يا نفسُ مالك والانين … تتألَّمين وتُؤلمين
عذَّبتِ قلبي بالحَنين … وكَتَمتِهِ ما تقصُدين
قد نامَ أربابُ الغرام … وتَدَثَّروا لُحفَ السَّلام
وأبيتِ يا نفسُ المَنام … أفأنتِ وحدَكِ تشعُرين
الليلُ مرَّ على سواك … أفما دهاهم ما دَهاك
فلم التمرُّدُ والعِراك … ما سُورُ جسمي بالمَتين
أطلقتِ نَوحَك للظلام … إيَّاكِ يَسمَعكِ الأنام
فيَظُنَّ زَفرَتك النِّيام … بوقَ النُشورِ ليوم دِين
يا نفس ما لك في اضطِراب … كفريسةٍ بين الذئاب
هلا رجَعتِ إلىالصواب … وبدلتِ رَيبَكِ باليقين
أحمامةٌ بين الرياح … قد ساقها القدرُ المُتاح
فابتلَّ بالمطر الجَناح … يا نفسُ ما لكِ ترجُفين
أوَما لحُزنِكِ من بَراح … حتى ولو أزِفَ الصَّباح
يا ليت سرِّك لي مُباح … فأعي صَدى ما قد تَعِين
أسَبَتكِ أرواحُ القَتام … فأرَتكِ ما خلفَ اللِّثام
فطمِعتِ في ما لا يرام … يا نفسُ كم ذا تَطمَحين
أصعِدتِ في رَكبِ النُّزوع … حتى وصلتِ إلى الرُّبوع
فأتاكِ أمرٌ بالرُّجوع … أعلى هُبوطكِ تأسَفين
أم شاقَك الذِّكرُ القديم … ذكرُ الحِمى قبلَ السَديم
فوقَفتِ في سِجن الأدِيم … نحو الحِمى تتلفَّتين
أَأَضعتِ فِكراً في الفَضاء … فتبعته فوقَ الهَواء
فنأى وغلغلَ في العَلاء … فرَجَعتِ ثَكلى تَندُبين
أسلكتِ في قُطر الخَيال … دَرباً يقودُ إلى المُحال
فحطَطتِ رَحلكِ عند … آل يَمتصُّ رِيَّ الصادرين
فنسيتِ قصدك والطِّلاب … ووقَفتِ يذهِلُك السَّراب
وهرَقتِ فضلاتِ الوِطاب … طمعاً بماءٍ تأمُلِين
حتى إذا اشتدَّ الأوام … والآلُ أسفر عن رُكام
غيَّبتِ رأسك كالنَّعام … في رمل قلبي تَحفرين
أعشِقتِ مثلَكِ في السماء … اختاً تَحِنُّ الى اللقاء
فجلَستِ في سجنِ الرَّجاء … نحوَ الأعالي تَنظُرِين
لوحتِ باليد والرِّداء … لتَراكِ لكن لا رَجاء
لم تدرِ أنك في كِساء … قد حِيك من ماءٍ وطِين
أَتحولُ دونكما حَياه … لو كان يبلوها الإله
لبكى على بشَرٍ بَراه … رَحماً يُصارعُها الجنِين
يا نفسُ أنت لك الخُلود … ومَصِيرُ جسمي للحود
سَيَعيثُ عينَك فيه دود … فدعى له ما تَنخرِين
يا نفس هل لك في الفِصال … فالجسمُ أعياه الوِصال
حمَّلتِه ثقلَ الجِبال … ورَذَلتِه لا تَحفِلِين
عطشٌ وجوعٌ واشتياق … اسفٌ وحزنٌ واحتراق
يا ويحَ عيشي هل تُطاق … نَزَعاتُ نَفسٍ لا تِلِين
والقلبُ وا أسفي عليه … كالطِفلِ يَبسط لي يَدَيه
هلا مدَدتِ يداً اليه … كالأمَّهاتِ إلى البنين
غذَّيته مُرَّ الفِطام … وحرمته ذَوقَ الغَرام
وصنعتِ شيخاً من غُلام … يَحبو على بابِ السِّنِين
فَغَدا كَحَفَّار القُبور يَئِدُ … العَواطفَ في الصُّدور
ويَبيتُ يَهتِفُ بالثُّبور … يَشكو اليك وَتشمتِين
أعمى تُطاعِنه الشُّجون … وجراحهُ صارت عُيون
وبها يرى سُبلَ المَنُون … فيسير سَيرَ الظافرين
حتى اذا اقتربَ المُراد … تُطلى رُؤاه بالسَّواد
ويعود مكفوفاً يُقاد … برَنين عُكَّازِ الحَنين
يتلمَّسُ النورَ البعيد … بأناملِ الفِكر الشريد
ويسيلُ من فَمِه النَشيد … سَيلَ الدِماء من الطَعِين
أرأيتَ بيتَ العَنكَبوت … وذُبابةً فيه تَموت
رقَصت على نغَمِ السُكوت … ألَماً فلم يُغنِ الطَنِين
فكذاك في شرَكِ الرَجاء … قلبي يلذُّ له الغِناء
ما ذاكَ شَدواً بل رثاء يبكي … به الأمَلُ الدَفين
يا نفسُ إن حُمَّ القَضا … ورَجَعتِ أنت إلى السما
وعلى قميصك من دِما قلبي … فماذا تصنعين
ضحَّيتِ قلبي للوُصول … وهرَعت تبغين المثُول
فاذا دُعيتِ الى الدُخول … فبأيِّ عينٍ تَدخُلين