مجنون وحقير كل من يريد أن يشعل حرباً طائفية مذهبية في المنطقة تحرق الأخضر واليابس. لا يشجع على الحروب المذهبية في بلادنا سوى الأعداء والمتربصين بها. ليس هناك شخص وطني سوّي يمكن أن يقبل بإشعال الفتن والصراعات الدينية في هذا الجزء المشتعل أصلاً من العالم. لكن بما أن إيران تعمل بشكل مفضوح على تشكيل تحالف شيعي على أساس مذهبي لا تخطئه عين، فلا بد للطرف الآخر أن يبادر فوراً إلى تجميع قواه أيضاً على أساس مذهبي، ليس للدخول في حرب مذهبية مع إيران وجماعتها، بل لمنع نشوب الصراع المذهبي. فكما نعلم، فإن امتلاك السلاح النووي لا يعني تدمير العالم أو الخصم، بل يخلق توازن الرعب الذي، في الحقيقة، يحمي العالم.
لم يعد الحديث عن الصراع المذهبي في المنطقة تحريضاً على الحروب الطائفية. لا أبداً. بل أصبح واقعاً يفقأ العيون، خاصة وأن الهلال الشيعي المنشود أصبح قمراً بعد أن راحت إيران تغلف مشروعها الامبراطوري الفارسي بغلاف مذهبي صارخ. ويذكر إعلامي عربي كبير زار طهران في عام 2009، أي قبل اندلاع الربيع العربي وظهور البوادر المذهبية بسنتين، أن مسؤولاً إيرانياً كبيراً سأله حرفياً: «لماذا لا تقدمون برامج عن الصراع المذهبي في المنطقة»، فأجاب الإعلامي: «وأين هو الصراع المذهبي في المنطقة؟ لا يوجد صراع كي نتناوله إعلاميا»، فرد المسؤول الإيراني: «هذا صحيح، لكن في المستقبل القريب أعتقد أنكم ستتناولون هذا الموضوع بكثرة». وكأنه بذلك كان يمهد لاندلاع الصراع الذي تريده، وتخطط له إيران في المنطقة.
ولو نظرنا إلى تطورات الأوضاع، سنرى كيف راحت إيران تتدخل في العراق وسوريا ولبنان واليمن على أساس مذهبي مفضوح، فدعمت الشيعة في العراق وكذلك في لبنان وسوريا والحوثيين في اليمن من منطلق طائفي واضح. صحيح أن إيران تطمح إلى قيام امبراطورية فارسية عاصمتها بغداد، كما صرح نائب الرئيس الإيراني، إلا أنها تحارب بشكل واضح بأشلاء الشيعة العرب. أي أنها تستغل العامل المذهبي لتحقيق حلمها الامبراطوري. وبما أن هذا الحلف أو الهلال أصبح واقعاً، فلا يمكن مواجهته إلا بحلف مضاد لا لخوض حرب مذهبية طاحنة، بل لخلق الردع المطلوب.
لقد أخطأت بعض الدول العربية خطأً فادحاً عندما راحت تحارب بعض الأحزاب والجماعات الإسلامية السنية، وتصنفها كحركات إرهابية، بينما كانت إيران تجمع كل الشراذم الطائفية في المنطقة تحت جناحها لتستخدمها كوقود في مشروعها الامبراطوري. وكانت النتيجة أن إيران أحرزت نقاطاً كثيرة على حساب الآخرين الذين بدوا وكأنهم يطلقون النار على أقدامهم. ألم يكن من الخطأ محاربة حركات إسلامية سنية راسخة الجذور ووضعها على قوائم الإرهاب، بينما كان من الممكن التحالف معها والاستفادة من قوتها على الأرض لمواجهة المد الإيراني؟ لقد استطاعت إيران بمخططاتها المذهبية الصارخة أن تصنع من الأقلية الشيعية قوة ضاربة غالبة، بينما صنع قادة الدول الإسلامية من الأكثرية السنية قوة هاربة. وقد آن الأوان الآن لتصحيح الأخطاء. فمهما بلغت الحركات والأحزاب والجماعات السنية من تطرف، فهي لن تكون أكثر خطراً من المشروع المذهبي الإيراني المعادي على دول المنطقة، خاصة بعد أن ترفع أمريكا العقوبات عن إيران، ويصبح لها ميزانية هائلة للإمعان في التمدد والتوسع. فإذا كانت إيران تتمدد وهي تحت العقوبات الغربية، فكيف ستكون عندما تتخلص من العقوبات الاقتصادية والعسكرية؟ لا شك أنها ستتغول أكثر، وستمعن في تعزيز حلفها المذهبي. وبالتالي، لا بد من التقارب، لا بل التحالف مع الجماعات الإسلامية التي تخشاها إيران. فكما هو معروف الآن، فإن تنظيم الدولة الإسلامية بات يشكل أكبر خطر على المشروع الإيراني في المنطقة، حسب القيادة الإيرانية نفسها، لهذا أوكلت إيران مهمة محاربة التنظيم في العراق وسوريا إلى أهم قادتها العسكريين قاسم سليماني الذي بات يعلن عن نفسه كقائد للحرب ضد تنظيم الدولة.
لا أحد يطلب من الدول العربية المعتدلة أن تتدعشن أو تتقاسم السلطة مع الدواعش، لكن لا بأس أن تستفيد من خطر الجماعات المتشددة، وتستغله كأداة ضاربة في مواجهة المشروع الإيراني. وعليها أن تتذكر أن أمريكا تحالفت، من أجل مصالحها، في الثمانينات مع تنظيم القاعدة ضد الروس في أفغانستان. وذلك على الرغم من الاختلاف الهائل في التوجهات بين أمريكا والتنظيمات الإسلامية المتشددة. وحتى رئيس التنظيم الشيخ أسامة بن لادن اعترف أن مصالح التنظيم تقاطعت في لحظة ما مع المصالح الأمريكية ضد السوفييت، فعملا على جبهة واحدة. والسؤال الآن: إذا كانت أمريكا تحالفت مع من تصفهم الآن بـ»الإرهابيين» من أجل مصالحها، فلماذا لا تتحالف الدول العربية التي تواجه الخطر الإيراني مع نفس الجماعات التي تشكل رعباً للمشروع الإيراني في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا؟
قد يتساءل البعض: وهل تريدون من الدول العربية أن تتحالف مع داعش والجماعات الإرهابية الأخرى لمواجهة إيران؟ فيرد البعض الآخر: ألا تتحالف إيران مع جماعات شيعية إرهابية كعصائب الباطل وفيلق غدر وحزب الله وغيره، وتستغلهم كأدوات من أجل مشروعها؟ أليست السياسة لعبة تخادم أصلاً؟ فلماذا حلال على إيران وحرام على الدول العربية؟ ثم هل الجماعات الإرهابية التي تتحالف معها إيران متخرجة من جامعة هارفارد والسوربون، بينما الجماعات السنية متخرجة من تورا بورا؟
أصلاً لا أخلاق ولا مبادئ في السياسة، والسياسة نجاسة. وإذا أردت أن تنتصر على خصمك، فلا بد أن تكون أنجس منه. وقد قال رئيس الوزراء البريطاني الشهير وينستون تشيرتشل ذات يوم: «لو ساعدني الشيطان في الهجوم على العدو النازي، فسأذكره بالخير في مجلس العموم».
تعلموا من تشيرتشل أيها العرب قبل فوات الأوان.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهران
أحدث التعليقات
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر