المتنبـي .. يعيـش بيننـا دون أن نـراه !
“تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ” ، “مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ” و عبارات أخرى كثيرة نستخدمها في حياتنا اليومية دون أن يدري أغلبنا أنها أجزاء من أبيات شعرية من الأساس! فالعشرات من أبيات المتنبي أصبحت مع الزمن أمثالاً و حكماً يستخدمها العارف و الجاهل على حدٍّ سواء. و نعرض فيما يلي عدداً من أبيات الشعر التي نقصدها و يخفي بعضها وراءه قصةً و عبرة.
فالعبارة الخالدة “يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم” لا تعدو كونها جزءاً من قصيدة للمتنبي كانت موجهة لحاكم مصر في عهده يهجي بها وضع أمة العرب و المتطرفين الإسلاميين قبل ألف عام و لكنها كأنها تقال اليوم:
لا شيءَ أقبـحُ مـن فحلٍ لـه ذكـرٌ تقوده أمــةٌ ليســت لهــا رحــمُ
ساداتُ كل أنـاسٍ مــن نفوسهـمُ و سادةُ المسلميـنَ الأعـبدُ القـزمُ
أغايةُ الدينِ أن تُحفـوا شواربكم يـا أمةً ضحكت من جهلهـا الأمـمُ
مـا أقــدرَ الله أن يُخـزي خليقتـهُ و لا يُصدِّقُ قوماً في الذي زعموا
و فيما يلي بعض الأبيات التي تحوي الشطور الذهبية التي نعرفها جميعاً :
لا تلـقَ دهـركَ إلا غيـرَ مكترثٍ ما دامَ يصحـبُ فيهِ روحُـكَ البـدنُ
مـا كلُّ مـا يتمنـى المـرءُ يدركهُ تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
و من قصائد أخرى نجد له :
لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى حتـى يراقَ على جوانبـهِ الدّمُ
و إذا أتتـكَ مـذمتـي مـن نـاقـصٍ فهـي الشهـادةُ لـي بأني كاملُ
من لم يمت بالسيفِ ماتَ بغيرهِ تعددتِ الأسبابُ و الموتُ واحدُ
والهــمُّ يختـرمُ الجسيــمَ نحافـةً و يشيـبُ ناصيـة الصبي ويهـرمُ
ذو العقل يشقى في النعيم بعقلهِ و أخـو الجهالة في الشقـاوة ينعـمُ
ألـحَّ علـيّ السّقــمُ حتــى ألفتـهُ و ملّ طبيبـي جانبـي و العوائِـدُ
وحيـدٌ من الخِلّانِ في كل بلدةٍ إذا عَظُمَ المطلوبُ قـلّ المُساعـدُ
بـذا قضتِ الأيامُ ما بين أهلها مصـائبُ قــومٍ عنـد قـومٍ فـوائِـدُ
و من قصيدة يخاطب سيف الدولة الحمداني:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيـكَ الخصامُ و أنتَ الخصمُ و الحكمُ
يا مـن يعـزُّ علينـا أن نفارقهـم وجـداننـا كــل شــيءٍ بـعـدكــم عــدمُ
ربما كان المتنبي يعرف أنه سيذكر بعد أكثر من ألف و خمسين عاماً على وفاته و ربما للأبد ، نختم بهذين البيتين:
إذا أنـتَ أكـرمـتَ الكـريـمَ ملكتَــهُ و إن أنـتَ أكـرمـت اللئيــمَ تمـرّدا
و ما الدّهرُ إلا من رواةِ قصائدي إذا قلتُ شعراً أصبح الدهرُ منشدا