بقلم: رياض الحبيّب
خاص: موقع لينغا
لقد ذكرت في الحلقة الأولى (بحر الطويل) الهدف من قيامي بعرض سلسلة بحور الشِّعـر مجدّدًا، بأسلوب مُبسَّط ومختصَر، لهواة الشعر كي يتعلّموا الوزن وللشعراء الجدد كي يُحسِنوا في استعمال الزحافات والعِلل كُلًّـا في محَلِّه فنقرأ لهم الحَسَن والجائز والمُستَحَبّ؛ مثالًـا: مَفاعِيلن المستعملة في الطويل؛ جاز هناك قبضها (مَفاعِلُنْ) لكن لا يجوز قبضها في الهَزَج كي لا يتحوّل إلى صورة من الرّجَز ولا في المُضارع كي لا يتحوّل إلى صورة من المجتثّ الذي هو نفسه صورة في مرآة مستوية لمجزوء الخفيف. ذلك دون الدخول في مَعْمَعان العروض لأنّ الباحث-ة يستطيعان الحصول على أيّة مَعلومة عروضيّة من الكتب ومن الإنترنت؛ ما أصل تسمية البيت الشعري؟ ما الحَشْو ( كل جزء في البيت الشعري ما عدا العَروض والضرب) ما تفاصيل الزحاف والعِلّة؟ لماذا سمّى الخليل بحوره بهذه الأسماء؟ لماذا غضّ بالنظر عن بحر الخَبَب قبلما تداركه الأخفش الأوسط وغيره حتى أثار سلسلة من الجدل في ما بعد؟… إلخ. وذلك لظنّي بأن أساليب العَروضيّين الذين سبقوني إلى علم العروض قد افتقرت إلى الدقة واكتنفها غموض والتباس ولزوم ما لا يلزم وإبداع في مكان ما لا يحتمل من الإبداع إلّـا قليلا، ما سبَّب تراجع ازدهار الشعر العمودي في عصرنا
مثالًـا؛ سُمِّي بحر الطويل بهذا الاسم؛ إذ طال بتمام أجزائه وما اٌستُعْمِل مجزوءًا ولا مشطورًا ولا منهوكًا. وقيل: لأن عدد حروفه بلغ ثمانية وأربعين حرفًا في حالة التصريع (كحدّ أقصى) وما ظهر سواه على هذا النمط. فالقرار الذي اتَّخذتُ للسّير مع الخليل إلى آخر المطاف، بإدراج المضارع والمقتضب والمجتث ضمن دائرة اهتمامي، جاء نزولًـا عند رغبة الخليل في اعتبارها بُحُورًا مستقلّة وإن تمنّيت اكتفاء الخليل بالمتقارب بعد الخفيف، لأنّ المضارع والمجتثّ يصلح كلّ منهما مجزوءًا للخفيف بينما يصلح المُقتضَب مجزوءًا للمنسرح 1 أي أنّ اثني عشر بحرًا مع مجزوءاتها جدّ كافية للإستمتاع بإيقاعات الشِّعْر العربي الجميلة والجديرة بالإهتمام. لكنِّي وضعتُ في الذهن مقولة من مقولات رئيس وزراء بريطانيا الشهير ونستون تشرشل: (سرّ الحقيقة ليس أنْ نفعل ما نُحبّ، بل أن نحبّ ما نفعل) وغيرها
لذا أقول للعروضيّين الجدد لُطفًا؛ كفى بالبحور تعقيدًا وخلْطًا وكفى تداركًا على الخليل، بل تأمّلوا في حكمة فيثاغورس (لا تقل القليل بكلمات كثيرة، بل الكثير بكلمات قليلة) واٌقتدوا بالسيّد المسيح له المجد إذ اكتفى بإثني عشر تلميذًا واختصر وصايا الله العشر التي في العهد القديم (الخروج: 20) بوصيَّة واحدة (المحبّة) من بحر واحد لا مجزوء فيه ولا حدود له مكانيّة وزمانيّة. فبالمحبّة وحدها تنتهي التعقيدات والخصومات والنزاعات والحروب والدمار. والمحبّة وحدها قادرة على تحويل السلطة إلى خدمة والحاكم إلى خادم (من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكُنْ لكم خادمًا) متّى 26:20
* * *
الثالث عشر: بَحْرُ المُقتَضَب
نقرأ في لسان العرب: [القَضْبُ: القَطْعُ. قضَبَه يَقْضِـبه قَضْبًا، واقتضَبَه وقضَّبه فانقضَبَ وتَقَضَّب: انقَطَعَ. واقتَضَبْته: اقْتَطَعْته من الشيءِ… يُقال: هذا شِعْرٌ مُقتضَبٌ، وكِتاب مُقتضَب. واقتضَبْتُ الحديثَ والشِّعْرَ: تكلَّمْتُ به من غير تهيئةٍ أو إعداد له… والـمُقتضَبُ من الشِّعْر: فاعلاتُ مُفتَعِلُنْ مَرَّتين؛ بيتُهُ: (أقبَلَتْ فَلاحَ لها * عارِضانِ كالبَرَدِ) وإِنما سُمِّيَ مُقتضَبًا، لأَنه اقْتُضِبَ مَفعُولات أَي قُطِعَ…إلخ] انتهى
أمّا أجزاء وزن الـمُقتضَب الأصليّة: (مَفعُولاتُ مُستفعِلُنْ) مرّتين. جاز الطيّ في مَفعُولاتُ: مَفعُلاتُ= فاعِلاتُ. كما جاز الطيّ في مُستفعِلُنْ: مُستَعِلُنْ= مُفتَعِلُنْ
لهُ عروض واحدة مشهورة هي المطويّة مُفتَعِلُنْ ولها ضربان؛ الأوّل مثلها وهو المشهور، أمّا الثاني فيُعتبَر نادرًا حتى الآن وهو المقطوع مُستَفعِلْ=مَفعُولُنْ. لكنّك تجد-ين في بعض كتب العروض جواز دخول الخبن في مَفعُولاتُ أي مَفاعِيلُ بدل مَعُولاتُ أو فعُولاتُ فاٌعْلم-ي حينئذٍ أنّ مؤلِّف الكتاب لا يفهم عِلم العروض كما يجب وليس بشاعر! بل تنطبق عليه مقولة الكاتب الإنگـليزي چسترتون 2 (تقوم الرِّواية الجيّدة بإخبارنا الحقيقة عن بطلها، أما الرِّواية السّيّئة فتخبرنا الحقيقة عن مُؤلِّفها) أمّا عالم الكيمياء والفيزياء السكوتلندي جيمس ديوار 3 فقال: (العقول كالمِظَلّـات، لا تعمل إلّـا عندما تُفتَح) لكن انظر-ي تاليًا ماذا فعل شاعرنا الحِلِّي في المُقتضَب وغيره
صَفِيُّ الدِّين الحِلِّي 1
يَلذُّ ذُلِّي بنَضْوٍ * لَوْ ضَنَّ بي لَذَّ ذُلِّي
يَلُمُّ شَمْلِيْ لِحُسْنٍ * إنْ سَحَّ لِيْ لَمَّ شَمْلِي
فبحرف الياء بدأ الشاعر كلّ بيت منهما وانتهى، ما لا يصعب علينا فعله، لكنّ الإبداع بدا في جواز قراءة البيتَين من اليسار إلى اليمين. لذا يسرّني في مجال التبسيط والإختصار أن أشير ثانية إلى هذا الشاعر المُبدع، إذ اختصر بحور الشِّعْر بقصيدة كلّ من أبياتها يدلّ على بحر من البحور مع وزنه التامّ- وإن لم يتفرّد وحده بمثل هذا العمل سواء في حقل البحور وفي حقول أخرى مِن عِلم العروض
صَفِيُّ الدِّين الحِلِّي 2
طَويلٌ لَهُ دُونَ البُحورِ فضائلُ * فَعُوْلُنْ مَفاعِيْلُنْ فعُوْلُنْ مَفاعِلُ
لِمَدِيدِ الشِّعْر عِندي صِفاتُ * فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُ
إنَّ البَسِيْط لَدَيهِ يُبْسَطُ الأَملُ * مُسْتَفْعِلُنْ فاعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُ
بُحُورُ الشِّعْرِ وَافِرُهَا جَمِيْلُ * مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُ
والأبيات متوفرة في كتب العروض وعلى الإنترنت، أمّا بحر المُقتضَب فقال فيه
إقتَضِبْ كَمَا سَأَلُوْا * فاعِلاتُ مُفتَعِـلُ
* * *
أمثلة على بَحْرُ المُقتَضَب
أوّلًـا؛ أمثلة على العروض المطويّة مُفتَعِلُنْ التي ضربُها مثلها أي
فاعلاتُ مُفتَعِلُنْ * فاعلاتُ مُفتَعِلُنْ
لعلّ أقدم ما قرأت من وزن المقتضب، ما لم يُذكَر اسم شاعره خلال بحثي، التالي
أقبَلتْ فلاحَ لها * عارِضَانِ كالسَّبَجِ
أقْـبَلَـتْـفَ- لـاْحَلَها * عارِضَاْنِ- كَسْسَبَجي
فاعِـلاتُ- مُفْتعِلُنْ * فاعِـلاتُ- مُفْتعِلُنْ
أدبَرَتْ فقلتُ لها * والفؤادُ في وَهَجِ
هَلْ عَلَيَّ وَيْحَكُمَا * إِنْ عَشِقتُ مِنْ حَرَجِ
هَلْعَلَيْيَ- وَيْحَكُمَا * إنْعَـشِقْـتُ- مِنْحَرَجِيْ
فاعِلاتُ- مُفْتعِلُنْ * فاعِلاتُ- مُفْتعِلُنْ
السَّبَجُ: خَرَزٌ أَسودُ، دَخِيلٌ مُعَرَّبٌ، أَصلُهُ سَبَهْ- لسان العرب
* * *
أبو نؤاس
حامِلُ الهوى تعِبُ * يستخِفّهُ الطَّرَبُ
إن بكى يَحُقّ لهُ * ليس ما بهِ لَعِبُ
إنْبَكايَ- حُقْـقُـلَهُوْ * لَيْسَمابِ- هِيْلَعِبُو
فاعِلاتُ- مُفْتعِلُنْ * فاعِلاتُ- مُفْتعِلُنْ
تضْحَكِين لاهِيَةً * والمُحِبُّ يَنتحِبُ
تعجَبين مِن سَقَمِي * صِحَّتي هِيَ العجَبُ
كُلّما اٌنقضى سَبَبٌ * منكِ عادَ لي سببُ
من ديوان أبي نؤاس على الإنترنت ص 51 وقد تغنّت بهذه القطعة الرائعة فيروز مع الرائع وديع الصافي. راجع-ي مقطع يوتيوب المذكور في حلقة بحر المديد
* * *
العقد الفريد ج 4:5 للأديب ابن عبد ربِّه
يا مَلِـيحَةَ الدَّعَجِ * هلْ لَدَيكِ مِن فَرَجِ
أمْ تُراكِ قاتِلتِي * بالدَّلال والغنَجِ
مَنْ لحُسْن وَجْهِكِ مِنْ * سُوء فِعْلِكِ السَّمِجِ
عاذِلَيَّ حَسْبُكُما * قد غرِقتُ في لُجَجِ
هلْ عَلَيَّ وَيْحَكُما * إنْ لَهَوتُ مِنْ حَرَجِ
* * *
صَفِيُّ الدِّين الحِلِّي 3
ليس عنكَ مُصطَبَرُ * حين أسعَدَ القدَرُ
إنّ صَفْوَ عِيشتنا * لا يشُوبُهُ كدَرُ
فاٌبتدِرْ لمَجْلسنا * فاللبيبُ يَبتدِرُ
والخطوبُ غافلة * والرِّفاق قد حضروا
والعيون ناظرة * والقلوب تنتظِرُ
غير أنَّهُمْ نفَرٌ * عن رضاك ما نفروا
إنْ منحْتَهُمْ شَكَروا * أو مَنَعْـتهُمْ عَـذروا
* * *
جميل صدقي الزهاوي
قد ترقّتِ العربُ * بعد ما اٌرتَقى الأدبُ
إنهُ لنهضَتِها * وَحْدَهُ هو السَّبَبُ
ثمّ بَعْدَ أنْ نهَضوا * بُرهَة قدِ اٌنقلبوا
قد مشوا بليلتهِمْ * فاٌعْـتَراهُمُ التعَبُ
يومَ في الحكومة لمْ * يَفعَلوا كما يَجِبُ
إنّ في العراق لَناسًا وَنَوا وما دَأبوا
ليس تستحقّ حَياةً جماعةٌ خَشَبُ
* * *
أحمد شوقي 1
الضُلوعُ تَتَّـقِـدُ * والدُموعُ تَطَّرِدُ
أَيُّها الشَّجِيُّ أَفِقْ * مِن عَناءِ ما تَجِدُ
قدْ جَرَتْ لِغايَتِها * عَبْرَةٌ لَها أَمَدُ
* * *
أحمد شوقي 2
حَفَّ كَأسَها الحَبَبُ * فهْيَ فِضَّةٌ ذَهَبُ
أو دَوائِرٌ دُرَرٌ * مائِجٌ بها لَبَبُ
– – –
يا نَديمُ خِفَّ بها * لا كَبا بكَ الطَّرَبُ
لا تَقُلْ عَواقِبُها * فالعَواقِبُ الأدَبُ
تنجَلي ولي خُلُقٌ * يَنجَلي ويَنسَكِبُ
يَرقبُ الرِفاقُ لَهُ * كُلَّما سَرى شَرِبوا
* * *
الأخطل الصغير أو بشارة الخوري
فد أتاك يعتذرُ * لا تَسَلْهُ ما الخبَرُ
كلّما أطَلْتَ لهُ * في الحديث يَختصِرُ
في عيونِهِ خَبَرٌ * ليس يَكذِبُ النظرُ
قد وهَبْتُهُ عُمُري * ضاعَ عندهُ العُمُرُ
حُبّنا الذي نشَرُوا * مِن شذاهُ ما نشروا
صُوِّحَتْ أزاهرُهُ * كيف يُعْقَدُ الثَّمَرُ
عُدْ فعَنكَ يُؤنِسُني * في سَمائِهِ القمَرُ
قد وفى بمَوعِدِهِ * حين خانتِ البَشَرُ
تغنّت بها الرائعة فيروز والأغنية متوفرة على يوتيوب
* * *
ثانيًا؛ أمثلة على العروض المطويّة مُفتَعِلُنْ التي ضربُها مقطوع مَفعُولُنْ أي
فاعلاتُ مُفتَعِلُنْ * فاعلاتُ مَفعُولُنْ
الحسين بن الضحاك- عن «الأغاني» ج 13
رأى الحُسَين بنُ الضَّحّاك خادمًا فاٌستحسنهُ وأعجَبَهُ فقال له بعض أصحابه: أتُحِبّهُ؟ قال: نعَمْ والله! قال: فأعْلِمْهُ! قال: هو أعْلَمُ بحُبِّي له مِنّي، ثم قال
عالِمٌ بحُبِّيهِ * مُطْرِقٌ مِن التِّيهِ
يوسُفُ الجَمالِ وفِرعَونُ في تَعَدِّيهِ
يُوسُفُلجَ- مالِوَفِـرْ * عَوْنُفِيْتَ- عَدْدِيهِي
فاعلاتُ- مُفتَعِلُنْ * فاعلاتُ- مَفعُولُنْ
لا وحقِّ ما أنا مِنْ * عَطْفِهِ أُرَجِّيهِ
لـاوَحَـقْـقِ- ماءَنَمِنْ * عَطْفِهِيؤُ- رَجْجيهي
فاعلاتُ- مُفتَعِلُنْ * فاعلاتُ- مَفعُولُنْ
ما الحياةُ نافعةٌ * لِيْ علی تأبِّيهِ
النعيمُ يشغلُهُ * والجَمالُ يَطْغـيهِ
فهْوَ غيرُ مُكترِثٍ * للذي ألاقيهِ
تائِهٌ تُزهِّـدُهُ * فِيَّ رَغْـبتي فيهِ
تَأبَّى عليه تأبِّـيًا إِذا امتنع عليه- لسان العرب- عِلمًا أنّ الحُسَين بن الضَّحّاك (ت 250 هـ) كان من شعراء الخَلاعة، عاصر أبا نؤاس وعُدَّ من طبقته، لكن ضاع أغلب شعره. أمّا قصيدته فكانت مثالًـا على الغزل بالمُذكّر إذ كان شائعًا يومذاك، ما دفعني الآن إلى التغزّل بالمؤنّث مُعارِضًا، مع اختلاف في حركة حرف الرّويّ
– – –
رياض الحبيّب
الخُطوبُ غَـدّارهْ * والكؤوسُ دَوّارَهْ
تستميلُ شاربَها * ما تَعاقـبَتْ غارَهْ
تستميلُ- شاربَها * ماتَعاقَ- بَتْغارَهْ
فاعلاتُ- مُفتَعِلُنْ * فاعلاتُ- مَفعُولُنْ
الجِرارُ مُترَعَةٌ * والنّوباتُ جَرّارَهْ
والفؤادُ أفرَطَ في العِـشق ما اٌتّقى نارَهْ
كُلّما اٌستراحَ مِن الشّربِ ذاعَ أسرارَهْ
والحبيبةُ اٌفترَشَتْ * حُبَّهُ وأخبارَهْ
وَدَّعَتْ أقاربَها * واٌحتمَتْ مِن الجارَهْ
في المَساءِ مَوعِدُنا * والزّهورُ مُختارَهْ
والحديثُ نقطعُهُ * تارَةً إلى تارهْ
في الخِتام تُنذِرُني * كُفَّ يا فتى الحارَهْ
أو تكُفَّ عن رؤيتي * ما فُتِنتَ بالشَّارَهْ
أوْتَكُـفْـفَ- عَنْرُؤيَتي * مافُتِنتَ- بِشْـشارَهْ
فاعِلاتُ- مُسْتفعِـلُنْ * فاعِلاتُ- مَفعُولُنْ
قلتُ كيفَ إذ قدَري * في عينيكِ يا سارَهْ
قُـلْـتُـكَيْفَ- إذْقدَري * فِـيْعَـينيكِ- ياسارَهْ
فاعِلاتُ- مُفتَعِلُنْ * مَفعُولاتُ- مَفعُولُنْ
* * *
مجزوء المُقتضَب
قلّما وُجِدَ حديث عن مجزوءات المقتضب في كتب العروض لأنها من الإبداع المُستحدَث بعد الخليل؛ سأذكرُ أشهرها ممّا ظهر من المُوشَّحات الأندلُسيّة، وزنه: (فاعِلاتُ لُنْ) مرّتين عِوَضَ فاعِلاتُ فا، أو فاعِلاتُ فَعْ؛ لا يمكن اعتباره من مجزوءات المديد أو الرَّمَل أو الخفيف، لأنّ جزء كلٍّ منها الأوّل هو فاعِلاتُنْ (بدون جواز الكفّ فاعِلاتُ) سواء في الصَّدْر والعَجُز. كذلك لا يصحّ اعتباره من مجزوءات المتدارَك (فاعِـلُنْ فَعِلْ) عوض فاعِلاتُ لُنْ. عِلمًا أنّ عددًا من الشعراء قد أبدع في المُقتضَب إبداعات مختلفة، لكني اكتفيت بما تقدّم
محمود سامي البارودي؛ مصر 1839 – 1904 م
إمْلـإِ القدَحْ * واٌعْـصِ مَنْ نَصَحْ
واٌرْوِ غُـلَّتِي * باٌبنةِ الفرَحْ
وَرْوِغُلْلَ- تِيْ * بِبْنَتِلْفَ- رَحْ
فاعِلاتُ- لُنْ * فاعِلاتُ- لُنْ
فالفتى متى * ذاقها اٌنشَرَحْ
وهْيَ إنْ سَرَتْ * في العَلِيلِ صَحْ
أوْ صَبَا بهَا * باخِلٌ سَمَحْ
فاٌهْجُرِ الكَرَى * واٌغْدُ نصْطَبِحْ
فالدُّجَى مَضَى * والسَّنا لَمَحْ
كانت هذه مقتطفات من قصيدة للبارودي، عِلمًا أنها وقعت في واحد وتسعين بيتًا. وقد توصّل أحد الباحثين إلى أنّ البارودي أخذ وزنها من أحد الموشَّحات، إذ عثر على موشَّح قديم مطلعُهُ: (ليلُ هَجْرِها * فوق نحْرِها) والنَّحْرُ: الصَّدْر
* * *
شوقي 3
مالَ واٌحتَجَبْ * واٌدَّعى الغَضَبْ
لَيتَ هاجِري * يَشرَحُ السَبَبْ
لَيْتَهاجِ- رِيْ * يَشْرَحُسْسَ- بَبْ
فاعِلاتُ- لُنْ * فاعِلاتُ- لُنْ
عَـتْبُهُ رِضىً * لَيْتَهُ عَـتَبْ
عَـلَّ بَينَنا * وَاشِيًا كَذَبْ
أو مُفَنِّدًا * يَخلُقُ الرِّيَبْ
مَنْ لِمُدْنِفٍ * دَمعُهُ سُحُبْ
باتَ مُتعَـبًا * هَمُّهُ اللَّعِبْ
تغنّى بأبيات منها الفنان السوري الرائع فهد بلان. عِلمًا أنّ الباحث الذي أشرت إليه أكّد على أنّ شوقي اقتدى في وزن هذه القصيدة بأبيات البارودي السابقة
¤ ¤ ¤
1
رآى الخليل أنّ المقتضَب مُقتطَع من بيت السّريع (مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ مَفعُولاتُ * مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ مَفعُولاتُ) وما اختلف رأيي عن رأيه في الجوهر إنما الشكل. فالخليل اقتطع من السريع جُزءَيه الثالث والرابع لتأليف المُقتَضَب. أمّا رأيي: لو قيل أنّ المقتضَب مُؤلَّف من اقتطاع الجزءَين الثاني والثالث من أيّ شَطْر من شَطرَي المنسَرِح (مُستفعِلُنْ مَفعُولاتُ مُستفعِلُنْ * مُستفعِلُنْ مَفعُولاتُ مُستفعِلُنْ) لكان أفضل لأنّ مَفعُولاتُ عمليًّا مستعملة في المُنسَرح وغير مستعملة في السّريع
2
G. K. Chesterton= Gilbert Keith Chesterton (1874 – 1936) was an English writer… & more on Wikipedia, the free encyclopedia
3
James Dewar (1842 – 1923) was a Scottish chemist & physicist