طارق الحميد
أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية أن بلادها مستعدة لإجراء محادثات ثنائية مع إيران، بشأن البرنامج النووي، إذا كانت طهران «مستعدة دائما للمشاركة»، وهذا الاستعداد الأميركي الآن يناقض النفي الأميركي للموضوع نفسه عشية الانتخابات الرئاسية، فعلامَ سيكون التفاوض؟
السيدة كلينتون تصف إيران بأنها أصعب قضية تعاملت معها كوزيرة للخارجية «بسبب الأخطار التي يمثلها سلوكها بالفعل، والخطر الأكبر الذي ستشكله إيران المسلحة نوويا». وهذا كلام صحيح، لكن أحد أبرز أسباب خطورة إيران، وصعوبتها، هو التراخي الأميركي مع طهران، وخصوصا في فترة الرئيس الأميركي الحالي، فليس المطلوب هو ضرب إيران عسكريا، وإنما بالتراخي الأميركي حيال ملالي طهران، وهو تراخٍ لا يمكن وصفه بالبراغماتية، حتى وإن كان الرئيس أوباما يراعي مصالح بلاده، فتسليم العراق، مثلا، لإيران على طبق من ذهب، أمر غير معقول، وخطأ سياسي فادح. والبراغماتية لا تعني أيضا أن يستمر الرئيس أوباما بسياسة اليد الممدودة تجاه إيران طوال 4 سنوات، ليشرع الآن، أي هذا العام، بفرض عقوبات على طهران! فإشكالية الإدارة الأميركية الحالية، وهو ما استوعبه تجار السجاد جيدا، أي الإيرانيون، أن واشنطن لا تحاول تغيير ما تغير، بل إنها سريعة التعايش مع الأمر الواقع، ولو كان انقلابا، مثل ما يحدث في مصر الآن! وإشكالية الإدارة الأميركية الحالية أنها تجاهلت أهم نصيحة سياسية، وهي نصيحة الرئيس الأميركي السابق روزفلت: «تكلم بهدوء، واحمل عصا»، وهذا ما تفهمه إيران جيدا، وبالطبع لم تستوعبه الإدارة الأميركية الحالية.
وقبل الإجابة عن سؤال: علامَ سيكون التفاوض؟ فلا بد من تأمل ما نقلته وكالة «رويترز» حول تصريحات السيدة كلينتون عن استعداد أميركا للتفاوض المباشر مع إيران، حيث تقول الوكالة إنه قد يكون من بين خيارات التفاوض المباشر، بين واشنطن وطهران «أن يضع كل طرف على الطاولة الطلبات والمكافآت الممكنة بشكل أكبر من الاجتماعات السابقة، في محاولة للخروج من المأزق»!
ومن المهم التنبه هنا لعبارة «الطلبات، والمكافآت» لأنها دقيقة جدا، فمن أهم الطلبات والمكافآت التي تريدها إيران أن يكون لها دور في المنطقة، وعلى حساب أمننا، ومصالحنا، وهو ما عرضه بكل وضوح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وبعدة تصريحات، وآخرها زيارته الأخيرة لنيويورك، حيث قال إن هناك من الأمور ما يمكن أن يتعاون فيه الإيرانيون مع الأميركيين، وأشار لأمن الخليج العربي! وبالطبع سبق للإيرانيين أن تحدثوا عن أفغانستان، وباكستان، فليس بالأمر سر، ولذا فإن طهران تنشط في كل المنطقة بهدف تعزيز فرصها التفاوضية، بينما المعنيون العرب مشغولون بعدة جبهات مفتوحة، وبأيادٍ إيرانية! ولذا فإن الإجابة البسيطة عن السؤال المطروح هي أن إيران وأميركا ستتفاوضان على رؤوسنا، أي المنطقة، وبالطبع الخليج، فهذا أمر واضح محسوم، للأسف.
هذا هو الهدف الإيراني الاستراتيجي، فإما سلاح نووي تفرض به نفوذها، أو تفاوض يؤدي إلى بسط ذلك النفوذ، بينما السلوك الأميركي متراخٍ، ولا يكترث إلا بأمن إسرائيل، ويريد، أي الأميركيون، المضي للأمام بأقل الخسائر، وهي نظرة قاصرة ستدفع أميركا ثمنها عاجلا أو آجلا. فهل يتنبه العرب، وتحديدا الخليجيين لذلك؟
* نقلا عن “الشرق الأوسط” اللندنية