علي الرز : العربية
علي الشاب الطيّب الشهم المؤمن المولود في جبل عامل في جنوب لبنان، نشأ على كره إسرائيل وظُلم المجتمع الدولي الداعم لها والتخاذل العربي. توزّعت طفولته بين قذائف المدافع الآتية من خلف الحدود وبراميل الطائرات ودبابات الميركافا.. توزّعت لاحقاً على حواجز الفلسطينيين وسلطة أمرائهم وصراعات فصائلهم وفائض قوّتهم وتعسّفهم وتَحكُّمهم برقاب البلاد والعباد.
اختار علي الانضمام إلى المقاومة بعد الغزو الإسرائيلي، وبالتالي إلى “حزب الله”، وهو الخيار الذي انسجم مع إيمانه وتاريخه وإرادته ومعتقداته. اختار الحزب الذي وجد فيه ترجمة لكل ما تمنّاه. التزام ديني. استعداد للشهادة من أجل الهدف. تحديد واضح للعدو. أصبح شريكاً في الحرية والتحرير، وشاهداً على قوافل الشهداء ومواكب الفرح.
طاعته المطلقة لقيادته التي صار متيقناً من أنها قيادة لا تخطئ، تزامنت مع التكليف الشرعي بحيث لم تعد القناعات خياراً سياسياً إرادياً نابعاً من هامش واسع من التفكير بالصح أو الخطأ. الصح هو ما يقرّره القائد العام، والخطأ هو ما يقرره القائد العام، ولذلك فإن التحديد الواضح لـ”العدو” لم يعد بذاك الوضوح المسمى إسرائيل، بل ربما ارتدى لبوساً آخر “في الطريق” إلى اسرائيل… أو منها.
اصطدم علي بفلسطينيين من فصائل مختلفة. قاتل وقتل. صلى على جثامين إخوة له سقطوا ليس على الحدود الجغرافية، إنما على حد القرارات القيادية، فالحرب مع هؤلاء جزء من الحرب ضد “العدو”، ويكفي أن يقال إنهم يخدمون العدو أو يتخابرون معه، ويتآمرون على المقاومة حتى يشتغل التكليف الشرعي آلياً، وتشتعل إرادة الذود عن أشرف الناس بالروح وبالدم… ولاحقاً يعود “الضالون” إلى ضمائرهم وخطّهم، فتتصالح القيادات، ويبقى الشهداء شهوداً على حماية المقاومة ودحْر المؤامرة ضدّها.
بالمنطق نفسه، حارب علي أشقاءه حسين ومحمد وحسن وبلال وغالب وغيرهم من عناصر حركة “أمل” المقاوِمة أيضاً، في القرى وداخل المنزل الواحد. القيادة لا تخطئ، ورفاق الجنوب والمذهب والطائفة والدين والسلاح اجتهدوا في وجهة أخرى تم تفسيرها بأنها تضرب المقاومة، وتؤدي إلى إضعافها. يومها انتصر علي في بعض الجبهات، وقتل مَن قتل، وحرم أمهات من فلذات أكبادها، وخطف أرواح شباب في عمر الورد، وسمع زعيمهم يقول وهو يؤبّن القتلى إن الوحشية التي ارتُكبت ضد عناصر “أمل” لم ترتكبها إسرائيل… لاحقاً يعود “الضالون” إلى ضمائرهم وخطّهم، فتتصالح القيادات ويبقى الشهداء شهوداً على حماية المقاومة ودحْر المؤامرة ضدّها.
علي تعامل أيضاً مع “الضالين” في الأحزاب والقوى الوطنية بالقوة نفسها التي تعامل بها مع إسرائيل، بل أعاد بعض مقاتليهم وأنصارهم إلى بيوت أهلهم مقطّعين بالبلطات والفؤوس للدلالة على عدم تهاون المقاومة في قطْع اليد التي تمتدّ إليها ولو اضطرّ الأمر إلى تقطيع الجسد كله… ولاحقاً يعود “الضالون” إلى ضمائرهم وخطّهم، فتتصالح القيادات ويبقى الشهداء شهوداً على حماية المقاومة ودحْر المؤامرة ضدّها.
لم يعد العدوّ إسرائيل وحدها، ففي الطريق إليها أو العودة منها هناك “ضالون”. يمكن أن يكون تجمع “الأحباش”، وهو فصيل علاقته ممتازة مع الاستخبارات السورية، ضلّ الطريق مرة فتحترق بيروت لإعادته إلى جادة الصواب، ويمكن أن يكون “العدوّ” في مناطق قصقص والطريق الجديدة وقريطم والمزرعة ورأس النبع، فلا بدّ من “اليوم المجيد” لإعادة أبنائها إلى جادة الوطنية أو إرسالهم إلى المقابر بدم بارد… ودائماً دائماً يعود “الضالون” إلى ضمائرهم وخطّهم، فتتصالح القيادات ويبقى الشهداء شهوداً على حماية المقاومة ودحْر المؤامرة ضدّها.
اليوم، يجد علي نفسه يحارب “العدو” في سوريا. يطلق النار على الشعب الطيّب الذي احتضن أهله كلما هجرتهم إسرائيل، وفتح لهم قلبه قبل منزله. هذا الشعب الذي تجرأ على قول “لا” لحاكم مستبدّ يجب أن يعاقبه الحزب. أرسلوه تارة إلى دمشق بحجة حماية المقامات، وطوراً لحماية لبنانيين يعيشون في سوريا… الحجة غير مهمّة، المهمّ أن إسرائيل استطاعت تجنيد عشرين مليون سوري، بعضهم عن علم وبعضهم عن ضلال، للتآمر على المقاومة، وزرعت مقاتلين تكفيريين لكسر محور الممانعة الممتدّ من الجمهورية الإسلامية وحتى الضاحية الجنوبية… وأنت تعرف قبل غيرك يا علي مَن احتضن التكفيريين في إيران ومَن آواهم في سوريا ومِن أيّ سراديب خرجوا.
لم يعد “الضالون” بعد إلى ضمائرهم لأن المعركة لم تُحسم، لكن رفاق علي يعودون بالنعوش من سوريا، ولم تعرف قيادة الحزب حتى الآن التسمية التي ستطلقها على مَن يقتل. هل تقول: “سقط الأخ المجاهد (فلان) شهيداً وهو يدافع عن أهله السوريين ضد المذابح التي يتعرضون لها؟ سقط مدافعاً عن الطفل حمزة الخطيب أو الطفلة أسماء أبو اللبن أو الشابة فاطمة خالد سعد أو الشاب غياث مطر أو إبراهيم القاشوش أو زينب أو مريم …؟”.
مَن الذي ضلّ الطريق وضيّع الهدف يا علي …؟
على مَن تطلق الرصاص يا علي …؟
متى تستفيق يا علي …؟ متى تعود إلى عقلك وضميرك ورشدك لتعرف أن ما أوهموك بأنه “التكليف الشرعي” هو في الواقع إبرة التخدير التي تلغي كل حواسك باستثناء حاسة القتل؟ ومتى ستدرك أن رخصة القتل لا يجيزها أي تكليف، خصوصاً تجاه أهلك وإخوانك في الدين والإنسانية؟
لا داعي للإجابة يا علي، فهي معروفة… وكم يكون المرء محظوظاً إذا كانت إجابتك لفظية فقط.