وثمة حكايتان بدأت كلتاهما بفلاح يبحث عن سمادٍ لأرضه، وانتهت باكتشاف عظيم جعل الكثير من الفرضيات التي حاول المؤرخون أن يملئوا بها فراغات حقبة كاملة بلا قيمة!
بدأت الحكاية الأولي في أحد صباحات العام 1887 بامرأة مجهولة الإسم من قرية الحاج قنديل القريبة من مدينة تل العمارنة بمحافظة المنيا تبحث عن سماد لأرضها بين أطلال مدينة أخيتاتون، عاصمة إخناتون، كعادة أهل القرية جميعًا، وهي تملأ وعاءها بالسماد، عندما ارتطمت أصابعها بجسم صلب شهقت من الدهشة، واستحوذ علي حواسها شعور بالإثارة، لقد أدركت أنها وجدت كنزاً عليها أن تفتش فورًا عن تاجر يشتريه، كانت قد عثرت علي قوالب من الطوب المحروق عليها نقوش فرعونية، ويبقي أطرف ما في هذه القصة المثيرة هو نهايتها البائسة، ذلك أن تاجرًا مدلسًا اشتري من المسكينة كنزها بعشرين قرشًا فقط!
عندما انتشر الخبر في القرية أصيب أهلها بما يشبه الجنون، وشاعت بينهم حمي البحث عن قوالب الطوب، ووجدوا الكثير منها، بل وجدوا جدارًا من طوب أصفر وأحمر وأسود مرصوصة فى صفوف بطريقة منظمة، فحملوها كلها على حميرهم وعادوا، ولم تمض أيام حتي كانت هذه القوالب في حيازة تجار الآثار فى مدينة أخميم ومدينة ألاقصر و مدينة القاهرة، ليتضح بعد ذلك أن المرأة وأهل قريتها قد اكتشفوا بالصدفة ما يعرف الآن في أدبيات العالم بـ “رسائل تل العمارنة”، وكما ولدت في تل العمارنة أول دعوة للتوحيد في التاريخ المدون، فإن هذه الرسائل تمثل أول شكل للعلاقات الدبلوماسية في العالم، ذلك أنها مراسلات دبلوماسية مكتوبة بالخط المسماري من حكام كثيرين إلي الملك إخناتون!
والحكاية الثانية بدأت في أحد صباحات العام 1945 بالفلاح “محمد السمان” يبحث أيضًا عن السماد بالقرب من مدينة نجع حمادي في جنوب مصر، عندما وجد أثناء الحفر علي بعد عدة أمتار من دير “القديس باخوم” جرة خزفية خابت ظنونه وضاعت بهجته بمجرد أن كسرها، لم يجد ذهبًا كما كان يتوقع، إنما 13 مجموعة من لفافات البردي، لم يكن يدور بباله وقتها أنه أضاء دون أن يدري ظلام حقبة منسية كانت تربك منطقية الكثير من الأحداث وخلفيات الكثيرين من الأشخاص الذين لم يكن المؤرخون يعرفون شيئاً دقيقاً عن البيئة التي نمت جذور أفكارهم من خلالها، “أريوس المصري” علي سبيل المثال، أشهر الآباء الأوائل المنشقين عن الكنيسة، وبالتالي، جعل العم “محمد السمان” العالم علي علم تام بتفاصيل المعركة السرية التي اندلعت بين المسيحية القويمة وبين الحركة الغنوصية، أول وأهم حركة انشقاقية في تاريخ الكنيسة الشرقية، مسيحيون أيضًا لكنهم يفضلون النظر إلي تعاليم المسيحية في ضوء مغاير للضوء الذي تسمح به الكنيسة!
ومما لا شك فيه أن الكنيسة كانت تظن ألا أحدًا في المستقبل سيمكنه أن يطلع علي جريمتها بعد أن قامت بكل ما أمكنها القيام به لمحاصرة أخبار تلك المعركة وتعتيمها، ولحسن الحظ، لم يتوقع من أعطي أوامره بقتل الغنوصيين بلا رحمة أن راهبًا غنوصيًا كان علي الأرجح يقيم في الدير القريب قبل أن يلقي حتفه، ربما بساعات، شعر باقتراب الخطر منه ومن المنتمين إلي الغنوصية فأخفي بعض الوثائق في جرة ودفنها خلف الدير، رسالة أمينة من الماضي البعيد إلي العم “محمد السمان” حين تسلمها أعاد كتابة تاريخ واحدة من أبشع المعارك الدينية وأقلها تكافئاً، وجعل الأناجيل التي تصنفها الكنيسة علي أنها أناجيل مزيفة تباع علي الأرصفة، كان قد اكتشف ما يُعرف الآن بـ “وثائق نجع حمادي” أو “مكتبة نجع حمادي” أو “مخطوطات نجع حمادي”..
محمد رفعت الدومي