في الخامس والعشرين من هذا الشهر تحتفل الطوائف المسيحية بميلاد يسوع بن مريم، في مغارة متواضعة في ركن من أركان سورية القديمة التي كانت ترزح تحت الاحتلال الروماني، في ضلعها الجنوبي، في فلسطين، وبالتحديد في بيت لحم. وليس المسيحيون وحدهم من يجب ان يحتفل بهذا المولد، بل على المسلمين أيضا ان يقوموا بذلك، لأن القرآن الكريم، ذكر السيد المسيح وبشارته وميلاده، وذلك عندما ذكر عيسى بن مريم، وقدمه وكرمه، هو ووالدته واصطفاها على جميع النساء..
ولد السيد المسيح مخلصا للبشرية وليس لفئة معينة من هذه البشرية، كما تنتظر حتى الآن الديانة اليهودية مخلصا لها فقط، لانهم يعتبرون أنفسهم بأنهم شعب الله المختار. هم ينتظرون وسيبقون ينتظرون حتى يوم القيامة لانهم لم يروا في المسيح مخلصا للبشرية.
تأتي ذكرى ميلاد المخلص يسوع هذا العام، وسورية التي شهدت ميلاده، تعيش لعامها الثاني وهي تحت القمع والإرهاب، وشعبها مشرد ولاجئ وشهيد، وشلال الدم يصبغ هذه الأرض الذي قدستها كل الديانات. ميلاد ثاني والشعب السوري يدفع ثمنا غاليا لثورته من أجل حريته وكرامته، ضد نظام باغ عاث في الارض فسادا ودمارا، حيث غير أخلاق الناس نحو الأسوأ، لينطبق على الوضع السوري قول السيد المسيح “إذا فسد الملح فبماذا يُملح،” فالاخلاق هي ملح الأرض وبفسادها يفقد الناس نكهة الملح هذه.
في ميلاد سورية الثاني والدامي، فأن السيد المسيح يبكي دما في كل بيت مسيحي لديه مغارة، يبكي شعبه السوري سواء في ارض بلاد الشام او في أرض فلسطين التي شهدت هذا الميلاد منذ اكثر من الفي عام.
كيف لا يبكي المسيح في مذوده المتواضع وهو يرى شعبه السوري يقصف بلا رحمة ببراميل الديناميت والبارود، ويزداد القتل بشكل يومي، ومن لم يستشهد، فهو يتحسر على من إستشهد، او إنه يتشرد سواء داخل سورية او خارجها ليذوق الذل والهوان في مخيمات لا تليق بالانسان في القرن الواحد والعشرين.
كيف لا يدمع المسيح بن مريم وهو يرى شعبه السوري، يقتل ببرودة وهو واقف امام الافران، من أجل الحصول على ربطة خبز له ولأطفاله. فسورية التي سميت عبر التاريخ باهراءات الشرق، يجوع شعبها بشكل لا يقبله ضمير او أخلاق، وهو محروم ليس فقط من كسرة الخبز بل من كل مستلزمات الحياة.
كيف لا ينتفض المخلص في مغارته، وهو يرى السلطة الدينية المسيحية، يقف بعضها مع نظام القتلة من أجل أمن كاذب، ناسين او متناسين تأكيد المسيح على الوقوف مع الحق ضد الباطل، وهم مع الآسف يقفون مع الباطل ضد الحق. فأنا اتخيل الطفل يسوع يصرخ في وجههم قائلا “بيتي بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتموه مغارة للصوص.”
اليوم، ومع مولد المخلص، على كل البشر ان يتذكروا كل المعذبين في الأرض، ويتذكروا أخوتهم في سورية بكاملها من شمالها الى جنوبها، ومن شرقها الى غربها، حيث هم محرومون من الخبز والقوت والكساء والدفء والكهرباء، وأهم من كل ذلك حرمانهم من كرامتهم التي داسها القتلة القابعون في قمة قاسيون.
بالطبع التذكر يبقى ناقصا ان تذكرنا فقط أهلنا ونسينا الآخرين، لأي فئة او ديانة إنتموا. علينا التذكر كلنا، بأن السيد المسيح جاء لخلاص كل البشرية، وليس فئة واحدة، من هنا علينا ان نعمل كما طلب منا السيد المسيح في إنجيله، حيث يحض الناس على العطاء بدون سؤال فيقول لمريديه:” لاني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبا فآويتموني، عريانا فكسيتموني، مريضا فزرتموني، محبوسا فاتيتم الي،” فيجيبه الابرار حينئذ قائلين “يا رب متى رأيناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك و متى رايناك غريبا فآويناك او عريانا فكسوناك و متى رأيناك مريضا او محبوسا فأتينا اليك،” فيجيبهم بقوله “الحق أقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم.”
في عيد ميلاد السيد المسيح، إمسحوا دمعته الدامية على شعبه في سورية، من خلال مسحكم دمعة طفل فقد أهله، او أم ثكلى باستشهاد أحد ابنائها، او أرملة فقدت زوجها. ضمدوا جراحه عندما تضمدوا جراح أحد ضحايا القصف العدواني. أسقوا وأطعموا وأكسوا وآووا كل المحتاجين حتى يتذكركم السيد المسيح في ملكوته ويوم قيامته. إعملوا بما يقوله السيد المسيح عندما يعظنا قائلا ” لا تكنزوا ذهبا وفضة بل أعمالاً في السماوات،” وأهم هذه الاعمال الوقوف مع الحق ضد الباطل. تجاوزوا كل الخوف فمن يخاف ينهزم كما تقول مسرحية جبال الصوان للرحابنة، ولو خاف المسيحيون الاوائل لذهب سدى نزول المخلص الى الارض لتخليص البشرية من العبودية وتحرير الانسان وإعادة الكرامة اليه.
تنتفي مسيحيتكم ان لم تنفذوا كل كلام الانجيل، وكما يقول الرب يسوع ” ليس كل من يقول يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السموات.” نعم، اعملوا وهو الذي يرى أعمالكم. ذكرى ميلاد المسيح يجب ان تحرركم من كل مخاوفكم لتساندوا الشعب السوري المضطهد وهو شعب السيد المسيح. ففي مثل هذا اليوم ولد للبشرية مخلص في ارض سورية المقدسة