نبيل عودة
هل كان اتحاد عصبة التحرر الوطني الفلسطيني الشيوعية، مع الحزب الشيوعي اليهودي الصهيوني، بعد إقامة دولة إسرائيل، خطوة عقلانية للوحدة بين الشيوعيين العرب واليهود في إسرائيل بالطريقة التي انجزت؟ للأسف لا املك توثيق حول تفاصيل الوحدة، وما هو النهج الذي اتفق عليه خاصة حول مصير الشعب الفلسطيني بعد النكبة والتهجير. وهل ظلت العقيدة الصهيونية جزءا من المبادئ للماركسيين اليهود؟ وماذا كان موقفهم من هدم مئات البلدات العربية، ارتكاب المجازر وتهجير الشعب الفلسطيني من وطنه؟ ان انكار صهيونية الشيوعيين اليهود مستحيل، ولدي وثيقتان:
1- المؤرخ الفلسطيني الشيوعي ابن حيفا بولس فرح (فصل من الحزب لرفضه سياسة الحزب الشيوعي الصهيونية) جاء في كتابه “من العثمانية إلى الدولة العبرية” ان رفاق الحزب الشيوعي اليهودي “كانوا اشتراكيين لا أشك في اشتراكيتهم ولكنهم صهاينة قبل كل شيء وكانوا مثلهم مثل الشيوعيين الصهاينة لم أشك في شيوعيتهم … وأن الشيوعيين الصهاينة لم يقبلوا بالصهيونية كأيديولوجية وممارسة، لكنهم رغبوا في النظام الشيوعي في دولة اليهود التي كانوا يترقبون ولادتها ليتخلصوا من تناقضاتهم التي كانت تتصارع في نفوسهم”.
2- البروفسور ايلي بارــ نفي، المحاضر بقسم التاريخ في جامعة تل ابيب، ومدير اللجنة العلمية لمتحف أوروبا في بريسل، جاء في مقدمته لكتاب “إسرائيل مستقبل مشكوك فيه”(ישראל – עתיד מוטל בספק – صدر عن منشورات “راسلينج” 2011) ان:”الصهيونيون الماركسيون وصفوا الضرورة العاجلة لإيقاف الهرم الاجتماعي اليهودي على قدميه (أي بناء الدولة ــ نبيل) من أجل إفساح المجال لنشوء حرب الطبقات (الفكرة الماركسية للثورة الاشتراكية ــ نبيل)، هذا النشوء لا يمكن أن يتطور إلا بدولة قومية – (أي دولة يهودية- نبيل).
سؤال: هل قانون قومية إسرائيل اليهودية لحكومة نتنياهو، وقع بعيدا عن فكر الماركسيين الصهيونيين؟
*****
التنظيم الشيوعي العربي في فلسطين ايام الانتداب البريطاني، المعروف باسم “عصبة التحرر الوطني”، ارتكب خطأ تاريخيا فكريا وسياسيا بحله نفسه واندماجه بإطار “الحزب الشيوعي الإسرائيلي” وليس حزب شيوعي في فلسطين واسرائيل، او أن يبقى تنظيما شيوعيا عربيا مستقلا في إسرائيل. اذن المبادئ لم تكن هي المقرر. ولا اعرف إذا جرى بحث جاد حول الوحدة بين التنظيمين واسقاطاته التاريخية والقومية على مصير الدولة الفلسطينية حسب قرارات التقسيم للأمم المتحدة من عام 1947 .. ام كانت زفة عرس وليلة دخلة، العريس يهودي والعروس فلسطينية؟
قال لي قائد شيوعي يهودي سابق التقيته قبل أشهر قليلة في برنامج سياسي جمعنا بتل ابيب، انه: لولا ستالين لما قامت دولة إسرائيل. سألته: هل بسبب ذلك كنت شيوعيا؟ أجاب: هذا صحيح أيضا!
إسرائيل احتلت جزءا من الأرض الفلسطينية المخصصة للدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم للأمم المتحدة من عام 1947، أي أرض ليست اسرائيلية حسب القانون الدولي. تجاهل العصبة لهذا الواقع القانوني والسياسي والوطني بقرار الاندماج بإطار حزب شيوعي واحد في اسرائيل، يتبين انه كان خطأ تاريخيا وسياسيا وقوميا رهيبا، ارتكبته عصبة التحرر الوطني، هل كان ذلك بغباء ام اوامر وضغوطات من موسكو مثلا؟
أغرقونا بشعارات كنا نرددها كالببغاوات، لم يكن سرا ان الحزب الشيوعي اليهودي الصهيوني نظم كوادره للقتال ضد الشعب الفلسطيني في حرب العام 1948، وشارك جنوده بكل عمليات التشريد والمجازر، التي ارتكبت ضد أبناء الشعب الفلسطيني بما فيها هدم مئات البلدات العربية، وموشيه سنيه (عضو المكتب السياسي ومحرر الصحيفة الناطقة باسم الحزب الشيوعي “كول هعام” (بالعبرية: קול העם) كان قائدا لفرقة عسكرية. بل وأصدر الحزب مجلة للجنود الشيوعيين اليهود المشاركين بالحرب، باسم “صوت المجند” (بالعبرية: קול המגויס).
في لقاء جمع فؤاد نصار، من مؤسسي عصبة التحرر الوطني ومؤسس الحزب الشيوعي الأردني مع سكرتير عام الحزب الشيوعي الاسرائيلي صموئيل ميكونس عام 1957 في موسكو، بوساطة سوفييتية لحل المشكلة الفلسطينية، رفض ميكونس فكرة التخلي عن المناطق المخصصة للشعب الفلسطيني حسب قرار التقسيم للأمم المتحدة، التي احتلتها اسرائيل في حرب 1948، وذلك من اجل حل الدولتين واقرار السلام. معنى موقف ميكونس العملي انه حيث وطأت أقدام اليهود لم تعد ارضا فلسطينية ولا يمكن لإسرائيل التخلي عنها، موقف استيطاني لا يخجل سوائب المستوطنين اليوم. ونشر المناضل الشيوعي نعيم الأشهب تفاصيل ذلك اللقاء بين فؤاد نصار وميكونس في كتاب “فؤاد نصار نضال ومواقف”، الى جانب مشاركتي بحديث خاص مع فؤاد نصار في المدرسة الحزبية في موسكو عام (1969) ذكر فيها اللقاء بينه وبين ميكونس، السلبي حسب قوله، لكن بدون التفاصيل التي قرر ان لا يكشفها لنا، لأسبابه الخاصة. ترك لذكائنا ان نستوعب، ولم استوعب الا بعد قراءة التفاصيل في كتاب نعيم الأشهب. هل كان يجب ان ننتظر الانشقاق في الحزب الشيوعي عام 1965، حتى نبدأ في فهم التضليل الذي كان من نصيب الرفاق العرب، وبأن القيادات اليهودية لحزبهم الشيوعي كانت صهيونية ولم تزل؟ كيف يمكن ان نفهم مشاركة قيادات عربية شيوعية بالخطابة في اجتماعات شعبية كان يعقدها الحزب الشيوعي، بمناسبة يوم الاستقلال، أي بتحرير ارض إسرائيل من “الغزاة الفلسطينيين”، كما “تحرر” اليوم الضفة الغربية (آسف أعني يهودا والسامرة) من “المستوطنين” الفلسطينيين”؟ هل تعبير “اجتماع شعبي بمناسبة يوم استقلال إسرائيل” كان مناسبة احتفالية للفلسطينيين الباقين في وطنهم والمعانين من فرض حكم طوارئ عسكري استبدادي من بقايا الانتداب البريطاني، ومصادرة أراضيهم بحيث لم يبق لهم الا أقل من 3.5% من الأرض وقسمها الكبير لا يتبع لإدارة السلطات المحلية العربية؟ هل تعبير “استقلال” يخص أي فلسطيني مواطن في إسرائيل؟ لماذا توقفت الاحتفالات والتهاني الحزبية الرسمية بعد الانشقاق؟ هل تحرروا من الشيوعيين الصهيونيين الذين انشقوا وأخذوا معهم اسمهم التاريخي “الحزب الشيوعي الإسرائيلي” بدون أي عضو عربي، والعرب سُمي حزبهم “القائمة الشيوعية الجديدة” مع عدد ضئيل للغاية من الأعضاء اليهود؟ طبعا اليوم بعد تفكك الحزب الشيوعي الصهيوني، عادوا الى استعمال اسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والعودة لهذا الاسم خطأ سياسي، فكري وتاريخي.
تركت لكم حزبكم الصهيوني، جوهر الماركسية على نقيض كامل من فكره القومي الشوفيني، الحزب الشيوعي اليوم هو عبارة عن خليط عربي قومي يساري يدعي الماركسية، لكن تاريخه غير مشرف ما لم يكشف ارشيفاته السرية، ويقوم بعملية نقد تاريخية وفكرية منذ قرار وحدة عصبة التحرر الوطني مع الحزب الشيوعي الصهيوني.
رغم ثرثرات الحزب الماركسية باللغة العربية، اللغة التي أُسقط قانون القومية مكانتها، في إطار سن قوانين تصفية لأي اشارة لحقوق الشعب الفلسطيني القومية واللغوية والإنسانية، الا ان الثرثرات والخطابات الحماسية هي ابعد ما تكون عن الفكر الماركسي، خاصة لحزب يواصل تجاهل الخطأ التاريخي، الفكري والقومي للوحدة بين التنظيمين العربي واليهودي الصهيوني، هل كانت وحدة طبقية؟ طبعا مستحيل لأن المجتمع العربي كان بمعظمه مجتمعا فلاحيا صغيرا. طبعا احترم كل مناضل بغض النظر عن استيعابه لأحداث التاريخ، والأكثرية العظمى تجهل التفاصيل، وانا اعتبرهم ضحية التضليل. ان عدم الخوض بتفاصيل تلك الوحدة وكشف حقيقة القيادة الصهيونية للحزب الشيوعي اليهودي في فلسطين، له دوافع انتهازية من قيادات، كانت ستخسر مكانتها لو جرى كشفها .. لكن اخفاء الحقائق جريمة لا يمكن ان تمر .. وكل الخطابات الثورية التي نسمعها اليوم من الحزب الشيوعي وجبهته الديموقراطية هي دجل لمنتفعين.
انا لست منهم وهم ليسوا مني .. لا اثق باي موقف من مواقفهم، ويجب بدء التفكير بإقامة “منظمة مجتمع مدني” تجمع المواطنين على قاعدة غير حزبية وغير انتهازية، بل حسب القدرات الشخصية للأعضاء، بغض النظر عن ميولهم الفكرية، لمواصلة نضالنا النظيف والشريف من اجل المساواة الكاملة للمواطنين العرب في إسرائيل، انهاء الاحتلال وإقامة دولة الشعب الفلسطيني، الذي لم يبق له الا المناطق التي احتلت عام 1967 ..
==============
*- نبيل عودة: درست في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو بين 1968-1970، وهي مدرسة حزبية شيوعية تخرج منها عشرات القيادات الشيوعية من مختلف اقطار العالم. شكلت الماركسية وما زالت تشكل جوهر تفكيري. أرى ضرورة تطوير الفكر الماركسي بما يتلاءم مع عالمنا المعاصر والتغييرات العميقة التي حدثت في جميع مجالات الحياة منذ طرح ماركس أفكاره، وهذا ما أكده إنجلز زميل ماركس بقوله: “الماركسية دليل للعمل وليست دوجما” – أي ليست نهجا متزمتا لفكرة معينة.
nabiloudeh@gmail.com