ليس اللواء سليم ادريس ضابطا محترفا . إنه مدرس في كلية عسكرية نال رتبة عميد بسبب تقادم الخدمة، وليس لانه قائد ميداني او ضابط عمليات او رجل خاص الحروب وعركته معاركها . ولم تكن فترة قيادة اللواء ادريس للاركان موفقة ، بل كانت حقبة اضطراب تقارب الفوضى في عمل الجيش الحر، الذي لم يعرف في ظل اللواء ادريس أي تنسيق شامل وأية خطط استباقية، ولم يشهد اي جهد جدي لتغيير بنية تنظيماته ووحداته المشتتة ، بسبب فشل اللواء في تأسيس هيئة اركان وعزوفه عن العمل مع الكفاءات العسكرية المتميزة ، التي انشقت عن النظام ، ولم يتم الإفادة من قدراتها وخبراتها بعد انشقاقها ، بل جرى تهميشها وتجاهلها، بينما اخذ رئيس الاركان بسياسات اقرب إلى الزبنية ، فقرب هذا وابعد ذاك اعتمادا على معايير غير مهنية ، وقفز دوما عن ضرورة تشكيل جيش وطني لطالما وعد بتأسيسه … الخ .
لا يريد هذا النص الدفاع عن اللواء سليم ادريس او الدعوة إلى ابقائه في منصبه . مع ذلك ، اعتقد أن الطريقة التي اقيل بها كانت خاطئة ، وأن نتائجها كانت سلبية إلى درجة كارثية ، بالنظر الى أنها احدثت انقساما في الجسم العسكري اضيف إلى الانقسام القائم في الجسم السياسي : وهو عميق ويحتاج إلى معالجة واعية وجذرية تضع حدا نهائيا له ، وهو امر لم يحدث بدوره ، بل حدث عكسه ، عندما اتخذت الهيئة السياسية في الائتلاف قرارا يعني تطبيقه حل المجلس الوطني من طرف واحد ، هو في الواقع قرار غير شرعي صدر عن هيئة سياسية انعدم وجودها منذ اجتماع الهيئة العامة قبل نيف وشهرين، الذي اعاد انتخاب السيد احمد الجربا لرئاسة الائتلاف ، دون ان يجدد للهيئة السياسية او ينتخب بديلا عنها ، كما كان مقررا . ومع انني كنت اول من طالب بحل المجلس الوطني بعد تشكيل الائتلاف ، كي لا يكون هناك ازدواجية في التمثيل والمعارضة ، فإن قرار الهيئة السياسية لم يكن فقط غير شرعي ، بل اتسم كذلك بالتعسف والارتجال كقرار إقالة اللواء ادريس ، ولم يأخذ بعين الاعتبار حقيقة فائقة الخطورة كان يجب أن يعيها قادة الائتلاف ويتخذوا خطوتهم في ضوئها ، هي أن العالم – والعرب في مقدمه – يجد نفسه اليوم امام ضرورة بلورة ادوات ووسائل جديدة يواجه من خلالها الروس والنظام السوري ، بعد أن بين تطابق موقفيهما في جنيف أن روسيا لا تريد حلا سياسيا للمعضلة السورية ، وتتنكر بصراحة ووقاحة لتوقيعها على وثيقة جنيف واحد ، ولموافقتها على قرار مجلس الامن 2118، الذي اعتمد بإجماع اعضائه ، واعتبرته الشرعية الدولية اساسا لاي حل سياسي ينهي المأساة السورية .
تحدى الموقف الروسي بقية العالم، الذي يجد نفسه امام خيار من اثنين : الاستسلام لروسيا والاسد، او اعادة النظر في الوسائل التي استخدمها لبلوغ حل متوافق عليه، وتطوير وسائل إضافية او بديلة ستلعب وحدة موقف واطراف وارادة المعارضة السورية دورا حاسما في تقرير فعاليتها وقدرتها على إحداث التأثير المطلوب على الروس والنظام الاسدي ، لذلك كان من المنتظر أن يبادر الائتلاف إلى تسوية خلافاته الداخلية بروح التفاهم والتوافق، وان يبدأ حوارا مفتوحا مع الكتلة الضخمة من اعضائه التي غادرته قبيل جنيف مباشرة، وجعل غيابها ، إلى جانب بنية الوفد الائتلافية شبه الصرف،و غياب مندوبين عن الجيش الحر ، وممثلين عن التنسيقيات الفاعلة في الداخل، وعن الإغاثيين والشخصيات والرموز الوطنية والثقافية، فضلا عن رجال الاعمال ورجال الدين ، تمثيله للمعارضة السورية محدودا وناقصا .
كان من المنتظر والضروري العمل لاستعادة من غادروا الائتلاف، ولبلوغ حل توافقي مع المجلس الوطني يضبط العلاقة معه ويحدد مجالات عمله، بل ويطرح مسألة وجوده – اعتقد ان معظم اعضائه ما كانوا سيتمسكون بوجوده – ويحدد موقفا واضحا من رئيسه ، الذي اتخذ قرار الانسحاب من الائتلاف بعد دقائق من سحب بان كي مون دعوته لمشاركة طهران في جنيف، ثم نال تقريع حزبه بسبب خطوته ” غير الموفقة ” حيال المشاركة في المفاوضات مع النظام . وكان من المنتظر ايضا خوض حوار واسع مع اطراف مختلفة من الساحة السياسية المعارضة ، لترميم وضع الائتلاف واضفاء طابع وطني شامل عليه . لكن حدث عكس ما كان منتظرا ومطلوبا ، فتمت إقالة ادريس ، التي احدثت انقساما جديا في الساحة العسكرية ضرره اكبر بكثير من الضرر الذي كان سيترتب على بقائه في منصبه ، واتخذ قرار الهيئة السياسية ، الذي لم يكن له اي مسوغ سياسي ، أقله لانه صدر عن جهة منعدمة الوجود وبالتالي غير شرعية ، فترتب عليه ايضا ضرر اكبر بكثير من الضرر الذي ترتب على قرار رئيسه التعسفي وغير المبرر . كان من الضروري مسح الساحة العسكرية قبل اية خطوة ، لمعرفة طبيعة ردود الافعال التي يمكن ان تنجم عن اية خطوة تتخذ فيها، وتحديد طبيعتها وما اذا كانت سلبية يفوق ضررها في خطورته ضرر بقاء اللواء ادريس في منصبه لبعض الوقت ، ريثما يتم التواصل مع الجيش الحر والتوصل مع اطرافه المختلفة ومراكزه القيادية إلى توافقات وحلول ضرورية لتسمية هيئة اركان جديدة على ان تنتخب رئيسا لها ، وتتولى بناء جيش مهني وطني ، ويسوى الإشكال الذي تسبب به تصرف “غير موفق “- حسب وصف موقف الاستاذ جورج صبرا في بيان اصدرته اللجنة المركزية لحزبه – قام به نيابة عن المجلس الوطني ، وكان يمكن ان يحل بالتفاهم مع الكتلة الاكبر من اعضائه ، الذين عارضوا قرار رئيسه، واحرجتهم الازدواجية التي يمثلها وجوده .
كان يجب أن نلاقي التطور الدولي والعربي المرتقب ، الذي بدأت ملامحه ترتسم امام ناظرينا ، وان نعد انفسنا لملاقاته عبر اوضاع ذاتية تبعث الثقة لديه في قدرتنا على استباق قراراته وجعلها لصالحنا ، بتدابير نتخذها بينها اولا : استعادة الذين انسحبوا من الائتلاف انطلاقا من توافقات جديدة تلغي ما في عمله من عيوب لازمت تأسيسه ، اهمها ضعف بناه وممارساته الديمقراطية ، وغلبة الزبنية والمزاجية على علاقاته الداخلية، وتحول دون تكرار الازمات التي تعرض لها بصورة متكررة . وبينها ثانيا : استكمال وحدتنا الوطنية الناقصة ، التي اثارت نقد وتحفظات اصدقائنا واعدائنا في جنيف، كما في الداخل السوري ، وكان من الضروري تركيز جهودنا على التخلص منها بدل اتخاذ خطوات تنقل الانقسام من الساحة السياسية الى الساحة العسكرية أيضا ، وتثير ردود افعال داخلية وخارجية شديدة الإضرار بقضيتنا ، في لحظة مفصلية وخطيرة من صراعنا مع النظام، كان خليقا بنا استغلالها لاقناع العالم بأن اداءنا في جنيف يمثل بداية انعطاف حقيقي في نهجنا الوطني وعلاقاتنا الداخلية ، ففوتنا على انفسنا هذه الفرصة الذهبية وارتكبنا غلطة فادحة ، بل استراتيجية، تؤكد أننا لم ندرك طبيعة السانحة التي يعطينا إياها موقف روسي وسوري موحد يرفض تطبيق وثيقة جنيف وتاليا الحل السياسي ، وتصرفنا وكأننا لم نفهم دورنا فيها ، وتركنا حسابات صغيرة تتحكم بقراراتنا ، وتبنينا سلوكا تكتيكيا خاطئا يثبت عدم اهليتنا لادارة بلادنا بعد سقوط النظام ، على عكس ما بدا لوهلة في جنيف !.
لا بد من وقفة جدية امام ما حدث ، تصحح الاخطاء قبل ان تتفاقم وتبتلع كل ما هو ايجابي في عملنا ، وقبل ان يفضي صمتنا الى تكرار ما حدث في تاريخنا الحديث ، عندما تحولت اخطاء تم السكوت عنها الى كوارث ندفع اليوم ثمنها من حياتنا !
أخيرا ، هل يجوز باي معيار ان يكون العالم مستعدا لتطوير مواقفه حيالنا ، فيجدنا منقسمين سياسيا وعسكريا كما لم نكن من قبل ، ويصطدم بحقيقة ان وضعنا الذاتي لا يعطينا القدرة على الإفادة مما سيقرره ، هذا إذا لم تحبطه طرقنا في معالجة مشكلاتنا وخلاقاتنا ، وتمنعه من تغيير مواقفه !.