وغداً أمرُ!!
حزمة من الساعات العصبية ويفلت العام “2013” البالونات كما في الوداع ، ولا شكّ أنه أكثر الأعوام الأخيرة استحقاقاً لوداع غير لائق ، ولسوف تسقط البالونات السود بعد حزمة من الساعات العصبية في صخورالعام “2014” لا منجم العام “2014” كما يعتقد البالون وأصحاب الحد الأدني !!
أدرك أن هذا الكلام ليس كافياً حتي لو عزف في أعماقنا ايقاعاً يكرهه الكثيرون ، لذلك سأحرك الخوف عن عمد ٍ قليلاً ..
عما قليل سوف يسقط “2013” في فجوة الماضي التي لابدَّ له منها ، هذا صحيح ، ولكن صحيح أيضاً أنه الماضي الذي ينتمي إلينا وننتمي إليه ، وهو ماض مزدحم بالثغرات التي سوف يكون مطلوباً من “2014” سدَّها أو بعضها علي الأقل ، صحيح أيضاً أن الأضرار الناجمة عنه سوف تستغرق أعواماً لإصلاحها ، هذا إذا حالف الحظ الذين يتدرعون بحصانة اللحظة ، وإلا ، فالرياح القادمة سوف تنبح بأسماء الموتي منذ زمن طويل ، وأن دماً سوف يسيل بالقدر الذي يكفي ليلهم الصالحين ارتكاب نظرية مدبرة ، وكأنها حدثت سهواً !!
لابد أنَّ في جيب من جيوب ذاكرة كل إنسان في العالم ، ذلك الطريق الذي يتخثر في النهاية إلي لا شئ ، أو الطريق الذي يقود إلي طريق مسدود يقتضي الرجعة ، أو إلي ذاك الطريق المنفتح علي عدة مفترقات طرق ، كذلك مصر صارت الآن ، وأكثر من أيِّ وقت مضي ، منفتحة علي كل هذه الطرق التي في الذاكرة ، ربما لأن وتيرة التخبط ، وتلف الأعصاب ، وغياب التواصل بين الظاهر والباطن في أوساط الذين يديرون مصر ، قد ارتفعت مؤخراً بتصرفات مرتفعة ، حتي وصلت إلي اعتبار النظام جماعة الإخوان جماعة إرهابية ، دون أن يتفقد ما لدي هذا القرار من أثر علي مصداقيته ، وهو قرار كالعشب الضار الذي سوف ينمو بصوت مسموع علي أسيجة الآخرين ، وسوف تثور له سواحل بعيدة ، ولسوف يتماهي بالتأكيد الزائد عن الحد في الأيام القادمة مع صخب الأمواج العالية !!
أن تري وجه القادم عارياً ، دون أفكار مسبقة ، وبلا اضطراب انفعالي ، فتلك هي الكهانة ، ولحسن الحظ ، هذه التهمة مدفوعة بما لدي من أفكار مسبقة ، ويدوسها الجميع ، وبما لديَّ من الاضطراب الانفعالي الذي أصبح الآن في مصر تقليداً شائعاً ، مع ذلك أقول ، بإمكانه أن ينتهك الغيب بكل تجلياته وأسراره وفيوضه ، كلُّ ذي عقل يحسن الرؤية دون أن تشوش المشهد داخله ، رغباته وأطماعه ومخاوفه ، ومخاوفه علي وجه الخصوص ، فإن من يتكهن وهو خائف ، سيجد نفسه في النهاية تكهن بخوف الآخرين لا خوفه هو ، لكن ، من الجيد ، أن وقاحة اللحظة تحرض ليس فقط علي الانزلاق في الصعوبات دون مراقبة العواقب ، وإنما ملاحقة المصاعب نفسها ،،
فأن تسكن الآن زاوية ، والآن تحديداً ، فذلك مبرر للإذعان للموت في ظلال الحياة المركبة بالنسبة لساكن الزاوية تحديداً ، ومبرر لرجمك بتعاليم الخصيان ، مع ذلك ، حتي عندما تتحد كل الأدوات الخارجية اللازمة لرؤية صحيحة ، يظل صحيحاً أنه لابد أن ننظر إلي الأمور من الداخل حيث يسكن كلُّ شئ إطاره الطبيعيَّ تماماً ، ويطمئن المشهد فيه كما هو ،،
من المتفق عليه أن لا شئ يجعل العالم غابة من العوالم السلبية كالنوم بفضل الأحلام ، كما لا شئ كالقراءة يستطيع أن يجعل العالم غابة من العوالم الإيجابية ، لذلك ، يستطيع مدمنو القراءة وحدهم عند تأمل مشهد ما ، استدعاء عدة عوالم من عصور مختلفة ، كما يستطيعون بالقياس وشبهة النظائر أن يروا بأول آرائهم ما ستئول إليه أواخر الأمور ، لكن ، يحق لنا أن نتسائل ، كأنَّ الأمر يعنينا ، ماذا قرأ محللو البلاط ، وما هي مراجعهم ، ليأتوا بكل هذه الثقة في المستقبل ، وبالمستندات ؟!!
أري أنَّ من الصحِّيِّ أن نضحك أحياناً لإرباك مثقفي النظام المزورين ، مع ذلك ، لا يجب أن يمنعنا الغرور من أن نعترف بأنهم يستطيعون بسهولة ، وبمثقال من الشعوذة الفكرية ، أن يتدبروا أمر العقول البسيطة والأرواح الهشة ، وهذا هو مكمن الخطر ،،
مع الأخذ في الاعتبار أن أيّ قاتل محترف يستطيع أن يشكل من جريمة ٍ بشعة ، لوحة تروق لأعين مرهفي الأحاسيس ، كأن يختار ليلة شديدة القمر ، ويقتل ضحيته في صحراء موحشة ، ثم يضع ارتجالاً ، لتكتمل اللوحة ، بعض أوراق الشجر الجافة علي حواف ضحيته !!
لاشك أن في الحناجر التي تتسلق المشهد الآن قدراً من صفاقة النظرة إلي القطيع كأطفال لا تستطيع أن تتدبر أمورها وصل إلي حد جعل حتي الكثير من البسطاء الذين لا يهتمون بالواقعية ، وليس لهم أطماع أو رغبات ، يرتابون في كون المعركة من الأساس معركة عادلة ، أو أنهم طرف فيها ، وجعلهم يدركون أو كادوا ، أنهم مجرد ملح مهمل لمعركة بين أطراف لا ينتبهون من الأساس لوجودهم إلا متي احتاجوا لملح ٍ للمعركة ، حين لا يكترث في الحقيقة لأوجاعهم المزمنة أحد ..
كأنهم يريدونها مجدداً غابة ، وليس هناك غابة ورعة ، ولكن هناك غابة تخبئ شوكها في وعود بورود مؤجلة ، ودائماً مؤجلة ، ومؤجلة دائماً ، وإذا أردت أن أقول كل الحقيقة عليَّ أن أقول : أنَّ أمامنا غابات كثيرة تفصلنا عن الحرية ، وحتي نقطع هذه المسافات فنحن نعيش في منفي متحرك لا وطن !!
ولحسن الحظ ، لم يشعر المصري بأنه ليس وحيداً كما هو اليوم ..
في النهاية ,,
أعتقد أن الكتابة في ليلة عيد الميلاد من قبيل الحَوَل ِ في الأولويات ، بوصفها الليلة الوحيدة التي تمنحنا ذريعة نهاية العام الشهيرة لمعاقرة الخمر دون أن يستنكر الآخرون ما ينال الخمر منا ، فالأولي بنا أن نستفيد من هذه الخرافة كما استفاد منها قبلنا ، البابا ” ليو العاشر” ، الابن البار لأسرة “آل ميديتشي” التي شعارها حتي الآن هو شعار المرابين حول العالم ، والتي أدارت شئون كل أوروبا لقرون عديدة ، حيث يقول عنه مؤلف كتاب ” موكب البابوات ” أنه قال لأخيه يوماً :
” العالم يعلم كم استفدنا من هذه الخرافة ” !!
والأولي بنا أيضاً أن نقفز خارج نفوسنا قليلاً ، وأن نتحلي بشجاعة الشاعر ” امرئ القيس ” ، حين أبلغه الرسول بمقتل أبيه ووصيته ، إذا صدقنا الرواية ، بأن يقتص له الشاعر من قاتليه دون إخوته ، حيث قال للنذير الذي كان يقف فوقه وغيمة من البوم علي وجهه ، في لحظة سكينة ، لعلها كانت آخر لحظات السكينة فوق سطوح خسائره :
” اليوم خمر ، وغداً أمر ” ..
محمد رفعت الدومي