أنتوني كوردسمان
الأميركيون لا يمكنهم إغفال أنهم يواجهون أكثر من أزمة واحدة في الشرق الأوسط. ذلك أن الوضع في سوريا، الذي لا يقل خطورة عن الوضع في مصر، يواصل خروجه عن نطاق السيطرة، مؤثراً على أمن لبنان وتركيا وإيران والعراق ومانحاً إيران فرصا جديدة.
فنظام الأسد يواصل تحقيق المكاسب وباتت لديه أسباب أقل للتفاوض. ورغم كل الحديث عن عمليات أميركية لنقل الأسلحة إلى الثوار السوريين، فإن هؤلاء يواجهون مشاكل بخصوص نقل الأسلحة والإمدادات عبر الحدود اللبنانية والتركية والعراقية. وعلاوة عل ذلك، فإن لبنان وإيران تمدان النظام بالمتطوعين والأسلحة، وغياب الدعم الخارجي يُضعف المعتدلين من بين الثوار، بينما تقسِّم الاضطرابات في مصر سُنة سوريا، وتميل إلى تقوية الفصائل الأكثر تطرفا.
وحتى “نجاح” حكومة بشار أو سقوطها، سيفضي إلى حكومة جديدة ذات بنية غير قابلة للتنبؤ، ترث مشاكل سياسية وتوترات إقليمية مستمرة، ولكن بشكل عام، هناك أسباب إنسانية وذاتية واضحة لكي تتدخل الولايات المتحدة. ذلك أن 93 ألف شخص على الأقل قُتلوا حتى الآن – ربما ما يقارب ضعف هذا العدد – وما يصل إلى 400 ألف أصيبوا بجروح خطيرة. وفي مايو الماضي، قدَّرت وزارة الخارجية الأميركية أن 6٫8 مليون سوري يحتاجون مساعدة حقيقية، حيث نزح 4٫2 مليون عن مناطقهم داخل سوريا ولجأ 1٫4 مليون شخص إلى خارج البلاد: وهو أكثر من ثلث سكان سوريا الـ22٫5 مليون نسمة، ثم إن التكاليف الاقتصادية والاجتماعية سترتفع إلى ما لا نهاية إذا لم يحصل الشعب السوري على حكومة يستطيع العالم قبولها.
قد لا يكون هذا كافياً للتأثير على الرأي العام الأميركي، أو لدفع الكونجرس للتحرك، في وقت ضاق فيه الأميركيون ذرعاً بالحروب ويواجهون أزمة ميزانية فيدرالية ومطالب استراتيجية متنافسة.
ولكن على الرغم من أن واشنطن لا يمكنها ضمان نتيجة في سوريا عبر تسليح الثوار ودعمهم فقط، فإن عدم القيام بأي شيء، يمكن أن يخلق تهديداً أكبر بكثير بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة وحلفائنا في المنطقة.
فما بدأ كحرب أهلية قبل أكثر من عامين، بات يهدد اليوم بتأجيج نزاع كبير بين السُنة والشيعة عبر العالم الإسلامي؛ حيث يقسِّم النزاعُ لبنان ويمنح “حزبَ الله” ومتطرفين آخرين موطئ قدم أكبر هناك. كما أنه يخلق مشاكل في الأردن وتركيا، ويدفع العراق نحو حرب أهلية، ويجعل القيادة الشيعية للعراق أكثر اعتمادا على إيران.
وفي حال نجح الأسد في سحق المعارضة أو الحفاظ على سيطرته على معظم سوريا، فإن إيران ستصبح لديها قدر كبير جديد من التأثير على العراق وسوريا ولبنان في شرق أوسط منقسم بين السُنة والشيعة. وستُدفع الأقليات بشكل مستمر إلى المنافي. كما سيطرح ذلك أخطارا حقيقية بالنسبة لإسرائيل، وسيُضعف الأردن وتركيا والأهم من ذلك، سيمنح إيران نفوذا أكبر بكثير في الخليج العربي، وهي منطقة تضم 48 في المئة من احتياطيات النفط المعروفة في العالم.
أما إذا قامت واشنطن بتسليح الثوار وخسروا الحرب مع ذلك، فإن الولايات المتحدة ستكون على الأقل أظهرت رغبتها في اتخاذ القرارات والوفاء بالتزاماتها. كما ستكون أظهرت أنها تفي بتعهداتها وتدعم حلفاءها.
والواقع أن نقل الأسلحة الأميركية الأكثر تطوراً، مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وصواريخ أرض- جو التي يقول قادة الثوار إنها يمكن أن تغيِّر موازين القوة على ساحة المعركة، يمكن توفيره وتمويله من قبل حلفائنا الخليجيين. ثم إنه ليس من الضروري أن تكون هذه الأسلحة أنظمة أميركية حديثةً ومتطورةً، علماً بأن الثوار يملكون منذ بعض الوقت بعض الصواريخ الروسية والصينية المحمولة من طراز أرض- جو، إضافة إلى أنظمة يمكن أن تشكل تهديدا بالنسبة لأهداف مدنية، إنْ هي وقعت في أيدي المتطرفين. كما أنه من المستبعد أن تتحكم الولايات المتحدة في عمليات النقل هذه من دول صديقة إذا لم نقم بمد الثوار بالأسلحة؛ وبالمقابل، من المرجح جدا أن يكون لدينا تأثير كبير على أي فصيل يحصل على هذه الأسلحة إذا عملنا مع الثوار – وخاصة الآن في وقت تبدو فيه قطر أكثر رغبة في التعاون مع الولايات المتحدة والسعودية.
إن الخيار الأميركي الأعلى كلفة والأكثر خطرا هو التدخل المباشر. وحتى يكون فعالاً حقاً، سيتطلب ذلك فرضَ منطقة حظر جوي على كل سوريا، تشمل كل حركة في الجو. غير أن الولايات المتحدة تستطيع البدء بعمليات نقل للأسلحة إلى الثوار، عمليات قد تكون لديها فرصة أكبر بكثير للنجاح إذا ما شملت صواريخ محمولة من طراز أرض- جو وأسلحة موجهة مضادة للدبابات.
وفي هذا الصدد، يمكن للمسؤولين الأميركيين أن يوضحوا أن الثوار إما سينجحوا باستعمال هذه الأسلحة، ما يفضي إلى رحيل متفاوض بشأنه لحكومة الأسد وتنصيب حكومة وطنية جديدة، وإما أن الولايات المتحدة ستقوم رفقة حلفائها بفرض منطقة حظر جوي.
والواقع أن لا أحد يدعو إلى حملة جوية أميركية حقيقية تُرصد لها أموال مهمة، وقد تعرف إصابات أميركية غير قليلة. ولكن على الولايات المتحدة أن تبدي رغبتها في التحرك إذا انضم إليها الحلفاء. فالقيام بذلك من شأنه منح الثوار امتيازاً كافياً لفرض جهود التفاوض – ويمكن أن يُرهب قوات الأسد ويَحملها على وقف العمليات الجوية من دون الحاجة إلى هجوم كبير على القواعد الجوية السورية. كما سيُظهر أن الولايات المتحدة جادة بشأن الشراكات الاستراتيجية. وقد يساعدنا ذلك أيضا على إقناع الحلفاء بأن يقرنوا الأقوال بالأفعال؛ بل ويمكن أن يُظهر للعالم الإسلامي أن هناك بديلا للتطرف والنزاع السني- الشيعي.
* نقلا عن “الاتحاد” الإماراتية