علي الكاش
مفكر وكاتب عراقي
من المفارقات الغريبة في العراق الجديد إن النواب الشيعة يتهافتون بكل حماسة على تنفيذ عقوبة الإعدام بحق العراقيين المتهمين بالإرهاب خلال شهر رمضان الكريم في الوقت الذي جمدت فيه الباكستان تنفيذ العقوبة إحتراما للشهر المبارك. وفي الوقت التي إدعى فيه حزب الدعوة وجود (7000) متهم مشمولين بعقوبة الإعدام، تبين إن الرقم كاذب ولا صحة له البتة، فقد نفت رئاسة الجمهورية هذا العدد المبالغ به من قبل التحالف الشيعي، وحذرت القضاء من مغبة تسيس الإتهامات، ورفض الرئيس فؤاد معصوم التوقيع على مراسيم الإعدامات إلا بعد التدقيق في كل ملف، لأن الأحكام تعكس نهج طائفي حكومي ضد أهل السنة وإنتزعت معظمها بالقوة والغصب من قبل الجهات المختصة. وطلب الرئيس معصوم من قاضي القضاة مدحت المحمود بإعادة النظر في الأحكام الصادرة لأنها تتسم بالطائفية وتدل على تسيس القضاء. مؤخرا تدخلت السلطة القضائية لحسم الموضوع وإظهار الحقيقة أثر السجال الدائر بين الطرفين، فقد صرح المتحدث الرسمي للسلطة القضائية (عبد الستار البيرقدار) بأن ” السلطة القضائية لم تخول أحد بمثل هذه التصريح (أي وجود 7000 عراقي مشمول بالإعدام) والعدد الذي نقلته وسائل الإعلام غير صحيح”! وكذب القاضي” هذه المعلومات جملة وتفصيلا”.
الملاحظ إن القاضي البيرقدار لم يجرأ في بيانه على تسميات الأشياء بأسمائها الصحيحة، فهو تحدث عن المعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام وهي مجرد واسطة لنقل معلومات، لأنه يخشى أن يقول بأن المعلومات أصلا صادرة من التحالف الشيعي وقد أدلى بها عدنان الأسدي (وزير الداخلية وكالة سابقا ونائب في البرلمان حاليا). كما أكد بيان البيرقدار مصداقية ما جاء في بيان الرئاسة بأن الملفات القضائية التي تخص الإعدام هي (180) ملف، وليس (7000) ملف كما إدعى التحالف الشيعي. بالطبع الإدلاء بالمعلومات الكاذبة لوسائل الإعلام تعتبر جريمة سيما إن كان الغرض منها تشويش الرأي العام والنيل من هيبة رئاسة الجمهورية والحكومة والقضاء. لكن القضاء الأعرج في العراق غير قادر على محاسبة الأسدي ولا أي من المسؤولين الشيعة في الحكومة، القضاء يختص بأهل السنة والجرائم الجنائية فقط!
وعود على بدء، لا أحد في السلطة القضائية يمكن أن يصرح بحقيقة العدد من المعتقلين في السجون العراقية، فالقاضي البيرقدار وغيره في السلطة القضائية ـ جميع القضاة في المحكمة العليا من الشيعة ـ عبر أحاديثهم وبياناتهم إنما يعنون ما موجود في السجون التابعة لوزارة العدل فقط! في حين أن هناك سجون خاصة بوزارة العمل والداخلية والدفاع لا أحد يعلم عنها شيئا. وتوجد سجون سرية لم يعلن عنها بعد، وسجون أخرى تخص الميليشيات الإرهابية كفيلق بدر وجيش المهدي وعصائب أهل الحق وجيش المختار والحشد الشعبي وداعش وغيرها. وأبرز دليل على صحة كلامنا هو إعفاء مقتدى الصدر عن المعتقلين في سجونه بمناسبة شهر رمضان الكريم. والأهم من هذا وذاك أنه لا يجرأ القضاء على كشف المعتقلين من أهل السنة في المعتقلات أو المشمولين منهم بعقوبة الإعدام، لأن الفضيحة ستكون بجلاجل، وستصب في منفعة تنظيم الدولة الإسلامية بإعتباره المدافع عن أهل السنة كما يزعم، مع إن عدد ضحاياه من أهل السنة أكثر من الشيعة بإعتراف بعض النواب الشيعة.
الحقيقة إن نظرة القضاء العراقي والحكومة العراقي لأهل السنة هي إن السني متهم حتى تثبت براءته، وهذه الموضوع ليس بجديد أو سري، فقد أعلن عنه بول بريمر بصراحة ” كل سُنّي بعثي، وكل بعثي صدّامي، وكل صدّامي نازي”، وأطلق عليهم بول وولفووتز نائب وزير الدفاع الأمريكي السابق وصف “النازيين”، مشيراً بذلك الى ((العشائر السُنّية في العراق)) كما ذكر المحلل السياسي آلين كويك في تقرير نشرته صحيفة آسيا تايمز. وهذا الوصف الشاذ إنما مرجعه الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها قوات الإحتلال الأمريكي خلال غزو عام 2003 على أيدي أهل السنه سيما في فلوجة البطولة والفداء.
يمكن معرفة العدد الهائل من المتهمين بالإرهاب في سجون وزارة العدل من خلال وشايات المخبر السري وحوالي 98% منهم من أهل السنة، على إعتبار إن الميليشيات لديها سجونها ولا تسلم المتهمين الى وزارة العدل، فغالبا ما تتم تصفيتهم وتُرمى جثثهم في الأنهار أو مكبات النفايات أو يدفنون في أراضي بعيدة عن مناطق نفوذ الميليشيات. عندما تتعرف على أعداد الأبرياء من أهل السنة في السجون الرسمية ستلعن القضاء العراقي برمته وتلحق به لعن البرلمان والحكومة. وسوف تفهم لماذا صنف النبي (ص) القضاة الى ثلاثة إثنين منهما في النار. وستتعرف على أهل المظلومية الحقيقية! وستكتشف حقيقة الأحزاب الدينية الحاكمة ومدى التزامها بالشرع الإسلامي. وستعي لماذا إحتضن بعض أهل السنة تنظيم الدولة الإسلامية. وتدرك حقيقة الأمم المتحدة والولايات المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأزهر الشريف، الساكتون عن الحق.
هذه نماذج عن عدد المفرج عنهم في وزارة العدل فقط من الأبرياء الذين قضوا سنوات في الإعتقال يسومونهم السجانون من عناصر الميليشيات أنواع العذاب؟ سنعرض أعدادهم من عام 2014 ولغاية آيار العام الحالي، وقِس على ذلك بعد ان توقظ ضميرك، وتمسك بالمصحب الشريف، وتضع جانبا كل النوازع المذهبية والقومية والعنصرية، عندها سنظهر لك الحقيقة كالشمس دون أن تجهد نفسك كثيرا في البحث والإستقصاء عنها.
صرح المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية القاضي عبد الستار بيرقدار في بيان له في 14/4/2014 إن “محكمة تحقيق الكرخ أحالت الشهر الماضي٤٥٧ قضية إلى المحاكم المختصة”، مشيراً إلى أن “المحكمة أفرجت عن ٢٤٩١ متهماً لم تثبت إدانتهم لتصبح عدد الدعاوى المحسومة ٢٩٦٦ في آذار”. كما أعلن مجلس القضاء الأعلى العراقي في 2/7/2014 عن إطلاق سراح 450 متهماً من السجون العراقية خلال شهر حزيران الماضي، بينهم عدد كبير من محافظة الأنبار. وقال القاضي عبد الستار البيرقدار، الناطق الرسمي باسم مجلس القضاء إن “المحكمة المركزية في بغداد أفرجت عن 450 متهماً لم تثبت إدانتهم فيما نسب إليهم من تهم”. وأعلنت محكمة التحقيق المركزية في 30/9/2014 عن إطلاق سراح 380 متهماً لم تثبت إدانتهم بـالإرهاب خلال شهر أيلول، فيما أشار إلى أن عدد المحالين إلى المحاكم الأخرى بلغ 681 متهماً وحسب الاختصاص”.
وأعلنت محكمة التحقيق المركزية في 1/12/2014 الإفراج عن 2779 متهما لم تثبت إدانتهم بـالإرهاب في شهر تشرين الثاني الماضي، لافتة إلى حسمها 4689 قضية خلال هذه الفترة. وقال رئيس المحكمة المتخصصة بالنظر في الإرهاب والجريمة المنظمة القاضي ماجد الأعرجي في بيان نشر على موقع السلطة القضائية ” إن المحكمة أنجزت 4689 دعوى في شهر تشرين الثاني الماضي وافرجت عن 2779 متهما لم تثبت إدانتهم بالإرهاب خلال هذه الفترة”. كما ذكر القاضي فرقد صالح رئيس محكمة استئناف ذي قار الاتحادية إن ” رئاسة محكمة استئناف ذي قار حصدت المركز الأول في مجال حسم قضايا الموقوفين خلال هذا العام، فالمحاكم التابعة لهذه الرئاسة حسمت 83602 دعوى من اصل 97373، فيما أحالت 13103 دعاوى الى محاكم أخرى”.
صرح المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية القاضي عبد الستار البيرقدار في 26/12/2014 إن “محاكم البلاد أفرجت خلال شهر تشرين الثاني عن 10384 متهماً لم تثبت إدانتهم بما نسب إليهم (أي الإرهاب) . واشار إلى أنّ عدد المخلى سبيلهم في دور التحقيق 8879 متهمًا، بينما بلغ عدد المفرج عنهم في دور المحاكمة 1505 آخرين. وأضاف أنّ المحاكم في جميع المناطق الاستئنافية في العراق قد حسمت دعاوى 15474 موقوفاً خلال الشهر نفسه، وان العمل لا يزال جارياً لحسم المتبقي من القضايا.
أفرجت السلطة القضائية الاتحادية عن 7947 متهما لم تثبت إدانتهم خلال كانون ثاني 2015 بينهم 2266 متهماً بقضايا إرهابية. وقال القاضي عبد الستار بيرقدار في بيان ان” محاكم البلاد أفرجت عن 7947 متهما لم تثبت إدانتهم بما نسب إليهم من تهم خلال الشهر الماضي، موضحا أن عدد المفرج عنهم بدور التحقيق بلغ 7141 موقوفاً وفي دور المحاكمة”. وأوضح بيرقدار أن بين المخلى سبيلهم 2266 متهما لم تثبت إدانتهم بالإرهاب مؤكدا أن ” محكمة التحقيق المركزية المتخصصة بدعاوى الإرهاب أحالت 1525 على محاكم أخرى في كانون الثاني.
أعلنت محكمة التحقيق المركزية المتخصصة بقضايا الإرهاب والجريمة المنظمة بتأريخ 9/2/2015 الإفراج عن 1911 متهما لم تثبت إدانتهم بالإرهاب خلال شهر كانون الثاني 2015. وقال رئيس المحكمة القاضي ماجد الأعرجي إن ” المحكمة أفرجت عن 1911 متهماً لم تثبت إدانتهم بالإرهاب خلال كانون الثاني الماضي”.
أعلنت محكمة التحقيق المركزية عن الإفراج عن 1010 في شباك 2015 متهمين بالإرهاب لم تثبت إدانتهم خلال شباط 2015. ونقل بيان للمحكمة عن رئيسها القاضي ماجد الأعرجي قوله ” تم خلال الشهر الماضي الافراج عن 1010 متهمين بالإرهاب لم تثبت إدانتهم خلال شهر شباط الماضي مع حسم المحكمة 3135 قضية خلال نفس الشهر”. واضاف بأنه” تم إحالة 2125 للجنايات والمحاكم الأخرى بحسب الاختصاص”.
أعلنت السلطة القضائية في 29/3/2015 الإفراج عن 9583 متهماً لم تثبت إدانتهم، بينهم 1473 متهماً بالإرهاب. وقال المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية القاضي عبد الستار بيرقدار في بيان إن” محاكم البلاد أفرجت عن 9583 متهما لم تثبت إدانتهم خلال شباط الماضي. وأضاف بيرقدار أن” بين المفرج عنهم 1473 متهماً بالإرهاب لم تثبت إدانتهم، مؤكداً أن عدد المخلى سبيلهم بقضايا أخرى في دوري التحقيق والمحاكمة بلغ 8110 متهماً”.
أعلن مجلس القضاء الأعلى في 8/6/2014 بان محكمة التحقيق المركزية افرجت عن 2008 متهمين ممن لم تثبت إدانتهم بـالإرهاب خلال شهري نيسان ومايس 2014 وقال المتحدث باسم المجلس القاضي عبد الستار البيرقدار في حديث صحفي” إن محكمة التحقيق المركزية افرجت خلال الشهرين الماضيين عن 2008 متهمين ممن لم تثبت إدانتهم بالإرهاب واضاف ان المحكمة مستمرة باستكمال ملفات المتهمين تمهيداً لحسمها وإطلاق سراح الأبرياء منهم”.
أعلنت السلطة القضائية الاتحادية في 22/6/2015، الإفراج عن 3442 متهماً بالإرهاب لم تثبت إدانتهم في جميع محاكم البلاد. وقال القاضي عبد الستار بيرقدار في بيان إن “محاكم البلاد بينها محكمتا التحقيق والجنايات المركزيتين، أفرجت عن 3442 متهماً وفق المادة 4 إرهاب لم تثبت إدانتهم”، مشيراً إلى أن “محكمة التحقيق المركزية المتخصصة بالإرهاب أفرجت لوحدها عن 2779 منهم”. وأضاف أنه “تمت إحالة 2269 متهماً على محاكم أخرى بحسب الاختصاص خلال المدة ذاتها”.
أفرجت محاكم يغداد عن(9146) متهما لم تثبت إدانتهم خلال شهر آيار2015 حسب ما جاء في تصريح القاضي عبد الستار البيرقدار “ان المحاكم أفرجت عن 9145 متهما لم تثبت إدانتهم مما نسب اليهم خلال شهر آيار وأن 7896 موقوفا أخلي سبيلهم في دور التحقيق، و1259 آخرين في دور المحاكمة”.
أي كارثة هذه؟ وعن أي قضاء نزيه يتحدثون؟
علق السيد ضياء السعدي نقيب المحامين العراقيين السابق للقدس العربي بأن الأعداد الكبيرة التي يتم اطلاق سراحهم شهريا يدل على ضخامة أعداد المعتقلين في السجون. وتساءل المحامي السعدي عن الأسباب وراء ابقاء هؤلاء المعتقلين فترات طويلة قبل الافراج عنهم لعدم كفاية الأدلة، مشيرا إلى أنه في اغلب الأحوال ومنذ سنوات فإن غالبية قضاة المحاكم يأخذون بتقارير المخبر السري. كما لا يأخذ القضاة بأقوال المتهم أمام المحكمة بأنه تعرض للتعذيب لانتزاع الاعتراف منه، كما موضح في تقارير منظمات حقوق الانسان المحلية والدولية
وتساءل السعدي: هل يستطيع الذين أطلق سراحهم واسقطت حرياتهم لسنوات وما رافقها من أضرار عليهم وعلى عائلاتهم ان يطالبوا بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم على يد سجانيهم لا سيما أن بعضهم تعرض للتعذيب وأصيب بأضرار فادحة؟ وهل يمكن تحقيق مسائلة قانونية للجهات الأمنية التي أساءت معاملة السجناء عند اعتقالهم بدون سبب أو تهمة؟
الجواب: كلا ومليون كلا! لأنه حتى المفرج عنهم من الأبرياء لا يذقون طعم الحرية إلا بعد أن يدفع أهاليهم الرشوة بالعملة الصعبة لإدارات السجون لإطلاق سراحهم. كما إن الذين ماتوا في السجون بسبب التعذيب والحرمان من الأدوية والعلاج وحصار الطعام والشراب، عوضهم على الله وليس على حكومة آل البيت! ولا نعرف كيف سيحسب تعويض والأطفال والنساء اللواتي إغتصبنٌ في السجون؟ وكذلك الأمر مع من تعوق في السجن بسبب التعذيب. البعض من المعتقلين الإبرياء قضى سنوات من عمره في السجن، فهل سيكون التعويض حسب السنوات أو الأضرار؟ اما الإضرار الإجتماعية والنفسية للمعتقل فلا نتحدث عنها، لأننا نعيش في العراق الديمقراطي الجديد الذي تحكمة الأحزاب الإسلامية، ويرفع فيه السجانون شعار هيهات منا الذلة.
علي الكاش