اطلعت على وثيقة نادرة كتبت في الأول من مارس (آذار) عام 1945 تبين طبيعة العلاقة السعودية – الأميركية المتوترة، وتذكرنا باليوم. في ذلك العام لم تكن الحكومة الأميركية قد عينت سفيرًا لها في جدة، واعتمدت على من يمثلها، كان يسمى حينها «الوزير». ولأن وزير الخارجية الأمير فيصل بن عبد العزيز كان غائبًا، كلف الملك عبد العزيز مستشاره، نائب وزير الخارجية حينها يوسف ياسين، بأن يبعث برسالة للوزير الأميركي ريفز تشايلد بعد أن شاب العلاقة خلافات، ومنعت واشنطن بيع الأسلحة للسعودية. كتب ياسين: «نحن مستعدون لعمل كل شيء يساعد على تقوية الروابط بين الشعبين، وأن كل مطالبها تلك التي تخدم المصالح المشتركة ستجاب، والتسهيلات المطلوبة للولايات المتحدة ستمنح لها، لكن بشكل يضمن سيادة البلاد ولا يجعل المملكة العربية السعودية عرضة لأي انتقاد خارجي أو يفسر من القائلين بأن البلاد العربية السعودية مستعمرة أميركية».
واستطرد يقول إن «المصالح المشتركة بين حكومة الولايات المتحدة والحكومة العربية السعودية ليست كمصالحها مع الدول الأخرى، ونحن نتمنى أن نقوي تلك المصالح؛ لذا البلاد العربية السعودية سيسرها أن ترحب بوفد أميركي خاص أو أن تبعث بوفد عربي سعودي يرأسه أحد الأمراء على أن مثل هذا الوفد أو ذاك لن يؤلف إلا إذا تأكدت البلاد العربية السعودية بأن الولايات المتحدة الأميركية لديها الاستعداد لإعادة النظر في موقفها وأنها مستعدة أن تعمل ذلك».
وحدد ياسين في رسالته للوزير الأميركي أن الملك ينتظر الرد من الجانب الأميركي خلال عشرة أيام، على اعتبار أن السعودية ستبحث خياراتها الأخرى في حالة إصرار الأميركيين على موقفهم الرافض، وقد ردت الحكومة الأميركية تؤكد أنها ترغب في التعاون وبررت تلكؤها بأنها مشغولة مع تأسيس «الميثاق الأطلنطي» الذي صار يعرف لاحقًا بحلف الناتو. حينها كان قد انقضى على نهاية الحرب العالمية الثانية أربع سنوات وخلفتها معارك على النفوذ مع الاتحاد السوفياتي الذي بدأ يوسع مناطقه مستهدفًا الشرق الأوسط. ما أشبه الليلة بالبارحة، زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي الحالية إلى الولايات المتحدة تجيء في وقت يشوب العلاقة بين البلدين توترات كبيرة، وكما رأينا في رسالة عام 1949، السعودية تدرك أهمية الدولة العظمى وترغب في علاقة قوية معها، لكن لا بد أن تكون واضحة في خدمة المصالح بين البلدين.
أبرز القضايا المعلقة اليوم هي تخلي واشنطن عن مواقفها المؤيدة للدول العربية، مثل السعودية، في وجه التوسع والتهديدات الإيرانية، فالانفتاح على نظام آية الله، جاء على حساب الدول العربية، حيث لم تربط العلاقة الجديدة مع طهران بوقف نشاطاتها العدوانية ضد دول المنطقة مثل العراق وسوريا واليمن وبالطبع دول الخليج العربية. تخلي واشنطن عن موقفها الواضح السابق أربك كل الحسابات السياسية بين البلدين وجعل هذه الدول تبحث عن خياراتها لأول مرة من زمن الرئيس الأميركي أيزنهاور الذي أرسى أسس العلاقة عام 1945 مع السعودية فور نهاية الحرب العالمية الثانية.
وإذا كانت واشنطن تريد الحفاظ على مصالحها في منطقة الخليج، فعليها أن تقبل أن تكون هناك مصالح مشتركة. وليس سرًا ما يدور في المنطقة من توجه شبه جماعي يسبب الانحراف السياسي الأميركي نحو إيران أن دولاً مثل مصر والسعودية والإمارات وقطر وغيرها ضاعفت علاقاتها مع كل من روسيا والصين بعد أن غيرت الحكومة الأميركية موقفها من إيران من العداء الكامل إلى التقارب الشديد، وتزامن التقارب مع النظام الإيراني، حيث تجرأ على إرسال قواته وسلاح وتشكيل ميليشيات طائفية دفع بها للقتال في سوريا والعراق واليمن. هذا التوتر والقلق وضع العلاقة مع واشنطن في أسوأ مراحلها. بعد سبعة وستين عامًا تحتاج العلاقة إلى نقاش طويل لفهم الأسس التي ينبغي للطرفين التعامل بناء عليها. هناك في واشنطن من يعتقد أن السعودية وبقية دول الخليج يمكن استبدال العلاقة مع إيران بها، ما دام أن الإيرانيين صاروا مستعدين للانفتاح ووقف عدائهم للغرب. أعتقد أن زيارة الأمير محمد بن سلمان تمثل فرصة لفتح النقاش حول ميزان المصالح العربية الذي يفوق كثيرًا الإيرانية.
*نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”