لم تعد فلسطين تفيدنا في شيء. لا في انقلاب عسكري. لا في حفلة سحل. لا في احتلال دولة مجاورة. لا في صفقة سلاح. لا شيء. كانت هي الذريعة لكل مخالفة وهي المبرر لكل ظلم. عندما تقول فلسطين يخجل الجميع من الاعتراض على الإرهاب، لذا، استخدمت لتغطية كل شيء. هل طريق فلسطين يمر باليمن؟ أجل يمر باليمن. يمر في بيروت، طبعا في بيروت. يكوع على الكويت، حقا.. حقا.
قضية بائسة انتهى مفعولها في بلاد العرب. عاد ياسر عرفات إلى رام الله وأراح العرب من الشعور بالذنب. ها أنت قد عدت، فدبر حالك، أنت، والقرار الفلسطيني المستقل. ونحن سوف نبحث عن قضايا أخرى. كلها بطولية. قضيتك عمرها 60 سنة، حسنا، سوف تعثر على واحدة عمرها ستمائة سنة. ما يحدث لغزة سببه شعور إسرائيل بأن العالم العربي لم يعد موجودا حتى في مكبرات الصوت.
والعالم يعرف أن العرب سوف يقدمون أغلى ما لديهم. وأغلى ما لديهم هو التلفزيون الذي فاق الإذاعة الساذجة ألف مرة. ويقضي الاتفاق الرسمي مع «المجتمع الدولي» بتقديم غزة على أخبار البرازيل على الأقل، من حيث اللياقة والخجل. لا يمكن أن تكتب عن القضية الفلسطينية من دون أن تغرق في مستنقع الكليشيهات السقيمة. لا جديد تقوله حول همجية إسرائيل وحول عجز العرب وحول لؤم «المجتمع الدولي» وحول رطانة السيد بان كي مون. صورة متكررة لا نهاية لها، تزداد بقعا وثقوبا وقلة حياء دولية عمومية.
فقدت فلسطين صلاحيتها حتى كذريعة مزيفة وشهادة زور. وفي أي حال إذا كنت تشاهد الأخبار على «الصامت» فقد لا تعرف أين هو هذا الخراب، وما هي المباني التي تدك. على أن غزة قطاع مزدحم بالسكان مثل سنبلة قمح. وهذا «التأديب» الدموي المتواصل لا يصيب حماس وحدها، لأنه لا يوفر أحدا، بل لا يوفر شيئا. غير أن هذا آخر هموم إسرائيل التي تبادل كل ثلاثة آلاف عربي لثلاثة من مواطنيها. لقد اكتشفت منذ زمن مدى أهمية الإنسان عندنا. وهذا ما اكتشفه العالم أيضا. فلم يعد يطلب من مجلس الأمن أكثر من بيان لطيف يتوسل وقف النار. ولكن ليس قبل إنهاء مهمة التدمير والتخريب. وفي هذه الأثناء يطلق صاروخ من لبنان وقذيفة هاون من سوريا وكان الله يحب المحسنين. وتترك عزة إلى ما تركت له فلسطين برمتها من قبل.
نقلا عن الشرق الاوسط