’يقاس مدى تطور الدول بمقياس وضع المرأة ومدى إحترام حقوقها في وطنها.. أما المساواة بينها وبين الرجل وبرغم تعثّره حتى في معظم هذه الدول المتقدمة والمتحضرة! إلا أن الوضع يبقى أفضل بمئات المرات عن مثيله في الدول العربية…
ما حثني على كتابة هذا المقال ( البحث ).. عدة أمور.. يقع على رأسها أنني أعتبر الأردن واجهة للتقدم الحضاري في المنطقة العربية.. خاصة وبما يتمتع به الشعب الأردني من حب للنظام زرعه فيهم الملك الراحل الحسين “رحمه الله “.. أيضا إعتبار الأردن من أكثر الدول العربية إستقرارا في منطقة تلتهب بالثورات.. إضافة إلى إيماني بأن قيام النظام بالإصلاحات المطلوبه عاجلآ.. هي طريق الأمن والأمان للشعب وللنظام.. وأؤمن بأن إصلاح النظام القضائي المختص بحقوق المرأة هو أول أسلم الطرق للإستقرار إضافة إلى أنه سيضمن مصداقية الأردن في تحقيق الإصلاحات الأخرى.. والإحترام الدولي.. خاصة وأن توقيعة على إتفاقية سيداو المعروفة بإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمميز ضد المرأة تتعارض تعارضا واضحا مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.. وحقوق المرأة… وتشوه صورة المجتمع الأردني.. و’تسلط الضوء على تراخي الحكومة في حماية مواطنتها المرأة!!
القوانين المشوّه للثقافة وللمجتمع الأردني..
الأولى.. المادة 320 الخاصة بقتل الشرف.. والتي تستند إلى المادتين 96 – 98 والتي ’تخلّص المجرم من العقاب على جريمته في قتل إحدى قريباته سواء إرتكب الجريمة تحت تأثير الاستفزاز أو أنها كانت ’مدبرة للتخلص من عبئها.. الضحية.. الإبنه.. الأخت – الزوجة – إبنة العم – إبنة الخال وأي من قريباته اللواتي يعتقد بأنها مست شرف العائلة والذي وفي كثير من الأحيان يثبت التقرير الطبي الشرعي أنها ما زالت عذراء.. فالمادة 98 من قانون العقوبات، تنص بصورة عامة على أن الجاني يستفيد من العقوبة المخففة أذا ما إرتكب جريمة قتل وهو في حالة غضب شديد.. وأعتقد بأن هذه المادة تتخفى لإبقاء سيطرة الرجل.. وتبرئته من جريمته وتضع البرلمان الأردني تحت قناع من الإزدواجية ففي ذات الوقت الذي أقر فيه البرلمان قانون الحماية من العنف الأسري. والذي ينص على تلقي الضحايا التعويض، إمتنع صراحة عن تجريم العنف المنـزلي.. السؤال ألم يكن من الأفضل بدل تعويض الضحية حمايتها؟؟؟؟؟ أليس من واجب أي حكومة حماية مواطنيها.. ولماذا تتخلى الحكومة الأردنية عن مواطناتها وألا ’يعتبر هذا التخلي تعزيزا وتأكيدا لمبدأ الهيمنة الذكورية؟؟؟
إضافة إلى أن البرلمان الأردني إعتبر أن إلغاء هذه المادة سيؤدي إلى إنحلال المجتمع.. وقد يسعى الأفراد إلى أخذ القصاص بأيديهم؟؟؟ لماذا يرتبط كل إنحلال في المجتمعات العربية بجسد وعفة المرأة بينما قضايا الفساد والرشوة لا تعتبر قضايا إهجلال.. أما الخوف من سعي الأفراد إلى أخذ القصاص بأيديهم.. فإن التراخي في إعتبار عملية القتل.. ليس سوى تشجيع مبطن لهؤلاء الأفراد لأخذ القصاص بأنفسهم.. غير عابئين بالقانون لأنه يتراخى معهم… من المخجل لأي دولة أن يعارض مجلس نوابها أكثر من مرة خلال السنوات الماضية إلغاء المادة (340) تحت ستار الخصوصية الثقافية.. والتي ومن خلال رفضه إلغائها يساهم في إستمرار إرتكاب الجرائم ضد المرأة.. ويبرر لهذه الثقافة التي تشجع على القتل والعنف… وتأصيل العنف المجتمعي ضد المرأة !!
وبرغم تعديل نص المادة 340 عام 2001.. بحيث تسمح بالعذر المخفف لكلا الجنسين حال أمسك أحدهم بالآخر متلبسا بالزنى مع شخص آخر.. إلا أن هذا التعديل لا مكان له ولا معنى نظرآ لحق الرجل في التعدد.. أي ان هذا التعديل ليس إلا واجهة تجميليه لمبدأ المساواة.. والأولى تجريم كلا الرجل والمرأة حال قيام أيهما بمثل هذه الجريمة.. لأنها جريمة متعمدة ومتكاملة الأطراف..
إن إستخدام هذه المادة في قضايا العنف ضد المرأة.. تؤكد التمييز وتتناقض لمتطلب أساسي من متطلبات القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو المساواة أمام القانون بين الأفراد، الذين لا يجوز أن يعانوا من التمييز بسبب جنسهم وتتعارض مع توصية لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة..
السؤال الأهم.. هو لماذا تتحفظ الحكومة الأردنية على قوانين الأحوال الشخصية الخاص بالمرأة مع علمها بتعارض معظم هذه القوانين مع حقوق المرأة وعدم عدالة معظمها..
أليس في ذلك تخليا عن مبدأ العدالة الإجتماعية؟؟؟؟
الثانية.. المادة 308.. والتي تسمح للمغتصب النجاة من العقوبة في حال تزوج من ضحيته ودام هذا الزواج لمدة 5 سنوات..
نشر في عدة صحف ومواقع إلكترونية أردنية بتاريخ 24/4/2012، خبرا يفيد بإعفاء مغتصب طفلة في مدينة الزرقاء ذات أربعة عشر عاماً من عقوبة الاغتصاب، بعد أن عقد قرانهُ عليها مع إتمامها عامها الخامس عشر، وأنها تسكن اليوم في منزل مغتصبها. وقد تم كل هذا بإسم القانون، إستنادا إلى المادة 308 والتي تسمح للمغتصب النجاة من العقوبة في حال تزوج من ضحيته ودام
هذا الزواج لمدة 5 سنوات.. رغم تعرضها للخطف من قبل الجاني بمساعدة ثلاثة شركاء آخرين تم إعفاءهم من عقوبة الخطف أيضا.
المادة 308.. والمعمول بها تحت أرقام مختلفة في سوريا ولبنان.. وقامت المغرب بإلغائها مؤخرا تحت الضغط الدولي.. وقامت السلطات القضائية المصرية بتحديها في قصة الممثل أحمد الفيشاوي الذي رفض الإعتراف ببنوته من علاقة غير شرعية مع إبنة طبيب.. والتي سيواجهها الممثل أحمد عز أمام القضاء لعدم إعترافة ببنوة طفليه حديني الولادة من الممثلة زينه… بينما يصر المشرع الأردني عليها…. السؤال لماذا.. أليس العمل بهذه المادة تشجيعا للرجل على عملية الإغتصاب.. والنجاة من العقوبة نظرا للثغرات الموجودة في المادة….
يقول المشرع الأردني بأنه وبتزويجه للمرأة المغتصبة يحميها من التبعات المجتمعية التي ’تحقر من المرأة المغتصبة.. ولكن ألا يعتبر خضوعها لمثل هذا الزواج إنتهاك لحقها في الخيار وتخليص الجاني من العقوبه.. حقيقة بأن المشرع ترك للمرأة حرية قبول هذا الزواج. ولكنه لم يحميها في حقها في رفض هذا الزواج وحمايتها وجنينها في حالة الحمل من مثل هذا الزواج……… فا لمشرع ’يحرم الإجهاض.. إضافة إلى أنه يمنع المرأة من الإحتفاظ بالجنين.. وبالتالي ينتهك حق الجنين في حياة كريمة ويعرضه للعنصرية والرفض.. لأن مثل هذا الطفل ’يعطى رقما خاصا يدل على أنه إبن غير شرعي. مما يعرضه لعواقب هذا الوصف مجتمعيا.. ويقلل من فرص حصولة على عمل.. إضافة إلى أن المحاكم الشرعية ترفض الأخذ بفحص الحامض النووي لإثبات النسب.لأن هناك نسبة ضئيلة جدا في خطأ هذا التحليل. مما يترك المرأة مرة أخرى فريسة لمجتمع لا يرحم.. وتخلص الجاني من العقوبة.. وتجبر المرأة على حياة من العبودية.. وإمتهان كرامتها.. مع شخص إغتصبها.. يلجأ في كثير من الحالات للتهرب من واجباته الإنسانية ويحملها على طلب الطلاق.. ويتخلص هنا من واجباته الشرعية في نفقتها.. ومؤخر صداقها.. لأنها هي التي تطلب الطلاق.. إضافة إلى تحريم المشرع القيام بعمليات ترقيع البكارة.. مما يعرضها إن عاجلآ أو آجلا لعقوبة القتل.. وفتوى الشيخ الأردني التي تسمح بالقيام بفحص العذرية قبل الزواج تهدد حياتها مرة اخرى..
أليس تشديد العقوبة سيعمل كرادعا لحماية المرأة وحماية المجتمع من تبعات هذه الجريمة؟؟؟؟
الثالثة… حرمان المرأة الأردنية من إعطاء جنسيتها لأطفالها من الزوج الأجنبي
حق الأبناء في الحصول على جنسية الآباء والأمهات.. فمعمول به بمساواة تامة ولا يخضع لأي تساؤل من أي نوع.. إلا في الدول العربية الإسلامية..
لفت نظري مؤخرا معاناة المرأة الأردنية في موضوع تجنيس أبنائها بجنسيتها.. والذي ذكّرني بجملة.. ’يمنع إضافة ابنائها إلى جنسيتها نظرا لزواجها من…. التي أضافها عامل الجوازات حين أردت تجديد جوازي السفر قبل عدة سنوات.. وأحمد الله أنني لم أواجه بمثل هذه المعاناة فيما بعد لحصول زوجي مسبقا على الجنسية البريطانية.. وبرغم أن أولادي لم يولدوا في بريطانيا.. إلا أنهم حصلوا على الجنسية البريطانية بمجرد ولادتهم في دول أخرى غير بريطانيا.. المضحك أننا وحين إستقر بنا المقام في لندن.. وصلتنا رسالة مفادها أن الحكومة البريطانية لا تعترف بزواجنا الديني.. وأن علينا القيام بالزواج المدني لإثبات عقد الزواج؟؟ لم أفهم آنذاك بأن ما يحمي المرأة وكل حقوقها هي الزواج المدني وليس الزواج الديني؟؟؟
هذا الموضوع ذكّرني أيضا…..بقصة ثلاث نساء عرفتهن بالصدفة.. سرقهم الأب الأردني من الأم الأجنبية في إحدى دول أميركا اللاتينية.. ليحضرهم إلى بلده الأردن.. خوفا عليهم من إعتناق الديانة المسيحية.. وحماية لهن من الحرية الغربية.. وبمجرد وصوله إلى بلده.. الأردن.. وحقه المطلق في نسب أبنائه إليه.. أخرج لهن جوازات سفر أردنية.. وزوجهن لسترهن.. وحمايتهن حين قاربت كل منهن الخامسة عشرة ممن إعتقد بأنه يوفر لهن الأمان المادي…. وإنتهى المطاف بثلاثتهن ليقاسوا مرّ الحياة وليخدموا في البيوت.. بينما الأخت الرابعة التي بقيت مع الأم أكملت تعليمها العالي..
هذا هو القانون الذي أعطى الرجل حق حصول أولاده على الجنسية بلا سؤال ولا رقيب وحرم زوجته الأجنية من رؤية بناتها.. لأنها ’منعت من دخول الأردن.. سمح له بتحطيم مستقبل بناته.. هذا القانون الذي يرفض الإعتراف بحق مساوي للمرأة بالحصول على جنسية لأبنائها من الزواج بأجنبي.. لا أهتم ولن أناقش حق هذا الأجنبي بالحصول على جنسية زوجته أسوة بالعالم المتقدم.. ولكنني أأسف لهذه المرأة التي تواجه الرفض العائلي اولآ ثم يرفض مجتمعها زواجها من الأجنبي.. وتلفظها حكومتها لزواجها هذا..لأمرين.. الأول لكي تبقى في عصمة الولي عنها حتى وإن كان جاهلآ كما في حالة ذلك الأب.. والثاني للعنصرية المتأصلة في مجتمعاتنا.. وتغذيها الحكومة تحت تبرير أن الأجنبي لا يرقى إلى مستوى إبن البلد؟؟؟ والأهم إبقاء الأبناء بدون هوية برغم أنهم ولدوا في الأردن.. فإذا كنا نؤمن بأن الله العلي القدير ينادي عباده بأسماء أمهاتهن يوم القيامه.. فلماذا ننكر على المرأة حقها المساوي لحق الرجل في تجنيس أبناؤه؟؟؟؟؟؟
كفانا إنكارآ لبشرية المرأة.. كفانا التخفي بواجهه تجميلية لمجتمعاتنا… علينا الدخول في عملية نقد ذاتي وموضوعي.. وآمل توحيد كل قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي كله.. وإلغاء كلمة ولكن.. ولكن..
أحلام أكرم – منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية
المصدر إيلاف
سيدي المحرر وأعزائي القرّاء
سعدت كثيرا حين وجدت مقالاتي منشورة على منبر المفكر الحر .. ولكن ما أود أن ألفت إنتباه المرحرر والقراء وللصدق فقط بانني وإن كنت أعتشق مصر وأكن الكثير من الحب والإحترام لمصر ولشعبها الكرام .. ولكني لا ولن أتنكر لأصولي الفلسطينية .. فأنا من أصل فلسطيني .. درست وتخرّجت من جامعة الإسكندرية .. وإن ندمت على شيء فهو عدم معرفتي أو علمي بما تحمله الإسكندرية من تاريخ عريق قرأت عنه في كتب الأستاذ يوسف زيدان ..
أعيش منذ سنوات كثيره في لندن .. فيها تعلمت الحب .. والإنسانية والحياة .. ولكني لم أغلق عيني وأذني عن رؤية الجوانب السلبية أيضا في الثقافة الغربية .. وبكن تحرري وتحريري من العبودية التي شلّت تفكيري لزمن طويل .. هو الأساس الذي ثني على الكتابة علّني أستطيع هدم الحواجز بيننا كبشر .. وهي الحواجز التي إخترقتها حين إستعدت إنسانيتي وأصبحت إنسانة لا تؤمن بالحواجز المصطنعه .. وأروّج للحقوق العالمية للمرأة ..
مع شكري العميق للمفكر الحر .. وتقديري للقراء ..