ويكليكس: رسالة “خطيرة” من سفارة واشنطن بدمشق إلى حكومتها حول الإخوان المسلمين

في وثيقة سرية مؤرخة في 26 فبراير/شباط 1985، بعنوان “الإخوان المسلمون في سوريا”، سربها موقع “ويكليكس” وترجمتها “زمان الوصل”، تنقل السفارة الأمريكية في دمشق إلى حكومة بلادها “إفادة” حول “إخوان سوريا”…

الوثيقة مترجمة حرفياً وتؤكد “زمان الوصل” أنها فقط وضعت عناوين فرعية بسبب ضخامة النص (3000 كلمة)، وهي على مسافة واحدة من جميع التيارات السياسية السورية:

ملخص: الجماعة الشعبية الوحيدة التي شكلت خطرا كبيرا على نظام الأسد – جماعة الإخوان المسلمين- لم تتعاف من الانقسامات الداخلية التي عانت منها، ومن الضربة المدمرة التي تلقتها في حماة.

العفو الذي صدر في 25 يناير عن بعض المنفيين من جماعة الإخوان بعيد كل البعد عن أن يكون عفواً عاماً؛ لربما كان عدد قليل من الإخوان المسلمين مشتركون في المفاوضات وأقل منهم هم من استفاد من العفو. لقد تم استخدام العفو لتلميع صورة الأسد “الخيّر” في الفترة التي قادت إلى استفتاء 10 يناير. هو ما يشير إلى حالة من الضعف المستمر لجماعة الإخوان المسلمين.

انتهى الملخص.

الإخوان المسلمون السوريون: هزموا… انقسموا و فقدوا مصداقيتهم:

منذ حملة الاعتقالات الكبيرة التي بدأت في ديسمبر 1981 وتدمير حماة في فبراير 1982، تم ترويض جماعة الإخوان المسلمين. في هذه الأثناء، فإن مشاكل حافظ الأسد الداخلية حرمته من العمل في أماكن أخرى مهمة، وهذه المشاكل تتمثل في حالته الصحية وهيمنة أخيه رفعت على السلطة.

عادة ما يشار إلى حماة على أنها تشرح حالة السقوط الكامل لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن الشرح أكثر تعقيداً.

قبل فترة طويلة من أحداث حماة، في فترة السبعينات، انقسم الإخوان المسلمون إلى ما لا يقل عن ثلاث تيارات، فقد كان هناك و لا يزال مجموعة تتمركز في آخن غرب ألمانيا، تحت قيادة عصام العطار الذي طرد من سوريا عام 1964.

في بداية عام 1970 قررت الجماعة في سوريا أنها بحاجة إلى زعيم أكثر قربا من البلاد، لأن العطار كان بعيداً عن الجماعة. في الوقت الحالي، وفقا لزملائنا الألمان، فإن العطار أصبح مسناً ومريضاً ولا يزال يعيش في آخن، وأصبح مجرد مفكر ديني، ويبدو أنه لم يعد يمتلك الكثير من النشاط…

قيادة الإخوان المسلمين انقسمت إلى توجه سياسي و آخر عسكري، التوجه السياسي كان ولا يزال يخضع لقيادة رجال مسنين (تاريخ ميلادهم يعود إلى العشرينات والثلاثينات) مثل “عدنان سعد الدين” و “سعيد حوى” و الإخوة البيانوني. هؤلاء الرجال إما موجودون في بغداد أو يتنقلون ما بين بغداد و عمان.

المجموعة السياسية بقيت أسيرة القالب التقليدي لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين، المصري حسن البنا: حيث بدوا رجالا “أصوليين” يريدون بناء دولة تقوم على القرآن، ولكنهم يقبلون في نفس الوقت أفكارا غربية إنسانية و برلمانية معينة.

في بداية السبعينات، اعتنق هؤلاء الرجال فكر العمليات العسكرية “الجهاد” خلافا لضعف للتوجه العسكري الضعيف لدى “عصام العطار”، و لكنهم كانوا يشعرون في نفس الوقت بالغضب من الحالة العسكرية النشطة “لذوي النزعة العسكرية” والتي تطورت في منتصف السبعينات.(للمفارقة، فإن العطار اليوم أكثر تحالفا من الناحية الأيدلوجية مع التوجهات العسكرية مما هو مع التوجهات السياسية).

العسكرة…

“النزعة العسكرية” كانت تخضع منذ البداية لقيادة مجموعة أكثر شبابا، منذ إنشائها في منتصف السبعينات، عرفت باسم “الطليعة المقاتلة للمجاهدين”. وكانت مستعدة للجوء إلى أي شكل من أشكال العنف ( مثل التفجير الذي نفذته في مدرسة المدفعية في حلب عام 1980، والذي أدى إلى مقتل 50 شخص). وقد رفض قادتها الأفكار الغربية وأي شكل من أشكال المساومة مع الحركات العلمانية و أي رحمة تجاه العلويين. شدة تعصبهم جعلت منهم نموذجاً سنّياً يحاكي الخمينيين (الشيعة في إيران). قادة هذا التوجه قتلوا واحدا تلو الآخر على يد قوات أمن الأسد، وذلك عندما بدأ الأسد بتصعيد حملته ضد الإخوان المسلمين بين عامي 1979 و1980. الزعيم أو”الخليفة” كما كان يطلق عليه من قبل أتباعه الذي حل مكانهم اسمه “عدنان عقلة” (مواليد 1950). 

الجبهة الإسلامية والقبض على 400 ضابط رفيع

مع مرور بعض الوقت، تم البدء بتشكيل “الجبهة الإسلامية” و إعلان “بيان ثورة سوريا الإسلامية” في نوفمبر 1980 (تم التوقيع عليه من قبل عدنان سعد الدين وسعيد حوى وعلي البيانوني)، حيث أطلق على الأخير لقب الأمين العام للجبهة الإسلامية، وكان التعاون على أعلى درجاته بين الإخوان المسلمين في ذلك الوقت. وقد انضم عصام العطار للجبهة وبينما قام كل من “عقلة” وأصحاب “التيار السياسي” بعقد مفاوضات في محاولة لتسوية الخلافات. ويبدو أنهم نسقوا بينهم لمحاولة تنفيذ انقلاب ضد الأسد، سوف يقترن بثورة شعبية كبيرة في سائر أنحاء البلاد. (كما إنهم أملوا في الحصول على مساعدة خارجية من العراق تحديداً). ويبدو أن لدى الإخوان المسلمين العديد من المتعاطفين معهم في العديد من دوائر النظام، ومن ضمن هؤلاء ضباط برتب عالية في القوات المسلحة. التقارير الصحفية في تلك الفترة توحي بضعف شديد في التنسيق و التخطيط. وقوات أمن الأسد أخذت علما بالمؤامرة وبدأت بشن حملة اعتقالات كبيرة نهاية عام 1981. تذكر التقارير أنه تم إلقاء القبض على 400 ضابط رفيع المستوى في يناير 1982. مع مرور الوقت تمركز رجال الأسد في مقر جماعة الإخوان المسلمين في حماة، وفي 2 فبراير 1982 اخترق رجال الأسد على الأرجح بنية الإخوان المسلمين. وأجبر الإخوان المسلمون في حماة على اتخاذ موقف أو الاعتقال والإعدام، الأعداد الكبيرة من القوات المسلحة التي أرسلها الأسد إلى حماة، والحصار الذي استمر لعدة أسابيع أدى إلى سقوط آلاف القتلى. (مصادر الطليعة في سبتمبر 1982 ادعت أن ما يقرب من 6000 من قوات الأسد و 400 من “المجاهدين” و 15000 مدني قتلوا. مؤخرا يشير السوريون إلى أرقام أعلى من ذلك بكثير). 

الطليعة

الطليعة و التيار السياسي” كانوا قد أوقفوا مفاوضاتهما في ديسمبر 1981. وذلك في الوقت الذي بدأت فيه حملة الاعتقالات الكبيرة، قبل حملة حماة بشهرين. ولهذا فإن حماة نفسها، لم تكن سبب الانقسام النهائي، على الرغم من وجود شعور قوي ضمن “التيار السياسي” بأن الطليعة أفشلت مهمتهم في حماة. حالة الانقسام أصبحت رسمية عندما انضم ” التيار السياسي” إلى “التحالف الوطني لتحرير سوريا” الذي أسس في مارس 1982، ومع 19 حركة وفرداً معارضاً معظمهم علمانيون مستقرون في العراق، كان سعد الدين يمثل الجبهة الإسلامية في التحالف الوطني، الذي كان يضم أيضا جناح بعث العراق (ميشيل عفلق)، والحركة الاشتراكية العربية (التي يقودها حليف عفلق السابق أكرم الحوراني) و الناصريين، فضلا عن أفراد مثل الدكتاتور السوري السابق أمين الحافظ.

تشكيل التحالف الوطني أشار إلى أي مدى سقطت معه جماعة الإخوان المسلمين، فهي لم تخسر الكثير من بنيتها التحتية المزروعة داخل النظام والكثير من قواتها المقاتلة فحسب، ولكنها شهدت حالة انقسام و لوث التيار السياسي نفسه بالتحالف مع مجموعات بعيدة عن فكرة الدولة الإسلامية، وقد أسلمت نفسها لقبضة النظام العراقي. ولم يكن غريبا أن الفترة التي تلت تلك الأشهر المدمرة، من ديسمبر 1981 إلى مارس 1982، شهدت قلة أو انعداماً في النشاطات الإرهابية التي تعزى إلى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وفي الواقع كان النشاط السياسي ضئيلا أيضا. (الاجتياح الإسرائيلي للبنان في يونيو 1982، كان عاملاً مساعداً أيضاً، لأنه كان للاجتياح تأثير على تركيز الجماهير السورية ضد العدو الواضح، ونشاط الإخوان المسلمين – حتى بغض النظر عن صدمة حماة – سوف يحظى بتعاطف شعبي أقل من الوضع العادي). 

البعثيون العراقيون

من المشكوك فيه أن جماعة الإخوان المسلمين في سوريا تلقت على الإطلاق دعماً خارجياً واسعاً. مع تمزق بنيتها الداخلية وتلطخ سمعتها بين الأصوليين أنفسهم وفي صفوف الجماهير السورية ككل، يبدو أنه كان يتوجب عليها البحث عن دعم خارجي أكبر. على كل حال هناك قيود أساسية تجعلنا نصدق أنهم لم يحققوا ذلك النجاح الكبير…

على الأقل البعثيون العراقيون العلمانيون استقبلوا بعض قادة التيار السياسي بأذرع مفتوحة. ولكنهم أغلقوا الباب أمام الطليعة. (حيث لم يكن بمقدور عقلة أن يجد ملجأ هناك. وفقا لبعض التقارير فقد اعتقل عندما حاول العودة متسللاً إلى سوريا سواء عام 1983 أو 1984، حيث لم يسمع عنه شيء في الوقت الراهن). أحد الأصدقاء الأردنيين قال إن العراق لربما يدرب الإخوان المسلمين الآن، ولكن بطريقة محدودة. على ما يبدو فإن النظام العراقي لم يكن يقر بأي عمليات لا تخضع لسيطرته بصورة تامة.

الأردن حافظ على ارتباط ذكي بالإخوان وربما سمح لجميع الفصائل المنضوية تحت جناح الإخوان المسلمين بحرية الحركة، ولكنه سيكون في منتهى الغضب فيما يتعلق بأي عملية ضد سوريا، يمكن أن يعتقد أنها انطلقت من الأردن أو تم التخطيط هناك. وعلى ما يبدو فإن الأردن لم يقدم سوى القليل من المساعدة الفعالة، كما أنه يشك في جميع نشاطات الإخوان المسلمين. 

ياسر عرفات والإخوان

أما رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات فلديه تاريخ طويل من التعاون مع الإخوان المسلمين (وهو واحد من أسباب كراهية الأسد له)، و لكن قدرة عرفات على تقديم المساعدة ليست كبيرة إلى ذلك الحد. عرفات والمؤسسون الآخرون لحركة فتح كانوا أنفسهم أعضاء في الإخوان المسلمين، كما أن الفدائيين والإخوان تدربوا سوياً في الأردن قبل عام الحرب الأهلية عام 1970. وحتى وقت قريب، عرفات و الشيخ شعبان زعيم حركة التوحيد في طرابلس، لبنان،كانا حلفين مقربين إلى أن أخرج عرفات من لبنان عام 1983. (نعتقد أن شعبان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وأن بعض من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين هربوا بعد حماة وجدوا ملجأ لهم في طرابلس وشكلوا جزء من حركة التوحيد). مساعدات عرفات المباشرة – على الأقل بشكل مشاركة مباشرة في التنظيم والتدريب- لربما تعطلت بسبب طرده من طرابلس، ونحن لسنا متيقنين من الدرجة التي وصل إليها التعاون. 

دعم ايران القديم

إيران كانت بمثابة لعنة على التيار السياسي، سواء بسبب دعمها الأسد العلوي أو لارتباط التيار السياسي مع العراق. وعلاقة إيران بالطليعة أكثر تعقيداً، فالطليعة تناهض إيران لأن الأخيرة تدعم الأسد، بينما يتصلان بتعصب مشترك، وقد يكون لدى الطليعة إدراك بأن علاقة إيران مع الأسد هي مجرد تكتيك، ولهذا فإن إيران ليست “بعيدة عن تغيير مواقفها”.

السعودية…

السعودية بالمثل كانت معروفة بدعمها المالي الهائل لنظام الأسد، ولكننا سمعنا شائعات كثيرة بأن الرياض قدمت أيضا مساعدات مالية وملجأ لمجموعة معينة من الإخوان المسلمين.

الدبلوماسية السعودية تنفي أي ارتباط لها مع أي من أعضاء الإخوان المسلمين، مؤكدة إنه ليس هناك الكثير لتكسبه من العلاقة معهم ولكن هناك الكثير الذي يمكن أن يخسروه نتيجة هذه العلاقة. من ناحية أخرى، هناك بالتأكيد وجود للإخوان المسلمين في مكة، حيث يتم التعامل مع تواجدهم بتسامح مبني على أرضية دينية، وعلى علاقتهم مع المؤسسة الدينية.

“العفو” مجرد حيلة علنية و يشير إلى ضعف الإخوان المسلمين

خلال السنوات الثلاث التي شهدت تعطلاً في نشاط الإخوان المسلمين، قام الأسد بالإعلان عن عفوه المحدود في 25 يناير. بعض السوريين والزملاء الدبلوماسيين عبروا عن اندهاشهم من أن الأسد لم يقم بالإعلان عن جزء من “اللفتة الكبرى” قبل أشهر من هذا الموعد، أيد بدءا من الوقت الذي كان فيه الأسد يستعيد عافيته بالتزامن مع إخراج أخيه رفعت الأسد إلى المنفى.

ومع كل ذلك فقد كان الأسد على الأرجح محتاجاً إلى أن يعيد بناء كل ما كان قبل الأزمة القلبية التي داهمته عام 1984، كما كان واضحاً من تأجيله المستمر للمؤتمر الثامن لحزب البعث.

علاقات أمريكية!

أعلن أن “هناك اتصالات عقدت الولايات المتحدة وبين جماعة الإخوان المسلمين (تنظيم الطليعة) في الخارج. اسم “تنظيم الطليعة” مختلف عن “الطليعة المقاتلة للمجاهدين” وهو الأسم الرسمي المعتمد من قبل التيار العسكري.

عبارة “في الخارج” تعني أن العفو يشمل المنفيين فقط، وليس للإخوان المسلمين الذين يقبعون في السجون السورية. (ادعى المتحدث باسم الطليعة عام 1982 أن هناك 10000 عضو من الإخوان المسلمين موجودون في سجون سوريا. وجميع محاورينا في هذا الموضوع يشددون على أن هناك آلافا مؤلفة من السوريين في السجون، بتهمة الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، منذ السبعينات و لكن خصوصا في فترة أحداث حماة. في الواقع، من الشائع أن تقابل سوريين لديهم أفراد من أسرهم أو يعرفون أسرا لديها أبناء في المعتقلات بتهمة تتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، 10000 يبدو تقديرا مناسباً وهو كبير جداً على بلد صغير).

كما أُعلن في صيغة العفو أن “القيادة” عبرت عن “إيمان راسخ” بأنها تدرك وجود “مؤامرة ضد سوريا” من قبل “أولئك الذين يتاجرون باسم الدين”، هذه الصيغة تشير إلى أن تعصب الإخوان المسلمين –أو الطليعة- شهد تغيراً كبيراً، من بين هذه التغيرات اعترافهم بأن الأعمال التي قاموا بها ضد نظام الأسد باسم الإسلام كانت في واقع الأمر منافية للإسلام.

كما أعلن في العفو أن “القيادة” عبرت باسمها وباسم العديد من قواعد الإخوان المسلمين، رغبتها “بالعودة إلى الوطن” و أن “العفو سوف يشمل جميع من عادوا إلى الوطن بقلب مفتوح”. و هذا يوحي أن العفو – في حين أنه موجه فقط لمن هم في المنفى- لا يخاطب أعضاء هذه الجماعة فقط، ولكنه موجه إلى قواعد الإخوان المسلمين و كل شخص يثبت ولاءه و تغير في مواقفه.

في النهاية، أعلن أن ” بعض هؤلاء المواطنين عادوا فعلا” بموجب “عفو خاص” من قبل حافظ الأسد. 

في نفس اليوم الذي صدر فيه هذا “العفو” تم إصدار الإعلان الختامي للمؤتمر الثامن، وكان يحمل رسالة مختلفة تماما. خلال المؤتمر، سمعنا عن وجود جلستين “سريتين” خصصتا للتعامل مع قضية الإخوان المسلمين,،و تم الإعلان عن هذه التقارير في البيان الختامي للمؤتمر

. خلال دراسته للوضع الداخلي ناقش المؤتمر مؤامرة عصابة الإخوان المسلمين، التي كانت تسعى لفرض الخطط الإمبريالية وبعض أدواتها على المنطقة من خلال الدعم والإمدادات والتدريب والمساعدة من الأردن و العراق. كما راجع المؤتمر الإجراءات التي اتخذت لمواجهة هذه العصابة و ملاحقة عناصرها، وتمت مباركة الإجراءات المتخذة من أجل تصفية هذه العناصر و إحباط المؤامرة الإمبريالية – الصهيونية”.

ليس هناك أي كلمة تشير إلى أي تساهل في هذه الصيغة. في واقع الأمر، إنه بيان يوحي أن ما حدث في حماة كان ضروريا، والنظام غير آسف على ما فعل، وسوف يقوم بذلك مرة أخرى إن دعت الحاجة.

وبالتالي فإن هذا العفو يعتبر مثير للشك من عدة نواحي:

فهو لا يخاطب عدة آلاف من الإخوان المسلمين قابعين في السجون. من الصعب تخيل استدراج آلاف من الإخوان المنفيين إلى سوريا دون إظهار أن الآخرين الذين لم يحالفهم الحظ بالهرب لن يحظوا بالعفو أيضا. في الحقيق، ظهرت عدة تقارير تفيد بأن بعض الموجودين في السجون “عدد قليل” أو “أكثر من مئة” أو “خمسمئة”، أطلق سراحهم (وفقا لأحد التقارير معظم هؤلاء كانوا من النساء). ولكن في الجانب الآخر، معظم من نتواصل معهم لم يفيدوا بأي تقدم فيما يخص الإفراج عن الإخوان المسلمين، حتى إن أي استفسار من قبل أقربائهم حول مصير المعتقلين يواجه صاحبه بنفس الصمت القاتل الذي ساد حول هذا الأمر مدة ثلاث سنوات. في أكثر الحسابات تفاؤلاً فإنه كان من الواجب تحري “صدق النوايا” من قبل الإخوان المسلمين، وتوفر غريزة حفظ النفس قبل أن يفكر أي فرد من الإخوان المسلمين في العودة إلى سوريا. (لدى النظام مشكلة كبيرة في إصدار عفو عام، فالعديد من الإخوان المسلمين الذين اعتقلوا هم بلا شك صاروا “مختفين”، ووفقا لأحد التقارير، فإن العديد من المعتقلين تم إطلاق سراحهم من سجن تدمر ومن ثم تم تتبعهم وقتلهم، وآخرون تعرضوا للتعذيب إلى درجة لا يمكن فيها “عرضهم” أمام الناس).

”العفو” غامض جدا فيما يتعلق بالكيفية التي يتوجب فيها على المنفيين أن يثبتوا فيها الإخلاص و الوفاء، وهو عامل آخر من شأنه أن يثني المنفيين الذين يشعرون بالحنين إلى الوطن عن العودة.

كما أنه يتحدث عن قيادة تنظيم الطليعة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في الخارج، عوضاً عن الحديث عن مقاتلي الطليعة. إن كلمة الطليعة شائعة في اللغة السياسية السورية. ولهذا فإن السوريين قد لا يشيرون إلى نفس المجموعة؛ ولربما يستخدمون هذه الكلمة دوليا كجزء من حملة تشويه “التيار العسكري” أكثر فأكثر. من الجدير ذكره أنه إذا كان عدنان عقلة “خليفة الطليعة” موجودا في السجون السورية، فإن السوريين يكونون قد استثنوه من صيغة العفو.

وأخيراً فإن طبيعة الإخوان المسلمين السوريين – وخصوصا المتعصبين في الطليعة – تشير إلى أن عددا قليلا من عناصرهم، ناهيك عن قادتهم، سوف يقبلون بالذل والخضوع لحافظ الأسد. 

مخابرات الأسد تتفاوض مع الطليعة

بغض النظر عن ذلك، فقد كان لدينا مجموعة من التقارير تفيد بأن مسؤولين من المخابرات السورية دخلوا في مفاوضات مع ممثلين عن الجماعة التي أطلقت على نفسها “الطليعة” – مفترض أن تكون الطليعة التابعة لعدنان عقلة-، وعن عملية يفترض أنها بدأت مع تدخل سعيد شعبان و الإيرانيين على الأرجح. كما أن لدينا تقارير تفيد أن “عدة مئات” من أعضاء الطليعة عادوا إلى سوريا من مكان لجوئهم في السعودية، والفضل في ذلك يعود إلى تدخل ولي العهد السعودي”عبدالله” و ذلك عندما كان في زيارة إلى دمشق في 21 يناير (وربما خلال زيارته في سبتمبر 1984) وأن الطليعة لربما انضمت إلى ” الجبهة الوطنية التقدمية” في سوريا.

إذا كانت أي من هذه التقارير صحيحة، فإنها تكون أقوى مؤشر على عمق الهوة التي سقط الإخوان المسلمون فيها. في سبتمبر 1982, أشار أحد المتحدثين باسم الطليعة في مقابلة مع مجلة “لا ماتين” بأصابع الاتهام إلى “التيار السياسي”، اتهم بازدراء قادته (سعد الدين تحديداً) بأنهم كانوا على وشك الانضمام إلى التحالف مع الأسد. و الآن لربما الطليعة نفسها، أو بعض من عناصرها، انضموا إلى هذا التحالف.

بالنظر إلى مصداقية التقارير الأخيرة، فنحن نميل إلى الاعتقاد بأن مجموعة أو عناصر هامشية من الطليعة، أو عناصر من الإخوان المسلمين الذي انتحلوا اسمها، انخرطوا في هذه المفاوضات مع السوريين. اتصالات شعبان كانت ذات مصداقية – في الواقع فإن الدبلوماسيين السعوديين و الأردنيين الذين نتصل بهم هنا، ودون أن نطلب منهم، أشاروا لنا إلى وجود عدد من الرجال من طرابلس اجتمعوا في دمشق في الأسابيع التي سبقت الإعلان عن “العفو”. دبلوماسي سويدي هنا، وهو متابع قديم للإخوان المسلمين السوريين (ويبدو أن هناك الكثير منهم في السويد)، أخبرنا أيضا أنه سمع في وقت زيارة شعبان اللافتة إلى دمشق في سبتمبر 1984, أن شعبان أثار مسألة عودة بعض من أعضاء الإخوان المسلمين الذين كانوا لاجئين في طرابلس إلى سوريا. (الدبلوماسي السويدي قال أيضا إن شعبان، وهو عدو لدود للأسد، وافق على الذهاب إلى دمشق، عندما وافق الزعيم الإيراني الخميني على إبقاء وزير إيراني في طرابلس ووافق الأسد على إرسال مسؤول سوري رفيع المستوى إلى طرابلس كضمانة على عودة شعبان بأمان). سعيد شعبان قام بزيارته الثانية إلى سوريا في 20 فبراير، رغم أننا لم نسمع لحد الآن أن زيارته الأخيرة كانت متعلقة بالإخوان المسلمين. 

حافظ الأسد مسلم ورع

الإعلان عن “العفو” شكل بالنسبة للإخوان المسلمين جزءا من الحملة التي سبقت الاستفتء العام. من الواضح أن الأسد أراد الذهاب إلى الاستفتاء بوجود غطاء من ” الجناح الديني” قدر الإمكان. في الأيام التي سبقت الاستفتاء في 10 فبراير،على سبيل المثال، امتلأت الصحافة بعناوين عريضة تهلل للأسد بسبب لقائه مع الزعماء الدينيين في سوريا، إضافة إلى إصدار الإعلان الإسلامي المسيحي المشترك. لقد كان الأسد حريصا دائما على الظهور بمظهر المسلم الورع – رغم كونه علوياً ومنبوذاً من باقي المسلمين – كما أنه كان دائما ما يهرول تجاه القادة المسيحيين في الأوقات التي يهمه أن يظهر فيها الوحدة الوطنية؛ و لكننا لم نشهده يقوم بهذه الأمور جميعا دفعة واحدة، مثل هذه المرة.

ولكن حاجته إلى “العفو” في هذا الوقت كانت عميقة. حماة لا تزال حاضرة, في الذاكرة الوطنية كأمر مرعب و فظيع. لم يحدث شيء كحماة في الذاكرة الحية. (مجازر جمال باشا تجاه الأقلية المسيحية تضمنت مجازر ضد المسيحيين الأتراك معظمهم من الأرمن والمارونيين ومع ذلك فهي ليست مجازر ضد السوريين أنفسهم). نعتقد أن الأسد أصر على الذهاب إلى فترته الرئاسية الثالثة “متطهراً” من رعب حماة. في نفس الوقت، فإن لذاكرة حماة فائدتها في تذكير الناس أن الأسد قادر على أن يكون قاسياٍ إلى أقصى الحدود عندما يضطر إلى ذلك. ورغم ذلك يبدو أنه قدم رسالتين متناقضتين – “العفو” و إعلان المؤتمر الثامن في نفس اليوم الذي أكد على استمرار القسوة. في الواقع، وهكذا فإن “العفو” كان قاسياً جداً في إدانته لأولئك الذين “يتاجرون باسم الدين” و “يشوهون الدين الحنيف”. لقد سعى الأسد إلى تقديم صورة له ذات طبيعة “خيرة” و “قاسية” و “مؤيدة للدين” (رغم كونه علويا) كلها في نفس الوقت.

ملحوظة: نود الترحيب بالانتقادات والمساهمات التي تردنا بخصوص هذه الدراسة، من قبل وزارة الخارجية و سي آي أيه ووكالة الاستخبارات العسكرية وسفاراتنا في بغداد و عمان والرياض. فمصادرنا التاريخية الخاصة محدودة جداً. 

ترجمة: زمان الوصل – خاص

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.