أمين قمورية
المقولة التي تنسب الى عمرو بن العاص عن مصر: “نيلها عجب، نساؤها لعب، رجالها عبيد لمن غلب”، لم تكن قط موفقة وهي تجافي الحقيقة. لقد نفيت تماما بعدما فاجأ الشعب المصري نفسه عندما هب هبته الأحد لاستعادة ثورته المخطوفة، مثبتا ان نساء مصر ورجالها وشيبها وشبابها شجعان وجديرون بالكرامة والحياة، عصيون على الاستبداد وعلى التعليب.
الشعب المصري أذهل العالم بثورة التصحيح وتصحيح الثورة وصار درساً للشعوب الطامحة الى الحرية في كل ارجاء العالم. ولعله الدرس الافضل الذي يتعين على السوريين ان يتعلموه نظاما ومعارضة وجيشا.
ثورة مصر الجديدة اسقطت مقولة النظام السوري ان البديل منه هو الفوضى والارهاب والجماعات الجهادية بعدما قصف عمر التسوية برفضه الحوار حتى مع القوى الاسلامية المعتدلة بذريعة انها “طالبان” ومن شأنها ان تحوّل سوريا أفغانستان جديدة. فإذا كانت مصر المؤمنة رفضت ان تتلقى دروساً من “الاخوان” في التدين، فكيف يكون حال الاصوليين والسلفيين في سوريا حيث التنوع الديني والطائفي أكبر والانفتاح على الآخر اوسع اذا حاولوا رفض نمطهم الرجعي والتكفيري على السوريين؟ علما ان مصر هي مهد “الاخوان” ومدرستهم الاولى مع كل ما تفرع عنها من افكار جهادية او دعوية، في حين ان سوريا في هذا المجال فرع وليست اصلا. ولو تسنى لـ”الاخوان” ومشتقاتهم حكم سوريا لن يكون مصيرهم أفضل من مصير أمثالهم في مصر!
وبموجاتهم الثورية المتتالية، تمسك المصريون بسلميتها على رغم التنكيل الذي اصابهم من النظام الامني الساقط والنظام “الاخواني” الذي ورثه، ولم يراهنوا كثيرا على الخارج على رغم الاغراءات الكثيرة لجذبهم من هذه الدولة العربية او من تلك الدولة. ولعل هذه هي السقطة الأهم التي عانتها المعارضة السورية بأكثر تلاوينها ولاسيما منها تلك المقيمة في فنادق العواصم الاجنبية. فلو آمنت هذه المعارضة بقدرة شعبها – وهو أثبت فعلاً استعداده لبذل أغلى التضحيات من أجل حريته – لما أصيب هذا الشعب بهذا الجرح الكبير النازف ولما تعرضت الثورة للشوائب الاخلاقية ولظل التعاطف العربي والدولي الكبير معها مثلما يحصل اليوم مع شعب مصر. كذلك فإن ارتماء بعض قادة المعارضة السورية في احضان الخارج لم ينقذ الشعب السوري بل عمق جرحه وزاد الدمار دمارا.
جيش مصر ايضاً بناه نظام وأغدق عليه الهدايا والمغريات، لكنه أثبت ان الولاء للوطن أعلى من الولاء لنظام. فلم يحم مبارك ولم يوقف المد الشعبي ضد “الاخوان” ولم يتنطح لانقلاب، فصار خشبة الخلاص لشعبه والضامن لحريته فكسب وده، ونزل بيانه امس على المصريين برداً وسلاماً، وخصوصاً بعدما تعهد حماية الديموقراطية وضمان المشاركة السياسية للجميع. فليت الجيش السوري يحذو حذوه!
*نقلاً عن “النهار” اللبنانية