واشنطن عادت إلى سورية.. وأنقرة ترد في عفرين

بقلم حازم الأمين/
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يبادر إلى الاتصال بنظيره الأميركي دونالد ترامب للتباحث معه في الشأن السوري. قال أردوغان ذلك أمام نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم، وقال أيضا أمامهم أنه سيواصل التنسيق مع موسكو في هذا الملف.
كلام أردوغان كاشف لجهة حسم خياراته في موضوع المحنة السورية، فقَدَما الرجل، وليس قدما واحدة، صارتا في موسكو، والهلع الذي أصابه جراء إعلان واشنطن تشكيل قوة “حدود” في سورية قوامها أكراد وعرب ومهمتها حماية الحدود، أفضى به إلى شبه إعلان حرب في مدينة عفرين لامس فيه عداءً غير مسبوق للولايات المتحدة الأميركية.
لا شك أن أردوغان يحاول الاستثمار بالإنكفاء الأميركي، وهو انكفاء استثمرت فيه كل القوى الإقليمية. لكن في الإعلان الأميركي المستجد رائحة مختلفة هذه المرة، لا سيما وأنه استُبق بواقعة قاعدة حميميم الروسية التي أغارت عليها طائرات مجهولة من دون طيار ومسيرة عن بعد، وهي على ما أشار خبراء في التكنولوجيا وديبلوماسيون، من النوع غير المتوافر في الأسواق.
المؤشرات والوقائع تقول إن ثمة عودة أميركية إلى سورية. وواشنطن اختارت على ما يبدو البوابة الكردية، وهذا سيعيد خلط أوراق كثيرة. الرسالة الأولى كانت لموسكو، والثانية لأنقرة، وعلينا أن ننتظر موقع واشنطن من الحدث في عفرين، على رغم أن لا وجود عسكريا لها فيها، فعفرين تبقى المدينة التي اختارت أنقرة أن ترد على واشنطن فيها.
أن يعلن التحالف الدولي نيته المساعدة في بناء قوة عسكرية في شمال سورية قوامها ثلاثون ألف مقاتل مهمتها حماية الحدود ومنع الإرهابيين من الدخول إلى المناطق التي جرى طردهم منها، فإن المستهدف من هذا الإعلان هو أنقرة من دون شك، ذاك أن لا حدود في شمال سورية إلا الحدود التركية، والإشارة إلى منع الإرهابيين من معاودة الدخول إلى المناطق السورية التي طردوا منها ينطوي أيضا على تلميح إلى الدور التركي في دخول هؤلاء فيما مضى إلى سورية. أما ذروة المعاني في الرسالة الأميركية فتتمثل في أن القوة المزمع تشكيلها ستتألف من مقاتلين أكراد بالدرجة الأولى، ذاك أن هذا سيشكل كابوسا لشريك واشنطن في الحلف الأطلسي، أي أنقرة.
يتقدم الهاجس الكردي في سورية أي هاجس تركي آخر في ذلك البلد. والأشهر الأخيرة كشفت قابلية أنقرة للتعامل مع النظام في سورية في سبيل القضاء على الطموحات الكردية، سواء في الاستقلال أم في بناء فيدرالية في شمال سورية. وأنقرة التي قطعت أشواطا في العلاقة مع موسكو، الراعي الدولي للنظام، ومنقذه من ثورة السوريين عليه، بدا أنها لا تملك حساسية في الذهاب بهذه العلاقة نحو طهران أيضا. وهذا كله صورة عن الهلع التركي الناجم عن الطموحات الكردية.
اليوم جاءت واشنطن ودفعت بهذا الهلع خطوة إلى الأمام، عبر إعلانها المساعدة في تشكيل القوة “الحدودية”. الأرجح أن يكون الرد التركي في مدينة عفرين، حيث باشرت أنقرة عملية عسكرية، الأرجح أنها لن تكون سهلة، تستهدف القضاء على القوة الكردية فيها.
المشهد اليوم شديد الغرابة، ذاك أننا يمكن ووفقا لخريطة العلاقات الدولية والإقليمية أن نفصله على الشكل التالي: من جهة أنقرة وخلفها موسكو والنظام في سورية وإيران، ومن جهة أخرى قوات حماية الشعب الكردي وخلفهم واشنطن!
وانتقال أنقرة إلى هذا الموقع يطرح سؤالا كبيرا على حلفائها، أي ما تبقى من معارضة سورية. الإخوان المسلمون السوريون وما حولهم من قوى وجماعات موازية ورديفة لهم تجارب في الانعطاف، ولن يجد أردوغان صعوبة في إدراجهم في مشروعه الجديد، لا سيما وأن ثمة مؤشرات من خارج أنقرة على بدء انعطافة إخوانية يمكن رصدها في الدوحة (عاصمة الإخوان)، ولكن أيضا في غزة وفي غيرها من البؤر الإخوانية. وهذه الانعطافة تشمل إعادة النظر في العلاقة مع طهران، وتنطوي على احتمال كبير بالقبول بأشكال من العلاقة مع النظام في سورية.
لكن المعارضات السورية لا تقتصر على الإخوان المسلمين وعلى الجماعات الموازية التي تملك أنقرة نفوذا عليها. وما يجمع هذه المعارضات مع أنقرة هو انعدام الود بينها وبين الأكراد، وهنا تحضر المقارنة الكبرى، ذاك أن هذه القوى مخيرة اليوم بين موقع أنقرة المنسجم مع موقع موسكو وطهران، عدوا الثورة السورية، وراعيا النظام، ومحولا المدن إلى خرائب، وبين طموحات الجماعة الكردية السورية مهما كانت هذه الطموحات.
حتى الآن يمكن للمرء ملاحظة تقدم فوبيا الطموحات الكردية على الحساسية السياسية والأخلاقية من العلاقة مع موسكو وطهران. جميع المواقف المرتابة والمتحفظة على هذه العلاقة تقرن رفضها لها بعبارة “ولكن”، وهذا ما لا تتسع له المواجهة الوشيكة على ما يبدو. سوريون كثر سيجدون قريبا أنفسهم أمام هذا السؤال، أنتم مع التحالف الذي يضم أنقرة إلى موسكو وطهران، أم مع التحالف الذي يضم الأكراد (وهم خصومكم ومواطنوكم) مع واشنطن؟
الإجابة ليست بديهية، وستكون مكلفة، في ظل المشهد المقفل في وجه الضحايا السوريين. لكن الأكلاف لن تكون أكبر مما دفعه السوريون حتى الآن.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.