تقول أمي إن وحم الرجال “يترافق مع شهر رمضان”، معبّرة عن تذمرها من أصناف الأطعمة التي يشتهيها أبي أثناء الصيام، وتقضّي هي ساعات طويلة في المطبخ من أجل إعدادها.
ولكن مع حلول موعد الإفطار لا يتناول منها إلا طبق الشربة المعتاد مع بعض الغلال، وتبقى بقية الأطعمة على حالها.
وبرغم ذلك فما يشتهيه أبي من أطعمة لا يتوقف عند حدود اليوم الأول من شهر رمضان بل يستمر على امتداد عدد أيامه، ويستمر معها تذمر أمي وشكواها من طلباته التي ترهقها، ولكنها تعدّها له ولو كان ذلك على مضض، حتى لا تزيد في تعكير مزاجه المتقلب بسبب الصيام وانقطاعه عن التدخين.
وأبي ليس بالاستثناء، فأغلب الناس يعانون من تعكر المزاج أثناء الصيام وتزداد رغبتهم في الأكل بسبب الإحساس بالجوع، وهذا أمر طبيعي، لأن الجسم يكون في حاجة إلى الفيتامينات والمواد المعدنية والأحماض الدهنية التي يؤثر افتقادها بشكل أو بآخر على الحالة النفسية لكل إنسان.
ولكن الأمر غير الطبيعي، هو العجب العجاب الذي يصدر من بعض الأزواج خلال شهر رمضان، وتصرفاتهم وكثرة طلباتهم التي تفوق قدرة نسائهم على التحمل، ومزاجهم الذي يتغير كرقاص الساعة بين لحظة وأخرى، وفي جميع الأحوال فإن زوجاتهم مطالبات بالاستجابة لأمرهم ونهيهم، وكأنهن روبوتات آلية لا تتعب ولا تكل ولا تمل.
وكم يكون الأمر شاقا على المرأة العاملة التي يجب عليها التوفيق بين العمل خارج المنزل الذي أصبح ضروريا نظرا لارتفاع كلفة المعيشة، والعمل المنزلي ومتطلبات الأبناء والزوج التي تتضاعف خلال شهر رمضان.
وأغلب الأزواج لا يكلفون أنفسهم مساعدة زوجاتهم في شؤون البيت، خاصة في المجتمعات التي مازالت فيها المساواة بين الجنسين لم تصل إلى داخل منازل الأسر، ولذلك فإن على النساء القيام بجميع الأعباء المنزلية، أما الرجال الفخورون برجولتهم فيجلسون على الأرائك يتفرجون عليهن في انتظار موعد الأذان.
ومع موعد الأذان تتحول موائد الإفطار إلى منصات عرض للأطعمة متنوعة الألوان والأشكال، والتي تفوق حاجة أفراد العائلة وطاقة أجسامهم، فينتهي المطاف بأغلبها إلى سلال المهملات، في الوقت الذي يعيش فيه الملايين من الأشخاص في مجتمعاتنا العربية ظروفا اجتماعية واقتصادية قاسية، ورغيف الخبز بالنسبة إليهم قد أصبح مرادفا للحياة.
وعلى الرغم من أن رمضان يعد فرصة هامة ليس للاعتكاف والتعبّد فحسب، بل وأيضا لإراحة المعدة وتخليص الجسم من المواد الدهنية الضارة، ومراجعة علاقتنا بأسرنا وبالآخرين الأقل حظا منا، وأولئك الذين يتضوّرون جوعا ولا يجدون ما يسدون به رمقهم، فالسائد أن الكثيرين لا ينتابهم أدنى قلق حول مثل هذه المسائل، وينسون كل شيء لحظة الاستمتاع بوجبات الإفطار الدسمة.
وقد أظهرت العديد من الدراسات التي أعدّها خبراء في الصحة أن نسبة كبيرة من المسلمين تزداد أوزانهم خلال شهر الصيام، وأن معدل استهلاك الطعام يزداد أيضا خلال نفس الفترة في بعض البلدان العربية.
وقد كان الطبيب الفرنسي آلان ديلابوس على حق عندما قال في كتابه الذي يحمل عنوان “تاريخ التغذية: خاص برمضان”، إن “المسلمين قد حولوا وجبة الإفطار في رمضان إلى طقس ليلي من الانغماس في الأغذية يمتد من غروب الشمس إلى شروقها”.
*نقلاً عن “العرب”