بعد الخط الاحمر الذي رسمته ادارة الرئيس الاميركي دونالد #ترامب للنظام السوري بشار الاسد بقصفها مطار الشعيرات رداً على الهجوم الكيميائي على #خان_شيخون، بدأت ترتسم معالم أخرى للسياسة الاميركية الجديدة في سوريا، وتحديداً في جنوب البلاد. فما هي خططها لتلك المنطقة، وهل سترسل قوات برية بالالاف الى هناك؟.
صارت يومية تقريباً التقارير عن عمليات تشارك فيها القوات الاميركية والبريطانية الى جانب مقاتلين سوريين ضد “داعش” في جنوب سوريا. وآخر هذه التقارير ما أوردته الأحد وكالة أنباء “سمارت” السورية المستقلة من أن قوات أميركية برية وفصيلاً من “#الجيش_السوري_الحر” سيطر وا على مواقع للتنظيم في بادية الحميمة شرق حمص.
وأعاقت الألغام الأرضية التي زرعها “داعش” في الحميم تقدم القوات البرية المهاجمة، واقتصرت العملية التي انطلقت من معسكر التنف، على طرد عناصر التنظيم من الموقع، وإزالة الألغام، بحسب تصريح القائد العسكري للعملية أبو حوسة الفراتي.
وهدفت العملية أصلاً الى اقامة مقار ل”الجيش الحر” في المواقع المسيطر عليها لتكون نقاط ارتكازهم للتقدم نحو معاقل التنظيم في مدينة البوكمال أولاً ومنها لباقي مدن وبلدات محافظة دير الزور.
والى التحركات الميدانية، تتزايد التقارير الغربية عن مساع اميركية وبريطانية للتفاوض مع موسكو على منطقة آمنة في جنوب سوريا يدعمها الغرب، مع احتمال نشر قوات أردنية على الارض.
احتمالات
فمع التقدم المستمر في المعركة صد “داعش” في سوريا والعراق، يبدو الجنوب السوري أما احتمالين، فإما أن يكون منطقة آمنة بدعم أميركي أو منطقة تسيطر عليها ايران والميليشيات التابعة لها، وهو ما يضع طهران على أبواب، حليفين لواشنطن في المنطقة اسرائيل والاردن.
ويوضح مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ديفيد شنكر ل”النهار” ضرورات اقامة المنطقة العازلة بالنسبة الى الاردن وأميركا، منطلقاً خصوصاً من العبء الذي يمثله اللاجئون السوريون على المملكة الهاشمية، حيث ثمة 750 ألف لاجئ سوري مسجل، فيما تقول السلطات إنهم ما بين مليون ومليون 400 الف.
ويطالب قادة عسكريون ووزراء علناً باقامة مثل هذه المنطقة في جنوب سوريا ليتمكنوا من اعادة اللاجئين اليها، علماً أن ثمة منطقة آمنة فعلية هناك. ويقول شنكر: “سلح الاردنيون في السنوات الاخيرة مقاتلين سوريين معتدلين، وهم يدخلون أجواء المنطقة بمقاتلات “أف 16″ ومقاتلات غير مأهولة” لقصف مواقع ل”هيئة تحرير الشام” و”داعش” وغيرهما.
صوب درعا
وبذلك، لا يسيطر الاردنيون على مساحات داخل سوريا، الا أنهم يدخلون المنطقة ويخرجون منها بحسب الضرورة، كما يقدمون مساعدات للاجئين عبر الحدود. ولكن المنطقة الامنة التي يتم الحديث عنها فهي تمتد على مسافة أميال على طول الحدود، وصوب الداخل في اتجاه درعا من دون أن تشكل المدينة على الأرجح ولا الطريق السريع المحاذي لها، جزءا منها.
تتعدد الاهداف المفترضة لهذه المنطقة الامنة. فالى اعادة اللاجئين من الاردن، يقول ديبلوماسيون غربيون إن الهدف الفوري هو منع مقاتلي “داعش” الذين يهربون من معاقلهم في العراق وشرق سوريا من التوجه جنوباً صوب الأردن. ولكن شنكر يرى أن المسألة الأهم لعمان تكمن في منع وصول الايرانيين ومعهم الميليشيات الشيعية و”حزب الله” وغيره الى حدودها، فيما تسعى واشنطن الى قطع طريق إيران في اتجاه لبنان.
برأي الباحث الاميركي الذي يزور بيروت أن “ما لا يريده الايرانيون هو أن تنتهي الحرب في سوريا وتكون ايران قد تمركزت على حدود الاردن”. وهو لا يستبعد أن تحاول ايران ذلك “فالاردن هي الدولة الوحيدة التي لا تعاني مشكلة ايرانية حتى الان. وهناك تقارير غير مؤكدة عن اختراقات ايرانية لبعض الاجهزة الأمنية”.
أُثارت الحرب السورية ما يكفي من المشاكل للأردن. فعلى رغم الجيش القوي، زادت الحرب في سوريا المجاورة الاعباء على الامن الحدودي، وترد تقارير يومية عن قتل القوى الامنية لمتسللين أو مهربي مخدرات على الحدود. وهناك أردنيون (بين 3 الاف و4 الاف) يحاربون في صفوف الجهاديين، وربما قد يحاولون العودة، لذا يسعى الاردن الى منعهم من ذلك.
تطرف
ومع استمرار الحرب، يقول شنكر الذي يتابع الملف الاردني من كثب، يشهد الاردن نزعة نحوالتطرف، بسبب ما يعتبره بعض الاردنيين “مذبحة” بحق السنة في سوريا. وقد لا يسعى عدد كبير من هؤلاء المتطرفين للذهاب الى سوريا، وإنما سيبحثون عن أهداف في الاردن، علماً أن خلايا نائمة أو اردنيين من أصول فلسطينية نفذوا العام الماضي هجمات في المملكة.
وهؤلاء الاشخاص الغاضبون موجودون في الاجهزة الامنية أيضاً التي تشكل عصب النظام. وقد سجلت بين تشرين الثاني 2015 وتشرين الثاني 2016 سلسلة هجمات نسبت الى رجال امن تشددوا وقضى فيها اميركيون وأردنيون وأفارقة جنوبيون. ومع أن السلطات الاردنية لم تقر بذلك، لا تزال تقول إنها لا تعرف ما حصل تماماً.
موافقة روسية
إزاء هذه الاجواء، يرى شنكر أن واشنطن تسعى للقيام بشيء ما في جنوب سوريا، بموافقة من الروس، ويقول إن ” الاردنيين أيضاً حريصون جداً على الحصول على شرعية دولية ، لذا سيحاولون الاستحصال على قرار من مجلس الامن لمنطقة آمنة”.
ولكن السؤال الاهم برأي الباحث هو من سيوفر الامن لتلك المنطقة؟ وهو لا يعتبر تحذير النظام من انتشار أجنبي مهماً، “لأن الامر لا يعود اليه. الامر بيد الروس أكثر منه بيد الاسد”.
ومع ذلك، يقلل الباحث أهمية التقاريرعن غزو أميركي لجنوب سوريا من الاردن. ويقول: “لا أعتقد أن هذا ما ستفعله عمان، ولا أعتقد بصراحة أن المسؤولين الكبار في الادارة الاميركية يؤيدون القيام به. لديهم أولويات واضحة وهي داعش، لا يتحدثون عن الحكم ولا عن اي أعمال وحشية أخرى، ولا عن قنابل الكلور ولا البراميل المتفجرة، مع أن كل هذه الامور تشكل جرائم حرب”.
وإذا أرادت التركيز على داعش، ستكون واشنطن مضطرة للحفاظ على علاقة مع روسيا، أو على الاقل الحفاظ على توازن في العلاقات، وعدم السماح لها بالتدهور، لانها ستحتاج الى تنسيق وفك نزاع مع عمليات جوية أميركية. وثمة حاجة للروس لأن لهؤلاء علاقة ايضاً بوحدات حماية الشعب. ومع ذلك، لا يتوقع شنكر أن يحصل شيء في الجنوب قبل تحرير الرقة.
الى ذلك، يستبعد مواجهات مع النظام السوري وحلفائه في سياق اقامة منطقة آمنة في الجنوب، أقله على المدى المنظور. ولكن “في حال حاول الايرانيون لاحقاً التعدي على قوات أميركية تعمل مع وحدات حماية الشعب وغيرها، لا أعتقد أنهم سيسكتون عن ذلك. السياسة السورية لترامب بدأت تتضح. فبالنسبة الى استخدام الاسلحة الكيميائية، أظهرت الضربات لقاعدة الشعيرات خطوطاً حمراً، وكانت رسالة واضحة منها انها لن تتوانى عن التحرك”. والواضح أن هذه الادراة الاميركية تعتبر ايران التهديد الاول للمنطقة، وقد عبر مسؤولون أميركيون صراحة عن ذلك.
شركاء عرب
في الخلاصة أن الادارة الاميركية لن تذهب الى انشاء مناطق آمنة على نحو أحادي. ولا يعتقد شنكر أنه سيكون لديها شركاء عرب بما يكفي للقيام بالمهمة. أما “الناتو الاسلامي” الذي يكثر الحديث عنه في المنطقة فهو ليس الا مجرد فكرة في واشنطن، ولا يعتقد شنكر أن الادارة فكرت بها جدياً.
ومع ذلك، يقول إن تجدد الدعم الأميركي للسعودية وفي الوقت نفسه التفهم المشترك للنشاطات الايرانية المزعزعة للاستقرار قد يثيران فرصاً أخرى للتعاون بين الجانبين في سوريا لان أميركا سترسل بعض الجنود على الارض، ولكنها لن تكون وحدها، ولن تتكرر تجربة العراق.
ويخلص: “لن يكون ذلك على نسق المثلث السني ، ولن تتكرر تجربة الانبار وغزو مدن وبلدات. سيكون ثمة دعم جوي اميركي ودعم اميركي استخباراتي مع بعض الخبراء التكتيكيين على الارض. لن يكون الجنود الاميركيون بالالاف، لذا سيكون ضرورياً وجود شريك، وليس سهلاً وجود شركاء”. وعن الشريك الاردني يقول: ” الاردن فقدت طياراً واحداً فقامت الدنيا ولم تقعد. وراء كل جندي أردني هناك عشيرة كاملة. دور الاردنيين سيكون على شكل قوات خاصة ودعم لوجيستي”.
ويبقى السؤال المعلق: “أي دول ستذهب الى هناك؟”.
موناليزا فريحة”د: النهار