المصدر أدباء الشام: العماد أول: مصطفى طلاس
“صه.. إنها السلطة.. فوالله لو كانت في صدرك لانتزعتها من كبدك”.
معاوية بن أبي سفيان(1)
في أوائل شهر شباط من العام 1984 كنت متوجهاً إلى مكتبي في القيادة العامة ولدى مروري قرب حديقة الجاحظ لاحظت عدة صور ملصقة على الحيطان لشقيق الرئيس “العميد رفعت الأسد” وكانت الصورة تمثله وهو رافعاً قبضة يده كدليل على القوة والتحدّي.. ولم أكن مرتاحاً نفسياً لهذه المناظر المؤذية والغبية، وقلت بنفسي طالما أنني انزعجت منها فلابد أن الرئيس حافظ الأسد سيكون أشدّ انزعاجاً لأنّ هذا الموضوع يخصّه بالدرجة الأولى قولاً واحداً.
كان الرئيس الأسد الشخص الوحيد الذي يتابع المواضيع الأمنية داخل الوحدة (569) (سرايا الدفاع) ذلك أن العميد رفعت عندما يستشعر أن أحد ضباط الأمن في وحدته يتعامل مع شعبة المخابرات كان يزجّ به في السجن الخاص بالوحدة ولا يعود أحد يعرف عنه شيئاً لذلك أصبحت الوحدة تشكل (غيتو) خاص يصعب انتهاكه(2).
ومع هذا فقد كان للقائد الرئيس حافظ الأسد بعض الضباط داخل الوحدة يزوّدونه بأخبارها الخاصة عبر قنوات سريّة للغاية لم يستطع حتى (رفعت) نفسه أن يحيط بها، وبدأت تتشكل القناعة لدى القائد الأسد أن رفعت يبيّت شيئاً ما وأن الوحدة في حالة استنفار دائم مع أن الظروف المحلية لم تكن تستوجب ذلك..
إقصاء قائد الكتيبة (170)
في منتصف شهر شباط عام 1984 وجّه القائد الأسد بنقل قائد الكتيبة (170)(3) وهي الوحدة المكلفة بحراسة مبنى القيادة العامة ووزارة الدفاع وكان قائد الكتيبة العقيد سليم بركات من أتباع العميد رفعت الأسد ومن المحسوبين عليه شخصياً وقد تمكّن رفعت من إقناع الرئيس الأسد بتعيين هذا الضابط (رغم قلة كفاءته المسلكية) في فترة نشاط الإخوان المسلمين في أواخر السبعينيات، ورغم معرفتي بتفاهة هذا الضابط ويشاركني في الرأي رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي ورئيس شعبة المخابرات اللواء علي دوبا فإننا لم نبد رأينا بصراحة وتركنا الأمر بصدر دونما لفت نظر للسيد الرئيس لأننا كنا نعلم أن رفعت كان هو وراء هذا التعيين وكان الهاجس الأمني هو المسيطر على ذهن السيد الرئيس ولذلك كانت الكفاءة العسكرية تتراجع إلى المرتبة الثانية.
ولما كان أول الغيث قطرة فقد صدر الأمر بنقل الضابط المذكور بتاريخ 19/2/1984 وتعيين المقدّم علي يونس عوضاً عنه وتم إبلاغ أمر النقل لقائد الكتيبة (170) من قبل العماد حكمت الشهابي لأنه يتبع إليه مباشرة، وكان ذلك في 18/2/1984 الساعة الحادية عشرة صباحاً كما تم إبلاغ اللواء علي دوبا من قبل العماد حكمت أيضاً بأن قائد الكتيبة المنقول محظر عليه دخول مبنى القيادة العامة بتاتاً.
غادر قائد الكتيبة (170) مبنى القيادة العامة وهو بحالة غضب شديد وتوجّه مباشرة إلى مقر قيادة العميد رفعت الأسد في القابون وشكى له الأمر وكان توجيه رفعت للضابط بأن يعود مساءً إلى قيادة الكتيبة ويتسلّم قيادتها من جديد وكان العميد رفعت يعتقد بداخل نفسه بأن القائد الأسد أصدر أمراً بنقل أربعة عشر ضابطاً من المحسوبين على رفعت الأسد بتاريخ سابق ولم ينفذ أحداً منهم الأمر، وسكت الرئيس الأسد على مضض ولو لم يكن هؤلاء محسوبين على شقيقه رفعت لكان مصيرهم السجن أو العزل من الجيش في أضعف الاحتمالات.
في الساعة الخامسة بعد الظهر عاد قائد الكتيبة المنقول العقيد سليم بركات إلى مقر القيادة العامة ولم يمانع الحرس لأنهم أساساً من عناصره وطلب إلى قيادة السرايا أن يجمعوا له عناصر الكتيبة بلباس الميدان الكامل وبعد دقائق كان الاجتماع جاهزاً في ساحة الأركان الخلفية فخطب بهم قائلاً: “لقد عيّنت قائداً للكتيبة بتوجيهات من العميد رفعت الأسد ولن أغادر هذه الكتيبة إلا بأوامر شخصية من القائد رفعت الأسد(4)”.
وعلمَ اللواء علي دوبا بالأمر من قائد الكتيبة الجديد فتوجّه مباشرة بسيارته إلى مقر قائد الكتيبة وطلب إلى العقيد أسعد صباغ والمرافقة أن تلحق به وصعد مباشرة إلى حيث يتواجد العقيد بركات وتوجّه نحوه قائلاً: لقد انتهى كل شيء ولم يعد لك مكان في هذه الكتيبة وعليك أن تغادر فوراً. وصرخ العقيد بركات وهو شاهراً مسدسه: سيدي اللواء لا تقترب مني رجاءً.. فقال له اللواء دوبا بل سأقترب منك يا ابن الكلب..
وفي هذه اللحظة وصل العقيد صباغ وعناصر المرافقة (أربعة مساعدين مسلحين بالبنادق الروسية) وقاموا بتجريد العقيد بركات من سلاحه وهتف اللواء دوبا إلى العماد حكمت بأن المسألة قد حُلّت.. والتفت إلى العقيد سليم قائلاً: أتشهر مسدسك عليّ يا سليم؟ فقال له: معقول يا أبا محمد أن أشهر مسدسي عليك.. وهنا قام اللواء دوبا بصفع العقيد بركات على خدّه: أنا اللواء علي دوبا ولست أبو محمد سأحاكمك يا سليم بركات. ثم أمر اللواء دوبا بإطفاء الأنوار في الكتيبة وأمر العقيد أسعد صباغ بإنزال العقيد بركات في سيارته وزجّه في سجن الشرطة العسكرية بموقع القابون وانتهت الحادثة بدون ضجيج وبقي الذين يعلمون بها محصورين في أشخاص معدودين.
بداية المواجهة الحامية بين الطرفين
لم يهضم العميد رفعت الأسد هذا الإجراء ولذلك قرر المواجهة بعد نصائح أصدقائه في الداخل والخارج وبخاصة أصدقاءه (طويلي العمر)(5) التي كانت توحى إليهم التوجيهات بشكل مباشر من واشنطن التي أخفقت معها كافة الأساليب للسيطرة على قرار الرئيس حافظ الأسد المستقل والذي يخدم المصلحة السورية ويتناغم مع مصلحة الأمة العربية، ولهذا وجدت الفرصة مناسبة لكي توجّه عملاءها نحو تصعيد الأمور في وجه الرئيس الأسد لأن شقيقه رفعت سيكون حتماً مطواعاً لسياسة البيت الأبيض وعلى النقيض من شقيقه وفقاً لحساباتهم ومعلوماتهم ومعلومات أصدقائهم (أعني طويلي العمر) وكما ذكرت فإن الرئيس الأسد كان الشخص الوحيد في القوات المسلحة الذي يمسك ببعض الخيوط الأمنية في سرايا الدفاع وعندما تأكّد أن المواجهة قادمة لا محالة وأن رفعت الأسد قد رفع الجاهزية القتالية في سرايا الدفاع منذ أسبوع أي أن العملية جديّة وليست عملية اختبارية لتفقّد الجاهزية القتالية للتشكيل.
وفي الساعة الثانية إلا ربعاً من صباح 25/2/1984 هتف لي الرئيس الأسد إلى المنزل وأعطاني التوجيه التالي: “ارتدي لباسك العسكري وتوجّه مباشرة إلى مكتبك في القيادة العامة واستنفر التشكيلات الضاربة القريبة من دمشق، وارفع درجة استعدادها القتالي إلى الكامل لأن العميد رفعت الأسد استنفر سرايا الدفاع بالكامل وهو يعدّ العدة للسيطرة على دمشق لذلك يجب أن تتخذ كافة الإجراءات لإحباط خططه وليكن في علمك أن رفعت الآن جادّ هذه المرة في موقفه وأنا أعرف أنك لا تخاف من أحد ولكن يجب أن تضع في اعتبارك أن المواجهة قائمة لا محالة ولذلك ليس أمامك من طريق سوى إشعاره بأن المواجهة مع الجيش ستكون عملية انتحارية له ولكافة أتباعه”.
وفي دقائق معدودة كنت مرتدياً لباس الميدان ووصلت إلى مبنى القيادة العامة الساعة الثانية وخمس دقائق واستنفرت فوراً لواء الصواريخ المحمول على دبابات والذي تبلغ دقته بضعة أمتار كما استنفرت اللواء (65) المضاد للدبابات والذي يقوده العميد علي هرمز والوحدة (549) (سرايا الصراع ضد الدبابات) والتي يقودها العميد عدنان الأسد (ابن شقيق السيد الرئيس) كما استنفرت قائد الفرقة الأولى اللواء إبراهيم صافي وقائد الفرقة الثالثة اللواء شفيق فياض وقائد الفرقة السابعة العميد علي حبيب وقائد الفرقة التاسعة اللواء عدنان بدر الحسن وتم هذا الإجراء في أقل من خمس دقائق وبعد ذلك وصل إلى مكتبي تباعاً اللواء علي دوبا واللواء محمد الخولي وقال لي كل منهما: إن الرئيس الأسد وضعنا تحت تصرفك لكي ننجز المهمة التي كلفت بها, قلت لهما: لقد استنفرت الوحدات والتشكيلات التي سبق ذكرها ودونكما الهواتف على مكتبي وقوما باستنفار الوحدات القريبة من دمشق, وبدا مكتبي وكأنه غرفة عمليات وكل واحد منا يتكلم مع قائد تشكيل ويطلب إليه رفع الاستعداد القتالي على الكامل..
وهكذا تم استنفار بقية ألوية مدفعية احتياط القيادة العامة وسرايا المهام الخاصة في شعبة المخابرات وسرايا الشرطة العسكرية ومفارز مخابرات القوى الجوية.. يعني لم نترك قائداً قريباً من دمشق وبإمرته وحدة مقاتلة إلا وتم رفع جاهزيته القتالية إلى الكاملة, مع تأكيدنا لكافة الضباط أن الرئيس الأسد يضع ثقته المطلقة بهم.
وأعلمت الرئيس الأسد عن الوضع في الجيش وأن الوحدات والتشكيلات القريبة من دمشق أصبحت جاهزة لتلقي أية مهمة وشكرني على هذا الإنجاز وأوصاني بالمتابعة..
وهنا لا بد من أن أقول كلمة حول ذاكرة الرئيس الأسد بأسماء التشكيلات وأرقامها.. فلم يترك سرية أو كتيبة أو لواء أو فرقة في القوات المسلحة إلا وذكرها وطلب استنفارها وعندما كنت أقول له: لقد تم الأمر سيدي, وبعد خمس دقائق يرن جرس الهاتف والمتكلم كان بالطبع الرئيس الأسد الذي كان يذكرني بوحدة جديدة وكنت أقول له لقد تم استنفارها ولم تهدأ المكالمات والاتصالات إلا حوالي السابعة صباحاً حيث طلبت من الرئيس راجياً أن يخلد إلى الراحة ويأخذ قسطاً من النوم وقلت له مازحاً: ((بقي رب العالمين لم نستنفره بعد))!. فقال ضاحكاً: لأنه معنا, طيب الله يعطيك العافية(6).
كان اللواء علي دوبا واللواء محمد الخولي قد استأذنا في الساعة الرابعة صباحاً للنوم في مكاتبهما وبقيت لوحدي في المكتب أتلقى اتصالات السيد الرئيس. وفي إحدى المكالمات قلت للرئيس:
صحيح أننا غيرنا قائد كتيبة الحراسة لكننا لا نعرف الألغام التي وضعها رفعت في الكتيبة كما أن حراسة القيادة القطرية (7) القريبة من مبنى القيادة العامة هي من سرايا الدفاع ولذلك فإن أمننا القريب لا يوحي بالاطمئنان فهل تسمح لي بأن أنقل فوج من الوحدات الخاصة ليكون احتياطاً قريباً في يدي..
فقال لي: هل تستطيع ذلك دون أن تخبر اللواء علي حيدر.
وكان الرئيس الأسد يعلم بأن هناك تنسيق كامل بين شقيقه رفعت وعلي حيدر) فأجبته أنني قادر على ذلك ولما سألني أي فوج مغاوير سوف تحضر من لبنان؟..
فأجبته: الفوج /35/ الذي يقوده العميد صبحي الطيب ورئيس أركانه العقيد محسن سليمان.
فأجاب: أشك في أنك سوف تنجح في هذه المهمة!..
فقلت له: أنا على يقين من النجاح طالما أنني مغطى بأوامرك..
فقال: استخدم صلاحياتي المطلقة في هذا المجال.
وتمنى لي التوفيق.
الوحدات الخاصة تبدل ولاءها
في الساعة التاسعة صباحاً كان في مكتبي العميد صبحي الطيب ورئيس أركانه العقيد محسن سليمان وأعطيتهما فكرة عن الموقف وقلت لهما:
لا بد من قلب معادلة الأمن القريب وهذا لا يكون بعناصر الشرطة العسكرية وإنما برجال من المغاوير المتمرسين على القتال ولذلك ((أطلب إليكما باسم الرئيس حافظ الأسد أن تأمرا كافة الجنود والضباط الذين بإمرتك أن يتوجهوا فوراً من مكان تمركزهم إلى معرض دمشق الدولي.
وهو المكان الذي حددته كنقطة ازدلاف للجميع.. وذلك لقربه من القيادة العامة ولأن أجنحته المتعددة والواسعة تسمح بمبيت الرجال دون أن نلفت انتباه أحد.
وعندما سألني العقيد محسن: كيف نتصرف إذا حاولت مفارز سرايا الدفاع من الألوية المحيطة بدمشق منعنا؟..
وكان جوابي: إن الحركة يجب أن تكون إفرادية على السيارات العابرة وبواسطة عربات المبيت شريطة أن لا تشكل العربات أي رتل إطلاقاً وعندما تواجهون عناصر سرايا الدفاع عليكم بضربهم بأخمص البندقية وإذا استمروا في الممانعة فما عليكم إلا أن تقلبوا لهم ظهر المجن وتوجهوا لهم فوهة البندقية التي تنبع منها السلطة السياسية في الحالات الثورية كما قال الرفيق ((ماوتسي تونغ)). عند ذلك سوف تجدونهم يفرون من المجابهة لأن إرادة القتال لديكم أقوى بكثير وأنتم حماة السلطة وهم الخارجون على القانون.
وأخيراً سألني العميد صبحي الطيب والعقيد محسن سليمان:
طيب ماذا سنقول للواء علي حيدر إذا سألنا عن سبب إرسال قواتنا إلى دمشق من دون علمه؟.
فقلت لهم: الجواب في منتهى البساطة لقد سأل عنك العماد طلاس فلم يجدك ونظراً لخطورة الحالة فقد استدعانا إلى مكتبه وطلب إلينا تنفيذ توجيهات الٍأسد وهكذا صار..
وصافحتهما متمنياً لهما التوفيق. وتوجه قائد الفوج ورئيس أركانه إلى منطقة عنجر وقاما بتنفيذ المهمة على أكمل وجه.
في الساعة التاسعة والنصف صباحاً حضر إلى مكتبي العماد حكمت الشهابي والعماد علي أصلان حيث وضعتهما في صورة الموقف قلت لهما:
إن سبب عدم استدعاءهما كان أولاً من أجل تنفيذ عملية الاستنفار بشكل سري بحيث لا تعرف به شعبة العمليات إلا لاحقاً حتى لا يعرف العميد رفعت الأسد بالموضوع, هذا من جهة, ومن جهة ثانية لم يكلفني ذلك سوى بضعة اتصالات هاتفية مع قادة الفرق وقادة التشكيلات وأنتما معتبران حكما مع الرئيس حافظ الأسد قولاً واحداً.
وكان جوابهما:
إن هذا الموضوع لا يحتاج أبداً إلى نقاش فنحن مع القائد الأسد على السراء والضراء.
في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر حاولت أن أخلد إلى النوم بعد عمل أربعة عشر ساعة متواصلة ولكن مدير مكتبي بعث إلي بقصاصة يعلمني بها بأن اللواء علي حيدر يرغب في مقابلتي.. قلت له:
دعه يدخل.
واستقبلته كالعادة لكنني لاحظت علائم الاضطراب على وجهه فبادرني قائلاً:
سيدي ماذا صنعت أنا لكم وللرئيس حتى تعاملوني كالزوج المخدوع أي آخر من يعلم؟..
وكان الرئيس الأسد قد رسم لي خطة لمعالجة هذا الموقف الطارئ.. قلت له بوضوح:
إذا كنت حقاً معنا فما عليك إلا أن تطلب من مكتبي العميد رفعت الأسد وتقول له بصراحة موقفك وعند ذلك فقط سوف أتصل أمامك مع الرئيس وسوف أرسلك لمقابلته فوراً لجلاء أي موقف غامض متشكل في قناعة السيد الرئيس..
فقال لي: اطلب لي العميد رفعت حالاً..
وطلبت العميد رفعت على الهاتف المباشر وكان على الخط في أقل من ثوان وقلت له:
أخي أبو دريد اللواء علي حيدر يريد أن يكلمك.
فسألني: هل هو عندك!.
فأجبته طبعاً.
فقال لي: صار لي من الصبح وأنا أفتش عنه دونما جدوى (8).
وناولته سماعة الهاتف فقال له اللواء علي حيدر:
((أبو دريد ما بتعرف أنه في هذا البلد لا يوجد سوى قائد واحد وهو الرئيس حافظ الأسد.. كيف يقوم عناصر من سرايا الدفاع بهذه الأعمال المشينة التي تسيء إلى انضباط القوات المسلحة(9) وكان جواب العميد رفعت:
أنت الآن تريد أن تعطيني درساً في الوطنية يلعن أبوك ابن كلب. وأغلق السماعة في وجهه فقال لي اللواء علي حيدر: “عجبك” لقد شتمني وأغلق الهاتف في وجهي.. قلت له:
الآن حق الحق.. واتصلت بالسيد الرئيس وأعلمته بالحادثة فقال لي:
أرسله فوراً إلى القصر الجمهوري.. وتوجه من مكتبي إلى القصر وتم التأكيد على ولاء الوحدات الخاصة للرئيس الأسد، وطبق اللواء علي حيدر حكمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب “الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل”.
وفي الساعة السابعة مساءً أخذت الإعلام بأن ألفي ضابط وصف ضابط وجندي من الوحدات الخاصة أصبحوا متمركزين في معرض دمشق الدولي، وبذلك أصبح الأمن القريب لمبنى القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة جيداً وانقلبت المعادلة لصالحنا كنسبة وتناسب في القوى والوسائط.
ولم أكتف بذلك فطلبت غلى العميد عدنان الأسد أن يرسل سريتي م/د واحدة ((مالوتكا)) حقائب والثانية من طراز ((فاغوت)) وتم تمركزهما على سطح مبنى القيادة العامة, وبذلك غدت القيادة العامة قلعة محصنة لا تنتهك.
تشكيل الحرس الجمهوري
كان لا بد من إصدار الأمر بتشكيل الحرس الجمهوري لإفهام القوات المسلحة بخاصة وباقي فئات الشعب بعامة بأن القصر الجمهوري يحرسه الحرس الجمهوري ولم يعد لسرايا الدفاع أي دور في حماية السيد الرئيس. واتفقنا أن يكون قوام الحرس الجمهوري فرقة مدرعة يضاف إليها ثلاثة أفواج حراسة تماثل ملاكاتها أفواج المغاوير في الوحدات الخاصة. وحتى يولد الحرس الجمهوري واقفاً على رجليه من لحظة تشكيله اقترحت على سيادة الرئيس أن نأتي بوحدات جاهزة من الفرق والتشكيلات مباشرة, وضربت مثلاً إذا أخذنا كتيبة مشاة أو دبابات أو مدفعية من أي فرقة فلن تتأثر جاهزيتها ومن السهل عليها تشكيل كتيبة أخرى من قوام الفرقة وهكذا ظهر في أمر التشكيل لأول مرة اسم الوحدة التي ستنضم إلى الحرس الجمهوري.. وقد حاول رفعت الأسد عرقلة هذا التشكيل الذي اعتبره ضربة موجهة إلى عنقه, ومنع بالقوة بعض الكتائب من الالتحاق بالحرس الجمهوري إلا أن وحدات الدبابات تمكنت من خرق الحصار له والتحقت بالتشكيل الجديد, وكان في المقدمة الكتيبة /259/ من اللواء /81/ الفرقة الثالثة أول الملتحقين وإني لأشعر بالزهو الاعتزاز بأن هذه الكتيبة هي أول كتيبة دبابات تسلمت قيادتها في حمص بعد ثورة الثامن من آذار المجيدة, وهكذا بدأ الحرس الجمهوري يقف تدريجياً على قدميه ليقوم بمهمته النبيلة.
تهريب الأسلحة المضادة للدبابات في العربة الصحية
كان منزل الرئيس الأسد هو الهدف الأول لسرايا الدفاع ولذلك فقد كان يشكل بالنسبة لي هاجساً أمنياً يؤرقني ليل نهار.. ولكن هذا الهاجس كان بالنسبة للعميد عدنان مخلوف (الذي عين قائداً للحرس الجمهوري) كابوساً لا يطاق. ولما كانت وحدة سرايا الصراع التي يقودها عدنان الأسد مرشحة للاصطدام فوراً بعناصر سرايا الدفاع التي سوف تتحرك باتجاه دمشق, فقد رأيت من الأفضل أن نسحب صواريخ ((الفاغوت)) من اللواء /65/ م/د ولما كان العميد رفعت قد نشر ألويته المحيطة بدمشق وأصبح مسيطراً على المداخل فقد اتفقت مع العميد عدنان بأننا سوف نلجأ لتهريب الصواريخ إلى منزل الرئيس الأسد بالعربات الصحية وعليه أن يفرغ حمولة العربات ويعيدها إلى مصدرها.. واتصلت بالعميد هرمز قائد اللواء أن يحضر ثمانية عشر قاعدة صاروخية من طراز ((فاغوت)) مع ثلاث وحدات نارية لكل قاعدة ويرسلها إلى منزل الرئيس الأسد على دفعات (عربات منفردة) وأن يربط جندياً بالشاش الأبيض من يديه ورأسه ويكون (الميكروكروم) بديلاً للدم النازف, وفهم قائد اللواء الغاية من العملية التمثيلية وقلت له: يجب أن توصي سائق الصحية بأن يفتح (زمور الخطر) قبل الحاجز بمدة كافية وأن يسابق الريح في الوصول إلى دمشق.. وهكذا انطلت اللعبة على العميد رفعت وتم نقل كافة القواعد الصاروخية المطلوبة وأصبحت حول منزل الرئيس الأسد.. ولكن هذا الموضوع لم يبق سراً بيننا نحن الثلاثة وإنما شاركنا العميد رفعت بالمعلومات عن طريق وشاية قام بها أحد عملائه في اللواء /65/ وهو الرائد ((يوسف العلي)), وقد كشف هذا المغفل عن نفسه بسرعة ولذلك وضعه العميد هرمز تحت الرقابة المشددة, وما أن سافر العميد رفعت إلى موسكو حتى تم نقله إلى مكان ثانوي لا يستطيع به أن يعض أو يخرمش.. وتم تصنيفه في عداد الضباط غير الجديرين بثقة القيادة العامة, كما تم وضع حواجز حديدية قنفذية حول بيت الرئيس. الأمر الذي يعيق حركة الدبابات ويجعلها هدفاً ثابتاً للأسلحة المضادة, وبهذا العمل تمت عملية تحصين بيت قائد الأمة ورمزها المفدى.
تنفيذ أمر نقل الضباط المحسوبين على العميد رفعت الأسد
وفي غمرة لعبة عض الأصابع بيننا وبين العميد رفعت الأسد استأذنت السيد الرئيس القائد العام بتنفيذ أمر النقل للضباط المحسوبين على شقيقه والذين ماطلوا في التنفيذ مستندين إلى دعم العميد رفعت وتعهدت له بأن هذه العملية سوف تتم في جو ودي ولن نريق قطرة دم واحدة.. فقال لي: أشك في أنهم يقبلوا ونحن في ذروة الأزمة..
فقلت له إذا أعطيتني الضوء الأخضر فغداً تراهم وقد أصبح كل منهم في مكانه الجديد..
فقال: إذا كنت قد عزمت فتوكل على الله..
وطلبت من مدير مكتبي أن يبلغ الضباط المنقولين وعددهم أربعة عشر بأن يتواجدوا في مكتبي غداً الساعة السادسة صباحاً.. وتم إبلاغ الضباط جميعاً وكان جوابهم:
لماذا في هذا الوقت المبكر ونحن نعلم أن العماد طلاس يبدأ دوامه الساعة العاشرة صباحاً وينتهي العاشرة مساءً فلماذا نحضر قبل الدوام الرسمي بساعة ونصف؟(10)..
وكان جواب مدير المكتب: الأمر واضح ولا لبس فيه وأنتم مطلوبون غداً الساعة السادسة صباحاً.
في صباح اليوم التالي حضر الضباط المعنيون إلى مكتبي متأخرين ساعة ونصف عن الموعد ولما سألتهم عن السبب؟ أجاب كبيرهم: هل تريد أن نقول لك الحقيقة؟..
قلت: نعم.
قال: كنّا عند أبي دريد (يعني رفعت أسد).
قلت لهم: إذاً لم يكن الرئيس الأسد مخطئاً عندما نقلكم من أماكنكم وها أنتم الآن تعترفون دونما أي ضغط أو إكراه أنكم كنتم لدى قائد سرايا الدفاع.. المهم نحن الآن أولاد اليوم وعفا الله عما مضى.. ولكن قبل أن أعطيكم توجيهات القائد العام أودُّ أن أطرح عليكم السؤال التالي: مَنْ منكم تقدّم إليَّ بطلب شخصي أو عام ولم ألبي طلبه..
فسكت الجميع ولم يحر أي منهم جواباً..
قلت لهم: إذاً لماذا تلعبون بذيولكم وتضعون ثقتكم وولاءكم لغير قائدكم..
(فسكتوا أيضاً) وتابعت:
الآن أمرني القائد العام أنْ أنفذ أوامره بنقلكم إلى وظائفكم الجديدة.. من ينفذ الأمر سوف يعفى من أية عقوبة أو مساءلة مسلكية (عدم تنفيذ أمر القائد العام يعتبر في حالة الحرب جناية يعاقب مرتكبها بالحبس سبع سنوات كحدِّ أدنى) أمّا في حال إصراركم على غيّكم فأنا كلفت نوّابكم في التشكيلات والوحدات أن يعتقلوكم ويرسلوكم مباشرة إلى السجن المركزي، وفي حال المقاومة والعصيان العسكري فإنّ لدى نوابكم الأمر مني شخصياً بإطلاق النار عليكم وأنتم تعرفون أنّنا لن نحاسبهم على النتائج مهما كانت لأنهم ينفذون الأوامر والتعليمات وأنتم الخارجون على القانون.
أما فيما يتعلق بأمور الاستلام والتسليم فاعتبروا.. أن لديكم براءة ذمة مصدّقة من وزير الدفاع وسوف تصلكم بالبريد، أما بالنسبة لحاجاتكم الشخصية فيمكنكم أن ترسلوا السائق لجلبها من مكاتبكم وحذار من الالتفاف على الأوامر وإذا مكرتم فإنّ مكرنا أشد وإذا تطاولتم على القائد العام فإنّ يدي ستطول هذه المرة رقابكم.
وضربت بقبضتي على الطاولة (وكانت الغاية من ذلك إدخال الرهبة في نفوسهم) وكان صوتي المرتفع والجدي يدل على مدى الحسمية وعدم التساهل أبداً في الموضوع.. فأذعن الجميع للتعليمات وأدوا التحية العسكرية وتوجهوا إلى أماكن وظائفهم الجديدة ولم يحاول أي منهم المناورة كما لم يعد أي منهم إلى الاتصال بالعميد رفعت أبداً.. وأعلمت الرئيس الأسد بنجاح المهمة وكان مرتاحاً للغاية وقلت له: ليس الجيش والشعب معك في هذه الأزمة وإنما العناية الإلهية كذلك، ورويت له قصة الشيخ أحمد عبد الجواد الذي جاء من المدينة المنورة لنجدة الرئيس الأسد، وحتى يكون القارئ معنا سأروي له الحكاية كما حدثت:
(في أوائل شباط من العام 1984 اتصلت زوجتي لمياء الجابري (أم فراس) بالشيخ أحمد عبد الجواد(11) وطلبت منه أن يأتي إلى سورية وكان جوابه:
إنني الآن في المدينة المنورة وأمامي المدفأة الكهربائية ولا أقوى على برد الشام في شهر شباط.
فقالت له أم فراس: إذاً على خاطرك.
وفوجئنا في اليوم التالي يطرق الباب مع الشيخ محمد الهندي، وبعد أن رحّبت بمقدمه وقلت له:
من الذي أتى بك إلينا؟..
فأجاب اسأل زوجتك أم فراس.
فقلت: أريد أن أسمع منك.
فقال: بعد هاتف أم فراس توجّهت إلى مسجد الرسول وبدأت بالصلاة وتلاوة القرآن حتى غلبني النعاس فنمت في الروضة الطاهرة(12) وتراءى لي الرسول في المنام وهو في عدة الحرب الكاملة فسألته إلى أين يا رسول الله؟.. فقال لي: إلى الشام.. لقد استنجد بنا أهل الشام أفلا ننجدهم!.. وركب بغلته واختفى كشهاب ثاقب.. وأمام هذا الحدث اتصلت بشركة الطيران السعودية وغادرت المدينة المنورة على أول طائرة متوجهة إلى دمشق وها أناذا بينكم..
بعد أن شربنا القهوة قال لي: إنني مكلف من قبل الرسول الأعظم أن أصلي في مكان مرتفع بدمشق على مدى ثلاثة أيام ونقوم سوية بالدعاء بأن يحفظ الله البلد والقائد حافظ الأسد..
وأجبته: حباً وكرامة..
ورجاني أن نستخدم سيارة الشيخ محمد الهندي لأنها متواضعة ولا يجوز أن نتقرب إلى الله ونحن نركب أفضل السيارات.. وأجبته لا مانع لديّ مطلقاً.. وصعدنا الثلاثة إلى جبل قاسيون وصلينا قرب (نصب الجندي المجهول) وقمنا بالدعاء حسب الأصول..
اليوم الثاني طلب مني أن نصلي في أعلى مكان بدمشق قرب شارة التلفزيون على جبل قاسيون، وتوجهنا إلى هناك وكنت أجلس إلى جانب السائق وتعرف عليّ قائد الحرس، وهو من عناصر سرايا الدفاع، وفتح لنا الحاجز بعد أن أدى التحية العسكرية وقمنا بالصلاة والدعاء إلى الله بأن يحفظ البلد وقائدها الأسد.. وشعرت وأنا أصلي بوجود حركة غير طبيعية في الموقع فالدبابات خارجة من مخابئها وسدنة الدبابات يقومون بتنظيف الذخيرة ومسح المدافع وتنظيفها إلخ.. من أعمال الصيانة وقلت في نفسي ربما تصادف مجيئنا مع يوم المرآب(13) في سرايا الدفاع..
في اليوم الثالث قال الشيخ أحمد لسنا بحاجة لكي نصلي في مكان مرتفع ويمكننا أن نصلي في حديقة المنزل.. وهبطنا مع سجادات الصلاة إلى الحديقة وصلينا وتوجهنا بالدعاء إلى الله نفسه.
وإنني أعترف للقارئ بأنني أكبرت في هذا الرجل محبته للقائد الأسد دون أن يراه أو يقابله شخصياً.
وقد حدثت هذه الواقعة في أوائل شهر شباط 1984، وقبل أن يكتشف أحد باستثناء السيد الرئيس نوايا رفعت في عزمه على كشف أوراقه بشكل مبكر وقد بقي الشيخ أحمد في سورية حتى انفرجت الأزمة وسافر العميد رفعت إلى روسيا(14).
الشيخ أحمد الرفاعي يتراءى لي في المنام
كان الرئيس الأسد أحرص مني على نفسي وقال لي في بداية الأزمة: ليس من الضروري أن تنام كل يوم في مكتبك.. بل يمكن أن تناور وتبيت كل يوم في أحد مكاتب القيادة العامة وتعلمني عن رقم هاتف المكتب..
وكان جوابي: إنني مصمم على المبيت في مكتبي مهما كانت النتائج وحتى أعطي مثلاً للآخرين بأن القائد يموت دفاعاً عن وطنه حتى ولو كان في مكتبه..
فقال: إذا كان هذا رأيك فأنا موافق لأنه من الضروري أن تترك أمثولات ومآثر للتاريخ..
وفي 12 آذار 1984 كنت نائماً في مكتبي وإذا بي أسمع بعد منتصف الليل جلجلة كبيرة في ساحة الأمويين وقدّرت أنه يوجد في الساحة حوالي ألف رجل يرقصون رقصة الحرب وكان على رأسهم الشيخ الجليل أحمد الرفاعي.. كانت سيوف الجنود تلامس الأرض إلا قليلاً وكانت الرماح تتطاول حتى لتنوف على شرفة مبنى القيادة العامة وكانت الأيدي تمسك بالأيدي والأكتاف متراصة كأنها بنيان مرصوص وقائد الدبكة الحربية يقول بصوت جهوري يشق عنان السماء:
يا أيها النبي والكوكب الدرّي أنت إمام الحضرة سلطانها القوي(15)
وعندما يصل الشيخ أحمد الرفاعي إلى كلمة (سلطانها القوي) تهوي ألف قدم على الأرض فترتج ساحة بني أمية وكأن زلزالاً ضربها.
استيقظت من نومي وأطليت من النافذة فلم أجد شيئاً وخرجت إلى الشرفة ومعي مرافقي المساعد سيف الدين سعدة فلم أجد شيئاً وعدت إلى النوم من جديد وما هي إلا نصف ساعة حتى عاودني المنام ونهضت من السرير وكررت المحاولة ولم أجد شيئاً وهكذا حصل معي في الرؤيا الثالثة وسجلت تاريخ الليلة على مفكرة المكتب.. وبعد انتهاء الأزمة اعترف النقيب مالك مصطفى من سريا الدفاع بأن العميد رفعت الأسد أمره ثلاث مرات أن يطلق قذيفة مدفعية محمولة من طراز “كفاريكا” على مكتبي وبعد خمس دقائـق كـان يأتيه أمر معاكس بأن ينزع القذيفة. وهـكذا كانت العناية الإلهية تحرس مبنى القيادة العامة.
خطة العميد رفعت للسيطرة على دمشق
كان العميد رفعت الأسد يستغل فترات ضغط الإخوان المسلمين على مرافق الدولة المختلفة ويطلب في ذروة الأزمة ضباطاً ومجندين إلى الوحدة، وكانت إدارة شؤون الضباط تستجيب له وكذلك شعبة التنظيم والإدارة الأمر الذي رفع تعداد الوحدة من ستة عشر ألفاً إلى أربعين ألفاً من مختلف الرتب. وقد ساعده في ذلك أن التطوع كان مفتوحاً لديه ولهذا فإن كل مجند يأتي إلى الوحدة يكون زيادة على الملاك. وحتى تستوعب سرايا الدفاع التي هي في الأساس (فرقة مدرعة) +لواء مشاة جبلي + ثلاثة أفواج إنزال + كتيبة “مغاوير خاصة” + كتيبة دبابات مستقلة، هذه الأعداد الكبيرة من الجنود، شكل العميد رفعت بصورة غير نظامية أربعة ألوية مشاة أطلق عليها “الألوية المحيطة” وأعطاها أرقاماً من عنده وكلف كل لواء منها بمهمة السيطرة على المحاور المؤدية إلى دمشق وفقاً لما يلي:
– اللواء الأول: محور حمص – دمشق.
– اللواء الثاني: محور بيروت – دمشق.
– اللواء الثالث: محور القنيطرة – دمشق.
– اللواء الرابع: محور درعا والسويداء – دمشق.
كانت الفكرة الأساسية للسيطرة على دمشق تقضي بإغلاق المحاور الأساسية فيوجه الوحدات والتشكيلات الضاربة المتمركزة خارج دمشق والتي ولاءها معقود للقائد الأسد.. وفي نفس اللحظة تتحرك ثلاث مفارز قوامها سرية دبابات + سرية مشاة ميكانيكية + فصيلة هندسة عسكرية بمهمة السيطرة على منزل رئيس الجمهورية من قبل المفرزة الأولى، بينما تقوم المفرزة الثانية بالسيطرة على مقر القيادة العامة، والمفرزة الثالثة تقوم باحتلال مقر الإذاعة والتلفزيون وتعلن مباشرة على العالم نبأ استلام “رفعت الأسد” مقاليد السلطة في البلاد. ولإشعار سكان العاصمة دمشق بأن القبضة التي استلمت الحكم هي قبضة فولاذية، تقوم كتائب المدفعية /ب م 21/(16) بقصف دمشق عشوائياً لإرهاب السكان وقطع أنفاس الناس حتى يصبح أهل الشام مثل أهل بغداد أيام “الحجاج” سابقاً وأيام “صدام” لاحقاً.
بعد ذلك تقوم مفارز المشاة من سرايا الدفاع بعملية نهب وسلب للمدينة المنكوبة وقد أبلغ العميد رفعت ضباطه وجنوده أن المدينة ستكون لهم حلالاً زلالاً مدة ثلاثة أيام بلياليها، وبعدها لا يجوز أبداً أن يظل فقير واحد في سرايا الدفاع. وإذا طلب أي جندي بعدها مساعدة أو إكرامية ستقطع يده. ولذلك على من يكتبوا تاريخ سورية الحديثة أن يقدروا مدى وأهمية الحكمة البالغة التي استخدمها الرئيس حافظ الأسد بنزع فتيل الأزمة على نار هادئة.
“علي عيد” يرسل مفرزة من اللصوص لنهب مدينة دمشق
في أوائل نيسان من العام 1984 وحوالي الساعة الرابعة بعد الظهر تلقيت اتصالاً هاتفياً من قائد قواتنا في طرابلس العميد سليمان حسن وأعلمني أن “علي عيد” جهز مفرزة من اللصوص قوامها حوالي مئتي عنصر مع عشرين سيارة متنوعة وهم مسلحون ببنادق كلاشينكوف ومدافع مضادة للدروع (آر. ب. ج.7) وقنابل يدوية ومسدسات. وهناك اتفاق ضمني مع “أبو دريد” يعني العميد رفعت الأسد بأن هذه المجموعة سوف تشارك في نهب محلات المجوهرات خاصة في دمشق عندما تحين ساعة الصفر لاستباحة المدينة ثم يهربوا بالمسروقات إلى لبنان (طرابلس الشام) وهناك تتم عملية الاقتسام.
اتصلت فوراً بقائد فرقة الدفاع الجوي بالمنطقة الوسطى اللواء أحمد غميض وأسندت إليه مهمة القبض على اللصوص وقلت له:
إذا كنت غير قادر على مجابهتهم فأنا على استعداد لأن أعطي أمراً لمدير كلية المدرعات العميد فاروق عيسى لكي يضع تحت تصرفك سرية دبابات من فوج البيانات العملية.
فأجابني لا لزوم لذلك فأنا قادر على مجابهتهم وإلقاء القبض عليهم.
وبعد ربع ساعة اتصل بي اللواء “غميض” وقال لي:
لقد “لقد زمق”(17) اللصوص إلى دمشق ولم نستطع الإمساك بهم..
قلت لقائد الفرقة: ألم أقل لك إذا كنت غير قادر على التنفيذ أعلمني حتى أسند المهمة لغيرك!.
فأجابني: سيدي “زمقوا”.. “زمقوا”(18).. لم نستطع أن نعمل لهم شيء..
أنهيت المكالمة واتصلت على الفور باللواء شفيق فياض قائد الفرقة المدرعة الثالثة والمتمركزة في القطيفة وأسندت إليه مهمة القبض على اللصوص وطلبت إليه أن يحرك سرية مشاة ميكانيكية من اللواء عشرين وأن يضع عربة مدرعة على مفرق معلولا وعربة ثانية على المحور القديم، وباقي العربات على المحور الأساسي. وأن يكون الاتصال بالنظر بين الجميع. وكان جوابه:
سيدي اتركوا لي التفاصيل وسوف تسمعون الأخبار الطيبة بعد أقل من ساعتين.
كان وصول اللصوص إلى دمشق سيشكل إهانة لسمعة القوات المسلحة إذ إنهم تمكنوا من خرق كافة الحواجز الأمنية على الطرقات. صحيح أنهم يرفعون أعلام الحزب وشعاراته على سياراتهم وصور رفعت الأسد ولكن هذا لا يغير من حقيقتهم.. وهو أنهم لصوص حقيرون لا يجوز أبداً أن نسمح لهم بدخول دمشق وممارسة مهام التخريب والسلب التي كانوا يمارسونها سابقاً في بيروت عندما أطلقوا على أنفسهم “فرسان البعث” وهم خليط من سرايا الدفاع وعناصر “علي عيد” وقد انسحبوا من بيروت إلى طرابلس الشام ولم يتصدوا للقوات الإسرائيلية أثناء اجتياحها للعاصمة اللبنانية في صيف العام 1982. لذلك فإن قواتنا المسلحة الباسلة لا تحترمهم أبداً.. بل تحتقرهم.. وبعد ساعة ونصف الساعة تماماً اتصل اللواء شفيق فياض ليعلمني عن نجاح المهمة وأن اللصوص أصبحوا رهن الاعتقال بعد أن تم تجريدهم من أسلحتهم وذخائرهم وسياراتهم..
قلت للواء شفيق: يجب أن يعاملوا باحتقار كما يعامل البدوي الجمل الأجرب.. وكما يعامل الفلاحون الكلاب الشاردة. فقال:
لا توصي حريصاً.. فهم موضوعون في العناية الثورية المشددة. وسينالوا عقاباً وضرباً شديداً على مؤخراتهم بعد رشهم بخراطيم المياه.. حتى لا ينسوا هذا الحدث في حياتهم.
وتم احتجاز اللصوص شهراً ونيف ولم يطلق سراحهم إلا بعد أن انتهت الأزمة وسافر العميد رفعت إلى موسكو.
الطائفة المرشدية تعلن ولاءها للسيد الرئيس
كان الرفيق “محمد إبراهيم العلي” قائد الجيش الشعبي قد وضع أوراقه مبكراً مع العميد رفعت، ولم يكن هذا الموضوع ذي قيمة إطلاقاً قبيل الأزمة لأن كثيراً من المنافقين وبخاصة منتسبي “رابطة الدراسات العليا” كانوا يحومون حول “العميد رفعت” كما تحوم الغربان على بقايا الحيوان.
وكان من عادة الرفيق قائد الجيش الشعبي أنه كثير التجوال متطلع دائماً للجديد من الأخبار بعد ثورة الثامن من آذار ولم تزل هذه العادة تسكنه حتى الآن على الرغم من مرور أربعة عشر عاماً ونيف على الحركة التصحيحية وكان يمر على مكتبي بمعدل مرة واحدة في الأسبوع وكان يسأل دائماً عن أحوال الدنيا وكنت أطمئنه أنها بخير وهي ما زالت تدور.. وللأمانة التاريخية فإن ضباط القيادة العامة لم يكونوا يقدرون الرفيق “أبو ندى” حق قدره ولم يكن في القيادة سوى الرئيس الأسد وأنا نعرف نضال محمد إبراهيم العلي وتضحياته في سبيل الحزب والثورة من حركة الضباط الأحرار في حلب إلى حركة 23 شباط.. وكان هذا الموقف يؤلم الرفيق محمد ولذلك لم يكن يزورهم إلا لماماً.
بعد الحدث الجلل أقفلت مكتبي في وجه قائد الجيش الشعبي، وطلب مقابلتي عدة مرات وكنت أعتذر دائماً غير أنه ألح على المقابلة فوافقت أخيراً. ولما حضر سألني مستغرباً هذا الموقف منه.. وقلت له:
في مثل هذه الأمور لا توجد حلول وسط فإما أن تكون مع الرئيس الأسد أو أن تكون في الجبهة الأخرى.
فقال: أنا مع الرئيس حافظ الأسد (شيله.. بيله) وحتى أقطع الشك باليقين فإنني جاهز لكي آتي بأبناء الرب سليمان مرشد من “حمص” ومن “جوبة البرغال” لمقابلة السيد الرئيس.. فقلت له:
وما أهمية الطائفة المرشدية في الأزمة؟..
قال لي: ألا تعلم أن العميد رفعت الأسد يعطي أهمية خاصة لهذه الطائفة فبالإضافة لشراكته مع ابن الرب “النور المضيء” والمهندس فؤاد تقلا بالأعمال التجارية فإن عدداً كبيراً من أبناء الطائفة انخرطوا في سرايا الدفاع تنفيذاً لتعليمات قيادتهم الروحية وهم يشكلون العمود الفقري لسرايا الدفاع ويأتي ترتيبهم بالأهمية بعد الشريحة العلوية مباشرة..
قلت له: توكل على الله ويجب أن أسمع في القريب العاجل أخباراً طيبة..
فأجاب: لا قريب ولا بعيد غداً سوف يكونوا بعد عدة ساعات في القصر الجمهوري.
وصدق محمد إبراهيم العلي في وعده واستقبل الرئيس حافظ الأسد في مكتبه أبناء الرب وفي مقدمتهم “النور المضيء” واستغرقت المقابلة ثلاث ساعات ونيف وما تسرب منها كان الآتي:
قال أولاد الرب سليمان المرشد للسيد الرئيس:
نحن لا يمكن أن نكرس الخيانة كمبدأ للطائفة.. ففي الماضي اتهمنا الإنكليز بأننا عملاء فرنسا(19).. واليوم يتهمنا الوطنيون القوميون في سوريا بأننا عملاء أمريكا نحن باختصار رجال حافظ الأسد وقد أحببنا أخيك رفعت لشعورنا بأنه جناحك الأيمن أما وأنه قد شق عصا الطاعة عليك فلا ولاية له علينا ونحن جاهزون منذ هذه اللحظة لأن نستلم مهمة الحراسة على مكتبك أو بيتك..
وكان جواب السيد الرئيس: لا لزوم لكل ذلك.. المهم أن تفهموا أبناء الطائفة بهذا التوجه الجديد “واليوم قبل بكره”..
وانصرف الإخوة الثلاثة من مكتب رئيس الجمهورية، وبطريقة تشبه السحر تم الاتصال بأبناء الطائفة كافة وأخذوا جميعهم التوجه الجديد.. وبدلاً من قلعة الأسرار التي لا تنتهك أصبحت سرايا الدفاع مثل الغربال يتسرب منها كل ما يحدث فيها.. وشعر رفعت بالحدث واستدعى إلى مكتبه كبيرهم “النور المضيء” وبقي يتحاور معه زهاء سبع ساعات لم يأخذ منه لا حق ولا باطل..
وأخيراً قال له رفعت بعد أن سئم من المناقشة والمماحكة:
أتعرف أنك لن تكلفني سوى رصاصة واحدة في رأسك!..
فأجابه “النور المضيء” أعرف ذلك ولكن هل تعرف أن الطلقة الثانية ستكون في رأسك أنت.. ولمعلوماتك أن الحاجب الذي قدم لنا القهوة والشاي الآن هو من عشيرتي أي باختصار هو “مرشدي” وليس “علوي”.
هنا أنهى رفعت المناقشة على أمل اللقاء مرة ثانية للمتابعة.. ولكنه بدا كمن أصيب في مقتل.. وطلب إلى المسؤول عن التوجيه السياسي في سرايا الدفاع بأن يجري سبراً عشوائياً لمائة جندي “مرشدي” ويسألهم سؤالاً وحيداً:
هل أنتم معي أم مع أخي الرئيس حافظ الأسد؟..
وفي اليوم التالي صُعق رفعت الأسد عندما جاءه الجواب بأن نسبة المؤيدين للرئيس الأسد مائة من مائة وليس تسعة وتسعين.
وبلغ الغضب أشده لدى رفعت ومحازبيه وصمم أن ينتقم من الطائفة “المرشدية” وأمر عناصره بأن يفتشوا عنهم في كل مكان وفي أي تشكيل وجمعهم قرب قلعة “برقش” شمال غرب مدينة “قطنا” وقام بتجريدهم من أسلحتهم الفردية وأركبهم عربات نقل عسكرية كبيرة وقذفهم على الحدود السورية اللبنانية-الفلسطينية وفي مواجهة الجيش الإسرائيلي مباشرة.. ولم ترد إسرائيل على هذا الإجراء لأن الجنود الذين في مواجهتم شبه عراة وكان الوقت ليلاً.
وعلى الفور أعلمت الرئيس الأسد بالأمر وأرسلت لكل واحد منهم بندقية ووحدة نارية مع كيس بحارة وتعيين عملياتي يكفي ثلاثة أيام.. وطلبت إلى اللواء جميل حسن رئيس شعبة التنظيم والإدارة أن يوزعهم على كافة وحدات الجيش.. من “القامشلي” إلى “صلخد”.. وكان عددهم ثلاثة آلاف ومائتين وخمس وعشرين ضابطاً وجندياً.
وخلال ثلاثة أيام تم تصفية ذيول هذه المشكلة ولكن العميد رفعت كان قد أصيب بجرح بليغ.. صحيح أن نسبة القوى والوسائط لم تكن في الأساس لصالحه لأن سرايا الدفاع كانت في ذروة الأزمة تعادل حوالي أربعين ألف عسكري(20) بينما باقي وحدات الجيش حوالي 360 ألفاً، ولكن خروج الطائفة المرشدية منها بهذا الشكل زعزع كيانها وهزّ بنيانها. ومن هذا الموقف المتشكل قرر العميد رفعت أن يؤدب أولاد سليمان المرشد في عقر دارهم أعني “جوبة البرغال”(21). فجهز لهذه المهمة كتيبة مغاوير وأركبها في سبع حافلات ووجهها باتجاه اللاذقية.. وعندما علمت بهذا النبأ اتصلت برئيس فرع المخابرات العسكرية في اللاذقية العقيد أسامة سعيد وأعلمته بالأمر وقلت له:
عليك أن تؤمن حماية “النور المضيء” بمفارز سريعة من عندك أو من الشرطة العسكرية وإذا لزم الأمر يمكن أن تطلب العدد الذي تحتاجه من الجنود من قائد القوى البحرية.
فقال لي: سيدي لا تحتاج لأي مساعدة لأن حوالي خمسمائة مسلّح من الطائفة المرشدية أصبحوا متواجدين في “جوبة البرغال” حول قصر أبناء سليمان المرشد..
ومرة ثانية تؤكد الحقائق والوقائع أن أسلوب الاتصال لهذه الجماعة أرقى من أسلوب اتصال أي مخابرات في العالم حتى بعد استخدامها لأقنية الاتصالات في الأقمار الصناعية.
وصلت طلائع سرايا الدفاع إلى “جوبة البرغال” فوجدت أن الحراسة كثيفة حول بيت سليمان المرشد وأن المعركة لن تكون في صالحهم أبداً، وبعد أن اتصلوا بالعميد رفعت طلب إليهم أن يهبطوا إلى الساحل ويتمركزوا في معسكر “تلة الصنوبر” التي تبعد عن اللاذقية إلى الجنوب بحوالي سبعة كيلو مترات، ولم يحتج حلفاؤنا الجدد لأي دعم مادي أو عسكري، وبعودة الطائفة المرشدية إلى حمى الرئيس الأسد بدأت تتآكل سرايا الدفاع من الداخل ولم يعد لها تلك الهيبة التي كانت لها أيام زمان(22).
محاولة فتح جبهة ثانية في اللاذقية
كانت سرايا الدفاع تملك مركز تدريب لعناصر اللواء الجبلي في منطقة “جوبة البرغال” وإضافة لذلك فقد احتل العميد رفعت “تلة الصنوبر” التي تقع على البحر مباشرة وكان يتمركز في هذه المنطقة كتيبة أو أكثر من أفواج الإنزال الجوي.. ولما أخفقت التدابير التي نفذها العميد رفعت ضد الطائفة المرشدية أمر عناصره المرسلة من دمشق لهذه الغاية أن تتمركز في الموقع المذكور لتعزيزه ولأهميته البالغة لقربه من مركز المحافظة وأعني بذلك مدينة اللاذقية.
ولما كان العميد رفعت يعتمد بشكل جدّي على أبناء الطائفة العلوية قرر نقل الصراع إلى هناك، لأن المنطقة حساسة وكان يتصوّر أنه من الصعب على السيد الرئيس أن يأمر سلاح الطيران بقصف الأماكن التي ينشب فيها النزاع وكذلك الأمر بالنسبة للمدفعية والصواريخ، ومن هذا الإحساس الخاطئ(23) بدأت حركات رفعت تتعثر خطوة خطوة لأن ما بني على باطل فهو باطل..
كان رفعت يدغدغ أحلام المتعصبين طائفياً بأن وعدهم أنه سيقيم الدولة العلوية هناك، كما أقام اليهود الدولة العبرية في فلسطين، وكما كان غلاة المتعصبين من الموارنة يحلمون بإقامة الدويلات الطائفية التي ستدور بفلك إسرائيل قولاً واحداً، وشجّع رفعت أن أمريكا سوف ترحّب بالفكرة لأنها مع أي تفكك للأمة العربية لأن هذا يخدم مصالحها الوطنية ومصلحة حليفتها الاستراتيجية إسرائيل.. ونسي العميد رفعت أن والده الراحل “سليمان الأسد” –رحمه الله- كان من أشد المقاومين الشرسين لإنشاء الدولة العلوية وكان من طليعة المناضلين الوطنيين في أواسط الثلاثينيات لمقاومة هذه الفكرة واجتثاثها من جذورها(24).
بدأ تحرّش العميد رفعت بالنظام هناك بأن أوعز إلى أنصاره في اللاذقية بأن يكتبوا على الجدران عبارات تمجّد بشخصه دون غيره مثل رفعت الأسد الشمس التي لا تغيب.. إلخ.. كما بدءوا بنصب الحواجز الطيّارة لإشعار المواطنين أنهم موجودون بقوة على الساحة في محافظتي الساحل (اللاذقية وطرطوس) واتصلت بالرئيس الأسد وأعطيته المعلومات المتوفرة لدينا عن نوايا العميد رفعت باللاذقية وأنه حاول السيطرة على مسقط رأس الرئيس الأسد حتى يقول للعالم: إذا كان أخي لا يستطيع السيطرة على المحافظة التي ولد فيها فهو بالأحرى غير قادر على السيطرة في باقي المحافظات..
كانت توجيهات القائد الأسد واضحة وضوح الشمس: لا مهادنة أبداً مع الخارجين على النظام.. إضربهم اليوم قبل الغد، لأننا كلما تأخرنا بضربهم وتصفية الحسابات معهم كلما ازدادوا شططاً في أعمالهم وتصرفاتهم وتمادوا في إيذاء الناس والمواطنين وأعطوا العالم العربي والخارجي فكرة مغلوطة عن واقع الحال في سورية..
اتصلت بقائد القوى البحرية اللواء “فضل حسين” وقلت له: عليك أن تنذر المتمردين في معسكر سرايا الدفاع بالاستسلام خلال ساعة واحدة، وبعد ذلك إذا لم يستجيبوا عليك أن تضربهم بالمدفعية الساحلية وأن تحرك باتجاههم كتيبة المشاة البحرية مدعومة بالفوج (826) دبابات، كما طلبت إليه أن يحرك كاسحتي ألغام وستة زوارق صواريخ وأن يتم الرمي على المتمردين بالمدافع المضادة للطائرات (رمي مباشر) وأن يتم تقرب هذه القوات إلى الساحل لضربهم بقذائف الأعماق (المضادة للغواصات) وبالأسلحة الرشاشة الثقيلة المضادة للطائرات والمركبة على زوارق الصواريخ.
وعندما لاحظت عليه أمارات التردد والنذالة وعدم الحسمية أكدت عليه بأنني أعطي الأوامر نيابة عن القائد العام وإذا كان غير قادر على تنفيذ المهمة فنحن جاهزون لإرسال فوج مغاوير (إنزال جوي) ليتكفل بتصفية المتمردين, وأعطيته الأمر أنه بعد ساعة واحدة تنتهي مهلة الإنذار وعليه أن يبدأ بقصف المعسكر بالمدفعية.
وبعد ساعة من هذا الأمر اتصلت بقائد القوى البحرية وقلت له: هل بدأت الرمي..
فقال لي: لقد رشقناهم رشقة ونحن الآن نحصي خسائرهم.
وتيقنت من لهجته أنه كذاب (25) ومراوغ وغير جدي في معالجة الموضوع.. وخائف.. قلت له أين المقدم علي خضور قائد الفوج المدرع؟..
فقال لي: إنه بجانبي..
وطلبته على الهاتف وقلت له: اصعد بنفسك على أول دبابة في الفوج واطلب إلى الرماة أن يسددوا مدافعهم على العربات المصفحة (ب.م.ب) التي يضعها المتمردون على مدخل المعسكر وتدمّرها تماماً بصلية تركيز من سرية دبابات, أي أريد أن ترمي عشر دبابات بآن واحد.
وكانت غايتي الأساسية إحداث صدمة معنوية ضد القوى المناوئة, وبعد دقائق نفذ الأمر وتم تدمير ثلاث ناقلات وجرى إخلاء القتلى والجرحى, واستنجد العميد رفعت متوسلاً الرئيس الأسد بأن نوقف النار لأنه قرر أن يخلي المعسكر وينفذ تعليمات القيادة العامة.
وهكذا تم حسم المشكلة في المنطقة الساحلية وتم استرداد المعسكر وعادت العناصر التابعة لسرايا الدفاع إلى دمشق.
ولا بد من إعلام القارئ عن جو إحدى المناقشات التي جرت في القيادة العامة بعد الاشتباك مباشرة..
قال العماد حكمت الشهابي وأيده في ذلك العماد علي أصلان: بعد أن رجع إلى حمص وطرابلس أكثر من خمسمائة سيارة أصبحت المشكلة مكشوفة للناس جميعاً ولا نستطيع بعد اليوم أن نتستر عليها..
وكان جوابي: لن تقدم أي وكالة أنباء على إذاعة هذا الخبر إطلاقاً وذلك لسببين:
الأول: أن وكالات الأنباء الغربية والموجهة من أمريكا لن تذيع النبأ لأنه يبرز انتصار الرئيس الأسد وهم لا يرغبون بذلك.
الثاني: وكالات الأنباء التي تدور في فلك موسكو لن تذيع هي الأخرى هذا النبأ حتى لا تسبب لنا أي إحراج لأننا نحن لم نقم بإذاعته.
وصدقت نبوءتي ولم تقم أية وكالة أنباء أو صحافة أجنبية بإذاعة هذا النبأ, بما في ذلك الصحف اللبنانية المحسوبة على الخط الأمريكي.
تزامنات تدل على أن المعلم واحد
كان من أبرز خصائص هذه الأزمة العاصفة أن يتزامن تصعيد الموقف العسكري من قبل العميد رفعت كلما زارنا الرئيس اللبناني (أمين الجميل).. ومع أن السياسيين في لبنان عامة لا يحبون أبداً قطع شعرة معاوية مع أمريكا ولكن المنتسبين منهم إلى حزب الكتائب اللبنانية وعلى رأسهم ((أمين الجميل)) يعتبرون الولاء لأمريكا قضية مقدسة لا يعلو عليها شيء. ومع أنهم يزعمون أن فرنسا هي أمهم الحنون ولكنهم كاذبون لأن عينهم دائماً على أمريكا. وخلال ثلاثة شهور ونيف من عمر الأزمة زارنا الرئيس اللبناني ثلاث مرات ولم يحدث في تاريخ العلاقات المميزة مع أي دولة في العالم أن يقوم رئيسها بزيارة بلد آخر بمثل هذه الكثافة, وهذا ما يؤكد أن الزيارات كانت تتم بإيحاء وتوجيه من الإدارة الأمريكية, ولأن أمريكا تعرف ما يدور في سرايا الدفاع عن طريق عميلها ((النقيب جوزيف صنصيل)) ولكنها تجهل تماماً ما يجري في دائرة الرئيس الأسد, ومن هنا جاء الطلب إلى الرئيس ((أمين الجميل)) بأن يشد الرحال إلى دمشق ليعرف ماذا يدور خلف الأكمة..
وللأمانة التاريخية كان الرئيس الأسد يتمتع بموهبة خارقة في إخفاء نواياه على خصومه. ومع أنه لم يلعب ((البوكر)) ولا مرة واحدة في حياته فإن وجهه بالنسبة لمن يقابله, وبخاصة من المحسوبين على أمريكا أو الدائرين في فلكها, يبدو كوجه لاعب ((البوكر)) لا يمكن لأحد أن يأخذ منه شيئاً لا بحق ولا بباطل. وهكذا كانت التقارير ترسل إلى واشنطن وكلها تشير إلى أن الرئيس الأسد في أحسن حالاته.. وخاب فأل الإدارة الأمريكية وأهدافها الخبيثة.
حل رابطة خريجي الدراسات العليا
ما كاد العميد رفعت الأسد أن يحصل على الإجازة في التاريخ في العام 1974 (26) حتى أسس (رابطة خريجي الدراسات العليا) وأخذ موافقة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (27) على ذلك لكي يكون عمله تحت المظلة القانونية, وأعطى تبريراً لعمله بأن مصلحة الرئيس الأسد أن يكون خريجو الدراسات العليا موالين للنظام على اعتبار أن شقيقه رفعت هو رأس الهرم في هذه الرابطة.. وانتشر الخبر بسرعة البرق ولم يبق انتهازي أو متسلق أو متطلع غلى السلطة أو التقرب من وهجها إلا وانخرط في هذه الرابطة (كخرط الدب على العنب).
وتم توزيع السيارات والهدايا غير الرمزية على كبار المريدين والمسبحين بحمد رئيس الرابطة وفضله, وجاء توجيه خاص وسري من الفاتيكان إلى الإخوة أبناء الطائفة المسيحية بأن ينتسبوا إلى الرابطة زرافات ووحدانا وتم اختيار السيد غسان شلهوب نائباً لرئيس الرابطة (28) ليعطي ضوءاً أخضر لمن لم يسمع التوجيه أن يقترب من الرابطة وينتسب إلى صفوفها.. وجاءت أحداث الإخوان المسلمين في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات لتعطي الدليل القاطع أن الرابطة لا وجود لها وأن هذا العدد الضخم كان كغثاء السيل أو حزمة من القش لا تغني عن الحق شيئاً.
وعندما حدثت الأزمة ظن أعضاء الرابطة بأن الوقت قد حان لقطف ثمار جهودهم فبدءوا يهاجمون جهراً الرئيس حافظ الأسد في مجالسهم الخاصة ويتهمونه بالديكتاتورية, وأن العميد رفعت راعي الديمقراطية في هذا البلد وعقدوا مؤتمراً لهم في فندق (الشيراتون)) حضره ما هب ودب (من الجنادب والخنافس والقراد) (29). ولم تسعف القريحة العميد رفعت فبدأ حديثاً سياسياً مشوشاً عن الديمقراطية والأوضاع العامة في سورية بحيث لا يمكن لأحد أن يفهم منه شيئاً حتى ولو حاول ذلك وبذل قصارى جهده, وانفض المؤتمرون وهم في حيص بيص وأدركوا أن أيام الرابطة غدت قريبة وأن أحلامهم ذهبت أدراج الرياح لأن ما بني على باطل فهو باطل.
ورغم إدراكي المسبق أن الرابطة أصبحت في حكم المنتهية فقد اتصلت بعدد من الأصدقاء المتورطين بالانتساب إلى الرابطة (30) وطلبت إليهم الانسحاب وبذلك قد أسهمت في تهديمها من الداخل والخارج.
وفي زحمة العمل على الاتجاهات كافة اتصل بي هاتفياً الرفيق (وفيق عرنونس)) عضو الرابطة وقال لي: هل تضمن لي سلامتي؟..
فأجبته: بأني سوف أضمن لك عدم دخولك السجن إطلاقاً.. أما موضوع فصلك من الحزب فلا أستطيع أبداً أن أعد في ذلك.
ومقابل هذا الضمان وعدني بأنه سيوافيني بكافة السجلات الموجودة في الرابطة وأن يأتي بها إلى البيت حتى لا يشاهده أحد.
وفي الساعة الواحدة ليلاً أعلمتني زوجتي بأن الأمانة وصلت..
قلت: أرسليها فوراً إلى المكتب.
وقضيت ليلة كاملة وأنا أراجع ملفات رابطة خريجي الدراسات وقد لفت نظري وجود أكثرية حقيقية من إخوتنا أبناء الطائفة المسيحية إذ أحصيت عدد المنتسبين إلى الرابطة فكان أكثر من خمسة آلاف بقليل وراجعت الأسماء التي يوحي ظاهرها فقط بالطيف الديني للرجل فوجدت أن العدد يربو على الأربعة آلاف أي اكثر من ثمانين في المائة. ولما كانت النسبة في سورية ليست كذلك, أدركت أن هناك توجيه أكيد من المخابرات الأمريكية حتى وصل العدد إلى هذه النسبة. ولمعلومات القارئ. وهذه لا يمكن أن تكون صدفة أن أعضاء القيادة القطرية المنتسبين إلى الرابطة هم: الرفيق وهيب طنوس والرفيق إلياس اللاطي هما من الطائفة المسيحية والرفيق عبد الرؤوف الكسم كما نعلم زوجته مسيحية (31) وأرجو من القارئ أن يسامحني على هذه الصراحة لأنني أبعد الناس عن الكلام في هذا الموضوع, وأنا مؤمن حقاً.. وأحترم كافة الأديان التي تدعو إلى التسامح ولكن مما يؤسف له أن عقيدة التعصب ضد الإسلام التي غرستها الصهيونية بدأت تؤتي ثمارها في كل مكان.. من البوسنة والهرسك إلى إيران وأفغانستان والهند وباكستان ومروراً بالفلبين وبقايا الدول المسلمة في الاتحاد السوفييتي سابقاً فالجميع يحاولون صد الرياح الثورية القادمة من الشرق.
المهم أرسلت الوثائق إلى القصر الجمهوري فأمر السيد الرئيس بوضع رابطة خريجي الدراسات العليا تحت الرقابة المشددة. وبعد أن انتهت الأزمة, أصدرت القيادة القطرية قرارها رقم /574/ تاريخ 5/7/1984 طلبت فيه إلى الرفاق المنتسبين إلى الرابطة أن يتخلوا عن هذا الالتزام ويكرسوا كل نشاطهم السياسي للحزب وأنذر القرار بفصل كل رفيق يخالف هذا التوجيه, وبذلك اختفت من الساحة رابطة خريجي الدراسات العليا التي كان ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
زيارة الوحدات والتشكيلات
بعد أن أصبحت القيادة العامة للقوات المسلحة في وضع آمن وكذلك القصر الجمهوري ومنزل السيد الرئيس قررت أن أنطلق بزيارات ميدانية لكافة أنواع وصنوف وتشكيلات قواتنا المسلحة, وكان يرافقني بهذه الزيارات العماد علي أصلان نائب رئيس الأركان. وفي كلمتي التوجيهية العامة التي كان يحضرها الضباط وصف الضباط والجنود كنت أهاجم بقسوة الهيمنة الأمريكية وعملاءها في المنطقة ودعم أمريكا غير المحدود للعدو الصهيوني وتحيزها المكشوف له ومعاداة كل هدف يخدم مصلحة الأمة العربية. وكنت أنوه بالمآثر القيادية للرئيس حافظ الأسد ودوره في بناء سورية الحديثة وحرب تشرين وحرب الاستنزاف للدفاع عن استقلال لبنان ليبقى دائماً عربي الوجه واليد واللسان.. كما كنت أشيد بالدور الوطني الذي لعبته المقاومة اللبنانية ضد الجيش الإسرائيلي وضد الجيوش الأجنبية التي جاءت لتشد من أزر إسرائيل ضد أمتنا العربية, وكانت هذه الكلمات تلاقي صدى إيجابياً لدى المستمعين كافة.
وفي اللقاءات الخاصة مع الضباط حتى مستوى قائد كتيبة كنت أضعهم في صورة المؤامرة كاملة وأسمي الأسماء على المكشوف بصراحتي المعهودة, وفي نهاية الجولة كان التشكيل الذي أزوره يقدم لي وثيقة عهد بالدم ولاء للسيد الرئيس.
وكانت أخبار اللقاءات تصل للسيد الرئيس سواء عن طريق القنوات الرسمية أو الخاصة, وكان سعيداً بالنتائج وأن الجولات بدأت تعطي ثمارها ميدانياً وقد سحبت البساط من تحت أقدام رفعت ولم يعد أحد في القوات المسلحة ينخدع بأنه الحارس الأمين لشقيقه سيادة الرئيس.. وسألني القائد الأسد فيما إذا كنت أقوم بهذه الجولات يومياً.. واعترفت للرفيق الأمين العام للحزب بأن العماد مصطفى طلاس لم يعد مثل المقدم طلاس أيام زمان عندما كان يفلح الأرض شرقاً وغرباً في أوائل ثورة الثامن من آذار وإبان الحركة التصحيحية وفي أيام الإعداد لحرب تشرين المجيدة!. فقال: إذن كيف تبرمج وتيرة العمل؟..
فأجبت أقوم بزيارة التشكيلات يوماً وأرتاح في العمل المكتبي يوماً آخر..
فقال: هذا جيد تابع العمل على نفس الوتيرة وذات النهج.
وكان موعد السابع عشر من نيسان 1984 مكرساً للقاء مع الفرقة الخامسة في موقع ازرع, وطلبت إلى قائد الفرقة اللواء ((احمد عبد النبي)) أن يدعو قيادة الفرع في درعا وأمناء الشعب الحربية كما يدعو كافة الوجهاء والمثقفين والمخاتير وزعماء العشائر في حوران لأن السابع عشر من نيسان هو عيد وطني لكافة شرائح المجتمع ويجب أن يعكس الاحتفال هذه الحقيقة.. ولبى المدعوون جميعاً الدعوة وازدان المكان بصور الرئيس الأسد وأعلام الحزب وأعلام الجمهورية غير أن أمين الفرع ((أحمد زنبوعة)), والمحافظ ((محمد مصطفى ميرو)) اعتذرا عن الحضور بحجة أن لديهم جولة حزبية في وادي اليرموك..
قلت لقائد الفرقة: ألم تقل لهم أنني قادم إلى المحافظة بتوجيه من رئيس الجمهورية حافظ الأسد وأن اللقاء رسمي وليس جولة عسكرية أو حزبية..
فقال: والله لقد قلت لهم ذلك ولكنهما آثرا التملص لسبب ما أجهله..
فقلت له: إنهما من المنافقين المرتبطين مع العميد رفعت وسوف أجعلهما يدفعان ثمن الهروب مهما طال الزمن(32).
علم العميد رفعت الأسد بهذه الزيارات الميدانية فحاول أن يستبق الموضوع وبعث إلى سيادة الرئيس عهداً كاذباً بالدم من سرايا الدفاع ولكن الكلام الذي يخرج من القلب يدخل إلى القلب أما الكلام الذي يخرج من اللسان فلا يكاد يتجاوز الآذان ومن هذا المنطلق لم يجد (عهد النفاق بالدم) الذي أرسله العميد رفعت أي صدى لدى سيادة الرئيس.
وبعد اثنتي وستين جولة ميدانية إلى المناطق العسكرية كافة وتشكيلات قواتنا المسلحة بأنواعها وصنوفها تمت صياغة كتاب (عهد بالدم) الذي قدّمته لسيادة الرئيس في عيد ميلادي الثاني والخمسين أي في 11/5/1984. وكانت المقدمة التي تصدرت وثائق العهد بالدم من أروع ما كتبت في النواحي السياسية والقومية. ولذلك رأيت أن أذكرها تفصيلاً في نهاية هذا الكتيب ليعيش معي القارئ الأجواء التي كانت تدور فيها لعبة الصراع على السلطة.
يوم الجمعة الحزينة 13/4/1984
في الساعة الخامسة بعد الظهر اتصل اللواء علي حيدر من مقره في معسكرات القابون وأبلغني بأن المعلومات المتوافرة لديه أن سرايا الدفاع بدأت بالتحرك من بين أشجار الزيتون باتجاه دمشق..
وبعد لحظات اتصل العميد عدنان الأسد. قائد سرايا الصراع ضد الدبابات وقال بأن سرايا الدفاع تحركت باتجاه دمشق وأنه يراها من معسكر (المعضمية) بالعين المجردة..
كما أعلمت مفارز المخابرات العسكرية المنتشرة على كافة محاور الطرق المتجهة إلى دمشق بهذا التحرك.. وهتفت إلى الرئيس الأسد وأعلمته بالأمر وبعد أقل من دقيقة هتف الرئيس الأسد وقال لي: لقد اتصلت بالعميد رفعت وأكد لي أن المعلومات التي أعلموك بها كاذبة ولا أساس لها من الصحة.. وقلت للرئيس الأسد: إنني على يقين كامل بأن العميد رفعت قد أمر عناصره بالتحرك وهو يريد أن يكسب الوقت..
وقال لي: سأتصل من جديد وأعلمك..
وبعد خمس دقائق لم يتصل وإنما اتصل العميد عدنان مخلوف قائد الحرس الجمهوري وقال بأن السيد الرئيس قد توجه بمفرده إلى مقر شقيقه رفعت الأسد (في ضواحي المزة) وأعطاه التوجيه التالي: إذا لم أعد بعد ساعة من الآن قل للعماد طلاس أن ينفذ الخطة وعليك في الوقت نفسه أن تعطي التعليمات لقادة الفرق أن لا ينفذوا أي أمر إلا إذا كان صادراً عن العماد طلاس.
كانت الساعة التي غاب فيها الأسد عن عرينه تعادل دهراً بكامله (وأن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون) (33) كانت القيادة تعيش على أعصابها وكذلك قادة التشكيلات الضاربة لأن المعركة ستكون ضارية ولا أحد منا يريد أن يصاب مواطن بريء بأذى.. وكان العميد رفعت يطبق تكتيكات صديقه ياسر عرفات (أبو عمار) لأن من عادة المذكور الاختباء بين المدنيين حتى لا تطاله الضربة مباشرة. وجاءنا الفرج قبل خمس دقائق من الموعد المحدد لتنفيذ الخطة, فقد تمكن الأسد بحكمته وشجاعته وحنكته من أن ينزع فتيل الأزمة وتم سحب الدبابات من المواقع التي وصلت إليها في جنوب وشمال دمشق. وحتى يعيش القارئ في جو الأحداث سأروي له ما جرى في تلك الجمعة الحزينة.
اتفق الرئيس الأسد رافقته والدتهم مع شقيقه رفعت أن ينتظره رفعت في نهاية طريق (أوتوستراد المزة) ومن هذه النقطة توجها إلى الطريق المحلق الذي يؤدي إلى المطار وإلى دوار (كفر سوسة). وفي دوار (كفر سوسة) ترجل الرئيس وشقيقه وقال له: انظر بعينيك إلى الدبابات التي كنت تزعم أنها لم تتحرك.
وطلب الرئيس الأسد إلى قائد السرية الملازم أول (معين بدران) أن يعيد الدبابات إلى مكان تمركزها, ولكن قائد السرية بقي في مكانه متجاهلاً أوامر سيادة الرئيس وكأنه آخذ سيجارة حشيش: وكان رفعت مسروراً من هذا المنظر لكي يوحي إلى السيد الرئيس بأن الأمور خرجت من يده وأنه غير قادر على لجم اندفاع الضباط وحماسهم في مؤازرته للاستيلاء على السلطة.. هنا خرج الرئيس الأسد عن هدوئه المعهود وقال لقائد السرية بصوت قصم ظهره: أنا قلت لك أرجع الدبابات إلى أماكنها فوراً، عندها صعد العميد رفعت بحركة مسرحية على ظهر الدبابة وصفع الملازم معين كفاً على خده قائلاً له: نفذ أوامر الرئيس هل أنت أطرش لا تسمع(34).. وعادت الدبابات إلى أماكنها وعاد الرئيس الأسد والعميد رفعت كل إلى مقر قيادته، وهكذا انزاحت الغيمة السوداء عن صدورنا وعن صدور الوطن.
خطة القيادة في مجابهة سرايا الدفاع
لم نضع خطة عملياتية لمجابهة المشكلة التي نواجهها لسبب بسيط وهو اختلال ميزان القوى وميلانه بشكل راجح إلى جانب الرئيس الأسد، وكانت سرايا الدفاع تعادل واحد إلى عشرة بالنسبة لقوة الجيش البرية، بالإضافة إلى سلاح الطيران وقوات الدفاع الجوي وسلاح المدفعية والصواريخ والاستطلاع والهندسة والتسليح، وكافة وحدات وتشكيلات القيادة العامة هي مع الرئيس الأسد حُكماً، وإذا كان هناك بعض الخروقات فقد انقلب المنافقون على أعقابهم بمجرد الإعلان أن رفعت الأسد أصبح مناهضاً للنظام، وقد سُحبت عنه مظلة أخيه الرئيس الأسد وغدا بمفرده يحيط به بعض أصحاب المصالح والوصوليين مثل محمد حيدر نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، والعماد ناجي جميل رئيس مكتب الأمن القومي والقوى الجوية السابق، وحفنة من المرتزقة تذكرنا بقول الشاعر سليمان العيسى يصف جماهير المنافقين والانبطاحيين والإمّعات من الاتحاد القومي في حلب الذين هرعوا إلى المطار وتزاحموا مثل الكلاب على الطريدة الميتة ولم يتركوا مجالاً للمثقفين وأصحاب الشأن للقيام بواجبهم.
والتفت شاعرنا وقد أضاع “شاروخه” في الزحمة إلى زميله المقدم مروان السباعي المسؤول الأمني في المنطقة الشمالية وقال له:
وحولك “ركّة” تدعى اتحاداً فخذ نعلاً ودق بها وآجر
ومع كل هذه الحقائق والتوضيحات فقد وضعنا تصوراً لمجابهة التمرد على الشكل التالي:
لدى تحرّك وحدات سرايا الدفاع لاحتلال الأهداف الرئيسية في مدينة دمشق يقوم سلاح الطيران بتوجيه ضربة كثيفة بالقنابل الارتجاجية والصواريخ المضادة للدبابات مدتها ثلاثون دقيقة، بعد ذلك تقوم صواريخ أرض –أرض بتوجيه ضربة نارية إلى مواقع الخصم وبنفس الوقت تقوم طائرات “الغازيل” والـ “مي 25” التي تحمل صواريخ “جو – أرض” بالتحليق فوق التشكيلات المناوئة لضرب أي تحرك!. كما تقوم بنفس المهمة وحدات سرايا الصراع ضد الدبابات واللواء(65) (احتياط القيادة العامة المضاد للدبابات).
في اللحظة نفسها ومع بداية الضربة الجوية يكون الرئيس الأسد والعماد رئيس الأركان ونائب رئيس الأركان لشؤون العمليات والتدريب وعدد من الضباط الأمراء والمساعدين من الاختصاصات كافة قد غادروا دمشق إلى موقع قيادة تبادلي في معسكرات الجلاء (الكسوة) ويبقى اللواء (91) دبابات كحراسة مباشرة لمقر القيادة بينما تتوجه باقي ألوية الفرقة لتشتبك مباشرة مع ما تبقى من سرايا الدفاع في معسكر “المعضميّة” وتكون الفرقة التاسعة نسقاً ثانياً للفرقة الأولى لمتابعة مهمتها إذا لزم الأمر..
كما تقوم الفرقة الثالثة بالاستيلاء على مقرات وحدات سرايا الدفاع في موقع “يعفور” وكان موقع تمركزها الميداني في (وادي القرن) يساعدها على إنجاز المهمة وتكون الفرقة السابعة كاحتياط للفرقة الثالثة إذا لزم الأمر.
وتم الاتفاق أن أظلّ في مقر القيادة الرئيسي ومعي رئيس هيئة العمليات وقائد القوى الجوية وقائد الدفاع الجوي ورؤساء الهيئات التي لها علاقة بالتأمين القتالي (المادي والفني والطبي).
كان قادة التشكيلات يحثونني على إقناع الرئيس الأسد بتنفيذ الخطة وكذلك أجهزة القيادة العامة جميعاً، وكان أكثر المتحمسين العماد حكمت الشهابي والعماد أصلان واللواء علي دوبا وقادة الفرق كافة.. وكنت أقول لهم:
لقد كلمت الرئيس ثلاث مرات حول الموضوع وكان جوابه الوحيد: أبو فراس اتركوا لي هذا الموضوع فأنا أعالجه بحكمة وعلى نار هادئة.. يجب أن تظلوا في حالة الجاهزية الكاملة وعيونكم مفتوحة.. فقلت له: إن أعصاب الرفاق محروقة.. فقال: أعطيهم مهدئات.. وكنت أنقل للرفاق في القيادة والتشكيلات المقاتلة توجيهات السيد الرئيس.. ومع ذلك كانوا يحلون عليّ يومياً ويقولون: متى نبدأ؟.. وكنت أجيب ظلوا هكذا والإصبع على الزناد.. على أن ضغط الضباط القيادة والتشكيلات كان بكفة وضغط زوجتي أم فراس كان بكفة ثانية، فزوجتي بطبعها محروقة ولذلك كل يوم وعبر القناة الهاتفية تطالبني بالحسم، وكان جوابي دائماً اتركي لنا هذا الموضوع.. ولكنها لم تيأس فكانت دائماً تلجأ إلى ولداي (فراس ومناف) لكي يعزفا على نفس اللحن ولكن النتيجة كانت واحدة في جميع الحالات، ولم تهدأ الأعصاب وتستقر النفوس إلا بعد أن بدأت المفاوضات الجديّة بين الرئيس الأسد وشقيقه الأصغر لحل الأزمة.
فشل كمين مطعم العندليب(35)
كان قادة الفرق والتشكيلات يتكلمون مع العميد رفعت الأسد بقصد إخافته وإرهابه بأن أي تحرّك معادي ضد الرئيس الأسد سوف يجابه بالقوة.. وكانوا ينقلون ردود فعله إلى سيادة الرئيس أولاً ثم إلى القيادة العامة ثانياً، وفي إحدى المرات.. قال له اللواء إبراهيم صافي قائد الفرقة المدرعة الأولى: أخي أبو دريد شو رأيك بأن أدعوك إلى الغداء في مطعم العندليب وهناك تلتقي مع قادة الفرق وتحدثهم بنفسك عن أسباب الأزمة الناشبة بينك وبين سيادة الرئيس بدون مراسلين؟.. وكان جواب العميد رفعت بالموافقة وتم تحديد التوقيت الساعة الثانية بعد الظهر.
أعلمني اللواء إبراهيم صافي بذلك وقال لي: لقد وضعت الرئيس الأسد بالصورة وكذلك العماد حكمت واللواء علي دوبا والشباب محضرون وجاهزون لاعتقاله مع مرافقته.
اتصلت بالرئيس الأسد وقلت له: إذا رفض العميد رفعت الاستسلام وأصر على المقاومة.. ماذا نفعل؟.. فأجاب: إنها شريعة الحرب إما غالباً وإما مغلوباً وأنا لا أريدك إلا غالباً.
جاء نهار الغد ونحن ننتظر ساعة الصفر.. ولكن العميد رفعت كان حذراً مثل القاق الأسود(36) فلم يحضر إلى المكان المذكور وأرسل بدلاً منه ست عربات (C.M.C) بيك آب مزودة بزجاج دخاني تسمح لمن بداخلها فقط أن يرى ولا يُرى.. وهي مملوءة بالعناصر المرقّطة والمبرقعة.
وبدلاً من أن تتوقف أخذت تمر من أمام المطعم لتقول نحن جئنا حسب الموعد.. فماذا تنتظرون؟.. وسألني اللواء صافي: ماذا نفعل؟.. فأجبته: اتركهم وشأنهم وسيعودون إلى وكرهم إذا أبديتم عدم اهتمامكم، وأعلمت الرئيس الأسد بالأمر.. فقال: حسناً تصرفت..
مآثر لا تنسى
وقبل أن أُنهي هذا الحديث لابد لي أن أتكلم عن بعض المآثر التي نفذها ضباط وصف ضباط وجنود من رجال جيشنا ومواطنون أثناء الأزمة ليكون ذلك عبرة للأجيال القادمة..
عندما جد الجد وتبين للعالم كله أن العميد رفعت الأسد ليس الحامي لشقيقه الأكبر وإنما الطامع في السلطة دونما وجه حق، هرب عدد من ضباط سرايا الدفاع وانضموا إلى قواتنا وكان في مقدمتهم العقيد علي ديب.. حيث التحق بالفرقة الثالثة المدرعة(37) كما التحق عدد من أبناء بلدتي “الرستن” بمكتبي وأبقيتهم في مفرزة الحراسة حتى نهاية الأزمة.
– ورغم حرص الأم على أولادها فإن زوجتي لم تمنع ولدينا (فراس ومناف) من حمل السلاح الفردي والمبيت في مبنى القيادة العامة كحرس مباشر لأمني القريب مع أني أكثر الناس إيماناً بالقضاء والقدر وأن صاحب العمر الطويل لا تقتله المصائب.. ومع ذلك عندما أتذكر هذه المآثر تعود بي الذاكرة إلى أيام العرب الأولى كيف كانت القبيلة طرفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً.
– قام عدد من صف الضباط في سرايا الدفاع بنزع إبر مدافع دباباتهم من كتلة المغلاق ووضعوها في سلة وقدموها هدية شخصية لسيادة الرئيس، وهذا ما أعطانا الاطمئنان بأن جاهزية الدبابات في سرايا الدفاع قد هبطت إلى النصف بعد هذه العملية الجريئة والمفاجئة والتي تستحق كل تكريم.
– كان التفاف المواطنين بفئاتهم كافة حول القائد الأسد ذا معنى كبير جعل معسكر الخصوم في (حيص بيص) لا يدرون ماذا يفعلون، وكان كل يوم يمضي تزداد قوتنا وتتضاءل قواهم حتى وصلوا إلى حد القناعة المطلقة بأن أي صدام بين الطرفين سيكون وبالاً عليهم لا محالة.
حقاً إن شعبنا العربي السوري من أفضل شعوب الأرض قاطبة والشعوب والأمم لا تعرف إلا عند الشدائد، وقد أثبت شعبنا جدارته بالحياة والمجد حين تعلّق بالرئيس الأسد وترك كافة المغريات الأخرى التي طرحها الطرف الآخر ومن جملتها الانفتاح الاقتصادي.
أجل لقد جاء الانفتاح الاقتصادي ولكن في عهد الرئيس الأسد وجاء لمصلحة الشعب كله، ولو تم في عهد سواه لكان نصيب القطط السمان هو نصيب الأسد ونصيب الشعب كل الفتات الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع.
القيادة القومية تسقط عضوية ثلاثة من أعضائها
لعب الرفيق محمد حيدر دوراً قذراً في هذه الأزمة على الرغم من دماثته الشخصية وخفة دمه الظاهرة، وكان موعوداً أن يعود كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية مع تشغيل الشفاطة (هوفر) إلى الحد الأقصى وبعد ذلك تتم المقاسمة حيث يأخذ أبو إياد (5%) وأبو دريد (95%) ولذلك فقد التصق بالعميد رفعت منذ بداية الأزمة وكان يغريه بالإقدام على تسلّم السلطة لقناعته الذاتية بأنه في حال فشل رفعت فإن الرئيس الأسد لا يمكن أن يبطش بأخيه، ومن هذا المنطلق وهذه القناعة الراسخة تمادى المذكور في غيّه وغدا مثل الحردون ينفخ في نار الفتنة، وما كان يدري أن نظريته خطأ من أساسها وأن النار التي حاول إشعالها كانت ستكوي جلده وجلود من حوله.
وبالإضافة إلى الرفيق محمد حيدر فإن الرفيق ناجي جميل قد دخل أيضاً على الخط وأصبح من مريدي العميد رفعت ومن المطبّلين والمزمّرين له مع أنه أسقطه في انتخابات العام (1976) مع الرفيق محمود الأيوبي.. ولكن عندما تهون الكرامة يهون معها كل شيء.. وحتى يحفظ العماد ناجي خط الرجعة فقد كان يتصل من حين إلى آخر بالرئيس الأسد ليوحي له بأنه يلعب دور حمامة السلام بين الأخوين ولم يدر في خلده أن شياطين الأرض والسماء لا تستطيع أن تضحك على الرئيس الأسد.. وفهم الرئيس غايته وكان يستمع إليه ويوحي له بآن معاً أنه يقدر هذا الدور الذي يقوم به(38).
وفي 1/8/1984 شرب الرفيق عبد الله الأحمر حليب السباع وقرر أن يمسح الأرض بمحمد حيدر وناجي جميل وسهيل السهيل (من القطر العراقي) فدعا إلى اجتماع طارئ للقيادة القومية وطلب من الرفاق المجتمعين اتخاذ القرار بوقف ممارستهم للعمل السياسي والحزبي(39) حتى يُشعر المتمردين على شرعية الحزب بأن العصا طويلة ومرنة.
وشعر المجتمعون بأن هناك ضوء أخضر لعبد الله الأحمر، فاتخذ القرار بالإجماع وكان هذا مؤشر بارز للحزب وللرأي العام في سورية أن من يلعب بذيله من الرفاق فإن القيادة ستكون له بالمرصاد.
بالإضافة إلى ما ذكر سابقاً، كان هناك رفيق ثالث لعب دوراً إيجابياً لصالح الرئيس الأسد هو العميد عز الدين إدريس فقد كان هذا الرجل يؤمن إيماناً راسخاً بأحقية الرئيس الأسد بالسلطة وأن شقيقه رفعت لا يستحقها ولذلك فقد لعب دور المنظّر والمجاور والفيلسوف والناصح وأخذ يلعب بأفكار رفعت ويخيفه من مغبة استمراره في الطريق الخطأ، وكان يتلقّى التوجيهات بين الحين والآخر من السيد الرئيس لكي يتقن دوره في اللعبة، ونجح هذا الضابط في أداء مهمته على الوجه الأكمل ويجب أن نعترف له بأنه جنّب دمشق كارثة لا حدود لها كما جنّب رفعت وسرايا الدفاع من التدمير الشامل والفناء الكامل(40).
بداية المفاوضات الطويلة
في أواخر نيسان من العام 1984 بدأ العميد رفعت يشعر بأن ميزان القوى قد مال لصالح شقيقه الرئيس الأسد لدرجة لم تعد تسمح له بالحركة إطلاقاً فاتصل بشقيقه جميل الأسد ليمهّد له المصالحة مع أخيه وأنه جاهز لأي عمل يرتأيه.. وكان الرئيس الأسد ينتظر بفارغ الصبر انهيار رفعت ورضوخه إلى السلطة، ونجح الرئيس في لعبة عض الأصابع، ومن هذا المنطلق أعلم شقيقه جميل بالموافقة على طلب قائد سرايا الدفاع.. وبدأت المفاوضات الصعبة، ومع أن الرئيس الأسد مقيم دولياً وعربياً أنه سيد من أتقن فن هذه اللعبة، ولكن في الطرف الآخر هناك أيضاً سيد من ابتزّ أخيه وغير أخيه وبعد أن وافق على الخروج من سورية ثم العودة عندما تهدأ الأمور بدأ يساوم على المبلغ الذي يحتاج إليه للإقامة عدة شهور خارج البلاد حتى تهدأ العاصفة، ومع أن الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي وقائد الحرس الوطني كان يدفع له شهرياً خمسة ملايين دولار كما أن الشيخ خليفة آل ثاني لم يقصّر ومثله ياسر عرفات والشيخ سحيم آل ثاني.. إلخ، فقد طلب مبلغاً من المال بالقطع النادر لم يكن متوافراً في المصرف المركزي لأن الدنيا كما يقول المثل السائد وجوه وأعتاب ونواصي(41)، فمنذ أن تسلّم الدكتور عبد الرؤوف الكسم رئاسة الوزارة فقد خيّمت غمامة من الشؤم على سورية لا مثيل لها.. فمرض الرئيس حافظ الأسد مع أن بنيانه الجسمي متماسك لدرجة تقترب من حدّ الأسطورة، ومات خمسة وزراء في عهده، وأصبح المصرف المركزي خاوياً حتى من الفئران كي لا أقول من الدولارات.. وسُدت منافذ الرزق في وجوه المؤسسات والأفراد وسائر العباد وبدأ الناس في سورية يتساءلون متى ينزاح ظل هذا الغراب عن الرقاب.. المهم فكّر الرئيس الأسد من أين يأتي بالمال اللازم لإشباع فم أخيه رفعت.. وارتأى أن الرئيس معمّر القذافي يمكن أن يكون الشخص الذي يحل هذه المشكلة فأرسل كتاباً خاصاً إلى قائد ثورة الفاتح من أيلول (سبتمبر) مع اللواء محمد الخولي رئيس إدارة المخابرات الجوية، وعندما وصل إلى طرابلس الغرب كان القذافي والحمد لله بمزاج حسن وتذكّر مواقف الأسد القومية في دعم ومؤازرة الثورة الليبية ورد على رسالة الأسد رداً جميلاً وتم تحويل المبلغ بكامله إلى المصرف المركزي وأعطى الرئيس الأسد شقيقه جزءاً منه وبقي الجزء الأكبر احتياطاً للطوارئ الاقتصادية التي كانت تعصف بنا وما كان أكثرها.
وتم الاتفاق على أن تعود سرايا الدفاع لتوضع بتصرف هيئة العمليات في القوات المسلحة، وتم تشذيبها بحيث بقيت في حدود ملاك الفرقة المدرعة زائد كتيبة دبابات مستقلة، كما تم الاتفاق على أن يبقى الفوج (555) بتصرف العميد رفعت كنائب لرئيس الجمهورية مسؤولاً (نظرياً) عن شؤون الأمن(42) لأن الرئيس الأسد أحرص من أن يسلّم أمنه الشخصي وأمن البلاد لرجل لا يتقي الله لا بوطنه ولا بأهله.
كما تم الاتفاق أن يسافر معه إلى موسكو اثنان من الضباط الأمراء طلبهما العميد رفعت شخصياً وهما اللواء شفيق فياض واللواء علي حيدر كما سافر معهم اللواء الخولي وكان ذلك بطلب خاص من العميد رفعت حتى يطمئن أن الطائرة لن تنفجر بعد إقلاعها بالجو، وصدر أمر الإيفاد بتاريخ 28/5/1984 وسافر العماد ناجي جميل مع حاشية العميد رفعت، وما حزّ في نفسي كثيراً أن العماد ناجي هو الذي طلب أن يسافر العميد رفعت، ومع أن الفارق كبير بين رتبة العماد ورتبة العميد، فإن العماد ناجي كان يخاطب العميد رفعت دائماً بكلمة (سيدي) أقول هذا الكلام والغصّة في حلقي لأن للعسكرية هيبة لا يجوز خدشها ولا يجوز مسّها وإلا تصبح العسكرية ضرباً من الانكشارية.
وظل الرفاق قرابة شهر في موسكو، وكان العميد رفعت ومجموعته قد ودّعوا موسكو بعد سلسلة من المقابلات البروتوكولية الشكلية مع المسؤولين السوفييت، وبهذه المناسبة لابد من شهادة حق للتاريخ فقد كان موقف أصدقائنا في موسكو مع الرئيس الأسد قولاً واحداً وكلّفوا رسمياً مستشار قائد الوحدة (569) (سرايا الدفاع) بأن ينقل إليّ عن طريق كبير المستشارين الجنرال “غوردينكو” الحالة النفسية للعميد رفعت وضباطه، وكنت أنقل هذه المعلومات لسيادة الرئيس كما كنت أضع الرفاق في القيادة العامة بالصورة وكانت هذه المعلومات مفيدة للغاية بالنسبة لنا لأنه أمر أساسي لتقدير الموقف أن تعرف حالة الخصم النفسية..
وضاق اللواء شفيق واللواء علي حيدر ذرعاً بالإقامة في موسكو وخشيا أن زحمة أعمال الرئيس الأسد قد تؤخّر صدور الأمر الخاص بعودتهم إلى أرض الوطن، وأرسل إليّ اللواء شفيق رسالة مؤثّرة واتصلت هاتفياً بهم إلى موسكو وطمأنتهم بأن الرئيس لن ينسى أبداً أبناءه، وعندما أعلمت الرئيس بالموضوع استغرب وقال لي: هل أمضيا شهراً في موسكو؟.. وعندما أجبته: نعم.. قال: أصدر نيابة عني الأوامر بعودتهم إلى أرض الوطن.
وهكذا عاد أبو علاء وأبو ياسر من بلاد الغربة، مع أن الإقامة في موسكو ذلك الحين كانت تعتبر مثل الإقامة في باريس باستثناء أن الإقامة في موسكو كانت تكلف أقل بخمس مرات، ولكن شعور المرء أنه يعيش الغربة وأنه ليس ذاهباً بإجازة أو نزهة تجعل الحياة صعبة لا تطاق.
وهكذا أسقط الأسد جميع الرهانات المعادية المحلية والعربية والأجنبية التي كانت ترى بوصول العميد رفعت الأسد إلى السلطة هو انضواء سورية تحت المظلة الأمريكية ونهاية لوقفة العز والشموخ التي اتّسمت بها المسيرة التي قادها أمين هذه الأمة.
والحق ما شهدت به الأعداء
بعد جلسة المصالحة التي تمت بين الرئيس الأسد وشقيقه رفعت قال رفعت للسيد الرئيس: أريد أن أقول لك شيئاً حقيقة لا يعرفها أحد ولا يجوز أن تظل في عالم الغيب.. وأقسم لك بالله أنه لولا العماد مصطفى طلاس كل جماعتك في الأركان لا يساوون (فرنك)(43)، وقد حاولت عدة مرات الدخول إلى مبنى القيادة العامة ومعي ست سيارات مرافقة بهدف السيطرة على المبنى وكنت أفاجأ دائماً بوجود العماد طلاس في مكتبه.. وهذا ما كان يضعني في موقف صعب.. وكان الوحيد المستعد للقتال دفاعاً عن النظام وكنت أخشى إذا تمكنت من التغلب عليه أنني لن أفلت من غضبك إلى يوم القيامة.. كما كنت أخشى أنه لو تغلّب عليّ بواسطة حرس الأركان المدعمة بالقوات الخاصة وسرايا الصراع سوف أسقط من عيون الناس إلى الأبد.. فأجابه الرئيس الأسد: إن العماد طلاس من أشجع ضباطنا وأثناء مشاركته في حركة الضباط الأحرار بحلب (نيسان 1962) بقي في مركزه كمدير لشعبة الأمن السياسي مدة سبع ساعات بعد هروب كافة رفاقنا إلى إدلب وحمص وحماة واللاذقية، وكان اللواء الخامس المدرّع يحاصر المدينة ويضرب حولها طوقاً من الدبابات والمشاة المحمولة.. علماً بأن المنصب الذي كان يشغله لم يكن بشكل رسمي ونظامي لأنه كان مفتشاً في وزارة التموين، فكيف تريد منه أن يترك مكانه في القيادة العامة وهو يشغل وظيفة نائب القائد العام ووزيراً للدفاع بمرسوم جمهوري، إنه بالتأكيد سوف يقاتل من أجل النظام حتى آخر طلقة وآخر رجل.
عهد بالدم
يا ليت.. هناك أغلى
“عهد بالدم؟!.. يا ليت.. هناك أغلى!.. عهد بالدم يقطعه له، رفاقه في السلاح والعقيدة.. فبماذا يجب أن يكون عهد رفيقه في الموطن الخشن؟”.
ليتها تتكرر لعبة التاريخ، لأريك كيف أنام على فراشك يا حافظ..
أجل.. فبعد هذا العمى الذي ضرب زعماء هذه الأمة، وبعد هذا التيه الذي يتخبطون فيه.. ويستدرجون إليه الآخرين.. لم يبق أمام هذه الأجيال المعاصرة والمحاصرة، سوى الالتفاف حول هذه الراية العربية السورية، الممسكة بها قبضته الفولاذية، والرافعة لها منارة تقول للناس كافة: تعالوا إليّ.. تعالوا، والحقوا بي، فأنا أقودكم إلى طريق الخلاص.. لأن الرائد لا يكذب أهله..
وبعد، فهذا الكتاب، ليس مهرجان أضواء، ليدخل في أبواب الدعاية المبهرة.
ولا هو من وسائل الإعلام، ليدخل في حلقة تلفزيونية ملونة..
وغنيّ عن البيان والإيضاح، أنه ليس من كتب التبشير الحزبي، وإن كان بمثله يتعمّد خط الحزبي ويقوى.
هذا الكتاب، يلوح لي وقد دخل أبواب التاريخ.. بل فُتحت له أبواب التاريخ، والمعلّمون الكبار هناك يتساءلون:
– أصحيح أن التاريخ يصنع الرجال؟.. أم أن الرجال، هم الذين يصنعون التاريخ؟..
وربما جاء السؤال، في أجواء معادلة أخرى:
– هل الفرد هو صانع الجماهير، أم الجماعة هي التي تصنع الفرد؟..
وسلفاً أعتذر للقارئ فلن أُدخله أو أدخل معه في المماحكة التاريخية ولا في جدليتها المادية، ولن أطوّح به في أبعادها الضاربة حدود الفكر والمادة، ولن أتساءل أي منها هو الأساس، وأي منها هو الانعكاس، بل سأبقى مع القارئ في المناطق الآهلة كي لا يُصاب أحد بخوف من عدم الفهم، أو حرج وحتى نبقى جميعاً على الخط.. (عهد بالدم)؟..
ست وخمسون دقيقة، حبّرها القادرون على الوفاء بها، ووقعوها بدمائهم، عاهدوا بها القائد على ولائهم الأبدي له..
والمعاهدون بالدم هم حملة البنادق والأقلام والمحاريث والمطارق وسائر وسائل وأدوات الإنتاج للمجتمعات الجديدة القوية..
وبعد.. فماذا سيقول الناس عنها، وعنهم في غد؟..
ماذا ستقول الأمم؟..
ماذا ستقول عنها فرنسا بالذات؟..
بل لماذا خصّصت فرنسا بالذات؟.. وسميتها دون غيرها من أمم الأرض؟..
إن لهذا التخصيص سبباً أنا ذاكره فوراً:
في فرنسا برنامج تلفزيوني اسمه (7 على 7) وهو يقدّم للمشاهد الأمور والأحداث الخارقة التي يتصيّدها له من سائر أنحاء العالم، وكأنه يقول له: خذ وانظر.. ثم صدّق، أو لا تصدّق.
وفي أحد الأيام، عرض البرنامج هذا، صورة من دمشق وفيها ظهرت سيارة الرئيس، وهو فيها، مرفوعة على الراحات والأكتاف.
جميعنا يعرف هذا.. وقد رآه، ومنّا من ساهم فيه، ومنا من تمنى لو كان ليساهم.. لكن فرنسا وجدته غريباً فأفردت له مكاناً في برنامجها الغريب!..
وغداً ماذا سيقول البرنامج عن ستة وخمسين وثيقة كلها بالأحمر القاني؟
وليس غرضنا هنا أن نردّ أو نعلل، أو نفسّر أسباب هذا الاستغراب، فمن الطبيعي أن يندهش الغرب لسيارة محمولة على الأعناق، بعد أن كانوا أشبعوا شعوبهم كذباً وحشوهم تضليلاً، عن الوضع المتردّي والنقمة العارمة، وخصوصاً عن المرض.. الذي زعموا أنه خطير..
ونعود لطرح السؤال من جديد:
– لماذا (عهد بالدم)؟..
ويأتي الجواب هذه المرة أيضاً.. من فرنسا. يقول (أولاد
Olad)
أستاذ التاريخ الكبير في جامعة السوربون، وهو يتحدث عن الثورة عموماً: (ليس الظلم هو الذي يولد الثورة، وإنما الشعور به).
و(عهد بالدم) هو ثورة بين العهود..
فالمعروف أن العهد يغطى باللسان، أو تشد به قبضة على كف، أو ينطلق من خطبة منبر، ويشهد عليه جماعة، أو يشترك به لفيف متجانس، في قسم مشترك.. أو يوثق بكتاب، إلا في سورية، ومع حافظ الأسد.
أجل فسورية بالدم عهدها كان.. وببذله سيكون.. والسبب شعور الجماهير الحاد، وأن القائد هو أملها، وأن القائد هو كرامتها، وأن القائد هو خبزها اليومي الشريف،/ فالقائد إذن هو المنارة التي تهدي سواء السبيل، وأي علامة استفهام ترسم حول هذا الموضوع، فستمحوها الجماهير بالدماء..
ولماذا كل هذا الانفعال؟..
للسبب ذاته.. الشعور الحاد..
أجل!.. فعندما تطلعت سورية، فوجدت نفسها داخلة في حدود المعادلة المتعلقة بحساب القوى، وهي تعرف جيداً أنها لم تكن قبلاً كذلك.. لأنها كانت فعلاً خارجها.. لا بدّ أنها تساءلت:
– كيف حدث هذا؟ ومتى؟..
وبفعل من دخلت سورية في الحساب؟.. وقال التاريخ:
لاشك أن ثورة الثامن من آذار في العام (1963) وضعت سورية على الطريق.. وقد كان تسلّم حزب البعث العربي الاشتراكي الحكم، وثبة نوعية هامة في هذا المجال.
ولكن من الذي أرسى قواعد هذه الوثبة؟ بل من هو الذي صحّح مسارها؟..
بل من الذي جعلها شيئاً فشيئاً أمل الجماهير؟.. ثم كيف أدركت الجماهير قداستها، وسحرها، فأنزلتها في ضميرها، ثم قام الشعب معلناً أن بقاءه ببقائها، وأنه مستعد لأن يفديها بالروح؟.
وفي الجواب على ذلك، لابد من استعراض الأحداث والمواقف، والأفعال وردود الفعل عليها، والردود على الردود..
ومن خلال هذا الاستقراء، لزمان الوثبة، وإعادة القراءة لكل حدود السلسلة، نعرف سر هذه الثورة العارمة في التأييد، ولماذا ارتفعت إلى مستوى الفداء.. الذي لا حدود له، ولولا الشعور المتكامل بكبر الأحداث التي مرت بالقطر والوطن والعصر، وعظمة الرد عليها، أي رد حافظ الأسد بالذات.
ولنفتح قليلاً الستارة.. فبين نكسة حرب حزيران (1967) وبين رد الاعتبار في السادس من تشرين (1973) لم يكن في كل هذا الوطن من خليجه إلى محيطه، رجل في ضميره الخوف على سقوط الأمة، واضمحلال هذا العنصر العربي سوى حافظ الأسد.
صحيح أن الشعار الذي أطلقه عبد الناصر، بعد رجوعه عن الاستقالة عشية الهزيمة، تحت وطأة الرفض الشعبي العارم لهذه الاستقالة، وهو شعار إزالة آثار العدوان بقي هاجس الشعب والجيش، في مصر، حتى عبور سيناء وغسل عار حزيران.
لكن الذي ثبت فيما بعد أن الذي ينفع الأمة يمكث في الأرض، وتبين أن الجيش العقائدي الذي بناه حافظ الأسد، كان مستعداً أن يقاتل إلى الأبد هنا وهناك، وأن قائده هو وحده صاحب النفس الطويل، والنظرة الثاقبة التي ترى ما وراء الأفق.
ومنذ الزلزال الذي عصف بالوطن العربي وبجبهته الغربية بعد الزيارة الفضيحة إلى القدس، ظنت الإمبريالية أن ظهر الصمود انقصم، وانقصم أيضاً ظهر الجبهة الشرقية، وظنه عرب أمريكا، وعرب النفاق والتربص، وعرب اللعب على الحبال، مع الإصرار على اعتماد الشماخ والعقال، أن كل شيء انتهى وأن شبح الوعي الشعبي المرعب لن يرعبهم بعد اليوم وأن التقدمية أخذت طريقها إلى الخلف، وأن تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والاشتراكية هي كلمات تصلح للمعاجم اللغوية إلا حافظ الأسد الذي لا أراه إلا الصبر في سورة الكهف، به ضُرب المثل في الأناة والصبر والحكمة والفلسفة، وحتى لكأنه هادي السفن في أعالي البحار، وكان في الشجاعة الخضر نفسه.
وقد صار جاورجيوس القديس النازل إلى مبارزة تنين الإمبريالية ذي الرؤوس السبعة، يسدد لها الطعنات النجلاء حتى كاد يزهق الرمح، ولم يزهق الزند.
ونقرأ في إحدى صفحات التاريخ:
– وحده حافظ الأسد زربهم في كامب ديفيد، وأغلق عليهم باب الخان فما عاد يجرؤ على الدخول إليه خارج بل صار يفكر بالخروج منه داخل، وهال القوى الإمبريالية، والصهيونية العالمية، والرجعية العربية، انقلاب حساباتها فعمدت إلى ثعبان الطائفية النائم، فأيقظته.. وحقنته بسمومها الخاصة، وأطلقته في الأرض اللبنانية، حيّة تسعى.. وكانت حرباً سميت بحرب السنتين، لم يعرف التاريخ ما هو أقذر منها في كل ما عرف من حروب!..
وواجه حافظ الأسد، الزلزال الجديد بمفرده واتخذ القرار التاريخي بدخول لبنان، فأوقف النزيف وأحبط المؤامرة، وأسقط التقسيم وقلب التاريخ فصلاً، وكتب عنواناً جديداً:
(في لبنان مبادرة الأسد، قلبت المعادلات).
وأسف البيت الأبيض وقادة الحركة الصهيونية ومن يدور في فلكيهما من رجعيي العرب، لفشل الخطة التي كان يراهن على نجاحها.. وما طال التفكير حتى قرروا إدخال ثعبانهم إلى الأرض السورية ذاتها، لضرب سورية من الداخل، بفلول رجعيتها المختبئة في الأوكار، وبعملائهم المدربين على اللسعة والفرار.. وقابل حافظ الأسد الهجمة الجديدة بما ينبغي لها من رد، على الرغم من أن المتآمرين رفعوا هذه المرة في وجوهنا شعار الدين الحنيف ووقف الشعب خلف قائده لإيمانه أن الإسلام هو دين الحق والكرامة.. وأن ديننا هذا شأنه لا يجوز أن يستغل لتحقيق الأهداف الاستعمارية والصهيونية.
ويقلب التاريخ صفحة، ويعنون أخرى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)(44).
ووقف البيت الأبيض ومستشاروه حيارى!.. أجل فقد ظهر أن حافظ الأسد لا تأخذه في الحق لومة لائم، وإنهم لو وضعوا الشمس والقمر بين يديه لقاء تركهم في الأرض لما رضي وعندئذ عمدوا إلى بوليسهم في المنطقة، وأمروه بغزو لبنان.
وخاض الجيش العربي السوري ملاحم بطولية مع جيش الغزو الإسرائيلي، لم ينفع في التقليل من أهميتها أو تصغيرها عملاء الإذاعات العربية العميلة، التي لا تتقن غير الهراء والثرثرة..
وغادر عرفات بيروت، بعد أن لم يبق فيها حجر على حجر.. حتى أنه منع شرفاء المقاومة الفلسطينية من القتال بحجة أنه هو صاحب القرار، والعارف مكان وزمان المعركة..
وسقط الحكم اللبناني، في فخ الرعب الإسرائيلي، والنفاق الأمريكي والتخلي حتى لا نقول التشفّي العربي.. ووقع بالخذلان عقد الإذعان، تحت مظلة الضمان الأمريكي ورعايته.
وعشية التوقيع قال حافظ الأسد:
– هذا وليد “طرح” وما في العادة أن “الطرح” تُكتب له الحياة..
وخشيت أمريكا هذا القول، فحشدت “لطرحها” المنعشات والمقويات، وساهم في عمليات الإنعاش حليفاتها الأطلسيات وامتلأ البحر المتوسط بالبوارج، وسفن الإنزال، وحاملات الطائرات، وزحف الغرب لحماية إسرائيل.. ماذا؟ حماية إسرائيل؟ أجل.. وهذا الكلام لم نقله نحن وإنما قاله المناضل الاشتراكي الفذ.. رئيس الجمهورية الإيطالية، عشية عيد الميلاد من العام (1983).
أجل!.. فبعد أن كانت إسرائيل شرطيهم في المنطقة، انقلبوا جميعاً إلى شرطة لها، وقوى أمن داخلي وخارجي، واقتصادي أيضاً!..
ووقف العرب، لا غيرهم، ينظرون إلى حافظ الأسد وهو ينزل بمفرده إلى الساحة دون أن يقدّم أحد له، من سائر أبناء العم، كف المعونة، اللهم باستثناء النصائح، وتثبيط الهمم، وتلك الساعات الطويلة التي كانوا يتبادلون فيها الأدوار، لتنشيف ريقه في الحوار، وهم يدافعون عن اللامعقول ولا ينسون التغزل بطلعة عرفات البهية، والرجل بحكم تهذيبه النادر وموقعه من المسؤولية التاريخية مضطر إلى البقاء في الأخذ والرد، والقيل والقال، ونحمد الله أننا من شهود هذه الحقبة من القرن العشرين، فلا مجال لتحريف التاريخ، ولا لتشويه الحقيقة، ولا لشهود الزور.
وتعبت الأعصاب الفولاذية قليلاً، من حمل شحناتها الكهربائية، واضطر حافظ الأسد إلى أن يرتاح، من جو المشاحنات، ليتفرغ إلى معالجة نيران “نيوجرسي”.
ودبّت الحياة في أعشاش الإذاعات، وبين الأسلاك، وحمي وطيس السم، وما سكتوا حتى رأوا السيارة إياها محمولة على الأعناق، وقرؤوا في كتاب التاريخ، هذا الفصل الجديد.
(زئير من دمشق.. يُرعب نيوجرسي)
وتحرّك الأجراء، لتقوية أعصاب المعلمين، لكن جميع هذا سقط، فلا حسين المناور، ولا عرفات المراوغ، ولا صدام السادي، ولا غيرهم من منافقي الجاهلية والإسلام، قدروا على حرف حافظ الأسد قيد أنملة عن خط مقاومة الإمبريالية والصهيونية والرجعية، هذا الثالوث الأخطبوطي الذي لا يملك شيئاً من روح القدس..
وابتعدت الأساطيل، ابتعدت حتى غابت عن أنظار المدافع، وعن سائر الأنظار..
وكتب مؤرخ ذكي، يمارس صناعة التوقعات المستقبلية فقال:
(بوادر وفاق لبناني، بعد هرب الأساطيل، وسقوط (17) أيار).
أجل!.. فإن حافظ الأسد هو الذي أسقط الرهان، على ريغان، وهو الذي أسقط عقد الإذعان، وحافظ الأسد هو الذي أثبت زيف هذه العاطفة المرتجلة، تجاه أمريكا اللبنانية، ولبنان الأمريكي، وهو الذي صحح المحبة وأثبت أن العناق السوري اللبناني، ليس فيه أظافر، ولا خناجر مسمومة ولا أنياب صهيونية بل هو محبة وعافية، ومنفعة مشتركة متقابلة، وطلب إن لم نقل أمل، في أن يبقى لبنان عزيزاً مستقلاً.
ورب قائل:
إذا كان كل هذا قد صنعه حافظ الأسد فأين رحت بدور الشعب وهو يشدّ الأحزمة.. وأين رحت بدور الجيش العربي السوري الذي جبل التراب بعرقه والدم، وماذا عن المقاومة اللبنانية البطلة التي دوّخت إسرائيل، بل ربما صار بصرهم بالأشياء حديداً، فنفضوا عنهم ضعف الذاكرة، ليسألوا عن دور الاتحاد السوفييتي.
وكم كنت أودّ أن لا أرد، ولكن إتماماً للفائدة كان لابد من بضعة سطور:
إن الشعب العربي السوري لم يفصل نفسه عن حافظ الأسد، كما أن حافظاً هو فرد من أفراد هذا الشعب، وكم من مرة واجه فيها الرئيس الناس، وألقى عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن حقوقهم ومنجزاتهم ومكتسباتهم..
وقد قال لي أحد المواطنين مرة إن كل طلة لحافظ على الجماهير تعادل عنده كل ما تكتبه وسائل الإعلام.
لقد صار واضحاً عند كل أهل الزمان، أن حافظاً هو مرآة هذا الشعب وأن الشعب هو مرآة حافظ الأسد..
وأما الجيش فحسبه فخراً وكرامة ووعياً أن قائده هو حافظ الأسد، وكل مجد يضاف لحافظ يطال آخر فرد ممن يحملون شرف الجندية..
وبعد، فماذا يتوخونه من فصل القائد عن الجند.. فعندهم قد توجد هذه الثنائية، أما بين حافظ وجيشه، فلا توجد، والدليل على ذلك “وثائق العهد بالدم”.
أما المقاومة اللبنانية التي يقولون عنها بطلة، فهي بطلة بالفعل وإن كرهوا.. بل إنها تجاوزت حكاية البطولة والشهادة..
وقد أثبت حافظ الأسد أن صاحب القرار الأول والأخير في شؤون المنطقة، إنما هم أهلها فقط، ومعنى هذا القول أن إرادة المقاومة اللبنانية من إرادة الأسد نفسها، وقول الأسد ذلك يلقيه بمسؤولية كاملة ويعرف كيف يترجمه للمقاومة بلغات كثيرة، وهنا أيضاً لا يمكن الفصل بين مركز الدائرة ومحيطها.. وفي هذا كفاية..
وكنت أعلنتها في أحد الأيام، ومن منبر تلفزيوني سمعه ورآه كل من يصل بيته البث، ويملك جهازاً:
إنني أنا نائب القائد العام للجيش العربي السوري فخور جداًُ، بأن أتعلم من المقاومة اللبنانية أساليبها الجديدة في تركيع العدوان الفاجر، بل كنت اقترحت مرة على أصحاب هذه الأصوات الناشزة لو حملوا على ظهورهم الديناميت، وفجّروه في العدو، يكونون قد حملوا عن المقاومة اللبنانية حملة، وقتلوا إسرائيل قتلة، وخلص الناس من الكلام الذي لا يستند على أساس..
أما الاتحاد السوفييتي، فقد اكتشف حافظ الأسد أنه صديق الشعوب لذلك دخل بمعاهدة الصداقة الند للند.
وكان الاتحاد السوفييتي عظيماً فعلاً بوقوفه مع حافظ، كما كان حافظ عظيماً جداً بوفائه للاتحاد السوفيتي، وعندما يكتب المنظّرون العسكريون عن صانع قرار التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني وإظهاره إلى حيّز الوجود سيعلم العرب من محيطهم إلى خليجهم كيف ناضل هذا الرجل لحفظ كرامتهم.
ويزيد إيماني بأصالة هذا الشعب العظيم، ووعيه الكبير وهو يخط بدمه عهد وفائه لقائده، وصانع وجوده الفعلي تحت الشمس.
وأنا أشعر باعتزاز، وأنا أرى تلك الجاهزية القتالية، والقدرة القتالية لدى قواتنا المسلحة لتلبية وتنفيذ أوامر وتعليمات قائدنا المظفّر..
أما حزبنا العظيم، فسيضحي حزب كل هذه الأمة، ما دام على طريق التصحيح يسير، وبآراء أمينه العام يستنير..
وإذا كان حافظ الأسد، قد دخل تاريخ الأمم فمن باب أولى أنه سيدخل في قلوب العرب وفي عقولهم.. وأما التاريخ المعاصر، فسيتوقف طويلاً عند تحليل هذه الشخصية النادرة المثال والمستحيلة المنال..
وغداً عندما تقرأ أجيالنا القادمة ملحمة نضالنا البطولية وسبب انتصار جيوشنا، الذي لا ريب فيه.. ستجد على غلاف الموسوعة مكتوبة هذه العبارة:
(حافظ الأسد، ينتزع من ذاكرة التاريخ بذور الشخصية العربية الأصيلة، ويستنبتها في حوض الأرض العربية السورية).
ثم تبدأ التفاصيل..
الفهرس:
إقصاء قائد الكتيبة (170).
بداية المواجهة الحامية بين الطرفين
الوحدات الخاصة تبدل ولاءها
تشكيل الحرس الجمهوري
تهريب الأسلحة المضادة للدبابات في العربة الصحية
تنفيذ أمر نقل الضباط المحسوبين على العميد رفعت الأسد
الشيخ أحمد الرفاعي يتراءى لي في المنام
خطة العميد رفعت الأسد للسيطرة على دمشق
“علي عيد” يرسل مفرزة من اللصوص لنهب مدينة دمشق
الطائفة المرشدية تعلن ولاءها للسيد الرئيس
محاولة فتح جبهة ثانية في اللاذقية
تزامنات تدل على أن المعلم واحد
حل رابطة خريجي الدراسات العليا
زيارة الوحدات والتشكيلات
يوم الجمعة الحزينة 13/4/1984
خطة القيادة في مجابهة سرايا الدفاع
فشل كمين مطعم العندليب
مآثر لا تنسى..
القيادة القومية تسقط عضوية ثلاثة من أعضائها
بداية المفاوضات الطويلة
والحق ما شهدت به الأعداء
عهد بالدم.
الهوامش:
(1) قال هذه الحكمة معاوية لابنه يزيد عندما أوصاه قُبيل وفاته بأن يرعى الحسن والحسين لأنهما سبطا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال له يزيد: يا أبتاه أنت تنصحني بأن أرعاهما وأنت فعلت ما فعلت مع أبيهما فقال له الحكمة المذكورة.
(2) بعد انتهاء الأزمة وسفر العميد رفعت إلى موسكو اكتشفنا أن أحد ضباط الوحدة دخل السجن وهو برتبة ملازم أول وأصبح برتبة مقدّم بعد ثماني سنوات أمضاها بشكل غير قانوني في سجن سرايا الدفاع.
(3) كان القائد الأسد يهدف من وراء عملية النقل حماية القيادة العامة من سيطرة العميد رفعت المباشرة عليها كما أن تغيير القائد المحسوب شخصياً على رفعت وبخاصة في هذا المركز وفي هذا الظرف يعني أن صاحب القرار في تعيين الضباط ونقلهم هو الرئيس حافظ الأسد قولاً واحداً، كما أن نقل هذا الضابط يعتبر أول ثقب في قلعة رفعت الأسد.
(4) كان هذا التعبير يروق كثيراً للعميد رفعت ولذلك كان كافة عناصر سرايا الدفاع يردّدون هذه العبارات وكذلك المنافقين من عسكريين ومدنيين.
(5) المقصود بذلك الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد في المملكة العربية السعودية والنائب الأول لرئيس الوزراء وقائد الحرس الوطني.. وللأمانة فقد عاد هذا الرجل إلى طريق الحق وأصبح موالياً للرئيس حافظ الأسد بعدما تبيّن له نوايا رفعت الخبيثة.
(6) أجرى القائد الأسد معي في تلك الليلة أكثر من مائة اتصال هاتفي ولو أنني استخدمت آلة التسجيل لحصلت على وثيقة نادرة تبرهن مدى قوة واتساع ذاكرة الرئيس الأسد ولكن يبدو أن هذا الموضوع أصبح يتمتع بإجماع عربي ودولي. “المؤلف”.
(7) كان أسوأ قرار اتخذته القيادة القطرية (متفرغون) عندما أناطت مهمة حراسة القيادة القطرية بسرايا الدفاع بديلاً عن الشرطة العسكرية وقد تم هذا الإجراء نتيجة التحالف المشبوه بين الرفيق رفعت الأسد والرفيق محمد جابر بجبوج الأمين القطري المساعد.
(8) في الوقت الذي كان رجال الوحدات الخاصة يتوجهون إلى دمشق من كل فج عميق كان اللواء علي حيدر يتناول الغداء في منزل “علي حميّة” في “حور تعلا” بالبقاع وعندما علم بالموضوع قال لعامل المقسم: أريد صبحي الطيب حياً.. أو ميتاً.. وعندما أخذ الهاتف العميد صبحي الطيب قال للواء علي حيدر: لقد استدعاني العماد طلاس إلى مكتبه مع العقيد محسن سليمان وطلب إلينا نقل الفوج /35/ إلى المعرض لمواجهة عناصر رفعت أسد وأنّ هذه الأوامر تعكس توجيهات الرئيس الأسد شخصياً فماذا تريدنا أن نفعل؟..
فقال له: نفّذ أوامر نائب القائد العام.
(9) كان من المصادفات الجميلة أن اللواء علي دوبا كان في تلك اللحظة بزيارة استطلاعية للعميد رفعت الأسد وقد سمع المحادثة مباشرة.
(10) المقصود بذلك الدوام الرسمي لأجهزة القيادة العامة الذي يبدأ في الساعة السابعة والنصف.
(11) هو عالم جليل.. من أصحاب الحظوة لدى رب العالمين وهو في الأصل من محافظة إدلب وسافر إلى الديار المقدسة في أوائل الأربعينيات وكرس وقته للعلم والعبادة في مدينة الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم وله عدة مؤلفات في علوم الدين واللغة، ورعاً تقياً طاهراً يذكرنا بأبي ذرِّ الغفاري ومحي الدين بن العربي في زهدهم بالحياة الدنيا وتقربهم إلى الله.
(12) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة.
(13) راجع يوم المرآب في العقد الأول من مرآة حياتي ص526.
(14) علمت بعد انتهاء الأزمة بأن الرقيب أول رئيس الحرس الذي فتح لنا الحاجز على قمة جبل قاسيون عاقبه العميد رفعت عشرين يوماً في سجن الوحدة.
(15) قال لي الشيخ عربي قباني (رحمه الله): إننا نتناقل هذا النشيد في المدائح النبوية ونقول: سلطانها الغيبي فأجبته هذا ما سمعته من الشيخ أحمد الرفاعي دونما تحريف أو تصحيف.
(16) يمكن لكتيبة واحدة من هذا الطراز أن تطلق /720/ طلقة في دقيقة وعشرين ثانية وهي الجيل المطور.. عن قذائف “الكاتيوشا” التي ابتكرها المهندسون الحربيون الروس في الحرب العالمية الثانية وكان لها دور مؤثر في الضربات النازية. وفي حديث هامس لأبي دريد “رفعت الأسد” مع مستشاره السياسي “محمد حيدر” وكانا يمشيان في ضوء القمر بمعسكرات القابون: “موحرام وأسافة أن تهدم هذه المدينة الجميلة”.. فأجابه محمد حيدر: “والله صحيح حرام وأسافة ولكن شوطالع بأيدينا غير هيك”.
(17) بعد أن انتهت المشكلة أكد لي اللواء فوزي عرنوس نائب قائد الفرقة بأنه كلف من قبل اللواء غميض بتنفيذ المهمة وتمكن من إلقاء القبض على رئيس رتل مجموعة اللصوص وكان يضع على كتفيه رتبة ملازم أول في الجيش اللبناني “وهي رتبة مزيفة دونما شك” وبعد أن اقتاده إلى حيث يتواجد قائد الفرقة والمقدم عارف قرنوب نائب رئيس فرع المخابرات العسكرية في المنطقة الوسطى حيث قالا له: اذهب إلى مكانك وانتهت مهمتك وتشاورا في الأمر وقررا أن يتملصا من تحمل المسؤولية في حال نجاح رفعت أسد بالسيطرة على دمشق ولذلك سمحا لقائد مفرزة اللصوص بمتابعة سيره إلى العاصمة السورية.
(18) زمق في الفصيحة (فتح القفل) وفي العامية المستعملة هرب من مكان ضيق. راجع المنجد –ص306-الطبعة السابعة والعشرون.
(19) كانت فرنسا أيام الانتداب تركز على الأقليات وتقربها إليها لشق صف الوحدة الوطنية ومن هذا المنطلق أوحت إلى زعيم الطائفة المرشدية “سليمان مرشد” بأن يدعي الربوبية ومشى معهم في هذه اللعبة.. ولما رحل الفرنسيون بعد نضال مرير استمر 25 عاماً بقي سليمان المرشد على غيه الأمر الذي دعا وزير الداخلية في الحكم الوطني “السيد صبري العسلي” إلى محاكمته كمتمرد على السلطة وكمدع للألوهية بآن معاً وحكم عليه بالإعدام ونفذ به الحكم في صيف العام /1947/.
(20) كان العدد الحقيقي لسرايا الدفاع حسب يومية الوحدة “كشف القوة الشهري” بتاريخ 15/2/1984 (40094).
(21) تقع جوبة البرغال شمال شرق مدينة “القرداحة” بحوالي أحد عشر كم وترتفع عن سطع البحر 1169م.
(22) بعد مرور أقل من عام على هذا الحدث تمت مكافأة الرفيق محمد إبراهيم العلي على هذا الموقف، وانتخب بتوجيه من الأمين العام عضواً في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر القطري الثامن أوائل العام 1985.
(23) لم يكن الرئيس يتردد بقصف أي مكان يلجأ إليه المتمردون على سلطته.
(24) وقّع والد الرئيس الأسد “سليمان” برقية إلى الخارجية الفرنسية في العام 1936 مع رفاقه الستة ومنهم “الشيخ صالح العلي” يطالبون فيها بعودة اللاذقية إلى وطنها الأم.
(25) عندما انتهت الأزمة وجه القائد رئيس الجمهورية بإنهاء خدمات هذا الضابط من الجيش السوري وتم تعيين اللواء مصطفى طيارة قائداً لسلاح البحرية في نشرة 1/7/1984.
(26) عندما كان العميد رفعت منتسباً إلى الجامعة (قسم التاريخ) شكا لي رئيس القسم الدكتور محمد خير فارس بأن رفعت يأتي مع مفرزة من الحرس إلى الجامعة أيام الامتحان ولا أحد يجرؤ من المراقبين أن يقول له شيئاً فماذا أفعل؟.. قلت له: لا تفعل شيئاً لأنه لن يعمل لديكم أستاذ تاريخ.. وما كاد رفعت ينهي الإجازة في التاريخ حتى سجل في كلية الحقوق هو وزوجته “لين” وابنه “دريد” وكانوا يقدمون الامتحان سوية في غرفة رئيس الجامعة “الدكتور زياد شوبكي” حرصاً على أمن الطلاب وأمن المعلومات، وعندما جاءتهم الأسئلة مع فناجين القهوة وكتب السنة الأولى قال لهم رفعت: العمى في قلبكم.. ابعثوا لنا أستاذاً يدلنا أين توجد الأجوبة لهذه الأسئلة.
(27) تأسست الرابطة استناداً إلى الأمر رقم (985) تاريخ 26/9/1964 وحلت استناداً إلى الأمر رقم (1212) تاريخ 10/9/1984.
(28) كانت الدكتورة “لين الأسد” زوجة العميد رفعت هي النائب الأول وكانت القرارات التي تصدر بغياب “أبو دريد” وقرينته باطلة، ورغم ذلك قبل غسان شلهوب بهذه الوظيفة الشكلية.
(29) قال الشاعر العربي “نديم محمد” يصف المنتسبين إلى الاتحاد القومي أيام الوحدة:
من هؤلاء؟.. من الجنادب والخنافس والقراد أبهم بهم.. تزهو مؤسسة وتنتصر البلاد
(30) أذكر منهم الدكاترة: جوزيف نصر الله، منير البيطار، إياد الشطي، عبد الحي عباس.. إلخ..
(31) كانت يهودية في الأصل وقد قام السيد نزيه زرير مدير المخابرات العامة بمسح هذه المعلومة من المحفوظات حتى يمكن لعبد الرؤوف الكسم تسلّم مناصب حكومية بناء على توجيه من العميد رفعت الأسد.
(32) قمت برد الجميل لهذين الرفيقين أثناء الانتخابات للمؤتمر القطري الثامن التي جرت في خريف العام 1984 وكلفت اللواء عدنان بدر حسن أن يتابع الموضوع، ورشح المذكوران نفسيهما في شعبة الصنمين هروباً من المواجهة في مركز المحافظة (درعا) ولم يعلما أن أيدينا واصلة لكافة أنحاء سورية في الحزب والسلطة، وما هي إلا جولة انتخابات واحدة حتى تهاوى الرفيقان ساقطين على الأرض مثل المشمش الكلابي وخرج الرفاق المقترعون من الشعبة واصطفوا حلقة دبكة فرح وكأنهم في عرس وطني، أما الرفيقان الساقطان على دروب النضال فقد خرجا وهما مطأطئي الرأس وعلى محياهما ترتسم كل معاني الهزيمة والخيبة والاعتراف بالذنب، وقد تأكد لي بعد ذلك أن الرفيق (ميرو) كان ضحية (زنبوعة) الذي أوصى له بأن الأخوة لن يتقاتلوا خلينا على الحياد.. وبعد عتاب رقيق للأخ أبو مصطفى قلت له: صافي يا لبن خلي كل أوراقك مع الرئيس الأسد.
(33) سورة الحج، الآية /47/.
(34) في نفس الليلة أرسل العميد رفعت أسد إلى قائد السرية المذكور عشرين ألف ليرة (تعادل خمسة آلاف دولار في ذلك الحين).كترضية عن الكف الذي صفعه إياه. ولما مات هذا الضابط بعد سبع سنوات من الحادثة رثاه العميد رفعت بكتاب يدل على عمق ارتباطه به.
(35) يقع مطعم العندليب قرب جسر نهر بردى على طريق الزبداني. وكانت الفرقة المدرعة الأولى متمركزة قريباً منه.
(36) يرى العماد حكمت الشهابي أنّ اللواء شفيق فياض قائد الفرقة الثالثة نصح العميد رفعت بعدم تلبية الدعوة حقناً للدماء ولاعتقاده الجازم بأن رفعت سوف يستسلم من تلقاء نفسه، فلماذا العجلة سيما وكانت هناك أخبار مصاهرة بين علاء فياض ابن اللواء شفيق وابنة العميد رفعت “تماضر الأسد”.
(37) وذلك لقرابة بينه وبين قائد الفرقة اللواء شفيق فياض.
(38) وعد العميد رفعت في بداية الأزمة العماد ناجي جميل بتسليمه رئاسة مجلس الوزراء، ومن هذه الزاوية كان حماس “أبو عامر” شديداً للغاية لأن تسلمه للمنصب الكبير يعيد إليه اعتباره الذي فقده عندما أقاله الرئيس الأسد من قيادة القوى الجوية ومكتب الأمن القومي في وقت سابق.
(39) رقم القرار 211/10 تاريخ 1/8/1984 (القيادة القومية)
(40) وجه الرئيس حافظ الأسد إدارة شؤون الضباط بترقية هذا الضابط إلى رتبة لواء في نشرة 1/7/1984 بغض النظر عن المنصب الذي يشغله.
(41) كان العرب يقولون: اطلبوا الخير من صباح الوجوه. كما كانوا يتفاءلون أو يتشاءمون من الزوجة والمنزل ونواصي الخيل.
(42) لم يكن رفعت الأسد موفقاً في إلحاحه على شقيقه أن يكون نائباً له لشؤون الأمن وهو يعلم علم اليقين أن الرئيس الأسد لو كان يثق به لوافقه على طلبه في أن يكون نائباً للقائد العام ووزيراً للدفاع والذي من أجله اصطنع الأزمة وكان جواب الأسد لشقيقه: أنا مرتاح للصيغة القائمة حالياً والعماد طلاس يستوعب بحكمته كافة الضباط ولكن قلي أنت بعد وزارة الدفاع ما هي طلباتك التي لا تنتهي.
(43) الفرنك: أصل الكلمة
(Franc)
وهي عملة كانت تعادل خمسة قروش سورية زمن الانتداب الفرنسي 1920-1945.
(44) سورة البقرة: الآية /179/.
نرجوا من مفكر حر ان يقول لنا ماذا يريد من نشر هذه القصيده التي اطربنا بها العماد .
للتاريخ فقط.
أريد من من مصطفى اطلاس أن يقول الحقيقة كيف قتل رئيس الوزراء السوري الزعبي ومن قتل غازي كنعان