حرر من السجن في نهاية آذار (2017) الأسير الفلسطيني محمد جمال الشاويش (36 عاماً) الذي كان متهما بالمشاركة بقتل جنديين من جيش الاحتلال الإسرائيلي في رام الله في العام (2000)، تحريره يعني انه لم يكن له ضلع بما جرى بحادثة قتل الجنديان في رام الله.
هذه القصة أعادت إلى ذاكرتي مادة كتبتها في بداية عام (2001) ونشرتها في صحيفة “الاتحاد” الحيفاوية بتاريخ (05-01-2001) تحت عنوان : “حكاية غريبة عن طهارة السلاح وطهارة النوايا – كيف صار ثابت عاصي قاتلا للجنديين وهو بريء؟!” وهي تعالج اعتقال متهم آخر بنفس حادثة رام الله.
في تاريخ (02-01-2001) نشر المراسل العسكري الميتالوجي لصحيفة “هآرتس” زئيف شيف (توفي) تحت عنوان “الشاباك يوقف المتهمين بالعمليات على الحدود مع السلطة”، وطبعا تبعته سائر الصحف الإسرائيلية، وتفصيل الخبر أن قوى الأمن العام، بالتنسيق مع الوحدات المختارة، نجحت باعتقال فلسطينيين اشتركوا بعمليات معادية قتل فيها إسرائيليون وأحضرتهم إلى إسرائيل، وان إلقاء القبض على منفذي العمليات المعادية، بدأت بعد حادثة مقتل الجنديين في رام الله. الصيغة التي استعملتها الصحف العبرية كلها تقول “منفذي العمليات” وليس “المتهمين بتنفيذ العمليات”.معنى ذلك أن المعتقلين ليسوا متهمين حتى تثبت إدانتهم، بل مجرمين صدر بحقهم الحكم سلفا بالإدانة وما تبقى للمحكمة هو مهر الحكم بختمها.
هذا بالضبط ما حدث مع الشاب ثابت عاصي. ويبدو أن محمد جمال الشاويش الذي أطلق سراحه في نهاية آذار (2017) بعد (11) سنة في السجن، كان ضمن من اعتقلتهم إسرائيل ووصل عددهم إلى (10) أشخاص متهمين بالمساهمة بشكل أو بآخر بعملية قتل الجنديين في رام الله في شهر تشرين أول (2000).
أمامنا قصة أغرب من الخيال مع الشاب ثابت عاصي، تكشف بشكل خطير انفلات هذه الأجهزة ضد فلسطينيين تدعي إسرائيل أنهم شاركوا بعمليات معادية لها. أو أرادوا تنفيذ مثل تلك العلميات.
في (27-10-2000) صدرت الصحف العبرية بعناوين ضخمة ” الآن سمح بالنشر: القي القبض على الفلسطيني مع الدم على يديه”(أي ليس متهما) وتحت هذا العنوان المثير نشرت الصورة المشهورة والمؤلمة لشاب فلسطيني يرفع يديه الملوثتان بدماء الجنديين الإسرائيليين، اللذان قتلا في مركز شرطة رام الله، بانفلات مخجل لا نقبله كبني بشر رغم أن الاحتلال يرتكب ما هو أبشع آلاف المرات ضد شعبنا.
هل حقا هي صورة ثابت عاصي؟
نشرت صحيفة كان اسمها “كل هزمان” أن ثابت عاصي المقبوض عليه بعملية ليلية بارعة أودع السجن. السجانون مزقوا جسده بالضرب والتكسير، لدرجة أن الشاباك رفض تسلمه. نشر في الصحف أيضا أن قسم التحقيقات مع الشرطة فتح تحقيقا بعد أن وصلته معلومات عن “تصرفات مشبوهة” تتعلق بالتعامل مع المتهم ثابت عاصي، بتعرضه للضرب والتكسير من قبل شرطة السجون. رواية أخرى تقول أن الشكوى قدمها الشاباك الذي رفض استلام ثابت عاصي المضروب والمكسرة عظامه، حتى لا يتهم أفراده بعملية ضرب الأسير وتكسير عظامه. ورواية أخرى تقول أن الشكوى لقسم التحقيقات مع الشرطة وصلت من سجين شاهد الضرب والتكسير لعاصي ثابت.
كتبت “كل هزمان”: في الساعة العاشرة حضر للسجن محققو الوحدة (وحدة التحقيق مع الشرطة) التابعة لوزارة القضاء، بدأوا بجمع الشهادات من رجال الشرطة الذين تواجدوا في السجن وقت الاعتداء على ثابت عاصي ، حسب كرتات العمل وصل المحققين إلى ما يقارب أل (50) شرطيا تواجدا في فترة الاعتداء على السجين ثابت عاصي، بينهم شرطة السجن والشرطة التي ترافق المعتقلين، دعي الجميع للتحقيق، تقرر فيما بعد إقصاء ستة رجال شرطة، حتى يتم فحص دورهم، وهم متهمون بالاعتداء ومخالفة النظم المعمول بها.
طبعا رجال الشرطة انتقدوا عدم الاهتمام بهم من المسئولين الكبار، و”حتى قائد المنطقة لم يهتم بنا ويأتي للدفاع عنا وأنهم يعاملون كمن أصيبوا بالجرب، يتجاهلون أنهم يشتغلون بعمل أسود وبظروف صعبة، وان هذا الوضع يجعل الكل يخاف من الكل” قال شرطي:” ماذا ينتظرون من رجال الشرطة؟.. أحضروا إلى هنا هذا الحيوان، في نفس اليوم سادت الفوضى في المناطق، الجميع كان ممتلئا (يقصد بالغضب).. هل توقعوا أن نقدم له فنجان قهوة وكعكة؟ صور اللينش في مركز شرطة رام الله كانت قوية، رجال الشرطة ردوا بطريقة انفعالية، دون تفكير زائد، التصرف مرفوض ولكن من الممكن فهمهم”!!
بعض رجال الشرطة قالوا:” عملوا من ذلك حكاية كبيرة، لكن هذا القاتل كل ما تلقاه بضع صفعات وضربة في الظهر”
أضاف شرطي آخر: “بأنهم حتى لم يوجهوه للعلاج الطبي” (ربما يقصد أن ضربه لم يوصله لخطر الموت).
شرطي آخر قال بواقعية: “ثابت عاصي تعرض لضربات قاسية جدا في كل أجزاء جسده، وكانت عليه علامات واضحة للضرب .. مزقوه بالضرب”!!
محامي الضابط المسئول عن السجن والذي ابعد عن وظيفته قال: “على المستوى القومي الحديث عن خطأ (يعني خطأ إبعاد موكله عن وظيفته)” وأضاف:”رجال الشرطة الفلسطينيين الذين نفذوا اللينش لم يبعدوا عن وظائفهم، إنما ازداد اعتبارهم، هذا المعتقل (يقصد ثابت عاصي) ما زال موجودا وحيا عكس الجنديين في رام الله”.
جريدة “معريف” كتبت أن جيش الدفاع الإسرائيلي اعتقل ثابت عاصي الذي صور وهو يعرض بفخر الدم على يديه من نافذة قيادة الشرطة في رام الله ومن المتوقع أن تقدم ضده لائحة اتهام بالقتل ، وأضافت الصحيفة أن الناطق العسكري أعلن أن ثابت عاصي اعترف خلال التحقيق معه انه كان موجودا في مبنى قيادة الشرطة في رام الله، وحى انه رفس جثة احد الجنديين التي ألقيت من النافذة، وان الناطق أضاف:” سنلقي القبض على كل القتلة، حتى لو انتظرنا أشهرا أو سنوات، وانه تم نقل تفاصيل دقيقة للشرطة الفلسطينية عن كل المشاركين بالقتل وإذا لم تعتقلهم (الشرطة الفلسطينية) سنتصرف نحن”.
الغريب ، ثم الغريب والغريب جدا، أن ما تبين يتناقض مع العناوين الضخمة والصورة وتأكيد اسم المتهم ثابت عاصي وكل نص الخبر من أول كلمة إلى آخر كلمة.
لا اعرف صحافة تحترم نفسها وقراءها، أو دولة تحترم نفسها وقوانينها، تسمح بهذا الانفلات الأرعن، وكيف يسمح الناطق العسكري لنفسه أن ينفذ هذا اللينش الإعلامي والجسدي ضد شاب تبين فيما بعد (رغم اعترافه الموقع والمسجل؟!) انه لم يكن موجودا في رام الله. ما اثبت ذلك أكثر نص كتاب الاتهام الموجه له، الذي ليس فيه أي ذكر عن اشتراكه بتنفيذ قتل الجنديين. أو انه صاحب الصورة التي يلوح بها القاتل بيديه الملوثتان بالدم، حسب الصورة المشهورة والمؤلمة. أي أن الصورة ليست صورة ثابت عاصي.
اطلعت على هذه التفاصيل في وقته من مكتب المحامي الموكل بالدفاع عن ثابت عاصي وعن مختلف الأسرى الفلسطينيين.
تشمل لائحة الاتهام ضد ثابت عاصي ثمانية بنود، يبدو واضحا ان التهمة “مُغطت” لأنها صغيرة ولا تشمل تغطية للينش الذي نفذ ضد ثابت عاصي في السجن وفي الصحافة ومن الناطق العسكري.. وهي كما يبدو ردا على تقديم دعوى بالقدح والذم باسم ثابت عاصي ضد الصحف التي أدانته وهو بريء، إلى جانب إعداد دعوى أخرى تطالب بالتعويض على ما تعرض له من ضرب وتكسير حوله إلى عاجز بنسبة كبيرة، ومن الأضرار الأساسية إصابته بالطرش وكسرين في فقرات ظهره.
جاء في لائحة الاتهام ضد ثابت عاصي:
1 – العضوية والنشاط في تنظيم غير مسموح. المتهم عضو نشيط منذ عام (1994) بمنظمة الكتلة الإسلامية التابعة لحماس ومشاركته باجتماعاتها.
2 – تنفيذ خدمة لمنظمة ممنوعة. التفاصيل انه اشترك باجتماعات ومظاهرات للمنظمة وساعد على تنظيمها وخوض الانتخابات الطلابية بجامعة القدس.
3 – قذف أغرض. اتهام بقذف الحجارة أو أملاك بهدف الإصابة.
4 – النشاط ضد النظام العام. اشترك بأعمال شغب في زمن انتفاضة الأقصى.
5 – قذف أغراض . نفس التهمة المذكورة سابقا.
6 – النشاط ضد النظام العام. نفس الكلمات السابقة تقريبا ونفس التواريخ.
7 – القيام بمهمة في منظمة ممنوعة. كان مرشحا للقائمة الإسلامية في الانتخابات الجامعية لجامعة القدس في رام الله.
8 – القيام بوظيفة ممنوعة. بإطار عضويته بمنظمة الكتلة الإسلامية كان عضوا في المجلس الاستشاري (الشورى).
القصص الأخرى التي سمعتها لا تقل غرابة عن هذه القصة- المأساة. كيف يمكن أن يكون السلاح طاهرا بأيدي ليست طاهرة؟ وبتفكير ليس طاهرا؟ وبفكر احتلالي لا يقيم وزنا لحياة الإنسان المحتلة أرضه وحريته والنتيجة أن الاحتلال يدمر أيضا أخلاق المجتمع اليهودي..!!
السؤال الذي يطرح نفسه: كم ضحية مثل ثابت عاصي ومحمد جمال الشاويش يوجدون بالسجون الإسرائيلية؟
nabiloudeh@gmail.com
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :