ام مسيحية, درزية وسنية واستشهاد اولادهم

نريد ان نقوم بمقارنة بسيطة بين تصرف أم مسيحية استقبلت جثمان ابنها الذي قتل بمعارك من اجل بقاء نظام عائلة الأسد مفكر4المجرمة,  مع تصرف ام درزية, ثم ام سنية بنفس الموقف, وهذه الصورة تغني عن آلاف الكتب التي تشرح وتبين كيف تعيش الأقليات وخاصة المسيحية منها صاغرة بسوريا (التي يدعي فيها المجرم بشار الاسد على انه حامي الاقليات), مع العلم أن الامهات الثلاث من نفس الطبقة الاجتماعية وتعيش كل منها في قريتها ذات اللون الواحد مسيحية او درزية او سنية.

أولاً: حالة الام المسيحية:

بعد سنتين من الغياب عاد الى بيتهم ملفوف بالعلم السوري، وتشرفت العائلة بزيارة المسؤولين في المحافظة من كبيرهم لصغيرهم. والكل يقول هاد يا خالتي فداء للوطن. ابنك شهيد. ارفعي راسك انت ام الشهيد ………

قامت وردت ام الشهيد  المسيحية:

بسالمتكم يا ولادي, ابني راح فدى الوطن وانا مستعدة قدم بقية اخواته, ثم اصرت على ان يتناولوا الغذاء عندهم,,..

نحن هنا نفهم الام المسيحية بأنها تعلم أن ابنها راح ولن يعود, وهي تخاف أن يأذوا اولادها الباقيين إذا تذمرت او امتعضت او عبست, لانها تعرف بانهم اصحاب نفوذ وقادرون على اذية اولادها أكثر وأكثر, فتضع على جرحها ملح وتبتسم للمسؤلين وتحاول التقليل من خسائرها قدر الإمكان.

ثأنياً الأم الدرزية بنفس موقف الام المسيحية وهذا كان ردها:

 هاد ابني بيت ما عندو، و زواج ما تجوز، وبولادو ما فرحت …. هاد ابني اللي تقدم لكل مسابقات الدولة تبعكم، وما قبلتوه بوظيفة لأن ما عندو واسطة !! هاد ابني اللي كان يموت من الجوع والبرد والحر وانتو شبعانين ودفيانين ! ! هاد ابني لما احتجتوه اخدتوه وما في عذر قبلتوه. هاد ابني مات، وما في محل الو بهالدولة لانو ابن فقير, هاد ابني اللي حرمتوني اياه منشان تبقو سارحين ومارحين… وانتو وين ولادكم !!!!! ابني بقي ايام بلا أكل وشهور وهو متحاصر انتو وين كنتو !!! هاد ابني جايين تتغنو انو شهيد !!! ابني مات قبل ما يستشهد !!!! موتُوه بقلة ضميركم بقلة وجدانكم !!!! ابني ما في شي بيعوضني عنو ! الوطن اللي عم تحكو عنو مو الو هوي، إلكم انتو انتو ياللي ما شفتوه وهوي عم يتسول حتى يقابلكم وانتو مشغولين وعندكم اجتماعات تعا بعدين !!!! ولك ابني راح واخد قلبي معو !!! الوطن اللي ما بيحترم ابني وهوي عايش ما بدي احترمو بعد ما بيموت !! عظم الله اجركم وشكر الله سعيكم على مشقة مغادرة مكاتبكم بعد فوات الأوان

من هنا نرى أن الام الدرزية تعرف بانه مهما قالت فلن يستطيعوا ان يأذوا عائلتها اكثر من ذلك, لأن لها زعيم طائفة له نفوذ و يستطيع ان يمنع عنها اي اذى محتمل من المسؤولين, لذلك استطاعت ان تقول لهم الاشياء التي كانت ايضا تريد ان تقولها الام المسيحية ولكنها فضلت ان تبقيها حسرة بقلبها خوفاً من اي اذى اضافي محتمل لابنائها الباقيين.

ثالثا الام السنية

لم يتجرأ اي مسؤول ان يأتي الى القرية السنية , وهم الاكثرية بسوريا, خوفا من يتم ذبحهم كالخرفان بفورة الدم من قبل الام ذاتها واهل القرية, لذلك ارسلوا الجثة مع اشخاص محليين لكي يتجنبوا الاحتمالات المرعبة لهم.

وفي الختام, هذه المواقف الثلاثة توضح كيف ان المسيحي يتسول اقل من حقوقه لكي تسير اموره بالحد الادنى, بينما الدرزي يأخذ ضعف ما يحصل عليه المسيحي من دون اي منية لأحد!!, بينما في حالة السني, فأن الدولة تداريه وتخاف من غضبه, مع العلم أنه في نهاية الأمر  لا المسيحي , ولا الدرزي, ولا السني حاصل على كامل حقوقه كمواطن, لان سوريا تحت ظل نظام عائلة الاسد هي دولة بوليسية, ويحتكر قلة في السلطة الاقتصاد وتسرقه وتوزعه على المقربين واصحاب الذوات من الذين يخدمون النظام.

Posted in فكر حر | Leave a comment

DNA 13/12/2013 “حكومة “الامر الواقع

في هذه الحلقة يتناول نديم موضوع حكومة الامر الواقع

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور, يوتيوب | Leave a comment

المسلم المؤجر عقله للدين والمشائخ

كتبت أختي في تويتر كلاماً تنتقد الهيئة واسلوبهم الفضّ وتعاملهم الوقح واستعلاءهم على النساء بعد ان حدث موقف في احد مفكر70 (3)الأسواق
فماذا كانت ردود الأفعال من جماعة سمعنا وأطعنا والغينا عقولنا!
سباب وشتائم وانها تحارب الهيئة لكي يحلو لها الجوّ وتختلي مع حبيبها!

رغم انها مسلمة مؤمنه وتلتزم بالعبادات الدينية وليست ليبرالية او علمانية لكمنها تقول كلمة حقّ، ولكن معارضة الهيئة تجعلها في خانة الشكوك اللا أخلاقية نتيجة الكذبة التي تقول ان الهيئة تحافظ على اعراضنا! وان من ينتقدهم اباحي!
وهم بهذا القول يُهينون انفسهم العاجزة عن حماية أعراضهم ويحتاجون لأولئك الأوباس لحمايتها..

هذه حدود عقلية المسلم المؤجر عقله للدين والمشائخ، اذ يأخذون الإعتراض من هذا الجانب رغم انهم لا يفوّتون فرصة النوم مع خادمة المنزل! وحالات حمل الخادمات بإزدياد كما هو معروف فيأتي هذا الشخص لتويتر ليشتم من يريد انتشار الفاحشة بحسب زعمه وهو يمارسها في سطح منزلهم مع الخادمة..او يتسكّع بتويتر خلف معرفات على شاكلة ممحونة مطلقة، سكسية موت!

Posted in فكر حر | Leave a comment

” قصة الشموع “

قصه من الواقع الدي نعيشه تثبت لنا حقيقه واحده حجم الجهل والتخلف في مجتمعناkha
انها كوميديا انسانيه مؤلمه

فى زيارة لأحد المدن العراقية التى تستضيف المراقد المقدسة ذهبنا لزيارة رجل أعمال و لدينا مصلحة مشتركة و هو سيد “عمامة” معروف و استضافنا بكل ترحاب و كان جداً حباب. و بعد أن علم بأن من مجموعتنا يوجد مسيحيين و كان أحدهم مهندس تغيرت الصورة و انتقلنا لغرفة أخرى و قدم انا المشروبات الكحولية و قامت على خدمتنا حوريات الزمان و المكان و قضينا ليلة سمر جميلة و كان جداً كريم و أقسم علينا المبيت فى دار الضيافة اللذى يمتلكه …

و فى الليل خرج الجموع و معها شموع و هى تنادى لزيارة الإمام, فخرج و نظر لهم و قال: “اسمحوا لى أصدقائى يجب أن أذهب معهم فخبزتنا على هؤلاء الغشمة”,

و قال: “و الله لا يوجد أمام فى المراقد و لا شىء و لكن اسمحوا لى الرزق يتطلب الذهاب .. اسمحوا لى سوف أعود بسرعة.”

‎هيثم هاشم – مفكر حر؟‎

Posted in الأدب والفن, كاريكاتور | Leave a comment

لغة الكلاب نحنا السوريين ما منفهمها

sofi1…………………………………..

صورة الفنان في مخيلة المواطن العربي بشكل عام، و المواطن السوري على وجه التحديد، هوّة الانسان المرهف الحس ، اللي بيسمع لموسيقى لينا شاماميان، و بيفهم نكات زياد ابن فيروز الغير مفهومة .. هوّة الانسان اللي بتدمع عينو على مشهد تعذيب غوار لحسني، و بيرقص على كلمات ابو عصام قبل ما يموت تاني مرة بباب الحارة..
هوّة الانسان اللي بيحط برنيطة بالشارع، و اللي بيحمل شنطة كبيرة بالشتا فوق الكبّوت..
هوّة الانسان اللي بيقعد بمقاهي المثقفين، بيقرا صحف اليساريين ، و بيناقش مرتادي القهوة بقضايا العالم التالت..
هيدي هيّة صورة الفنان في مخيلتنا لمّا نجي على تصوير شخصية وهمية بأذهاننا..
لحد ما طل علينا الفنان بشار اسماعيل و غيّرلنا الصورة المثالية العالقة بضمائرنا..
تحولت صورة الفنان الى هيئة حيوان فلتان..
طالب ببداية الثورة بترحيل التركمان من جبال اللادقية و إعطاء اراضيهون للعلويين المدافعين عن سيد الوطن.. و اليوم بحديث أخوي بينو و بين كلبو بالمزرعة ، نقل على صفحتوالحديث اللي دار..
عم يدعي كلبو للذهاب الى النبك لأكل لحوم أشلاء شباب الثورة المنتشرة على ارض القلمون الصامدة..

منيح يا بشار اسماعيل اللي ترجمت الحديث اللي دار بينك و بين كلبك للغة العربية، فلغة الكلاب نحنا السوريين ما منفهمها..

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

هل يملك السوريون إطاراً وطنياً؟

إيلي عبدو : الحياة

الجمعة ١٣ ديسمبر ٢٠١٣

لم يستسلم السوريون سريعاً لمحاولات النظام الرامية إلى تطييف ثورتهم. فحين علا صوت المستشارة الأسدية بثينة شعبان متهمة المتظاهريين بالطائفية، خرج المنتفضون ليرفعوا لافتات تؤكد صلابة وحدتهم. وفي مدينة حمص تحديداً التي تتحدر من إحدى قراها المستشارة، وقف الرياضي السنّي عبدالباسط ساروت بجانب الفنانة العلوية فدوى سليمان ليقودا معاً التظاهرات الحاشدة. كل ذلك ترافق مع مشاركة لا بأس بها لناشطين علويين ومسيحيين وإسماعيليين في تنسيقيات المعارضة.

بيد أن هذه الأدوات التي اعتمدت للدفاع عن وطنية الثورة بدت عديمة الفعالية، لا سيما مع دخول الصراع طوره العسكري واستغلال النظام لأي حادثة طائفية وتوظيفها إعلامياً بحيث تبدو الأقليات مستهدفة من أكثرية المعارضين السنّة. التكتيك الأسدي لضرب وطنية الثورة لم يعتمد على الوقائع فحسب لتبرير حججه وإقناع جمهوره بطائفية المنتفضين. بل ظهر موازٍ لذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي، هدفه نبش الذاكرة التاريخية واستعادة المظلوميات لرميها داخل وجدان الأقليات، وهو خطاب وجد صداه بقوة في الوعي الشعبي البسيط.

مقابل استعمال النظام الحاكم عناصر من التاريخ والذاكرة وبعض الوقائع المتنافرة من هنا وهناك، لصناعة خطابه التطييفي، اعتمدت المعارضة لتأكيد وطنيتها على خطوات فلكلورية كرفع لافتات تحض على الوحدة وتنبذ الطائفية والتركيز على وجود رموز من مختلف الطوائف في التظاهرات المطالبة بالحرية. هذه الخطوات بدت ضعيفة وبلا جدوى أمام رواية طائفية للثورة عممها النظام. والأرجح أن المرد الأساسي لهذا الضعف يكمن في انعدام وجود إطار وطني يجمع السوريين.

فالرابطة الوطنية كانت أقرب إلى التحلل قبل إندلاع الثورة. فبعد سنوات على وصول البعث إلى السلطة، فشل هذا الحزب، المستخدم لاحقاً من قبل عائلة الأسد، كغطاء لإشباع شهوة السلطة، في هندسة المجتمع السوري وفق عقيدته الوحدوية والقومية والاشتراكية، لتعيش البلاد بعدها في فراغ وطني استمر أربعة عقود. جماعات منعزلة تتواصل مع بعضها عبر الاقتصاد والاجتماع والمعرفة، لكن العلاقة بينها واهية تُظهر الكثير من الود وتستبطن صرعات غير معلنة. لقد بدت أفكار البعث الأسطورية إيديولوجيا مناسبة، ليس فقط لوصول الطغمة الأسدية إلى السلطة، بل أيضاً لتعطيل العلاقة بين الجماعات السورية وحصرها في الأطر العامة.

هذا الفراغ الوطني دفع كل جماعة نحو ترسيخ هويتها الخاصة بعيداً من بقية المجتمع. صحيح أن سورية لم تكن عبارة عن كانتونات مغلقة ضد بعضها، لكن الصحيح أيضاً أن كل طائفة كانت تتعرّف الى نفسها بمعزل عن محيطها الثقافي والوطني. إنها أقرب إلى لعبة تحايلية تواطؤية سعت الهويات الصغرى من خلالها إلى الحفاظ على ذاتها. واللافت ان الهوية المعلنة (البعثية) بقيت في ظل هذه العبة إرثاً شعاراتياً يتم تداوله في المناسبات الرسمية، أما الجهة المولجة قسراً بإدراة اللعبة بذكاء وحنكة فهي المستفيد الأكبر منها، أي التركيبة العائلية والأمنية والطائفية التي من خلالها تُحكم البلاد.

النظام أدرك باكراً أن خلط الأوراق داخل لعبته التي تم ترسيخها سابقاً سيكون السلاح الأكثر فاعلية ضد الثورة. وقد لا يكون الخطاب التطييفي الذي استخدم في إعلامه إلا أحد تمظهرات كشف هذه اللعبة ورفع الغطاء عنها. والحال أن الطغمة الحاكمة استنجدت بالفراغ الوطني الذي ساهمت بإحداثه سابقاً للنيل من مشروعية الثورة، فيما لم تتمكن المعارضة من ملئه بوطنية مضادة، ما يشير بشكل واضح الى أن السوريين لم يمتلكوا إطاراً لإجماعهم الوطني في الماضي ووجدوا أنفسهم عاجزين عن بناء مثل هذا الإجماع خلال الثورة مكتفين ببعض اللافتات والشعارات المتخيلة.

* كاتب سوري

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

شيعة العراق في سورية: من المستنقع إلى الحمأة؟

 القدس العربي اللندنية

صبحي حديدي

شريط الفيديو، الذي نُشر مؤخراً على موقع ‘يوتيوب’، يُظهر مجموعة شبّان عراقيين من أنصار مقتدى الصدر، يرتدون اللباس العسكري المموّه، ويحملون رشاشات ومسدسات، ويهزجون بحميّة دينية طافحة، مطالبين بأخذهم إلى الشام، لمحوها من الوجود.

قبل هذا، انتشرت صورة فوتوغرافية لمقاتل عراقي شيعي، يقتاد مواطناً سورياً في ستينيات عمره، من أبناء مدينة النبك، لكي يعدمه رمياً بالرصاص. صورة ثالثة تبيّن مسلحاً عراقياً، باللباس المموّه، وسط نفر من زملائه، يحمل رزمة من النقود لاح أنه قبضها لتوّه لقاء ‘خدمة’ ما، أو نهبها خلال عملية عسكرية. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، خاصة مع احتدام المعارك في منطقة القلمون، تكاثرت أشرطة وصور مماثلة، تكشف سلسلة من المظاهر والأفعال والممارسات الفاشية المقترنة بالميليشات العراقية المساندة لنظام بشار الأسد.
المرء يخال، للوهلة الأولى، أنّ هؤلاء نفروا إلى سورية (أو إلى ‘الشام’ تحديداً، كما يقولون)، خفافاً وثقالاً، دفاعاً عن المقدّسات الشيعية، وفقاً للأكذوبة الكبرى (التي أطلقها حسن نصر الله، الأمين العام لـ’حزب الله’، وتتردد اليوم على كلّ شفة ولسان في أوساط هذه الميليشيات المذهبية)؛ وذلك بعد أن طهروا بلدهم، العراق، من ‘التكفيريين’ و’الإرهابيين’ و’المتشددين’ و’الغلاة’… أجمعين! لكنّ الأخبار تتناهى، كلّ يوم في الواقع، فلا تفيد إلا العكس: أي عودة عمليات ‘القاعدة’ على نحو أشدّ، وأوسع نطاقاً، وأكثر تعقيداً من حيث التكتيك العسكري، خاصة في الجانب الذي يخصّ تنفيذ عدد متزامن من العمليات المتباعدة جغرافياً. كذلك فإنّ أوضاع التنظيمات السياسية العراقية، ذات الطابع المذهبي الصريح أو المستتر، ليست البتة في وضع مريح يتيح لها التفرّغ لأداء ‘تكليفات شرعية’ على أراضي الآخرين.
وبالطبع، ليس جديداً ـ وهو أمر مؤسف، في المحصلة ـ أن يقول المرء إنّ ما يجري في العراق بعد مرور عقد على ‘التحرير’ هو بعض تجليات المعادلة الجدلية العسيرة وراء غزو عسكري سهل، مارسته قوّة عظمى، نصّبت أنصارها وأزلامها في سدّة الحكم، دون التبصّر في معضلات السلام الأهلي الذي يعقب الغزو. ولقد قلنا من قبل، مثل سوانا في الواقع، إنّه سوف يتعين على الغازي الأمريكي مواجهة معضلات عاجلة تحتاج إلى حلول عاجلة، وذلك قبل أن يجد نفسه عالقاً أكثر فأكثر في وحول المستنقع العراقي، وقبل أن يصبح وجهاً لوجه أمام المعضلات الكبرى للشطر الأصعب في سيرورة الغزو: هضم العراق، البلد والحضارة والتنوّع الفسيفسائي المعقد، وبلوغ درجة دنيا من السلام الذي لا مناص من بلوغ بعضه قبل إعلان الظفر الشامل.
وفي مطلع نيسان (أبريل) 2003، حين سقطت العاصمة العراقية بغداد في قبضة الغزو الأمريكي، كان دويل ماكمانوس، الكاتب في صحيفة ‘لوس أنجليس تايمز′ الأمريكية، قد نقل عن ضابط في قوّات الـ’مارينز′ قوله، بعد دقائق من توغّل دبابات وحدته في قلب بغداد: ‘ها قد وصلنا. نحن الكلب الذي اصطاد السيّارة.
ماذا سنفعل بها الآن’؟ وفي الواقع كان الضابط الأمريكي (الحصيف، الحكيم، المتطيّر شرّاً، كما يلوح) يعيد باللغة اليانكية صياغة الحكمة الشهيرة التي أطلقها في مطالع القرن التاسع عشر كارل فون كلاوزفيتز، الضابط البروسي الشهير وأحد أعظم أدمغة التفكير في شؤون الحرب ومعضلات السلام الذي يلي الانتصار العسكري: ‘في الحرب ليس ثمة نتيجة نهائية’.
وكان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، الابن، بحاجة إلى هذه المغامرة العسكرية في العراق، ليس لأنها بدت ‘نبيلة وضرورية وعادلة’، كما سيقول؛ بل لأسباب ذاتية تخصّ إنقاذ رئاسته الأولى ومنحها المضمون الذي شرعت تبحث عنه بعد مهزلة إعادة عدّ الأصوات في فلوريدا، وبالتالي صناعة ـ وليس فقط تقوية ـ حظوظه للفوز بولاية ثانية. وكان بحاجة إلى هذه الحرب لأنّ مصالح الولايات المتحدة تقتضي شنّها، لثلاثة أسباب ستراتيجية على الأقلّ: 1) تحويل العراق إلى قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة وحيوية، تخلّص أمريكا من مخاطر بقاء قوّاتها في دول الخليج، وما يشكّله هذا الوجود من ذريعة قوية يستخدمها الأصوليون لتحريض الشارع الشعبي ضدّ الولايات المتحدة، وتشجيع ولادة نماذج جديدة من ‘القاعدة’ وأسامة بن لادن؛ و2) السيطرة على النفط العراقي، التي تشير كلّ التقديرات إلى أنه الآن يعدّ الإحتياطي الأوّل في العالم، أي بما يتفوّق على المملكة العربية السعودية ذاتها؛ و3) توطيد ‘درس أفغانستان’ على صعيد العلاقات الدولية، بحيث تصبح الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، ومعظم أجزاء العالم في الواقع، مطلقة أحادية لا تُردّ ولا تُقاوم.
آنذاك قال بوش في ‘الديمقراطية العراقية القادمة’ ما عجزت عن تدبيجه أقلام أكبر الكذبة المنافقين من رجالات ‘المعارضة’ العراقية، فلم يترك زيادة لأي مستزيد بينهم: ‘إنّ عراقاً محرراً يمكن أن يبيّن قوّة الحرّية في تحويل تلك المنطقة الحيوية عن طريق تقديم الأمل والتقدّم إلى حياة الملايين. إنّ اهتمام أمريكا بالأمن، وإيمانها بالحرية، يقودان معاً إلى اتجاه واحد: إلى عراق حرّ ومسالم’.
وأغلب الظنّ أنّ هذا لم يكن الرأي الفعلي السائد في أروقة البيت الأبيض الداخلية، على صعيد الصقور مثل الحمائم، لأنّ الجميع كانوا يعرفون حقّ المعرفة أنّ أوّل انتخابات حرّة في العراق سوف تجلب أغلبية شيعية مطلقة، وستُدخل إيران من البوابة الأعرض، إذا لم تكن مرشحة لإعادة إنتاج كوارث شبيهة بما حدث في الجزائر بعد فوز ‘جبهة الإنقاذ الاسلامية’. فوق هذا وذاك، هل كان أحدهم يتنبأ آنذاك بما سيجري في، أو ربما سمع لتوّه باسم، مدينة الفلوجة؟ هل كانوا، بمعزل عن السيستاني والحكيم، قد سمعوا باسم مقتدى الصدر؟
ولقد كُتب الكثير في وصف انقلاب السحر على الساحر الأمريكي، ولعلّ من الدالّ أن يقتبس المرء توصيف الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما: هذه الحرب، الأطول من الحربين العالميتين الأولى والثانية، والأطول من الحرب الأهلية الأمريكية، جعلت أمريكا أقلّ أماناً، وأضعفت نفوذها في العالم، وزادت من قوّة إيران، وعزّزت حركة ‘طالبان’ وكوريا الشمالية وتنظيم ‘القاعدة’… ما لم يقله أوباما هو أنّ هذه هي الحال الكلاسيكية التي أخذت تنتهي إليها جميع حروب الإمبراطورية الأمريكية المعاصرة، بوصفها أسوأ مَن يستخدم الجبروت العسكري، وبالتالي أردأ مَن يتعلّم دروس التاريخ.
ويكفي استعراض ‘طرائق’ محاربة ‘القاعدة’ في العراق، والتي تباحث فيها أوباما مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مؤخراً، لكي يدرك المرء الحدود القاصرة التي انتهت إليها عملية اصطياد السيارة، وفق تعبير الضابط الأمريكي المتشائم.
آنذاك، أيضاً، لم يتلكأ رجل مثل هنري كيسنجر في إطلاق صفة ‘الحرب الأهلية’ على أعمال العنف، والإفتاء بأنّ تقسيم العراق على أسس إثنية قد يكون المخرج؛ هو الذي أنبأنا قبلئذ أنّ احتلال العراق كان محض تفصيل في تخطيط أعلى يستهدف لجم الإسلام المتشدد! ففي مقالة مسهبة بعنوان ‘دروس من أجل ستراتيجية مخرج’، نشرها أواخر آب (أغسطس) 2005، كتب حكيم الدبلوماسية الأمريكية يقارن بين فييتنام والعراق: ‘من المؤكد أنّ التاريخ لا يكرّر نفسه بدقّة.
فييتنام كانت معركة تخصّ الحرب الباردة؛ وأمّا العراق فهو أحدوثة Episode في الصراع ضدّ الإسلام الجذري (…) الحرب في العراق لا تدور حول الشأن الجيو ـ سياسي بقدر ما تدور حول صدام الإيديولوجيات والثقافات والعقائد الدينية. ولأنّ التحدّي الإسلامي بعيد النطاق، فإنّ الحصيلة في العراق سيكون لها من المغزى العميق أكثر ممّا كان لفييتنام. فلو قامت، في بغداد أو في أيّ جزء من العراق، حكومة على شاكلة الطالبان أو دولة أصولية راديكالية، فإنّ موجات الصدمة سوف تتردّد على امتداد العالم المسلم’…
آنذاك، ثالثاً، كان ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي الأمريكي، قد سطّر مذكّرة سرّية أثار فيها الكثير من الشكوك حول كفاءة المالكي، رغم أنه غضّ البصر عن ملفات كثيرة تخصّ الفساد وسوء إدارة العوائد النفطية والارتهان لإيران… والإنصاف يقتضي القول إنه ما من سبب كان يدعو هادلي إلى التحامل على المالكي، ليس لأنّ رئيس الوزراء العراقي كان رجل الاحتلال المفضّل في المنصب، فحسب؛ بل لأنّ هادلي ساق جملة من الحقائق البسيطة عن الرجل؛ بينها هذه مثلاً: ‘صحيح أنّ نواياه تبدو طيبة حين يتحدث مع الأمريكيين، إلا أنّ الواقع في شوارع بغداد يوحي بأنّ المالكي إما جاهل لما يجري، وبالتالي فهو يسيء تقديم نواياه، أو أنّ قدراته ليست بعد كافية لتحويل نواياه الطيبة إلى فعل’.
إذا كانت تلك حال رئيس الوزراء الممثل لكتلة الأغلبية البرلمانية المنتخَبة ديمقراطياً، تحت الاحتلال بالطبع؛ فما الذي يمكن أن تسير إليه قدرات الإرهابيين الذي يقودون مفارز الخطف، والإعدام على الهوية، وإحراق البشر أحياء؟
وكيف يمكن للساسة، الذين يتغنى المالكي بقدراتهم على الحلّ والربط متناسياً أنه يقف على رأسهم، جامعاً تمثيل السلطة التشريعية (بوصفه رجل الأغلبية البرلمانية) والسلطة التنفيذية في آن؛ أن يتمكنوا من تربيع دائرة الدم الجهنمية هذه، إذا كانت الحال بأسرها تسير حثيثاً إلى الهاوية؟
وكيف لمعجزة كهذه أن تقع إذا كانت الحال الراهنة في العراق، حيث البون شاسع شاسع بين النوايا في القلوب وعلى الألسن، والجثث في الشوارع والقبور الجماعية ليست طارئة ونتاج العنف غير المسبوق في الأشهر السابقة، بل هي سيرورة متصلة مترابطة كما سيفكر أيّ عاقل؟
أليس المرء، لا سيما إذا مارس رياضة الربط بين الظواهر سنة بعد سنة وشهراً بعد شهر، لكي لا نقول أسبوعاً بعد أسبوع، مخوّلاً ببلوغ خلاصات جلية حول بدء تلك الحال، ومسيرها، ومآلاتها الراهنة؛ كما تتجلى، على سبيل المثال الأبرز، في تشجيع ورعاية هؤلاء المرتزقة، الهمج الجدد الذين ينفرون إلى الشام، بهدف تدميرها ومحوها عن وجه الأرض؟ وهل في الإمكان تصدير الأزمات والمآزق الداخلية إلى الجوار، واصطناع حمأة صراعات شيعية ـ سنّية في سورية، بينما الأقدام عالقة لتوّها في مستنقعات سياسية واجتماعية واقتصادية ومذهبية وطائفية… تكبّل العراق المعاصر؟

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

في اليوم الـ102 من مجـزرة اشرف واختطاف الرهائن الأشرفيين السبعة

في اليوم الـ102 من مجـزرة اشرف واختطاف الرهائن الأشرفيين السبعة2013
تواصل الاضراب عن الطعام في ليبرتي ومدن العالم والمظاهرات العالمية
الدعوة العالمية الى اطلاق سراح الرهائن والحماية في ليبرتي

102 يوما مضت على أسر 7 من الرهائن الأشرفيين وهم مازالوا يخضعون للضغط والتعذيب. المعركة العالمية لاطلاق سراح الرهائن مازالت مستمرة. بينما يتواصل الاضراب عن الطعام في ليبرتي و8 مدن مهمة في العالم ويلتحق متطوعون جدد بصفوف المضربين.
ومتزامنا مع اضراب سكان ليبرتي يواصل مئات الإيرانيين الاضراب عن الطعام في واشنطن وجنيف ولندن وبرلين واتاوا وملبورن وروما واستوكهولم حيث يعيشون حالة صحية متدهورة ويعانون من مضاعفات مختلفة بحيث ينقل يوميا أعداد منهم إلى المستشفى.ورغم هذا فقد أكد المضربون اصرارهم على مواصلة اضرابهم حتى تحقيق أهدافهم وفي مقدمتها اطلاق سراح الرهائن السبعة وهم 6 نساء ورجل الذين اختطفتهم القوات العراقية لدى هجومها على مخيم اشرف وقتل 52 منهم في الاول من أيلول (سبتمبر) الماضي.
كما وجه 80 نائبا من البرلمان العراقي برسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة أعربوا فيها عن شجبهم من جديد للمجزرة الشنيعة التي طالت 52 لاجئا سياسيا في مخيم أشرف واحتجاز 7 منهم كرهائن من قبل القوات الأمنية العراقية في الأول من ايلول وكتبوا يقولون: «مضت 100 يوم على تلك الكارثة المروعة ومئات من اللاجئين في مخيم ليبرتي وأفراد عوائل المقتولين في المجزرة والرهائن يعيشون اضرابا في مخيم ليبرتي و8 دول في العالم في تحرك احتجاجي سلمي للمطالبة باطلاق الرهائن السبعة وضمان سلامة قرابة ثلاثة آلاف من اللاجئين من سكان ليبرتي ووصلوا الآن الى مرحلة خطيرة جدا.»
ودعا المضربون نواب البرلمانات والاحزاب والشخصيات والمدافعين عن حقوق الانسان في ارجاء العالم الى دعم مطالبهم.. واشاروا الى أن تقاعس ولامبالاة الولايات المتحدة والأمم المتحدة تجاه الافراج عن الرهائن السبعة المحتجزين في سجون تحت مراقبة رئاسة الوزراء العراقية وعدم وتوفير المستلزمات الضرورية لحماية سكان ليبرتي من قبل الأمم المتحدة وعدم تلبية المناشدات الدولية لاجراء تحقيق مستقل حول “مجزرة “الاول من ايلول في مخيم اشرف بشمال بغداد، فإنه لم يبق أي طريق للحل امام سكان ليبرتي سوى مواصلة الاضراب عن الطعام.

Posted in فكر حر | Leave a comment

339 – دخول الإسلام لمصر: حوار مع الكاتب عادل جندي

muf70

مناقشة الكتاب “حكاية الإحتلال” الذي يطرح قراءة صحيحة وواقعية لتاريخ دخول العرب الى مصر، وكيف نتصالح مع الماضي ونخرج بدروس للمستقبل.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, يوتيوب | Leave a comment

شيء من الذاكرة خذوا الحكمة من ” الرجعيين ” !!

هرمز كوهار

مع الملك فيصل الثاني

ذاكرة من أيام كان العراق دولة ونظام واحترام، أما هذه الأيام فلا دولة ولا نظام ولا قانون ولا احترام، و كل الأمور خارج الاهتمام …ا

بل ” دولة ” المليشيات والعصابات المسلحة والنهب والسلب والتفجيرات دون حساب ولا كتاب… و” دولة ” تسن دستورا وقوانينا ولا تحترمها، فهي لا تحترم نفسها، فكيف تريد أن يحترمها الغير…!؟

و” دولة ” تتحول التصريحات الرسمية لمسؤوليها إلى نكت ونوادر يتندر بها العراقيون… ما تسمى دولة !…وحقا قالوا: شر البليــــة ما يضحك

في كل زمان ومرحلة، لغة سياسية تختلف عن الزمان الآخر، ففي العهد الملكي كنا نتداول مفردات سياسية منها: رجعي، وطني، تقدمي…. الخ، ويُتهم بالرجعية كل من كان يساند ويؤيد الحكومة وحتى في إنجازاتها التي كانت في خدمة الشعب!! أما الشخص الوطني فهو كل من كان ضد الحكومة ” الرجعية “، وينتقدها ويستخف بإنجازها وإن كانت في الصالح العام ! أما التقدمي فكانت تعني الوطني اليساري، ومعارض للحكومة على طول الخط ! فإذا بنتْ جسرا أو فتحتْ طريقا… كنا نقول: هذه لتسهيل مرور قطعاتها نحو الجماهير المنتفضة !! وإذا أسست مدارسا ومستشفيات كنا نقول: هذه لتغطية جرائمها وهكذا…، لأن القاعدة: ألا نـُحسِن الظن بالرجعية والاستعمار!!!

أما الرجعية الحقيقية هي التي نعيشها هذه الأيام مع “الأحزاب” الإسلامية والتطرف الإسلامي الذي تحولت إلى عصابات فاشية، والتي تريد أن ترجعنا إلى ما قبل 14 قرنا إلى الوراء… إلى سيرة السلف ” الصالح “، هذه هي الرجعية الحقيقية.

ونعود إلى موضوعنا ومليكنا، ففي سنة 1956 كنت أحد خريجي كلية التجارة والاقتصاد، كما كان أسمها آنذاك. كان من بين الزملاء الذين تخرجوا معي، ومن المعروفين: الزميل [حنا رزوقي الصائغ] وطالبان من القوش، كانا موسى ميخائيل الصفار، وسامي توما، وزميل آخر بعثي، وأصبح من قادة البعث فيما بعد، هو حكمت إبراهيم مزبان أي حكمت العزاوي، ومن الصدف أنه حقق معي أثناء توقيفي بعد جريمة 8 / شباط 63 !!! بتهمة كوني شيوعي، ودليله إنني كنت مرشحا في قائمة الشيوعيين والديمقراطيين ضد قائمة البعثيين والقوميين في جمعية الاقتصاديين العراقيين سنة 62، وبعد جريمتي شباط 63 و69 أصبح العزاوي وزيرا للاقتصاد ومحافظ البنك المركزي. وغيرها من المناصب، وبعد 2003 حكم عليه بالسجن (15) سنة. وقيل انه مات في السجن قبل أشهر.

تقرر أن تجري لنا حفلة رسمية لتوزيع شهادات التخرج يحضرها الملك فيصل الثاني تقام في حديقة القاعة المسماة باسمه، والتي بُنيت على أحدث نظام وسميت لاحقا بـ (قاعة الشعب) مغلفة بالخشب الصاج، ومُدفأة بـ(الفاير بليس) ويستقبلك (عند المدخل) ألتشريفاتي ليستلم المعطف أو القبعة أو السدارة أو ما شابهها! والإنارة والموسيقى التصويرية كأحدث ما يمكن، وأكثر تمثيليات فرقة المسرح الحديث بقيادة الأستاذ يوسف العاني كانت تجري فيها وقد حضرت معظمها…ا

أما هذه الأيام… أيام، السواد، والخراب، والغم، والتكلم بالديمقراطية بملء الفم! الذي أصبح شعار ” الدولة ” فلا أعرف مصير تلك التحفة وأٌقصد تلك القاعة…ا

كانت حديقة جميلة تتكون من حلقات نصف دائرة من اليآس والورود، وبين تلك الحلقات جلسنا ببدلة التخرج المعروفة، وكان عددنا نحو (50) خريجا، وجلس الملك فيصل الثاني في صدر الحديقة المقابل للقاعة، وإلى يمينه وزير المعارف خليل كنه على ما أذكر وعميد الكلية الإنسان الطيب د. بديع شريف (وللأستاذ بديع شريف قصة أخرى قد أتي إليها لاحقا).

لم أجد أمام الملك غير منضدة بسيطة عليها غطاء ابيض دون أن يكون أمامه باقات من الورود والزهور كما ” لسياسيي ” اليوم، بل نسخ من الشهادات ليوزعها علينا فردا، فردا.. كان العميد يقرأ اسم الخريج ونذهب إلى الملك، ويصافحنا مع ابتسامة وصوت رفيع خافت بالكاد كان يسمع كصوت البنات ويقول: “مبروك…” ويسلمنا الشهادة، ثم نرجع إلى مكاننا والتلفزيون ينقل الحفل على الهواء مباشرة. ولحظة المصافحة يلتقط المصور أرشاك صورة شخصية لكل خريج لتبقى ذكرى للتاريخ، وكان المصور أرشاك أشهر مصور فوتوغرافي في تلك الأيام، وكان مصور الملوك والرؤساء…ا

وبعد انتهاء توزيع شهادات التخرج العامة، قال العميد: هناك جوائز فرعية تبرعت بها بعض المؤسسات الحكومية، والأهلية للأوائل في المادة التي تخص المؤسسة، والأولى كانت من نصيب الزميل حنا تسلمها وعاد إلى مكانه، وكذلك الثانية وعندما علم الملك أن كلها من حصته الأخ حنا! هنا قال الملك: ألأخ حنـّا… ليش تتعب تروح وتجيء.. تعال أجلس يمنا حتى تكون قريب علينا لتسلم بقية الجوائز لأن كلها من حصتك…!!؟
وأنتقل الزميل الأخ (حنا) من مكانه وجلس قرب الملك ليواصل تسلم بقية جوائزه من يد الملك…!

لم يقلها الملك كأمر أو من خلال مأمور أو مناد، ولا كأمر ملكي، ولا ككلام موجه لغريب، أو شخص نكرة بالنسبة إلى الملك كعادة الملوك والرؤساء أو يوعزون على مساعديهم أن يدعو فلان وفلتان حتى من الوزراء، بل قالها كأنه صديق وزميل له: ” الأخ حنا … تعال أجلس يمنا…” وحاشا أن يستخف به أو يستصغره فقد كان الملك في منتهى الخلق والكياسة. وانتهى الاحتفال بكل هدوء كما بدأ، ونقل عبر التلفزيون نقلا مباشرا، وأعتقد كان أول تجربة للنقل المباشر. كما كان أول تلفزيون في المنطقة آنذاك… لم أشاهد بباب القاعة، لا جنود مدججين بالسلاح وببدلة قتال! ولا شرطة في داخل القاعة، كل شيء هادئ كأننا كنا في حفلة عائلية، وبالرغم من كل هذا كنا ننظر إلى الملك وإلى من حوله أنه رجعيون عملاء مسيرون…!!! لأن تثقيف الأحزاب آنذاك و دون استثناء : ” ألا نـُحسِن الظن … بالرجعية والاستعمار” ونحن كنا تلاميذ في تلك الأحزاب، تلك الأحزاب التي وعدونا: أن بنهاية هؤلاء يتحول العراق إلى دولة تنافس أرقى الدول العالمية في عِلمه وثقافته وثرواته الوفيرة ومياهه الغزيرة… ولم نكن نتصور أن تأتي هذه الأيام… كلها ظلم وآثام… وقتل وإيهام… صراع وانقسام… منهم غرباء ومنهم أيتام بلا أوطان… يتنافسون على النهب والسلب دون مقاييس ولا أوزان… يبيعون ما يمكن بيعه للجيران… اليوم ينافس كل دول العالم في فساده وآثامه والشعب العراقي ينافس بقية الشعوب بفقره وشقائه وآهاته..!! حتى تحول العراق إلى لا دولة فاشلة بل لا دولة ولا نظام ولا احترام…ا

وبعد أيام بدأ الطلاب الزملاء يتسلمون صورهم الشخصية التذكارية بالتخرج وبمصافحة الملك من مرسم المصور أرشاك، لتعلق في بيوتهم فرحين فخورين بها، إلا البعض منا وأنا أحدهم! لم نستلم صورنا الشخصية من المصور أرشاك، كي لا نـُتهم بأننا نفتخر بمصافحة الملك الرجعي، الدمية بيد الاستعمار، ونوري السعيد العميل! بل كنا نقول لا يزيدنا شرفا أن نصافح ملكا عميلا، ليس إلا دمية بيد الاستعمار…ا

وأزيد على ذلك، كثيرا ما كنا نصادف الملك ” العميل ” أو ” الدمية “! وهو في سيارته في شارع الرشيد تسبقه كوكبة من راكبي الماطورات، و كل ما تقع عينه على أحد المارة، يرفع يده ويسلم مع ابتسامة من خلف زجاج السيارة، وأحيانا نتجاهله لكونه ملكا رجعيا عميلا!! وكم تجاهلنا سلامه وابتسامته…ا

في التسعينات تعرفت على شخص أرمني قال لي: لا زلت نادما عندما تجاهلت تحية الملك وهو في سيارته، فقد أدرت وجهي كي لا أردت التحية لأنه ملك رجعي عميل… كم كنا أطفالاً في السياسة…ا

الشيوعيون.. كنا نريده ملكا ماركسيا

والبعث.. كانوا يريدونه ملكا عفلقيا

والقوميون.. كانوا يريدونه ملكا ناصريا يقدم العراق هدية لعبد الناصر، ليصنع وحدة

عربية بعد أن يـُلقي اليهود في البحر

والأكراد.. أرادوه ملكا يعطيهم حكما ذاتيا أكثر استقلالا من الدولة نفسها

أما الإسلاميون .. فكانوا يريدونه ملكا دينيا على منوال وسيرة جده رسول الله

ولكن للحقيقة والتاريخ، لم يكن بإمكانه أن يعمل أكثر مما عمل, ولكن هو ووزراءه أصروا أن يكونوا ساسة عراقيون بامتياز… أسسوا وبنو بلدا بالرغم من الصعوبات التي ذكرها الملك فيصل الأول التي كانت تقترب من المستحيل… كان حكام العهد الملكي يسيرون وفق سياسة الممكن وامتنعوا عن السير بسياسة طفر الموانع وتخطي المواقع أو القفز في المجهول! فكان العراق سبَّاقا لكل دول ودويلات المنطقة… واليوم يقف العراق سباقا في الفساد والتخلف، وأصبح ممرا ومستقرا لكل من هب ودب من الإرهاب من مختلف الأنساب… وحكامنا اليوم حرامية وعملاء ودكتاتوريون ورجعيون ومتخلفون. ولكن برسم الديمقراطية حتى النخاع على حد إدعائهم…ا

حقا قالوا: لا تعرف خيري… قبل ما تجرّب غيري

ومن هنا أقدم تحياتي واحتراماتي إلى الأخ والصديق والزميل الأستاذ: حنا رزوقي الصائغ (أبو رازق) متمنيا له صحة جيدة، وعمرا مديدا

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment