارة الحرب البريطانية عام 1888م، إلى شاه إيران حيث كانت الخريطة ملوّنة بألوان توحي بأنّ هذه الجزر تابعة لإيران.

إنّ هذه الأدلة تعتبر حججاً واهية، حيث أنّ الدليل الأول يكشف عن روح عدوانية، وشعور بالغطرسة، رغبةً في التوسع والسيطرة على حساب الدول الأخرى. وإنّ الدليل الثاني ساقط بالأساس كما تُبين ذلك الحقائق التاريخية للمنطقة عموماً، وللجزر المحتلة خصوصاً. أما فيما يتعلق بإستناد الإيرانيين على الخرائط البريطانية فإنّ ذلك مردود كذلك، إذ أنّ هذه الخريطة لم تطبع إلّا مرة واحدة، وقد اعترف المسؤولون البريطانيون بخطئهم المتعلق بتلوين الخرائط. وإنّ هذا الإستناد باطل من الأساس، ذلك أنّ بريطانيا اعترفت على الدوام بتبعيّة هذه الجزر لدولة الإمارات العربية المتحدة. وفي هذا المضمار يقول الدكتور مفيد شهاب في دحضه الحجة الإيرانية المتعلقة بالخرائط البريطانية: ” إنّ تلك الخرائط من نوع الخرائط الخاصة التي تستخدم لأغراض الملاحة البحرية وليس لترسيم الحدود. وإنّ هناك خريطة إيرانية صادرة عام 1952م، أشارت بوضوح إلى تبعية الجزر لأمارتي الشارقة ورأس الخيمة وليس لإيران”.

ب- الحجج والأسانيد الإماراتية:

تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة ملفاً قانونياً كاملاً يتضمّن الوثائق والأسانيد الدولية، أهمها:

1- إنّ حكام الشارقة ورأس الخيمة فرضوا رسوماً سنوية على الأنشطة الإقتصادية التي كان يقوم بها سكان الجزر الثلاث منذ مطلع القرن الثامن عشر، هذه الرسوم كانت تشمل صيد الأسماك والغوص لجمع اللؤلؤ والرعي وغيرها.

2- عام 1864م، تلقت السلطات البريطانية رسالة رسمية من حاكم القواسم في الساحل تؤكد تبعية جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وصير بونعير له منذ أجداده.

3- عام 1898م، رفض حاكم الشارقة منح امتياز لشركة أجنبية للتنقيب عن بعض أنواع المعادن في باطن أرض جزيرة أبي موسى.

4- عام 1912م، قام الشيخ خالد حاكم الشارقة بمنح تصريح لبناء منارة للسفن على جزيرة طنب الكبرى.

5- عام 1930م، طلبت إيران من حاكم رأس الخيمة استئجار جزيرة أبي موسى لمدة خمسين عاماً فجُوبه الطلب بالرفض. إنّ هذا الطلب يعد اعترافاً إيرانياً قوياً، وإقراراً دامغاً بسيادة الإمارات على الجزر المحتلة.

6- عام 1937م، تم منح امتيازات للتنقيب عن النفط والغاز في جزيرة أبي موسى والمياه الإقليمية التابعة لها إلى شركة بتروليوم كمباني.

ثالثاً- موقف طرفي النزاع من الحل السلمي:

إنّ حلّ النزاعات بالوسائل السلمية عن طريق الحوار والمفاوضات المباشرة، أو عن طريق الإحتكام إلى القانون الدولي، وحل النزاع عبر التسوية القضائية، يعتبر وسيلةً مأمونة وأسلوباً حضارياً ناجعاً، فما هو موقف الإمارات وإيران من التسوية القضائية لقضية الجزر؟

أ- الموقف الإماراتي:

عملاً بالمبادئ العامة لميثاق الأمم المتحدة سعت دولة الإمارات العربية المتحدة ومنذ احتلال الجزر الثلاث من قبل إيران إلى حلّ قضية الجزر بالسبل والوسائل السلميّة، ودعت إيران إلى إنهاء النزاع عن طريق الحوار المباشر شريطة أن يكون ذا أهداف واضحة ومحدّدة. وأعلنت استعدادها للتفاوض مع طهران في أي مكان من العالم. وفي هذا الإطار انطلقت الجولة الأولى من المفاوضات المباشرة بين الإمارات وإيران في 27-28 سبتمبر/أيلول 1992م، لكنها سرعان ما فشلت، وذلك لأن الجانب الإيراني رفض مناقشة مسألة الإحتلال الإيراني لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأعلن عن إستعداده بحث مسألة جزيرة أبي موسى فقط كونها نزاعاً حدودياً ثانوياً يمكن تسويته على نحو يحقق مصالح إيران الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية في الخليج.

بعد فشل المفاوضات المباشرة والتعنت الإيراني، حاولت الإمارات حلّ هذه القضية عن طريق التسوية القضائية بإحالتها إلى محكمة العدل الدولية، تطبيقاً لما نصت عليه المادة الثالثة والثلاثون من ميثاق الأمم المتحدة، ولكنّ السلطات الإيرانية لم توافق على إحالة قضية الجزر إلى محكمة العدل الدولية، ورفضت الإحتكام إلى القانون.

ب- الموقف الإيراني:

رفضت إيران عبر أنظمتها المتعاقبة إحالة قضية الجزر إلى المحاكم الدولية، وحاولت إخراج جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى من دائرة الخلاف، وأعلنت في غير مرّة أنّ موضوع السيادة عليهما ليس مطروحاً للنقاش.

1- موقف إيران في عهد الشاه:

بعد التهديدات الصريحة والمتتالية التي أطلقتها السلطات الإيرانية في عهد محمد رضا شاه، إحتلت القوات الإيرانية جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، واعتبرت ذلك عملاً شرعياً إذ أنّ الجزر الثلاث عادت إلى الوطن الأم. وفي ردّه على رسالة حاكم الشارقة قال الشاه محمد رضا بهلوي: ” إنّ إيران ليس لديها شك في موضوع سيادتها على جزيرة أبي موسى، ولهذا ترفض إجراء مفاوضات على هذه السيادة، كما ترفض إحالة النزاع إلى التحكيم الدولي أو هيئة الأمم المتحدة”.

2- موقف إيران في عهد الجمهورية الإسلامية:

يلاحظ أنّ السلطات الإيرانية في عهد الجمهورية الإسلامية سارت على نهج الشاه، بل كانت أكثر تشدّداً منه إزاء قضية الجزر المحتلة. ظلّت هذه السلطات ترفض رفضاً باتاً حلّ مشكلة الجزر عن طريق التسوية القضائية، واتهمت الإمارات بإثارة مطاليب غير منطقية لا أساس لها من الصحة.

يرى صنّاع القرار الإيراني في زمن ” الجمهورية الإسلامية” أنّ الشاه محمد رضا بهلوي ارتكب خطأً فادحاً عندما سمح بـ “إستقلال البحرين”، المملكة العربية التي يعتبرونها ” بحر لألئ إيران”، ويعملون ليل نهار على منع إقامة أيّ محادثات حول الجزر الثلاث قائلين: “إن سمحنا للإمارات باحتلال الجزر حينها سنفقد سيطرتنا على الخليج… هذه السيطرة التي ضعفت بعد سلخ البحرين من أمتنا”.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، نورد تصريحاً لأحد المسؤولين الإيرانيين البارزين:

ففي تاريخ 8/6/1994م، صرّح رفسنجاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأسبق أنّ إيران ستحتفظ بالجزر الثلاث بأيّ ثمن، محذّراً دولة الإمارات العربية المتحدة من مغبّة محاولة استرجاع الجزر قائلاً: ” إنّ دولة الإمارات ستعبر بحراً من الدماء إذا ما أرادت السيطرة على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى”.

رابعاً – الإجراءات الإيرانية التعسفية:

من المعروف أنّ الجزر الإماراتية الثلاث قبل الإحتلال الإيراني كانت مأهولة بالسكان، وتحتوي على العديد من المرافق العامة. فجزيرة أبي موسى كان يقطنها نحو 1000نسمة من العرب، وكان يوجد فيها مدرسة وجمرك وقصر لنائب حاكم الشارقة. وكان يبلغ عدد سكان جزيرة طنب الكبرى 700 نسمة، وكان فيها مدرستان ومنارة لإرشاد السفن. وبعد احتلال هذه الجزر من قبل القوات العسكرية الإيرانية فجر يوم 30/11/1971م، سعت السلطات الإيرانية الغازية لفرض سياسة الأمر الواقع، وقامت بإجراءات تعسفية لاإنسانية الغرض منها تغيير ديموغرافية الجزر، وطمس هويتها العربية الإماراتية، معرضةً أمن الخليج والسلم والأمن الدوليين للخطر، فما هي الإجراءات التي قامت بها إيران؟

أ- التهجير القسري والإستيطان غير الشرعي:

بعد احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث عملت سلطات الإحتلال الإيراني بشكل مخطط ومدروس على تفريغ الجزر من سكانها العرب الأصليين عن طريق مضايقتهم، ومصادرة مصادر رزقهم وأسباب رفاههم. فهجّرت سكان جزيرة طنب الكبرى إلى إمارة رأس الخيمة تهجيراً جماعيّاً قسرياً تحت تهديد السلاح. فما يناهز مائتي أسرة تشردت، تاركةً خلفها بيوتها وأملاكها ومزارعها ومواشيها وكلّ ما تملك. وأقدمت السلطات المذكورة على إقفال المدارس العربية في الجزر المحتلة، ووضعت العراقيل والقيود الصارمة على دخول مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، والوافدين من العرب والأجانب إلى الجزر. وعمدت السفن العسكرية الإيرانية على اعتراض سفن الصيد التابعة لمواطني دولة الإمارات في المياه الإقليمية، ومصادرة قواربهم.

وفي المقابل استقدمت إيران أعداداً كبيرة من الجنود وعناصر الشرطة والأمن، والموظفين المدنيين، برفقة عائلاتهم. وافتتحت الكثير من المرافق العامة كالعيادات والمدارس والمحلات التجارية والأماكن الترفيهية لتشجيع المواطنين الفرس على الهجرة إلى الجزر المحتلة، واعدةً إياهم بتأمين فرص عمل مغرية.

ب- تشويه الحقائق وتغيير الأسماء العربية:

عمدت السلطات الإيرانية إلى تشويه الحقائق وتغيير الأسماء التي ترمز إلى عروبة الجزر، محاولةً طمس الهوية العربية للجزر المحتلة. أهم هذه الإجراءات هي:

1- يلاحظ أنّ المصادر والمراجع الفارسية كافة تذكر الجزر الإماراتية المحتلة، ولاسيما في العقد الأخير بأسماء فارسية، فتسمي جزيرة أبي موسى بـ “بو موسى”، وطنب الكبرى بـ ” تنب بزرگ”، وطنب الصغرى بـ” تنب كوچک” وأحياناً ” تنب مار”. وتجدر الإشارة إلى أنّتسمية الجزر المذكورة كانت ترد في الكتب والمصادر الفارسية بذات التسمية التي تطلق عليها من جانب العرب، وهي أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.

2- في جزيرة أبي موسى يوجد العديد من التلال الصخرية التي تحمل أسماء عربية كجبل محروقة وجبل حارب وجبل سليمان وتل العماميل وغيرها…، أعلى هذه التلال هو “جبل الخلوة” الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 110 أمتار. استبدلت السلطات الإيرانية اسم الجبل المذكور، ووضعت فوقه صورة لـ “خميني” طولها سبعة أمتار، وعرضها خمسة أمتار، تشاهد بالعين المجردة من مسافة ميلين.

3- منعت سلطات الإحتلال الإيراني تداول المطبوعات العربية بين سكان الجزر المحتلة، كالكتب والجرائد والمجلات والخرائط الرسمية وغير الرسمية.

4- في تاريخ 23/ديسمبر/كانون الأول 2013م، في تعدٍ صريح أقدمت إيران على إطلاق تسمية “الغدير” على جزيرة ابي موسى الإماراتية، بغية طمس هوية جزيرة أبي موسى وتغيير معالمها من خلال استبدال اسم أبي موسى بـ “غدير” كما فعلت سابقاً مع طنب الكبرى وطنب الصغرى عندما أسمتهما “تنب بزرگ” و”تنب كوچک”.والجدير بالذكر أنّ هذه السياسة الممنهجة كانت قد اعتمدت من قبل سلطات الإحتلال الإيراني في كافة الأقاليم التي أحتلت من قبل السلطات في عهد رضا شاه بهلوي.

ج- موقف القانون الدولي من التهجير القسري والإستيطان:

إنّ الإجراءات الإيرانية التعسفية التي قامت بها بعد احتلالها الجزر، من تهجير واستيطان وتغيير للمعالم وطمس للحقائق، تعدّ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني. وفيما يلي عرض لبعض المواد القانونية المتعلقة بهذه الإنتهاكات:

1- حظرت المادة 45 من إتفاقية جنيف الرابعة الموقعة بتاريخ 12/أغسطس/آب 1949م، نقل المدنيين المحميين بموجب هذه الإتفاقية، ونصّت على وجوب معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأوقات.

2- تضمنت المادة 49 من الإتفاقية المذكورة حظراً شاملاً لترحيل وإبعاد السكان المدنيين، سواء كان فردياً أو جماعياً، إلّا في حالة الضرورة حمايةً لأمن السكان المدنيين، شرط إعادتهم فور انتهاء العمليات العدائية. وإنّ الفقرة السادسة من ذات المادة تحظر على القوة المحتلة، نقل مجموعات من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي احتلتها، وتمنعها من تغيير صفتها الجغرافية والمدنية.

3- أشارت المادة 53 من الإتفاقية ذاتها إلى حظر تدمير الممتلكات الخاصة.

4- أكدت المادة 147 من الإتفاقية المشار إليها أعلاه، أنّ الترحيل والإبعاد القسري يعدّ انتهاكاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة.

5- إنّ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تضمّن حظر التهجير القسري والنقل غير المشروع، حيث نصت المادة السابعة من النظام على ” الإبعاد والنقل القسري بوصفه جريمة ضدّ الإنسانية”، وكذلك أشارت المادة الثامنة إلى ” الإبعاد والنقل غير المشروع بوصفه جريمة حرب معاقب عليها”.

6- أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9/ديسمبر/كانون الأول 1970م، القرار رقم ” 2675″ أكدت فيه ” عدم جواز النقل القسري” للسكان المدنيين. وفي القرار رقم ” 3318″ الصادر في 16 مايو/أيار 1974م، أعلنت الجمعية العامة ” أنّ الإرغام على النزوح القسري يعتبر جريمة”.

تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات الإيرانية كانت قد طبقت هذه الإجراءات التعسفية، والإنتهاكات البربرية المدانة شرعاً وقانوناً في الأحواز العربية التي احتلتها في 20 ابريل/نيسان 1925م.

الخاتمة:

على ضوء ما تقدم، يتضح أنّ جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى جزر عربية إماراتية، كانت خاضعة للسيادة العربية منذ القدم. وإنّ هذه الجزر لأهميتها الجيوبوليتيكية والجيو-إقتصادية، أضحت هدفاً للأطماع الإيرانية التي تسعى للهيمنة على منطقة الخليج العربي، لتحقيق حلمها المأبون بإحياء مجد “الإمبراطورية الفارسية” المجوسية على حساب الأمن القومي والسيادة الوطنية للأمة العربية.

ومن خلال الوثائق والقرائن التاريخية، باتت الحقيقة جليّة، أنّ الساحل الشرقي للخليج العربي برمته، كان موطن القبائل العربية الأثيلة التي قطنت هذه المنطقة منذ عصور سحيقة، وأسست ممالك وإمارات عربية عديدة، وشيّدت حضارات عريقة لن تقوى على هدمها معاول المحتل. وتبيّن أنّ الإدعاءات الإيرانية بالسيطرة على الجزر تاريخياً لا أساس لها من الصحة، كما كشفت الحقائق القانونية، أنّ الدولة الفارسية لم تمارس أيّ مظهر من مظاهر السيادة على الجزر الإماراتية الثلاث، وأنّ السيادة الإيرانية المزعومة باطلة، وليس لها أيّ سند تاريخي أو قانوني.

ويلاحظ أن دولة الإمارات العربية المتحدة منذ بداية احتلال جزرها من قبل القوات العسكرية الإيرانية، حاولت أنّ تحلّ القضيّة بالسبل والوسائل الدبلوماسية، أو عن طريق الإحتكام إلى القانون وعرض المشكلة على الهيئات القضائية الدولية، لكنّ هذه المحاولات الحثيثة لم يكتب لها النجاح، ومردّ ذلك الغطرسة الإيرانية التي رفضت إحالة النزاع إلى المحاكم الدوليّة.

واتضح أنّ السلطات الإيرانية بعد احتلالها الجزر الإماراتية، قامت بإجراءات تعسفية، يندى لها جبين الإنسانية، إذ هجّرت المواطنين قسراً، واستولت على أملاكهم ومصادر رزقهم عنوةً، واستقدمت المستوطنين لتغيير ديموغرافية الجزر، محاولةً تدمير الحجر والبشر، لطمس الهوية العربية. هذه الإجراءات الجائرة تدينها كلّ القوانين والمواثيق الدولية والتي أتينا على ذكر بعضها آنفاً.

قائمة المصادر والمراجع:

أولاً – المصادر:

1- إتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين زمن المنازعات المسلحة.

2- الكيالي عبدالوهاب و…، السيادة، موسوعة السياسة، جـ 1، الدار العربية للدراسات والنشر، بيروت.

3- ميثاق الأمم المتحدة.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

عودى إلى المطبخ

 على فنجان قهوة تبادلنا الآراء حول مستقبل الثائرات العربيات.

كل الدعوات مكررة. الوطن يناديكم. الحزب. الإسلام يناديكم. وتهب الفزعة بالصدور فينزلن للميادين. يشاركن بالثورات.

أما المصير فليس محصوراً على العربيات بل حتى الغربيات. أثناء الحرب العالمية حين خلت المدن الأوروبية من الرجال المنشغلين بساحات المعارك. التفتت البلدان للنساء حبيسات المنازل وسمح لهن بالمشاركة العامة.

الشىء ذاته بكل مكان، المرأة العربية التى شاركت بالتحرر من الاستعمار، أعادوها رغماً عن أنفها إلى المنزل.

فى لبنان لا تصل المرأة للبرلمان إلا بثياب الحداد. إما أرملة لسياسى مغتال أو يتيمته أو أخته. لبنان الحر مجتمعيا الذى تتباهى فيه النساء بحقوقهن مازالت تعميه غشاوة ثقيلة من التركة الذكورية.

لكن أن تعاد الكرة من جديد فأمر غريب. الربيع العربى نادى المرأة، ثوراته لم تكن لتنجح لولا أعداد نسائية هائلة شاركت به. ضربن. سحلن. اعتقلن. اغتصبن. أنواع من العذابات. فكيف تكون النهاية عودتهن للمطبخ.

سألته: لم لا يخرجن بثورات مماثلة من أجل حرية المرأة؟

أجابنى: من خلال سؤال عدد من اليمنيات والعربيات عرفت أن المرأة لا تستطيع أن تتحرر بسهولة.

– إن كانت قوتها وجرأتها أسقطت الحاكم الأكبر بجبروته وبوليسه ألا يسهل عليها التحرر من الحاكم الأصغر؟

قال: ستستغربين حين تعلمين أن كثيرات قلن لى ليس أعقد على المرأة العربية من التحرر من الحاكم الصغير. سهل عليها رفع لافتة يسقط الحاكم. لكن الأصعب التحرر من غطرسة زوج أو أخ أو تسلط أب أو تحكم قبيلة، فبنظرها لن تشعر بالأمان إن فعلت ذلك وستتحول إلى كسيرة.

– لذا تبقى تابعة فى فلك الرجل. حتى بثوراته.

لا أصدق ما أسمعه. الرجل المتغطرس، الأب المتسلط الذى يضربها ويحرمها التعليم أو الزواج أو يجبرها على الزواج. الأخ العنيف.. هؤلاء كيف تنصبهم المرأة مصدراً للأمان؟ كيف تحسبها؟ وما مفهومها للأمان؟ ثم إن العقود الإنسانية فى هذه المنطقة بين الرجل والمرأة أبعد ما تكون عن تحقيق الأمان والاستقرار والمساواة التى تمشى تطالب بها الحاكم فى الميادين. فما هذا التناقض الصارخ.

أن تشتم الحاكم المستبد متمسكة بحاكم أكثر استبدادا!

أن تخرج لإحراق صورة حاكم ظالم وتتبع فى مشيتها حاكماً آخر يوجه لها قسوة وظلما يوميا مباشرا.

قال لى: لن تصدقى أن كثيرات من الثائرات يعانين عنفا منزليا لفظيا أو معنويا أو غيره، وقد يتعرضن لضرب مبرح، ومع ذلك تدعم ثورة رجلها العنيف ومصدر أمانها.

– كيف يتساوى العنف والأمان؟ وهل تقول إنها قد تقتل وتسحل فى الشوارع إنقاذا لكرامة المواطن الرجل الذى غبنه النظام لا إكراما لكرامتها؟

– هى ترى أن كرامتها مستمدة من كرامة الرجل.

– بنفس المنطق المتخلف. لما لا تستمد كرامتها من كرامة النظام السياسى الذكورى وتبقى تحت ظله تعيش (عنفاً آمناً).

– قلت لك: المسألة بنظرها لا تتعلق بها فقط بل به أيضا. بكرامته بإحساسه بالظلم.

– هى غير مقتنعة بالاستقلال. بدليل أنها تعود إلى المطبخ بمجرد انتهاء أى ثورة. بمنتهى البساطة. بدون طرح أسئلة.

بدليل أنها لم تفكر يوماً بالجلوس مكان الحاكم السابق.

*نقلا عن “المصري اليوم” المصرية

Posted in ربيع سوريا, فكر حر | Leave a comment

” صندوق الكلاوات ”

لا شك من أن صناعة القرار السياسى تحتاج لآلية و جهاز لإصدار تلك القرارات لكى تحترم من قبل الجمهور.

بدأت كذبة الديمقراطية فى روما القديمة حيث قرر الأغنياء من وضع مجلسين أحدهما للشيوخ و كبار ملاك الأراضى و البشر و كبار جنرالات الحرب الأغنياء و مجلس للنواب اللذين ينتخبهم الشعب, و كان همهم, أى مجلس النواب إرضاء مجلس الشيوخ لكى يحتفظوا بكراسيهم و أسهل شيء كان اتهام اعضائه بخيانة الإمبراطور و صلبه أو ابعاده أو رميه للأسود فى ساحة رياضة روما الشهيرة, قتال البشر و العبيد و اللذى لا يقتل اليوم يقتل غداً؛ “عقيدة الدم”.

لقد ورثت الأمم الأوروبية تلك الكذبة و تغير صاحب القرار و التأثير من المجالس الى المحافظ المالية و البنوك و بيوت المال المشهورة و الصناعات العملاقة ..

المهم و الأهم القرار بيد الأغنياء و ثقافة صناديق الاقتراع قرعاء جداً, فعملية التلاعب تتم أما أعين الجمهور أو بشكل مباشر و سافر, أو من خلال نظام انتخابى يضمن فوز فئة معينة على أخرى. أما الشركات و المؤسسات المالية “تفث” تضخ الأموال فى تلك المرحلة و تجند موظفيها للتأثير على المجتمع من خلال عوائلهم و دور العبادة و الأسواق التجارية.

ثقافة و مفاهيم صندوق الاقتراع هى ثقافة أمريكية اليوم فالدول التى تمارس هذه الآلية هى ديمقراطية بغض النظر عن دول “ثيوقراطية” دينية أو دكتاتورية أو بوليسية, فصندوق الأحلام هو الحل .. ففى ايران و أفغانستان و منظومة الدول العربية البوليسية أو الفاقدة لحرية المواطن و حرية التعبير و الرأى و سجونها ((سجون أصحاب الرأى)) و كل من يقول كلمة بحق النظام و ينتقده و مع هذا يصر العقل الأوروبى على انها الحل الوحيد.

الديمقراطية مفقودة اليوم فى العالم من المجتمعات كلها فالأجهزة البوليسية و الأمنية تصطدم مع المتظاهرين و اللذين كفل لهم الدستور حق التظاهر و التعبير و يزج بهم فى السجون و يخرجون بكفالة مثل مثلهم من المجرمين و السارقين وهذا اليوم منظر مألوف فى كل منظومة ((صندوق الأحلام)).

الفرق بين الدكتاتورية و الديمقراطية هو ان الدكتاتوريين واضحين .. أما الديمقراطيين متواريين و مختفيين خوفاً من اكتشاف أمرهم.

‎هيثم هاشم – مفكر حر؟‎

Posted in الأدب والفن, كاريكاتور | Leave a comment

قيم الركاع..آجا آجا

من منّا لايتذكر اغنية الممثل الهندي شامي كابور “اجا اجا” التي اكتسحت كل بورصات الاغاني في ذلك الوقت.
اريد لهذه الاغنية ان تكون مثيرة غرائزيا وكان ذلك سر نجاحها.
ولكن بعض من جماعتنا “الرواديد” الذين انتبهوا الى هذه النقطة قرروا تحويلها الى لطمية من النوع الاصيل.
ففي احدى القرى النائية التابعة لقضاء ابو الخصيب المعتق راح “الرادود” يصيح آجا آجا وهو يلطم بحرقة واشترك القوم معه بالصياح ” آجا آجا ” وكانوا يعتقدون ان المخّلص هو الذي “اجه”.
ولم يكشتف هؤلاء القوم حتى كتابة هذه السطور ان الاغنية هندية لفنان اصيل “شبع” موت من زمان.
ولعل ابرز ما حدث هو ان عددا من اولاد الملحة شاركوا في هذه اللطمية لسبب اعتبروه مهما جدا.
فقد كانوا يلطمون وهم يقرأون على القوم ماقاله النائب جواد الشهيلي امس:
قال والعهدة على القائل “نحن سنطلب رفع الحصانة النيابية عنا لغرض معرفة حقيقة مذكرات الاعتقال ” آجا آجا ” الصادرة بحقي والنائبين بهاء الاعرجي وجواد الحسناوي” آجا آجا “.
واضاف الشهيلي أن “الشيء الغريب بمذكرة الاعتقال الصادرة بحقي هي وفق المادة 316 المتعلقة بإختلاس اموال الدولة، وهذه المادة لاتشملني كوني لست امين صندوق او لدي عهدة من الدولة” آجا آجا”.
وقال أن “جواد الشهيلي متهم بسرقة 15 مليون دينار لاغراض العلاج آجا آجا “.
، ومعي 15 عضوا من دولة القانون ايضا تعالجوا وأنا اقل شخص فيهم حصل على كلفة العلاج، فرئيس كتلة المواطن اكثر من 50 مليون، وكمال الساعدي قرابة الـ70 مليون، وخالد الاسدي نحو 60 مليون، فالاستهداف واضح” آجا آجا “.
ولكم طلعت امراض النواب غير “شكل”.
المهم عرفنا وين تروح اموال اولاد الخايبة.
ترى من هو صاحب الصلاحية المالية الذي يستطيع ان يوافق على صرف هذه الملايين؟.
ترى هل هناك بند في قانون البرلمان يتكفل به علاج النائب؟.
آجا آجا “.
شنو عالج الاخ رئيس كتلة المواطن حتى يتقاضى 50 مليون؟.
وأي دكتور عالج كمال الساعدي حتى يدفع له 70 مليون؟.
وانت يا خالد الاسدي بشنو كنت مريض حتى دفعت خزينة البرطمان 60 مليون؟.
الحق كل الحق مع الشهيلي فانه لم يتقاضى سوى 15 مليون وهو اقل مبلغ مرصود في بورصة البرطمان.
آجا آجا “.

محمد الرديني (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, كاريكاتور | Leave a comment

بوتين ينحني مقبِّلا

خلال زيارته للفاتيكان، التقطت صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب البابا فرنسيس، منحنيا يقبل أيقونة العذراء

بوتين ينحني ويقبل أيقونة العذراء

بوتين ينحني ويقبل أيقونة العذراء

مريم. مشهد يستحق التوقف: أيهما بوتين الحقيقي؟ ضابط الـ«كي جي بي» الشيوعي في برلين الشرقية أم الرجل الذي ينحني مقبلا الأيقونة؟ إلحادي ما قبل سقوط السوفيات أم أرثوذكسي ما بعد سقوطهم؟
قبيل انهيار السوفيات بقليل، شاهد العالم ثلاث جنازات متقاربة: ليونيد بريجنيف، ثم يوري أندروبوف، ثم خلفه قسطنطين تشيرنينكو الذي لم يعش في زعامة الحزب أكثر من عام. الثلاثة ماتوا مرضى ومتعبين. لكن مراسم الجنازة كانت واحدة: نعش مفتوح وجثمان مغطى بالزهور. الزعيم هو القوَّة. الإنسان هو الوجود. حُنّط الثلاثة كما حُنِّط جثمان لينين من قبل. أدوية وعلاجات اشتهرت بها عائلة من الأطباء الأرمن.
كان جورج بوش الأب نائبا للرئيس عندما حضر جنازة بريجنيف. وعندما عاد وصف ما رأى بالقول: «كان سير الجنود كالبط مدهشا، والموسيقى مهيبة، لكن ما أدهشني أنه، من البداية إلى النهاية، لم يكن هناك ذكر لله». هل بوتين نتاج الإنكار الذي نشأ عليه طالبا، ثم حزبيا، ثم مسؤولا، أم هو حقا شريك للكنيسة الأرثوذكسية التي ينتمي إليها؟
لن يستطيع أحد أن يحكم حقا. بعد خروج أندريه غروميكو من الخارجية السوفياتية كان أول خلف له نراه في الأمم المتحدة، إدوارد شفارنادزه. اعتلى الرجل المنبر فلم يكن أقل شيوعية من سَلَفِه. بل هو أكثر من ذلك. لقد كان زعيما للحزب الشيوعي في جورجيا، التي منها جاء ستالين.
بعد فترة بسيطة انهارت الشيوعية، واستقلت جورجيا، وأصبح شفارنادزه رئيسا. لم نعد نرى صورة له في مكتبه إلا وإلى جانبه أيقونة العذراء. أيهما الحقيقي، زعيم الحزب الشيوعي في بلد ستالين أم رئيس الجمهورية المستقلّة؟ هذه أسئلة لا جواب لها. مشكلة البشر دائما ليست في مبادئهم بل في أنهم بلا مبادئ. والشيوعيون لم يتحدّوا وحدهم العزّة الإلهية. النازيّون «ألَّهوا» هتلر، والإيطاليّون سجدوا لموسوليني. من الصدف، غير السعيدة طبعا، أن هؤلاء «الآلهة» مسؤولون عن أضخم وأفظع مجازر في التاريخ، يتقدَّمهم ماو تسي تونغ، الذي لم يلغ المعتقدات، بل أيضا التاريخ.
عندما نتأمل كيف تحوّل سياسيّو روسيا من الإلحاد المطلق إلى تقبيل الأيقونات لا تعود التحولات التي شهدناها في العالم العربي ذات قيمة. بشر يركبون قطار الحياة، يصعدون في محطة ويترجَّلون في أخرى..
منقول عن الشرق الاوسط

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

المشروع الأخير القضاء على «الحر»

منذ 12 شهرا تمحورت استراتيجية نظام بشار الأسد على فكرة هزيمة المعارضة المسلحة بالقوة العسكرية، بتعزيز إمكانياته بالمزيد من الأسلحة وجلب قوات مساندة من إيران والعراق وحزب الله اللبناني. وبسببها نجح في البقاء في الحكم طوال العام الحالي، والمعارك راوحت في مكانها. إنما بكل المدد الهائل الذي حصل عليه لم يفلح في هزيمة المعارضة، التي عادت لتطوق العاصمة، وتقطع طريق المطار، وتنافسه على بقية مناطق البلاد. عمليا، فشل مشروعه ولم يعد سهلا على حلفائه من روس وإيرانيين التضحية بالمزيد من قواتهم وسلاحهم من دون أمل في الأفق، سقوط الأسد مسألة وقت، لكن الوحيد الممكن المزيد من الوقت والمزيد من التكاليف البشرية والمادية.
الخطوة الجديدة ليست محاربة الجيش الحر، الذي لا يزال يمثل العمود الفقري للثورة السورية منذ أكثر من عامين، بل تخريبه من الداخل والقضاء على جيش الشعب السوري الثائر. فجأة ظهرت جماعة منافسة «الجبهة الإسلامية»، باعدت بين نفسها وبقية الفصائل الإسلامية المتطرفة، مثل «داعش» و«جبهة النصرة». ثم أعلن ثلاث قيادات من الجيش الحر مع كتائبهم، أحمد عيسى الشيخ وزهران علوش وصدام الجمل، أنهم انشقوا عن الجيش السوري الحر. والأخير نسب إليه كلام لم يمكن لنا التثبت من صحته، أنه انشق لعدم رضاه عن الدعم الخليجي!
هذه الانشقاقات، سواء كانت حقيقية أم جزءا من الحرب الدعائية، تعبر عن محاولة لتفريغ القوة العسكرية الوحيدة التي تمثل الثورة السورية، إضافة إلى أنها القوة الوحيدة التي تحارب بلا توقف منذ بداية الثورة وتحولها إلى عسكرية قبل 30 شهرا. بقية القوى من جماعات وكتائب لا تعبر عن الثورة، لأنها إما قوى فردية تمثل أحياء ومناطق منتفضة، أو امتداد لجماعات إرهابية مثل «داعش» و«النصرة»، التي هي امتداد لتنظيم القاعدة الذي يقاتل في العراق واليمن والصومال، وسبق لنظام الأسد أن استخدمه في لبنان والعراق في العقد الماضي.
المشهد الجديد المنشقون مع الجماعة الجديدة، الجبهة الإسلامية، التي أعلن عن تأسيسها في وقت بدا فيه ضعف النظام واضحا، والسؤال، هل سيستطيع المنشقون والتشكيل من الإسلاميين وإرهابيو «القاعدة» مجتمعين دحر نظام الأسد؟ قطعا لا، لكنهم قادرون على تخريب الجيش الحر، العمود الفقري للثورة!
من استهداف مدينة معلولا وخطف الراهبات والاستيلاء على باب الهوى، المنفذ الحدودي مع تركيا، بمقاتلة الجيش الحر، لا نرى أثرا للحرب مع جيش الأسد، بل نرى سلاحا موجها ضد الجيش الحر، في الوقت الذي تستعد الأطراف المختلفة التفاوض في مؤتمر جنيف الثاني على مستقبل سوريا!
القصة باختصار شديد، سوريا بلد يعاني من نظام أمني فاشي، والشعب انتفض ضده في لحظة من الجرأة، ودفع الثمن في سبيل التغيير ملايين السوريين ما بين قتيل وجريح ومهجر. هل بعد هذا يمكن أن نصدق أن جماعات تقول إن هدفها ليس إسقاط النظام بقدر ما هو تطبيق الشريعة أو تغيير الثوار بغيرهم؟
منقول عن الشرق الاوسط

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

الملايين يعانون في سوريا.. وأميركا لا تأبه

مورتون أبراموفيتش

دائما ما يتفاخر الأميركيون بأنهم يقدمون يد العون للمنكوبين. ولقد كانوا في الواقع أسخياء عندما ساعدوا الكثير من الشعوب والبلدان التي عانت من كثير من المشكلات، غير أنه يبدو أن الشعب الأميركي، وكذلك الحكومة، يشعرون بالرضا في مواجهة حالات المعاناة الإنسانية الهائلة. ولنتذكر رواندا وكمبوديا. وفي الآونة الأخيرة، وقف الرأي العام الأميركي موقفا سلبيا على مدى أكثر من عامين وهو يشاهد التدمير المستمر لدولة مثل سوريا، حيث قتل أكثر من 120 ألفا من المدنيين وترك أكثر من 6 ملايين بلا مأوى.
وفي سوريا، يحتاج أيضا تسعة ملايين شخص إلى مساعدات إنسانية. وهناك أكثر من مليوني سوري لاجئ في البلدان المجاورة. وحسب إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة، يتعذر على الوكالات الإنسانية في الوقت الحالي الوصول لأكثر من 3 ملايين آخرين. وكل هذه الأرقام تتزايد بشكل يومي. من ثم تأتي المطالبات الدولية العاجلة لتوجيه مزيد من المساعدات الإنسانية وتكثيف النشاط الدبلوماسي من أجل القضية السورية. ومع عدم وجود احتمال لتوجيه الغرب لأي نوع من المساعدات العسكرية لإنهاء الصراع، والاحتمال ضئيل للتوصل إلى حل تفاوضي، تعد المساعدات الإنسانية السبيل الوحيدة لمساعدة الملايين من المحاصرين لفترة غير معلومة، كما تعد اعترافا غير عادي بالفشل في إيجاد حلول سياسية.
لم يعرب الأميركيون بشكل جماعي عن قلقهم الكبير تجاه تلك المعاناة الإنسانية التي تشهدها سوريا، كما لم يمدوا أيديهم في جيوبهم بغية توفير المساعدات المطلوبة التي يحتاجها السوريون بشدة، حتى وكالات الإغاثة الإنسانية لم تسعَ لجمع الأموال بشكل جدي من الناس.
وعلى الجانب الآخر، تأتي غالبية المساعدات من الاعتمادات المتزايدة التي توفرها الحكومات المختلفة. وسهل غياب الدور الشعبي الأمر على إدارة الرئيس أوباما التي بقيت تؤدي دورا غير ذي قيمة على هامش التخاذل الدولي، ساعية إلى استصدار قرارات فارغة من الأمم المتحدة، في حين تفلت من أداء الواجب عن طريق توفير الأموال لتقديم المساعدة الإنسانية من دون أن تفعل المزيد لحل هذه القضية. حتى إن وزير الخارجية الأميركي لم يحضر المؤتمر الأخير الذي عقدته الأمم المتحدة لجمع التبرعات من بعض الدول في توفير المساعدات. وتبقى الحقيقة أن حكومتنا لا ترغب في حدوث ضجة من الشعب في ذلك الشأن.
ربما يقول البعض إن رد الفعل الشعبي الضعيف تجاه الكارثة السورية لا يبدو مستغربا. كما صدع رؤوسنا الطرح القائل بأن الأميركيين قد تعبوا خلال حربين، وأن هناك الكثير الذي يتعين القيام به في الداخل، كما يؤكد الرئيس أوباما دائما. يشعر البعض دائما أن الأميركيين يهدرون الكثير على مشاكل الآخرين. كما يبدو البلد منهكا أيضا من الحروب الضخمة المستمرة في البلدان المسلمة. وأصبحت المشاركة في الجهود الإنسانية بالنسبة للكثير من الأميركيين شيئا ينذر بالمتاعب، وربما يؤدي إلى الانزلاق في أتون تدخل عسكري جديد، فقد سمعوا صفارات الإنذار في كثير من الأحيان.
ويبدو أن كثيرا من المناصرين الذين دائما ما يشاركون بشكل كبير في الدعوة لتوفير المساعدات للمناطق ينأون بأنفسهم الآن عن المشاركة في توفير حلول للأزمة السورية. فالكنائس الإنجيلية، التي حثت الكثير من الرؤساء على توفير قدر أكبر من المساعدة لجنوب السودان، تبدو صامتة على نحو غير معهود تجاه معاناة الكثير من المسيحيين اليائسين في بلد سقط في غياهب النسيان. لماذا لا يهبون لمساعدة إخوانهم؟ وربما يسأل الكثيرون عمن ينبغي توفير المساعدة والدعم لهم في سوريا، وهو بلد يعاني من الانقسامات الطائفية التي تزداد عمقا بمرور الوقت. وقد عانى المسيحيون السوريون ويشعرون باليأس حول مستقبلهم في بلد يهيمن عليه المقاتلون، شأنهم شأن بقية الشعب السوري. وما زال يأتيهم غالبية الدعم من الرئيس بشار الأسد. بينما يبدو أن الكثير من الكنائس الأميركية تختار أن تبقى صامتة في عالم يقف كله ضد الأسد.
ماذا عن الجالية اليهودية في الولايات المتحدة؟ كانت ردود الفعل الصادرة عن المناصرين اليهود في طليعة الردود التي تصدر تجاه أزمات البلقان وفي أفريقيا، حيث ساهم هؤلاء في توفير الدعم للبوسنة وأيضا دارفور. وكان من بين الأصوات التي ساهمت في توفير ذلك الدعم إيلي فيزيل الذي لا يزال يدعو حكومة الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات جادة، ولكن يبدو أن الكثير من اليهود ما زالوا يتخذون موقفا حذرا تجاه التورط في سوريا، كما أن استفادة إسرائيل الأمنية من زوال الأسد غير مؤكدة.
الكثيرون ممزقون في أميركا وغيرها بين الكارثة الإنسانية ورحيل الأسد ونظامه، ولكن يشعرون بالقلق حيال العمل العسكري، بما في ذلك إرسال المساعدات الإنسانية بشكل عسكري إلى الداخل السوري.
تبذل وكالات الإغاثة الإنسانية مجهودات غير عادية في سوريا والدول المجاورة لها، غير أنهم إما حاولوا وفشلوا في إثارة الرأي العام الأميركي، أو لم يرغبوا في توجيه نداء للشعب الأميركي لإغاثة سوريا. وتركز وكالات الإغاثة الرئيسة على طلب المساعدة من الحكومات الفيدرالية لصالح سوريا وإغاثة اللاجئين المنتشرين في المنطقة.
* زميل مؤسسة القرن

(Century Foundation)

وسفير أميركا السابق لدى تايلند
* خدمة «واشنطن بوست»

منقول عن الشرق الاوسط

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

صورة العام: مانويلا تضع مولوداً

reuters photos of the year 2013: Manuela mitre is helped by midwives to give birth to her second child while lying in a pool of water in sao Paulo

مانويلا تضع مولودها الثاني بمساعدة القابلات بينما هي مستلقية في بانيو من الماء في ساوباولوManuela Mitre is helped by midwives to give birth to her second child while lying in a pool of water in Sao Paulo

Posted in English, الأدب والفن | Leave a comment