Assil Zaben
9/4
يحكي أزهر جرجيس في كتابه “فوق بلاد السواد” عن مكي الأقرع الذي اشترى بثمن بستانه سيارة تويوتا كراون، أصبحت في زمن الحرب ناقلة للجثث التي تعود ملفوفة براية الدم بنجومها الثلاث. و “ذات يوم كانت سيارة مكي تشق طريقها نحو المقبرة، وكانت السماء ممطرة. لم يكترث مكي للمطر، فهو سائق متمرس وقد حفظ الطريق جيدا. أدار جهاز الراديو على إذاعة بغداد ليستمع إلى نشرة الأخبار، فكان المذيع يقرأ بيانا يعدد فيه خسائر العدو في معركة “تاج المعارك” شرق البصرة. كانت معركة عنيفة سقط فيها المئات من الجنود العراقيين والإيرانيين على حد سواء. أنهى المذيع بيانه الحماسي بأن قواتنا المسلحة لم تتلق أية خسائر تذكر. أغلق مكي المذياع وهو يقول “وهذا المشدود على السيباية؟ فرخ دجاج يا إبن الكلب؟”.. توقف المطر بعد ساعتين لكن الشمس قد غابت والظلام بدأ يغلف المكان. نظر مكي إلى رفيقيه فوجدهما نائمين، فدخل الخوف إلى قلبه سيما وأنه سمع غير مرة بأن المكان الذي وصل عنده مسكون. كان مكي خائفا يترقب ظهور الجن أمامه في الطريق. وفي الأثناء تلقى صفعة على خده الأيسر. كان زجاج السيارة مفتوحا نسي أن يغلقه بعدما انتهى من تدخين سيجارته. عندما تلقى مكي الصفعة تجمد وصارت قدماه ترتجفان من الخوف. فتلقى صفعة ثانية. لم يكن أمام مكي تلك اللحظة سوى الذكر. فاستحضر تعاويذ الحفظ وطرد الجن وبدأ يتمتم بها. كان من بينها تعويذة تستوجب أن يتفل على يمينه وعلى شماله حالما ينتهي. فقرأها والتفت إلى اليمين وتفل، ثم التفت إلى الشمال وتفل، فكانت المفاجأة. عندما تفل مكي على الشمال، شاهد طرف الراية متدليا من التابوت. كان مبللا وعندما تصفعه الريح يصفع خد مكي، فيظنه المسكين جنيا”.
اليوم يبكون على نجمات ثلاث ظلت تصفع مكي طوال 24 عاما. وتزداد السخرية بمطالبات “الدوري” -آخر حملة تلك الراية- بالتدخل الأمريكي لإنقاذ العراق في الوقت الذي ينوحون هم فيه على دخول أمريكا للعراق قبل 13 عاما. لم تحتمل تلك الراية 13 عاما لم ترفرف فيها عاليا، لكنها تسمي من كانت تصفعهم على مدار 24 عاما “خونة” لأنهم استعانوا بمن تتوسلهم هي اليوم.
