ليس هذا مقالاً بل بحثاً و دراسة أكاديمية.فإذا كنت مهتم بالبحث فهذا المقال يهمك.
نعم نؤمن بما تعلمناه أن الصلاة من أجل الراقدين مرتبطة بعقيدتنا في موت و قيامة المسيح الديان له كل المجد و في ملكوته الأبدى .
قانونية الصلاة لأجل الراقدين
الصلاة لأجل الراقدين مارسها القديس بولس الرسول لأجل أنيسيفورس طالباً له رحمة و عزاءاً لأهل بيته 2 تي 4 : 19 ( يوجد من يعارض أن أنيسفوروس لم يكن قد إنتقل في ذاك الوقت) . و للقديس ديوناسيوس تلميذه أقوال عن نفع الصلاة لأجل الراقدين.
المبدأ نفسه موجود في الديسقولية إذ ترد إشارة إلى ذلك في قوانين الآباء الرسل (69:1): ” يمكنكم أن تصلوا عن الذين انتقلوا من هذا العالم) هذا القانون الرسولى الموثق أخذ منه الصفي بن العسال ( جامع القوانين) في باب القوانين الجزء الرابع – و الذي كتبه و درسه المتنيح القمص صليب سوريال (أهمية إبن العسال تأتي لكونه المرجع العربي الأهم لتعاليم الآباء في زمن كانت اللغة القبطية فيه في مأزق تاريخي لسبب الغزو العربي). كتب القديس “يوحنا ذهبي الفم” يقول:(لنمد لهم العون ونذكرهم؛ إن كان أبناء أيوب قد تطهروا بذبيحة أبيهم، لم نشك بأن تقدماتنا لأجل الراقدين تجلب لهم بعض التعزية؟.. فلا نتردد إذن في مساعدة الذين رحلوا وتقدمة صلوات لأجلهم)
و تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية أن الصلاة من أجل الراقدين هي صلاة للتعزية و يمكن أن تشفع قدام الله لكي يغفر خطايا المنتقل اللا إرادية و هفواته. الكنيسة لا تصلي من اجل الراقدين بهدف أن يعدل الله عن قراره بشان الإنسان المنتقل ، فالله هو القادر اولاً وأخيراً على الحكم بعدل وحق على كل شخص .. هو الديان الوحيد ولكن كنيستنا تؤمن أن الله إله احياء وليس إله اموات ” فلا يوجد فصل في المسيحية بين راقد و حي، الكل في كنيسة الله أحياء مصلين من أجل بعضهم لأجل بعض.يع5: 16 لا يوجد في المسيح أمواتاً.فالكل حي في المسيح الحي. . في المسيح لا فرق بين الأحياء والأموات لأن الجميع هم أحياء فيه . نؤمن أن الذين سبقونا إلي السماء لم ينفصلوا عن شركتنا و إياهم في المسيح. ذلك أن وحدة الشركة في جسد المسيح لا يغلبها الموت (يوحنا 10: 28 – 30؛ رومية 8: 38 – 39
نحن نؤمن في المسيح أن الصبية نائمة و أنها لم تمت لو 8 : 24.و كل نفس في المسيح لا تموت و لأنها حية نستطيع أن نشفع لها و تشفع لنا.لذلك يقول يوحنا ذهبي الفم ( حقاً حين جاء المسيح صار الموت نوماً)
صلاة الجناز من أجل الأحياء
بعد قداس أحد الشعانين تصلي الكنيسة صلاة الجناز.حيث لا يوجد موتي.صلاة جناز للأحياء فقط.تصليها الكنيسة ليكون تركيزها في ألام المسيح و موته لا يقطع هذا التركيز موت إنسان .فبصلاة الجناز العام تكون الكنيسة قد تفرغت بكاملها للتأمل في المسيح المتألم .و هذه الصلاة هي طلبة من أجل الراقدين و من أجل فئات أخري في الشعب.ثم ثلاثة تحاليل يصليها الأب الكاهن.إثنان منهما صلوات خضوع لله من أجل أن يرحمنا والأخير هو حل للإنسان الخاطئ من خطيته و هو ما يسمى (تحليل الإبن).
تصلي الكنيسة صلاة التجنيز و لا تشترط أي حالة للإنسان الذي يصليها.كل من يحضر هذه الصلاة يستفيد من وجوده فيها.صحيح أن الشعب وقتها يكون خارجاً من قداس أحد الشعانين لكن لا يشترط أن جميعهم تناول القدسات و لا أن جميعهم في حالة توبة تستحق أن ينال بسببها بركة التحليل الثالث الذي بسلطان الكهنوت ينال التائب حلاً من خطاياه. الصلاة للجميع دون شروط.و ليس مذكوراً في مقدمة الصلاة أية شروط لحضور هذه الصلاة.
و بمناقشة هذا النص لا نجد في صلاة الجناز أي أمر يمنع غير الأرثوذكسي من الإشتراك في الصلاة و الإستمتاع بما فيها من بركات (سوي التحليل الختامي حيث لا يؤمن البروتستانتي بالكهنوت و لا بسلطانه و بالتالي هو يحرم نفسه من الإستفادة منه و ليست الكنيسة التي تحرمه ).لكن الأهم من مناقشة الشروط هو البحث في أصالة النص.متي بدأت الصلاة به؟ من وضعه؟ و متي؟ و أي مجمع أقره؟ و هكذا فهذا هو الأهم من التشبث بالنص.
أصالة نصوص صلاة الجناز
تكلمنا عن أصالة عقيدة الصلاة من أجل الراقدين.و الأن يلزم أن نناقش أصالة (النصوص )المستخدمة في صلاة الجناز في جميع الكنائس.
في الإنشقاقات التي حدثت بين الكنائس لم يحدث أن كنيسة أبطلت الصلاة من أجل الراقدين.رغم أن مفهوم و هدف الصلاة يختلف عند كل طائفة.فالكاثوليك يصلون من أجل الراقدين لكي يجدوا أكثر راحة في ( المطهر) بينما أن الطوائف البروتستانتية بمختلف تشعباتها تصلي الجناز ليس من أجل الراقدين لكن من أجل أهل الراقدين فقط و لا تؤمن أن للصلاة تنفع الراقدين.و في بعض الكنائس الغربية تتحول هذه المناسبة إلي إحتفالية بشخصية المنتقل و الحديث عن ذكريات البعض عنه.
أخوتنا البروتستانت لهم وجهات نظر عديدة في أمر الصلاة علي الراقدين و في كتبهم آراء تكاد لا تحسم عقيدة من جهة الصلاة لأجل الراقدين.فمن رأي يري أنه حسب عقيدتهم في سابق تقرير المصير و أن الله يعرف من سيخلص و من سيهلك (هم يتكلمون عن المعرفة الإلهية و لا يذكرون دور حرية الإنسان في إختيار مصيره) فحسب هذا المعتقد يجدون أن الصلاة من أجل الراقدين لا تغير شيئاً ….ثم يتابعون بقولهم بأنه رغم ذلك توجد فلإنسان فرصة في الإختيار بين أن يذهب مع الملائكة أو مع الشياطين حين تخرج الروح و الصلاة من أجل الإنسان في تلك اللحظة تعينه أن يختار الذهاب مع الملائكة .(كتاب الموت في العالم الجديد عبر الثقافات المتعددة 1492-1800 لمؤلفه إيريك سييمان.حتى أن رئيس اساقفة كانتربري 1937 أعلن أن تذكار الموتى لم يكن في وقت من الأوقات مخالفاً لعقيدة الكنيسة الإنجليزية – كتاب علم اللاهوت القسم الخاص للعلامة القمص ميخائيل مينا(1883-1956)
و يقول أحد أساقفة روسيا في القرن التاسع عشر (فيلاريت) أن الصلاة لأجل الراقدين تمارس في الكنيسة منذ القدم.و قد ذكر ذلك القديس ذهبي الفم في عظاته و القديس كيرلس الأورشليمي في رسائله و القديس أغريغوريوس اللاهوتي في تأملاته.
يعرف الدارسون أن الصلوات الطقسية هي التي وردت في كتاب تسميه الكنيسة (كتاب الليتورجيا)أي نصوص الصلوات المتعلقة بالأسرار الكنسية و هي التي حازت علي إهتمام القديسين في القرون الأولي بداية من الآباء الرسل و خصوصاً القديس يعقوب و مارمرقس مروراً بتلاميذ الرسل مثل ليتورجية القديس إكليمندس ثم بعد ذلك ليتورجيات القديسين ( باسيليوس-أغريغوريوس النيزينزي-سيرابيون و الراعى هرماس وغيرهم من القديسين) يضاف إلي ذلك التقليد الشفاهي أو المتاح في برديات أو كتب متناثرة.
تركزت كل كتب الليتورجيا في نصوصها علي صلوات الأسرار و خصوصاً سري التناول و المعمودية. و لم يتضمن أي كتاب ليتورجيا قديم علي نص لصلوات الجناز.
و من الوارد أنه لم تكن صلاة محددة للجنازات و لا حتي فرصة للصلاة في عصور الإستشهاد.لكن من المحتمل أنه كانت هناك صلوات و طقس لتكريم الشهداء .
إن الغزو الإسلامي و هجومات البرابرة قمع الكنيسة فكانت كثير من الممارسات الكنسية تتم علي عجل و في مخابئ تحت الأرض مما لا يسمح بتداول نصوص محددة للصلاة من أجل الراقدين.لكن أوشية الراقدين ( صلاة مختصرة من أجل الراقدين) كانت جزء من ليتورجيا القداس منذ القرن الرابع. و علي مدار أربعة عشر قرناً لم توجد أية نصوص محددة لصلوات الجناز.
أما أول كتاب وضع نصوصاً لصلوات التجنيز للرتب المختلفة في الكنيسة فهو كتاب الترتيب الطقسى للبابا غبريال الخامس البابا 88 في حبريته 1409-1427) و لم يعرض هذا الكتاب علي مجمع و لا تمت مناقشة نصوصه و لو في مجمع أساقفة الكنيسة ذاتها.و هو يحتوى علي صلوات أخري يلزمها تأصيل و تدقيق.لكن ينسب للبابا غبريال الفضل في وضع الاساس الذي تشتمل عليه صلوات التجنيز حتي يومنا هذا. كما وضع صلوات طقسية لأمور أخري .
و نحن نعرف أن أقدم خولاجي باللغة العربية يضم صلوات القداس كما نعرفها هو الخولاجي الذي طبعه روفائيل الطوخي في روما سنة 1736م و في سنة 1902 طبع القمص عبد المسيح المسعودي الخولاجي و اضاف إليه نصوصاً من كتاب ( الترتيب الطقسي للأنبا غبريال الخامس البابا 88 لسنة 1409- 1427) ثم أضاف من عنده إضافات عدة. و كلامنا هنا عن كتب الليتورجيا الهدف منه التأكيد علي عدم وجود نص محدد لصلاة الجناز,و أن كل ما يتلي من صلوات هو إضافات حديثة لأباء معاصرين عدا ما ذكره البابا غبريال في كتابه.
و برغم النص الوارد في كتاب الترتيب الطقسي عن صلوات التجنيز فإنه كان يترك مساحة لإضافة صلوات و مرثيات خاصة بحسب ما هو متاح من وقت كما يمكن أن تجده في الكتاب ص 145 و 146)
رغم الخلاف بين الطوائف في ما يمارسه الأحياء من صلوات و طقوس إلا أنه لا خلاف بينهم علي أهمية و منفعة الصلاة للراقدين عندنا نحن الأرثوذكس و أخوتنا الكاثوليك و منفعة لأخل المنتقل كما عند أخوتنا البروتستانت و تشعباتها ….بل حتي غير المسيحيين أصبحوا يقلدوننا و يصلون علي أمواتهم.فإن لم تجمعنا صلوات الأحياء فلتجمعنا صلاة الأموات.
صلاة جناز موحدة
من الواضح أن مبدأ الصلاة علي الأموات مقبول لدي غالبية المسيحيين بمختلف طوائفهم.
و من هنا ننطلق.ماذا يمنع أن تتفق الكنائس علي نص صلاة موحدة من أجل الراقدين.لست هنا أنا الذي يضع هذا النص الموحد لكنني أضع فقط الفكرة في يد الله و أيضاً أمام قادة الكنائس الروحيين.
قد يخرج من يقول: و هل سنستخدم البخور في صلواتنا و بعض الكنائس لا تقبل ذلك؟ هل نصلي التحليلات الكهنوتية و بعض الكنائس لا تتفق مع سلطان الكهنوت؟ هل نقول للنفس أن تستريح في المطهر و نحن لا نتفق مع فكرة المطهر؟ هذا يا أخوتى ما يستدعي الحوار.بمحبة و رغبة في الوحدة نستطيع أن نصل إلي إتفاق .لا سيما و أن التعبيرات المستخدمة في صلاة التجنيز يمكن التفاهم بشأنها حيث ثبت أنها ليست موثقة بدرجة يصعب معها تعديل ما يلزم للوصول إلي إتفاق.
قد يقترح أحدهم أن نلغي البخور و التحليل و فكرة المطهر؟ هذا رأى من يريد أن لا نبحث و نصل إلي الأنفع لحياتنا الروحية.هذا رأي يستسهل و يتنازل دون مبرر. لكنني أري الأفضل أن تتجه الكنائس صوب الإنجيل و تعاليم الآباء الرسل لكي تكون الشاهد علي كل كلمة نصلي بها نضع منه أسانيدنا في وقت فيه القلوب منفتحة و الرب متدخل بقوة ليحل وسط جميع مؤمنيه كرأس وحيد لكنيسته.الرغبة المقدسة في حوار متواصل حتي نتفق بإرشاد الروح القدس على مبدأ إنجيلى عميق يجب أن يسود جميع المؤمنين من جميع كنائس العالم.
قد يقول قائل و ما الداعى لصلاة مشتركة بينما يستطيع كل إنسان أن يصلي في كنيسته كيفما يشاء.لهؤلاء أقول نعم يمكننا ذلك لكن ما المانع من وجود هذه الصلاة كنقطة من نقاط تلاقي بيننا نحن مسيحيو العالم. نريد أن نصنع حلقات مشتركة تقلل الإختلافات و الخلافات. إن صلاة مشتركة كهذه يمكن أن نصلي بها في حوادث الموت الجماعية .نصلي بها لأسر متعددة الطوائف.نصلي بها في التذكارات المشتركة للشخصيات القبطية العامة.نصلي بها لقادة الكنائس في نياحتهم حيث يكون الحضور من مختلف أنحاء العالم. فلتكن فكرة نحسن دراستها و تحليلها و بلورتها .و هنا أدعو كل صاحب فكر و رأي للمشاركة في نقد علمى أو إضافة علمية لصالح الإيمان المسيحي و الوحدة بين أعضاء جسد المسيح الواحد.