توفي يوم الأحد (13/4/2015) الشاعر والروائي الألماني غونتر غراس عن عمر 87 عاما. حصل غونتر غراس على جائزة نوبل في الآداب 1999 ، وأثار حصوله على الجائزة غضب إسرائيل وانتقادها للجنة جائزة نوبل والطلب منها سحب الجائزة منه باتهامه بالعداء لإسرائيل، والمفروغ منه أيضا اتهامه بالعداء للسامية وكل اسطوانة الدعاية الإسرائيلية المملة المعروفة والجاهزة دائما، والتي تنطلق مثل صواريخ القبة الحديدية، لإسقاط كل نقد يشتم منه رفض للسياسات الإسرائيلية العدوانية والعنصرية والاستفزازية .
وتُعتبر رواية “طبلة التنك”، أو “طبلة الصفيح”، من أروع الروايات لغونتر غراس التي تلخص القرن العشرين كله.
وكنت في حينه قد نشرت مقالا تعقيبا على غضب اسرائيل تحت عنوان: “الساميّة مكشوفة على حقيقتها” جاء فيه:
نشر الشاعر الألماني غونتر غراس قصيدة أثارت غضب إسرائيل ووقاحتها ، لدرجة التوجه الإسرائيلي للجنة جائزة نوبل السويدية بطلب سحب الجائزة منه باتهامه بالعداء لإسرائيل والعداء للسامية وكل اسطوانة الدعاية الإسرائيلية المملة المعروفة والجاهزة دائما.
إسرائيل سارعت باتخاذ قرار يمنع دخول الشاعر الألماني إلى إسرائيل ، الأمر الذي أثار انتقادات ضد هذا القرار لدرجة ان صحيفة مثل “لوس انجلوس تايمز” انتقدت بحدة هذا التصرف وكتبت :” ان قرار منع غراس من دخول إسرائيل يلائم دولة مثل إيران ولا يلائم إسرائيل الديمقراطية والمنفتحة”.
قصيدة غونتر غراس لا تتضمن أي انتقاد على أساس اثني أو ديني، أي لا علاقة لها بالعداء لليهود، بل لا تتجاوز تصريحات مسؤولين أمنيين إسرائيليين حذروا بقوة وعلنا من حرب ضد إيران ،ووصف مئير دجان (قائد المخابرات في وقته) الحرب ضد إيران بأنها أكثر شيء جنوني يسمع به، وحذر قادة سياسيين وعسكريين وصحفيين وأدباء وأكاديميين من نتائج كارثية على إسرائيل والشرق الأوسط والعالم من مغامرة إسرائيلية ضد إيران.
تعالوا أولا نقرأ قصيدة غونتر غراس حتى نصبح أكثر فهما لمضمونها وأهدافها، ولعلها توضح بالتالي العقلية التي تتصدر أعلى مستويات القرار في إسرائيل، ولعلها تنورنا في فهم ما هي السامية حسب فكرهم السياسي:
ما ينبغي ان يقال
قصيدة للشاعر الألماني غونتر غراس
لماذا اصم، / لقد صمت طويلا/عما هو واضح ،/وما تمرست على محاكاته/ بأننا نحن الذين نجونا/ في أفضل الأحوال في النهاية/ اننا الهوامش في أفضل الأحوال/ انه الحق المزعوم بالضربة الأولى/ من قبل مقهور متنمر/ وابتهاج منظم يمكن توجيهه لمحو الشعب الإيراني/ لاشتباههم انه يصنع قنبلة نووية/ لماذا امتنع عن تسمية ذلك البلد الآخر/ الذي يمتلك ومنذ سنوات -رغم السرية المفروضة-/ قدرات نووية متنامية لكن خارج نطاق المراقبة،/ لأنه لا يسمح بإجراء الكشف عليها/ التستر العام على هذه الحقيقة/ وصمتي جاء ضمنه/ أحسها ككذبة مرهقة لي/ وإجبار، ضمن عقوبة الرأي،/ عندما يتم تجاهلها،/الحكم بـ «معاداة السامية» المألوف/ لكن الآن، وذلك لأن بلدي/ ومن جرائمه التي تفرد بها / والتي لا يمكن مقارنتها/ يطلب منه بين حين لآخر لاتخاذ موقف،/ وتتحول إلى مسألة تجارية محضة،/ حتى وان/ بشفة فطنة تعلن كتعويضات،/غواصة أخرى إلى إسرائيل/ يجب تسليمها،/قدرتها تكمن،/بتوجيه الرؤوس المتفجرة المدمرة/إلى حيث لم يثبت وجود قنبلة ذرية واحدة،/ ولكن الخوف يأخذ مكان الدليل،/ أقول ما يجب أن يقال/ ولكن لماذا حتى ألان؟/ كما قل، // بلدي مرهون لعار لا يمكن التسامح فيه، / يمنع…/ هذا الواقع باعتباره حقيقة متميزة/ أرض إسرائيل، وبها انا مرتبط / وأريد ان أبقى هكذا/ لماذا أقول الآن/ شخت وقطرات حبر قليلة/ ان إسرائيل القوة النووية تهدد /السلام العالمي الهش أصلا؟/لأنه لا بد أن يقال/ وغدا سيكون الوقت متأخرا جدا/ أيضا لأننا – كألمان مثقلون بما يكفي-/لنكون موردين لما يعتبر جريمة /وأضيف: لن اصمت بعد ألان،/لأني سئمت من نفاق الغرب/ مثلما لدي الأمل/ بأن يتحرر الكثيرون من صمتهم/ ويطالبوا المتسبب في الخطر المحدق/ لنبذ العنف/ بنفس الوقت/ أصر على مراقبة دائمة وبدون عراقيل/ للترسانة النووية الإسرائيلية/ والمنشآت النووية الإيرانية/ ما يجب أن يقال ،/ من قبل هيئة دولية ،/أن يتم السماح بها من قبل البلدين/ عندئذ فقط،/الجميع،/ الإسرائيليين والفلسطينيين/ وأكثر من ذلك،/ كل الذين يعيشون بجنون العداء/ مكدسين في مناطق متجاورة/ بالنهاية سيساعدونا./ الذي يمكن التنبؤ به، سيكون تواطئا/ حينها لن تعود الأعذار المعتادة/ كافية للتكفير عن الذنب .
هذا النص الشعري الإنساني لم أجد فيه ذرة لاسامية أو عداء لليهود أو حتى عداء لإسرائيل الدولة بل يقول :” أرض إسرائيل، وبها إنا مرتبط /وأريد ان ابقي هكذا”. أي دفاع واضح عن حق إسرائيل بالوجود كدولة الشعب اليهودي.
هناك نقد في القصيدة لسياسة المغامرة تنتهجها حكومة السيد بنيامين نتنياهو، حتى الحليف الوحيد الباقي لإسرائيل يحاول التملص من حرب مجنونة ضد إيران قد تكلف الأمريكيين أضعاف تكلفة الحربين المجنونتين ضد أفغانستان والعراق، وربما نضيف إليهما تكاليف الحرب القديمة ضد فيتنام أيضا. والعالم كله متوجس من مغامرة عسكرية إسرائيلية لا يمكن معرفة عواقبها على مستقبله، حتى لو نجحت في وقف اندفاع إيران لبناء سلاح نووي، سيكون الأمر مؤقتا وسيجر ردود فعل لا يمكن معرفة امتدادها وعنفها وتكاليفها مستقبلا.
إذن هل صار نقد نتنياهو وليبرمان وسياسة حكومة إسرائيل، عداء لاساميا يجب معاقبة من يجرؤ عليه؟
هل صار الطلب بقبول إسرائيل للمراقبة الدولية على مفاعلها النووي وإنتاجه عداء للسامية ؟
حتى كُتاب يهود في الصحافة الإسرائيلية كتبوا ما هو اعنف ألف مرة من كلمات قصيدة جونتر غراس.
من المفهوم تماما ان شاعرا عالميا له مكانته الكبيرة ، يشكل موقفه الإنساني ضد الحرب وضد سياسة نتنياهو وحكومته التي تدفع العالم كله إلى أزمة مخيفة، نقطة تحول أكثر تأثيرا على صناع القرار من الضغط الإسرائيلي، لأنه يخاطب العقل الإنساني السليم في مجتمعات تشكل فيها الثقافة قوة أخلاقية جارفة لا يمكن تجاهلها. هذا بحد ذاته ضوء أحمر يخلق عرقلة للاندفاع الإسرائيلي يجب إزاحته بدون تمهل و”بضربة قاضية” تعطي درسا للمثقفين وأصحاب الفكر والسياسيين الغربيين بان معارضة سياسة حكومة إسرائيل تعني حرمانهم من المكانة الأدبية وإسقاط الجوائز عنهم ، ونبذهم سياسيا، واتهامهم القاتل باللاسامية، وهي تهمة ليس من السهل احتمالها في أوروبا والعالم الحضاري الذي بات حساسا لقضايا الإنسان ورفض التعامل مع البشر على أساس اثني وديني وجنس ولون، خاصة في المسألة اليهودية لأسباب تاريخية تثقل على الضمير الأوروبي كما لا تثقل عليه كل جرائم الاستعمار ضد شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية .
هناك حلول طرحها غونتر غراس في قصيدته، وطرحها مفكرين وأكاديميين وكتاب يهود، بان تعلن إسرائيل تخليها هي أيضا عن السلاح النووي وتفتح المجال أمام الرقابة الدولية. كتب غراس:” أصر على مراقبة دائمة وبدون عراقيل/ للترسانة النووية الإسرائيلية/ والمنشآت النووية الإيرانية”. موقف مثل هذا سيغير واقع الشرق الأوسط كله، فما الجريمة التي ارتكبها الشاعر لكي تشتكيه إسرائيل للجنة جائزة نوبل وتأمرها بوقاحة ان تسحب الجائزة منه “؟؟!!” ، وتمنع دخوله ل “جنة الديمقراطية” في إسرائيل؟”
اليوم إيران وغدا ستضطر دولة عربية حرة وديمقراطية ان تضمن أمنها ومصالحها بسلاح نووي إذا لم يقفل هذا الموضوع نهائيا بتجريد الشرق الأوسط من كل أسلحة الدمار الشامل وفرض حلول تضمن استقلال وحرية كل شعوبه .
هنا يكمن الحل وليس بالشروط التعجيزية التي تطرح على إيران وتتجاهل ان إسرائيل حسب وسائل الإعلام الغربية،هي قوة نووية كبرى تشكل خطرا على كل الأمن العالمي والشرق الأوسط خاصة.
ان ما تقوم فيه إسرائيل بات مكشوفا. توجيه تهم اللاسامية بهذا الشكل يعني ان الصهيونية تنتقل إلى مرحلة تحويل إسرائيل نفسها إلى “يهودي العالم – يهودي الشعوب”، مكان ما ساد سابقا لاسامية ضد الأقليات اليهودية المنتشرة في مختلف أرجاء العالم.
ما يكشفه الهجوم الإسرائيلي الرسمي على غونتر غراس وقصيدته الإنسانية المعادية للحرب، ان إسرائيل الرسمية تأخذ على نفسها دور “يهود الشعوب”. كل نقد لسياستها تعتبره ماكينتها الإعلامية الجيدة ، تحريضا عنصريا لاساميا على اليهود. أي إسرائيل هي اسم مرادف لليهود، من ينتقد سياستها أو شخصيات السلطة فيها حتى على أساس سياسي، هو بالتأكيد لاسامي.
حتى موقف سياسي بسيط وقانوني ضد الاحتلال والاستيطان واستمرارهما رغم الجهود الدولية للوصول إلى حل سلمي، تسميه إسرائيل عداء لاساميا. حتى انتقاد حرق مسجد أو إدانة قلع أشجار الزيتون الفلسطينية على أيدي سوائب المستوطنين، أو قتل مواطنين أبرياء، هو موقف لاسامي بالتفكير الرسمي الإسرائيلي!!
لا أظن ان هذا يعبر عن ذكاء، ربما تذاكي ممل من سياسة تقودها حكومة يمينية متطرفة .
أرى ان الهجوم غير المبرر على الشاعر غونتر غراس وقصيدته الإنسانية، المعادية للحرب على إيران وللحروب عامة، وضد السلاح النووي الإيراني والإسرائيلي على حد سواء ، يكشف ان داوود لم يعد ذلك الفتى الطيب الذي يواجه جوليات المتوحش، وان السامية حلقة ضرورية لإستراتيجية الصهيونية السياسية بأكثر تياراتها اليمينية المتطرفة.
nabiloudeh@gmail.com
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :