صلاح الدين محسن
حزنت جدا. عندما قرأت بالفيسبوك خبر رحيل ” أيمن عبد الرسول ” .
– أقامت ” الجمعية المصرية للتنوير” تأبينا له – حسبما علمنا .
عرفت ` أيمن عبد الرسول` . عن طريق شقيقي ” عادل ” – هو حاليا بالمعاش – كان ذلك في أواخر يوليو 2000 . عقب خروجي من المعتقل السياسي . في قضية رأي وفكر .
كان شقيقي يعمل بدرجة مدير أقسام . بأحد المصانع . بمدينة 6 أكتوبر – مصر – وقال لي أن حد أفراد أمن المصنع . لاحظ اشتراك اسمه مع اسمي فسأله عني . ولما تأكد انه شقيقي . طلب منه التعرف عليّ . وأخبره بانه كاتب وله مقالات منشورة . وابدي رغبته في زيارتي . كان مسكني حينها قريبا من المنطقة الصناعية التي بها المصنع . وبالطبع رحبت بزيارته .
في اليوم التالي جاءني شقيقي . وقال لي ” لقد حملني لك نسخا من بعض مقالاته , فان ناسبك الوقت , سوف يزورك غدا في العاشرة صباحا . لأن عمله – وردية مسائية – ينتهي في الصباح . وسيزور قبل الذهاب لبيته ” – في حي المطرية بالقاهرة.. حسبما أتذكر – .
عندما زارني ” أيمن “. كنت قد قرأت ما تسلمته من كتاباته . وتوقفت عند ما قالته الناقدة والصحفية الكبيرة والمناضلة ” فريدة النقاش ” رئيسة تحرير مجلة ” ادب ونقد ” حينها . وهي تقدمه للقراء في اول مقال تنشره له بالمجلة . انها تقدم لهم مفاجأة . الباحث ايمن عبد الرسول – 27 سنة – .. وكان فعلا مفاجأة ..
لا أعتقد أن القراء كانوا يعرفون أن صاحب تلك الابحاث القيمة . لم يكن يستطيع الحصول علي نفقات المعيشة , الا عن طريق العمل كموظف أمن , بأحد المصانع , يعمل تارة بالنهار , وتارة أخري في الليل. ليحرس المصنع .. ويأخذ معه كتبه وأوراقه ليقرأ ويكتب . حين يسمح له وقت و ظروف العمل ..
عندما زارني . سألني ان كنت قد قرأت ما أرسله لي من مقالاته , مع شقيقي . وعن رأيي فيها ان كنت قد قرأتها ؟
وكان رأيي انها علي مستوي أبحاث الدكتور نصر حامد أبو زيد – الباحث والأكاديمي المعروف – والذي رحل مؤخرا -. و كان دكتور نصر , مشهورا جدا حينها , بما أثارته ابحاثه من ضجة ثقافية , وقضية كبري يتذكرها المهتمون ..
واستطردت كلامي لأيمن عبد الرسول : لو لم تكتب اسمك علي أبحاثك . لقلت – أنا أو أي قاريء متابع – أنها للدكتور نصر حامد أبو زيد . لذا عليك بابتكار أسلوب جديد خاص بك . يبعدك عن تقليد ” د. نصر حامد ابو زيد ” لتكون لك شخصيتك المستقلة .. فانت باحث موهوب , و متمكن جدا .. .
التقينا مرة أخري بعد أسبوع – تقريبا في أوائل اغسطس عام 2000 – بمقهي بوسط القاهرة يرتاده الكتاب والصحفيون ..
حدثني عن صداقة تربطه بعائلة شهيد الفكر ” د. فرج فودة ” , وكان قد عرفه قبل رحيله … وضحك عندما قلت له : انك تبدو من نفس السلالة الفوداوية . ففيك قدر . يذكرني بضخامة ” فرج فودة ” . اذ كان فارع الطول , عريض المنكبين .
وبعدها انفطعت الصلة . حيث قضيت 4 سنوات بالسجن السياسي , منها سنة مراقبة أمنية . بعد الخروج . لا تقل سوءا عن سنوات السجن , ووجدت كل الأبواب مسدودة في وجهي , وضرورة خروجي من مصر , كانت مسألة حياة أو موت . سافرت لكندا في منتصف سبتمبر 2004 – و لم أعرف أخبار أيمن عبد الرسول . الا عندما بدأت أنشر مقالاتي من كندا – علي الانترنت – في يونيو 2005 . وصلتني منه عدة ايميلات . أحسست منها انه ُمتعب جدا – ككل المثقفين الذي يعيشون في ظل قمع سلطات مبارك – , وربما كان يأمل في مساعدته علي السفر لخارج مصر . وحينها كنت أصارع في كندا , لأجل البقاء . لم يكن قد مضي علي وصولي سوي أقل من عام , وأواجه مشاكل وعقبات وصراعات شتي , أبسطها مسالة اللغة التي لم أكن اتقنها ..
بعض المعارف والأقارب بمصر. ممن يعانون بالداخل من سؤ الأحوال المعيشية – وسؤ الاحوال العامة – التي نعرفها جميعا . يتخيلون أن من ساعدته الظروف علي وضع قدمه باحدي دول الخارج , باستطاعته علي الفور .. مساعدة غيره ممن كان يشاركهم الغرق في مستنقع بلاد يحكمها الفساد والمفسدين . – ولم تكن رسائل ” أيمن ” هي الوحيدة من نوعها التي جاءتني من معارف وأصدقاء وأقارب , كنت أشعر بما تحمله , وان لم يطلبوا شيئا – .
بعد بضع سنوات . بدأت أشاهد له علي الانترنت . مقالات ممتازة , و بعض أحاديث أجريت معه – , ثم عرفت انه تولي رئاسة تحرير . جريدة يرأس مجلس ادارتها الكاتب الليبرالي ” نبيل شرف الدين ” . , وعلي الفيسبوك قرأت الكثير من مشاركاته القيمة . فكنت أفرح وأطمئن , لأنه في خير.
ولكن فجأة قرأت خبر رحيله. الذي أحزنني , بل صدمني . – في الغالب لم يكمل 40 عاما من العمر- ولكن هكذا هي الحياة , غادرة ولا أمان لها .
نقول وداعا للباحث والصحفي والكاتب الشاب ” ايمن عبد الرسول ” .
طاب ذكره , وطاب مثواه .
لمراسلة الكاتب :
١: بداية تحياتي لك ياعزيزي صلاح الدين ، ولصديقك دعاءنا إلى ألله عز وجل أن يتغمده بفائق رحمته ويسكنه في جنانه إنه السميع المجيب ؟
٢:{ لاتهتمو للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه … يكفي الغد يومه } قول للسيد المسيح ؟
٣ : وأخيرا قيل { كل شئ جديد في الحياة جميل … إلا الصداقة ففيها شئ أجمل } ؟