بقلم : زهير دعيم
قبل يومين اثنين ، وبعد خروجي انا وزوجتي من مجمّع تجاريّ في إحدى البلدات العربيّة ، توجهنا الى سيارتنا الراكنة بجانب المجمّع ، وإذا بسيّارة شرطة تقف هناك بجانبها ، وحولها أكثر من شخص .
وكان سؤال الشرطيين : هل هذه السيّارة لك؟ وأشاروا الى سيارة مركونة بجانب سيارتنا ، فكان جوابي بالسَّلب ، فنظرت وإذا بداخل السيارة قطّ ” يتقلّى” بحرارة الشمس، في حين أن صاحبها ” يتفلّى” في اغلب الظنّ ويتمتّع بهواية التسوّق في المجمّع الكبير ” الغارق” بالاجواء الجميلة والمُكيّفات الهوائيّة .
ركبت سيّارتي حزينًا ، مُتضايقًا ، في حين دخل الشّرطيون المُجمّع التجاريّ بحثًا عن ” الانسان الجميل ” الذي فعل هذه الفعلة الشنعاء.
حقيقة ، ركبت سيّارتي عائدًا وتفكيري يأخذني بعيدًا بعيدًا الى قصّة قرأتها قبل عشرات السنين ، تحكى عن كسرى أنو شروان ملك الفرس والذي كان مع حاشيته في أحد الايام في البراري يُمارس هواية الصّيد ، فشاهد في طريقه فلاحًا يفترش الارض في ظلّ شجرة وارفة الظلال ويأكل أطايب الطعام، في حين ترك حمارة تحت اشعة الشمس الحارقة وعلى ظهره حمل ثقيل، فتضايق كسرى وأمر حرسه بأن يُنزلوا الحِمْل من عن ظهر الحمار ويضعونه على ظهر الفلاح تحت اشعة الشمس ، وأن يضعوا للحمار مخلاة عامرة بالشعير يأكل على مهَل في الظلّ الظليل.
صرخ الفلاح واستغاث : ارحمني أرجوك ، فإنّني أكاد أموت تحت الحِمل وفي الشمس الحارقة، ولكن كسرى لم يُجب لاستغاثته إلّا بعد أن أتمّ الحمار أكله ، ثمّ توجّه للفلاح قائلًا : أرجو أن اكون قد علّمتك درسًا في الانسانيّة ، فكما عانيت وأنت تحت الحِمْل وفي الشمس ، هكذا كان يُعاني هذا الحمار الذي لم يُعطه الله لسانًا ناطقًا للشّكوى والتذمّر !!!
لا تفعلها مرّةً أخرى…
لقد نال الفلّاح جزاءه … وكم أرجو أن يكون هذا المُتسوّق ” الآدميّ” قد لُقِّن درسًا من قبل الشرطة فمنحته الدعوة ليمثل امام القاضي بجريمة ” اللانسانيّة” مع سبق الإصرار والترصّد، بتركه لقطٍّ رماديّ يموت في سيارة مقفلة في ظهيرة يوم حَزيرانيّ.
نعم فمن أخذ على عاتقه أن يقتني كلبًا أو قطًّا أو عندليبًا أو ايّ حيَوانٍ ، عليه أن يعتني به ويرعاه ويحميه ويطعمه ويُدللّه ، بل ويعتبره جُزءًا من عائلته!
إنّ عملًا كهذا يضع انسانية هذا الانسان في خانة الشّك والخيانة ، فمثل هذا الامر لا يقلّ كثيرًا عن ترك أو نسيان طفل في السيّارة
نعم انها جريمة يُعاقب عليها القانون ، ويعاقب عليها ايضًا الضّمير الانسانيّ وتمقته السّماء.
والأدهى والأمر هاتيك البطولة التي اشاهدها احيانًا من سائقين يسرعون بسيّارتهم حينما يرون حمامة او عصفورًا أو قطًّا أو غرابًا يلتقط طعامه من على الطّريق، يسرعون ليهرسونه هرسًا تحت عجلات السيّارة فينشرح قلبهم الأسود.
إنّ الانسان الذي لا يُشفق على قطّة أو حمامة، لا ولن يقنعني بأنه انسان يشعر ويُحسّ ويحبّ ، ويعرف الله.