المقال الأخير الذي كتبه ديفيد هيرست بعنوان: (المملكة العربية السعودية تحصد ما زرعت) ليس إلا إشارة إلى أن كل ما نراه من تبدل في الموقف الأمريكي وتحولات في الدور الأمريكي في المنطقة كلها عبارة عن ردات فعل على ما يمكن تسميته بالدور السعودي الحاسم في إسقاط مشروع تحمست له واشنطن وهو مشروع الإسلام السياسي المعتدل.
كانت تلك النظرية الأمريكية ترى أن نماذج دعم قيادات سياسية مستبدة في المنطقة لم يعد كافيا ولم يساعد في بناء تحولات ديموقراطية وأن الإرهاب لا يمكن حصاره من خلال تلك الأنظمة، وبالتالي فالحل يتمثل في إيجاد طبقة سياسية حاكمة جديدة ذات خلفية
وشعارات إسلامية ستكون أقدر في السيطرة على الشعوب وستمثل بداية لتحول ديموقراطي إنما عبر لغة وخطاب وشخصيات جديدة لا تمثل غرابة على الشارع العربي ولا تترك مساحة للقوى المتشددة أن تزايد عليها، لقد كانت صورة الزعيم الملتحي ذي اللحية الخفيفة والذي يرتدي بدلة أنيقة ويؤم وزراء حكومته في الصلاة هو الذي يمكن الرهان عليه في بناء واقع جديد في البلدان العربية وبناء علاقات دولية جديدة ولا يستطيع أحد المزايدة عليه.
إن حماس واشنطن للإسلام السياسي يتبدى أيضا في تعاملها مع إيران وبخاصة بعد تراجع مشروع الربيع العربي، فخطوات توقيع الاتفاق النووي مع إيران تسارعت بشكل كبير لتمثل نوعا من التعويض عن سقوط المشروع الخاص بالإسلام السياسي السني، بل إن الظهور المفاجئ لتنظيم داعش إنما جاء بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر.
يقول ديفيد هيرست: لقد كان من الممكن أن يشكل الربيع العربي فرصة سانحة أمام السعوديين لأن مرسي قد عرض عليهم حلفا وشراكة إستراتيجية، ويضيف: كان من تداعيات سحق الإسلام السياسي فتح المجال على مصراعيه أمام تنظيم داعش.
هذه القراءة من ديفيد هيرتس ترسخ فكرة أن ظهور داعش تداخلت فيه جوانب استخباراتية عميقة إضافة إلى الإرهاب كمبرر لقيام التنظيم، وذلك للقول لكل القوى التي وقفت أمام الإسلام السياسي بأن هذا هو البديل، وأن ظهور هذا النموذج المتشدد هو نتيجة لإسقاط ذلك النموذج المعتدل، ومن غير المستبعد أن يكون أشبه بالعقوبة وردة الفعل التي تريد إثبات ما أدى إليه فشل مشروعها، مع العلم أن داعش لم يظهر في مصر وأن ظهوره لم يتضمن أي إعلان عن مقاومته لسقوط نظام الإخوان، وهذه ورطة أخرى في اللعب بورقة داعش، فالقول إن سقوط الإسلام السياسي فتح الباب لداعش ليورط الإخوان المسلمين أصلا وهو بالتأكيد ما لا يريده هيرتس.
وفي الواقع أنه لو لم يسقط الإسلام السياسي لاستمر الإرهاب ولم يتوقف، ولو ظل الإسلام السياسي وتم بيع سيناء وتقارب النموذجان القائمان في الإسلام السياسي السني والشيعي المتمثل في الإخوان والنظام الإيراني فإن أول المستهدفين سيكون دول الخليج والمملكة أولا.
إن الإسلام السياسي وإن كان سيوفر غطاء سياسيا لمشاريع إقليمية جديدة في المنطقة إلا أنه سيمثل المبرر الأبرز للفوضى والاضطراب في تلك البلدان وهو ما مرت به مصر، فالسعودية لم تخرج ملايين المصريين في ثورة الثلاثين من يونيو وليس بيدها أيضا إعادتهم إلى منازلهم، ولكنها وقفت معهم كما تقف الآن وكما تقف مع الشعب السوري كذلك.
وبينما يزداد التنوع في الشارع العربي وتظهر أجيال جديدة أكثر انفتاحا فإنه من المستحيل حكمهم عبر طبقة دينية، فسوف يترصد لها الشارع لفضح تناقضاتها بين ما تعلنه وما تقوم به على الأرض، فبناء الدول وتنميتها لا يتم من خلال استخدام الدين شعارا الأمر الذي سيجعل كل معارضة لتلك الأنظمة يتم تصوريها وكأنها معارضة للدين.
لذا فمواجهة الإسلام السياسي لم تكن مشروعا سعوديا بل كانت مشروعا انطلق من شوارع القاهرة وتونس وأسقط رهان واشنطن على الإسلام المعتدل.
وقفت المملكة مع الثورة المصرية ووثقت علاقاتها مع نظام مرسي حين بدا وكأنه خيار الشعب المصري، ووقفت أيضا مع الثورة المصرية حين رأى المصريون أن الإسلام السياسي ليس خيارا صحيحا، وبالتالي لم تقف المملكة أمام الربيع العربي والدليل موقفها المستمر منذ خمس سنوات مع الإنسان السوري