– يخطو شاب يافع عيناه نحو الشرق تسبق خطواته,نضارة وجهه تكشف عن نسبه الرفيع.لا يمسك عصا و لا سيف. يقهر الرمال بإبتسامته.يدوس أرض مصر بهمة كالعاشق المشتاق.يمشى بسرعة ليس فيها تثاقل العبيد فهو ملك و حفيد ملك .هذا القادم من عند العرش إلى عند العرش أيضاً.
ينظر بعيداً و عيناه تختصران الأفق.كل الملامح غريبة ليست مثلما عبر هنا منذ أربعة آلاف سنة .كان وقتها مقيداً كالعبيد و حسرة الخيانة من الإخوة تؤلمه.جاء اليوم مجدداً و مع أن الأرض نفس الأرض لكن كل شيء ما عداها مختلف. أهذه سيناء حين خطوتها؟ أهذه الفرما التي من قبل رأيتها ؟ ما هؤلاء البشر الكثيرين؟ لماذا تزعق الأصوات من المكبرات فوق تلك المبانى؟ من ينادون فوق هذه المبانى الصماء المزعجة؟ أى لغة هذه فى مصر؟ أهذا سوق العبيد الجديد؟ يترقبه الجنود يستوقفونه .لا يجدون في يده أوراق أو هوية.يسألونه بإندهاش كيف أتيت إلى هنا؟هل لديك تصريح بدخول مصر؟ أجابهم فى البدء جئت من غير تصريح ثم صرت أنا الذى أعط تصريحاً بدخولها.يتهكم عليه الجنود, وجهك مصرى لكن قميصك ليس كالقمصان هل أنت مصرى؟ أجابهم أنا حامل أختام مصر و المتصرف في شئونها.فإنبرى جندى ساخر يفتش جلباب الشاب العجيب مبشراً زملاءه ليس بحوزته شيء دعوه فهو بدوى تائه يبدو أن الشمس لحست عقله. ينظر الجندى و يسخر فيلمح في عينيه صرامة مخيفة.يتردد الجندى قليلاً ثم يسأل ما إسمك؟ فيجيب أنا يوسف.وزير وزراء مصر.فيضحك الجميع.ينحني يوسف على رمل الأرض يأخذ قليلا من حباتها.يعطها للجندى.هذه الرمل تعرفني.إسألها.خرجت أصوات ساخرة من الملتفين حول يوسف. و خرجت رعود من وسط حبات الرمل.خاف الجميع و لم يفقد يوسف إبتسامته.يرن جهاز الإستدعاء ومنه يخرج صوت يأمر الجميع بإلتزام الخنادق لخطر وشيك.يجذبون يوسف معهم كي لا يتعرض لخطر لكنه يسحب يده من يد الجندي قائلاً أنجو أنت بنفسك أما أنا فسأكون بخير مهما حصل.
– ترك يوسف حدود سيناء وقرب المدينة سمع خلفه إنفجاراً مهولاً و رأي نيراناً تشتعل و صوت صرخات و تكبيرات .نظر خلفه فوجد وجوهاً شيطانية تتراقص فإلتهبت روحه فى داخله و إنتهرها فسقط مئات القتلى فى العريش كانوا شياطين من البشر.
-إنهمك الجميع في الأحداث و إستمر يوسف فى طريقه.ركب سيارة من سيارات الجيش و أمر السائق أن ينطلق إلى القاهرة.نظر السائق و سأله من أنت؟ أجاب أنا يوسف.يوسف من؟ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.داس السائق فرامل السيارة بسرعة حتي دون أن يتنحي جانباً.قل لي ثانية من أنت. فكرر يوسف الإسم كما قاله.فأجاب السائق :إسمع أنا مسيحي و أعرف يوسف الصديق الذى له نفس إسمك.نظر إلى القميص و أضاف:وربما نفس قميصك .أجابه هادئاً لهذا إخترتك لأنك تعرفنى سر و لا تخف.
– كان السائق يرتجف فكل الأسئلة تتقافز فى مخيلته كالغزلان فنظر إليه يوسف العجيب قائلا له: يا توني تسأل فى نفسك إذا كنت أنا يوسف الصديق فلماذا أحتاج إلى سيارة؟الحقيقة يا توني أنا لا أحتاج إلى السيارة بل أحتاج إليك أنت لتشهد بما سأقوله.إحفظ كل ما سأقوله في ذاكرتك .قال هذا و صمت.قال توني في نفسه إنه يعرف إسمي وإطمأن قليلاً لكن جسده يرتعش.السيارة تمرق كالسهم فى الصحراء و يوسف يردد :هذه السبعة البقرات العجاف.كان توني يعرف حلم فرعون و تفسيره لكنه لم يسأل يوسف عن قصده.
– سأل يوسف سؤالاً لم يخطر ببال توني: لماذا كان إسم خطيب العذراء يوسف وحين هرب السيد المسيح إلى مصر كان معه يوسف البار؟ أجاب توني و هو مشتت الذهن:لا أعرف.ربما لأنه أخذ الأمر من الله ليأخذ الصبى و أمه و يهرب إلى هنا.لكن لماذا كان أسمه يوسف لا أعرف. قال يوسف : الله يزيد.و ساد الصمت من جديد.و فور أن لمح تونى كافيتيريا إنحني بعد أن أستأذن يوسف بطرف عينيه.تلجلج تونى و هو يسأل:هل تأكل أو تشرب شيئاً …مثلنا؟ فجأة ظهر مذبح بينهما و جائت إلى يوسف تنهيدة من عصر بعيد بعيد قائلاً مات رئيس الخبازين وأيضا بعد زمن مات رئيس السقاة لكن هذا الخبز و هذه الكأس فى وسط أرض مصر لا يموتان. لم يأكل تونى و ما شرب إذ إختفي كل شيء من قدامهما فجأة كما ظهر.ثم أعطاه يوسف ورقة قديمة نظر توني فيها و لم يفهم فأجاب يوسف الصديق هذا هو الإصحاح الخمسون من سفر التكوين باللغة العبرية.
– وجد توني نفسه قرب مصر الجديدة و لم يدر كيف و لا ماذا قال يوسف طوال الرحلة لكنه أفاق حين قال يوسف و السيارة تدور في الميدان: هنا كان المصريون يعبدون رع و ظنوا أنه إله الشمس حتى أخبرتهم بإله الكون كله.لكنني أري نفس الأوثان فى المبانى المقببة و روح كذب تسكنها.ما فهم تونى كثيرا ,سأل أيها القديس إلى أين ؟أجاب إلى قصر الرئاسة. تردد تونى قليلا قبل أن يعلن عن مخاوفه.أيها البار أنا ليس مصرحاً لى بأن أكون هنا لا أنا و لا السيارة لكنني أطعتك فإفعل ما أتيت لأجله و أنا مستعد لأى ثمن لطاعتك إذ تكفيني صحبتك السمائية. هل ستأخذني معك فى مقابلتك؟أجاب ستكون بالقرب منى.نزل الإثنان من السيارة و الوقت قارب على الغروب.الظلمة تستعد لكي تكسو مصر .
– إستوقف الحرس الشابين.قال يوسف إذهبوا قولوا للرئيس أن يوسف صاحب القميص جاء.سادت القهقهات كل أفراد الحرس الواقفين و قياداتهم بسبب الكلام و بسبب القميص أيضاً. قطع الضحك تليفون من ديوان الرئاسة و بدأ الجميع يتمسحون بأسف بين يدي يوسف الذى لم يلتفت بل مضى داخلاً و تبعه تونى فى ذهول.
– يوسف البار طمأن توني قائلاً ستبقي هنا لا تخف .أنت شاهدى فحسب ثم عانقه و دخل إلى مكاتب تؤدى إلى مكاتب حتى مكان داخلى إنزوي فيه الرئيس و في يده أوراق.بينما كان توني بالخارج و يداه ضارعتان تكادا تطولان السحاب و عيناه ممتلئان بنور إلهى.حقاً ما أجمل صداقة السمائيين.
– دخل يوسف يلملم قميصه : هل أنت فرعون هذا الزمان؟ ترك الرئيس أوراقه و نظر إلى يوسف بكل إندهاش.من أنت؟ أجاب أنا يوسف الذى كنت أجلس مكانك منذ زمن سحيق.فقال السيسى ليس فى تاريخنا رئيس أسمه يوسف.أجابه ليس في تاريخكم أنتم لكن في تاريخ الحق الإلهى تجدني.سأل الرئيس فجأة وجدت إسمك فى جدولى و لا يوجد سبب للمقابلة فكيف هذا؟ أجاب إنه إلهى الذى يريد بك خيراً.إسمع لن أبق هنا كثيراً.أترك أوراقك و إسمعني .بفطنة رجل ذكى سأل الرئيس : هل أنت أحد القديسين الذين يظهرون أحيانا و يصنعون معجزات؟ أراك لست من زمننا و لا هيئتك و لا ملابسك و قرأت في يوميات عبد الناصر و مبارك أن قديسين كانوا يزورونه؟أجاب يوسف : كانوا يحذرونهم لئلا يستهينوا بشعب المسيح.فسأل الرئيس أأنت منهم؟ أجاب يوسف نعم و منهم عرفت ما تصنعونه في شعب الله.
– لكنني أكثر الرؤساء تعاطفاً مع الأقباط.ألا يكفي هذا. صار لكنائسهم قانون خاص: صاح يوسف بصوت مخيف: حتى لو هذا صحيح أقول لك هيرودس بني الهيكل و و بحث عن رب الهيكل ليقتله كذلك إبنه هيرودس أيضا صلب المسيح. مسيحنا لا تهمه الأبنية؟ بل يهمه خلاص الجميع؟ فقد الرئيس تماسكه: هل جئت لتقبض روحى أم تنتقم كما فعلتم مع السادات و مرسى؟أجاب لا أقبض أرواح الناس و الله هو الذى إنتقم لشعبه و ليس غيره.لم يأت ميعادك بعد.لكنني جئت لأقول أنه قريب.
– هل إلهكم سيؤدبني كما فعل في الضربات أنا قرأت كتابكم و أحب ما فيه؟ أجابه يوسف بصرامة إذا صدقت نواياك فالله قادر أن ينير قلبك و تعرفه.إسمع .كفي بناء أوثان في مصر.السنين العجاف تحتاج العدل.بالعدل فاض الخير حتى في السبعة عجاف بل و فاضت بالخيرات.الظلم هو سبب فقركم.الحب الصادق دواءكم.هنا دمعت عينا الرئيس :آه تذكرتك أنت يوسف العفيف الذى حكم الرجل الثاني بعد فرعون.نعم أنا هو يوسف هذا.فتودد الرئيس :هل لديك نصيحة ننقذ بها مصر من ضيق حالها؟ أجاب يوسف : سأقول لك و إن لم تفهم ما أقول فإحفظه و سأرسل لك رجلاً من الكنيسة ليفسره لك.
– أنا البرئ الذى سجنوه لأجل وشاية كاذبة فلا تحكموا بالوشايات.الله وضعنى قدام الملك فلم أشته العرش و لا إنخدعت بمن عليه.من لا يترك العرش سيتركه العرش.القضاء يترنح و الحراس خائنون و الكاذبون يدعون الصدق ينشرون الدم لا التقوى فإقتص من أهدابهم.صوت مياه تأتي صوت مياه تذهب و الأرض عند الجسر مشتعلة فلماذا لا تسألون أين البركة.جئتكم بقميصي لأنى أحب أبي الذى أهداني القميص و أمي التي صنعته.فالآن يا حكام مصر أحبوا آباءكم و أكرموا أمهاتكم . كنتم منهم لكنكم منهم خرجتم و صرتم تابعي الكذاب.إن لم تفيقوا سريعاً تندموا فأتركوا شعب المسيح ينعم بالسلام و إلا يسكن الموت كل الكراسى العالية. حتى أنكم إليهم تتوسلون أن يصلون لأجلكم من لدغ العقارب و لن تشفوا.إحذروا خناجر الطائفين في الشوارع.جئتكم لتصالحوا شعب القدوس و ترون من ينقلب ضده حين تأكله الأفاعى .في دياركم ترتع الحيات و الرب لا زال قابض رأسها فإنتبهوا. الجزر تغرق فلا تتكلون على غير الرب.بيوتكم ملآنة بالغادرين فإطردوهم لأن رائحة الموت تتصاعد من كل أبنيتكم.عمامات الفريسين قاتلة و وصاياهم كاذبة.الأيام تسرع فإسرعوا و إسألوا كيف تحصل النجاة.الكأس يتخمر لكنني لست رجل الضربات.سأمض الآن فإن تستجب تصبح ذو شأن عظيم و إن تستهن فإله رجل الضربات يعرف كيف يكسر المتكبرين.موسى فى الطريق فإحترسوا و هو يعرف كيف تكون الضربات.يا شعب المسيح: المنافقون يبيدون و ناكرى الهيكل يقضون نحبهم في رجسة الخراب.خذوا بالإيمان بالغفران و الصلاة طريقاً.لتكن المحبة الأولى حاضرة دوماً و ليملأكم سلام المسيح.
– خرج يوسف و ترك الرئيس يدون بعضاً مما قال.كان توني بالخارج يتلألأ كالنجوم من صداقة يوسف العظيم.سأل هل قابلت الرئيس؟ أجابه نعم و سأعود ثانية.فيما هما يتكلمان وجد توني نفسه عند باب وحدته فى العريش و لم يكن أحد معه.كان يؤدي نوبة الحراسة النهارية.نظر حوله و فوقه لم يجد أحداً.ظن أنه كان شارد الذهن.البرودة قاسية.وضع يده في جيبه فوجد ورقة أخرجها فوجدها باللغة العبرية و هو لا يعرف العبرية لكنه عرف أنها الإصحاح الخمسون من سفر التكوين.