يوسف زعرور الموسيقار الموهوب في ذكريات ابن حفيده داوود زعرور
تزوج عام 1932 بفتاة جميلة من عائلة كريمة تدعى نعيمة عبودي وولد لهما خمس بنات وابن وحيد، ورغم عمله التي تطلب بقائه في دار الاذاعة العراقية ساعات طويلة ومرهقة، فقد كان أبا رؤوفا لهم محبا ومشجعا لهم، وارسلهم للدراسة في افضل المدارس البغدادية. وبعد الهجرة والمكوث في “شاعر هعليا” (باب الهجرة) قرب حيفا، انتقلوا أخيرا الى رمات جان، التي فضلها يهود العراق لقربها من مراكز التجارة والدوائر الحكومية والفنية في تل أبيب. ولكي يقيم أود عائلته، ولان صوت اسرائيل باللغة العربية كان في مراحله الأولى، أخذ يوسف زعرور على عاتقه اقامة حفلات خاصة للجالية اليهودية القادمة من العراق. ومع تطور صوت اسرائيل باللغة العربية شارك في برامجها الموسيقية وبعزفه المنفرد على القانون.
وفی محطة صوت اسرائيل ألف فرقة موسيقية لعزف المقامات العراقية مرة في الأسبوع مع المطرب حسقيل قصاب تلميذه وزميله في جالغي بغداد. ولحسن حظه التقى زعرور عام 1952 مع قائد الاوركيسترا الشهير ليناردو برنشتاين وقد اعجب الأخير بمواهب الموسيقار العراقي وعلى عزفه على القانون بدون الاعتماد على النوتات بل عن طريق السماع فقط. وكان برنشتاين يجلس الساعات الطوال الى جانب يوسف زعرور وهو يعزف ويسأله ويحقق ويكتب ما يقوله الموسيقار العراقي بغاية الاعجاب. كما التقى بعازف الكمان الشهير يهودي منوحين وقام الاثنان بعزف ثنائي مع القانون والكمان في كونسرت مشترك لهما.
مساهمة يوسف زعرور في خدمة الجالية اليهودية في العراق.
اتاح له منصبه الهام في محطة الاذاعة العراقية فرص التعرف على كبار رجال الحكم والسياسة ومن اصحاب الحل والربط في العراق وعقد صداقات حميمة معهم، فأصبح يوسف زعرور موئل المحتاجين والمظلومين من اليهود، وكان لا يألو جهدا في مد يد المساعدة لهم، فيلتمس من المتنفذين التوسط لهم ومساعدتهم. كما ساعد ماليا الفقراء والمعوزين والشباب والشابات الفقراء على الزواج ودعم ماليا بعض الكنس اليهودية.
وقبل الهجرة الجماهيرية ليهود العراق وفي السنوات التي سبقت اقامة دولة اسرائيل، بدأ العرب باعتداءات على يهود العراق، طردوهم من وظائفهم بتهمة انتمائهم الى الحركة الصهيونية، وقد ساعد الكثير من اليهود الموقوفين ونجح في اطلاق سراحهم قبل ان يقدموا الى المحاكم العرفية ولهج اليهود بذكر افضاله عليهم.
وهناك حدثان مهمان في حياة الاستاذ يوسف زعرور، الحدث الأول وقع في يوم الفرهود حين كان كعادته منهمكا في دار الاذاعة العراقية، واعلن في ساعات المساء منع التجول في بغداد، وكل من خرق الأمر العسكري كان مصيره اطلاق النار عليه وسرقته. فما كان من صديقه أمين العاصمة أرشد العمري إلا أن ارسل سيارة طوارئ الإطفائية التي تستطيع ان تتجول بحرية الى دار الإذاعة لنقله الى داره وعائلته سالما.
وأما الحادثة الثانية فقد كانت في يوم الفرهود ايضا، الذي وقع في عيد العنصرة (الاسابيع) عام 1941، حين قامت جماهير الرعاع منطلقة في الشوارع بغرض القتل والنهب والاغتصاب واقتحام الدور للاستيلاء على محتوياته عنوة.
وكان عدد كبير منهم قد فر باتجاه مدرسة الأليانس للإلتجاء في بنايته الحصينة فرارا من مطارديهم، غير ان ابواب المدرسة الضخمة كانت مغلقة ، فما كان من السيد يوسف زعرور الا ان تنكر بزي عربي محلي بالكوفية والعقال وتسلسل في درب ضيق وفتح الابواب من داخل المدرسة، فاندفع اليهود الفارين من مطارديهم الى ساحة المدرسة واغلقوا الأبواب عليهم، وبكوا وناحوا وقبلوا ادراج التوراة وصرخوا الى الله متوسلين اليه ان ينقذهم من هذه المذبحة الأليمة. وعندما صعد يوسف زعرور الى سطح المدرسة شاهد الرعاع وهم ينهبون بيوت اليهود ويحطمون ابواب الدكاكين في سوق الشورجة. وبسبب الفرهود عزم الاستاذ يوسف زعرور الهجرة الى إسرائيل تاركا وراءه مجداً كبيراً في مضمار الموسيقى العراقية . ورضي بشظف العيش الذي عانى منه في إسرائيل آنذاك.
المصدر ايلاف