بروفسور: سليمان جبران
ديوان، مجموعة !-
في الماضي كانت قصائد الشاعر تجمع كلّها في كتاب واحد، مهما كان عددها، ونسمّيه ديوانا. الديوان وجمعها دواوين، كلمة فارسيّة الأصل، مثل مصطلحات حضاريّة كثيرة في العربيّة، وتعني في دلالتها العامّة، المكان الذي تنظر فيه أمور الدولة وقضايا الحكم. وبلغتنا العربيّة في العصور الكلاسيكيّة هو الوزارة أو المكتب. ديوان الخراج مثلا. ومنها في ظنّي اشتقّت العربيّة الفعل دوّن، بمعنى كتب في الديوان، والخطّ الديواني الذي يبدو أنّهم استعملوه أوّل الأمر في الوثائق الرسميّة.
إلا أنّ المصطلح المذكور اكتسب في العربيّة دلالة جديدة أيضا، بمعنى الكتاب الذي يضمّ قصائد الشاعر. ديوان المتنبي، ديوان أحمد شوقي، مثلا. حتى إذا ضمّ أكثر من جزء. مثل ديوان شوقي.
إلا أنّ الشاعر في عصرنا هذا ينشر أكثر من كتاب، يضمّ كلّ منها قصائد جديدة، لها اسم جديد، وتختلف غالبا عن قصائده السابقة، رؤية وأسلوبا. محمود درويش مثلا أصدر أكثر من كتاب في الشعر، لكلّ منها اسمه الخاصّ طبعا، ويختلف غالبا عمّا سبقه من كتب شعره. بعد ذلك عمدت “دار العودة” في بيروت إلى نشر إصدارات درويش الشعريّة، في “ديوان محمود درويش”، ويضمّ الجزء الأوّل منه 9 مجموعات والثاني ستّا. وبعد وفاة الشاعر عمدت دور نشر أخرى طبعا إلى إصدار شعر درويش في كتاب واحد، من أجزاء عديدة طبعا. هنا نشأت الضرورة في التمييز بين مجموعة من الشعر، وديوان يضمّ المجموعات كلّها!
باختصار: يجب التمييز بين مجموعة : تضمّ قصائد للشاعر من فترة معيّنة وذات اسم واحد، وديوان: يضمّ عدّة مجموعات للشاعر، لكلّ منها اسمها الخاصّ بها، ويتألّف من جزء أو أكثر.
– عضو/عضوة، رئيس/ رئيسة، نائب/ نائبة، بروفسور/بروفسورة، دكتور/دكتورة
الألفاظ الثلاثة الأولى ألفاظ عربيّة قديمة، لكنّها في لغتنا المعاصرة اكتسبت دلالة جديدة، فهل يقتضينا الحال إضافة التاء المربوطة إذا دلّت على المؤنّث، أم إبقاءها “جامدة” دونما تغيير في المذكّر والمؤنّث؟ إذا كان الرجل عضوا في البرلمان فالمرأة عضوة، وقد تُنتخب رئيسة له، ما المانع؟
والنائبة، ما العيب فيها فلا نؤنّثها؟ لأنّ النائبة في لغتنا القديمة تعني المصيبة؟! أهي الكلمة الوحيدة في العربيّة التي تحمل معنيين؟ لا ننسّ أنّ النائبة بمعنى المصيبة، اسم الفاعل من ناب، ليست المعنى الأوّل لهذا اللفظ أيضا. النازلة أيضا تعني المصيبة في اللغة القديمة، فهل ننفي عنها معناها الأصلي، عكس الصاعدة، بسبب هذا المعنى الطارئ أيضا ؟ الرجل نائب للمدير، أو في البرلمان، والمرأة نائبة، ما عيبها؟
والدكتور والبروفسور: طالما دخلا لغتنا المعاصرة، فلماذا لا نضيف تاء التأنيث إليهما، كما في تعاملنا مع اسم الفاعل؟ اللغة الإنجليزيّة لا تفرّق بين المذكّر والمؤنّث في هذا المجال، أمّا لغتنا العربيّة فتفرّق، وتميّز حتى!
لنقل إذن: عضو / عضوة، رئيس / رئيسة، نائب / نائبة، بروفسور / بروفسورة،
دكتور / دكتورة، سكرتير / سكرتيرة… وأنا أتحمّل جريرتها كلّها راضيا !
(-) أسماء أطفالنا، كيف نختارها؟
في مرّة سابقة عرضنا لكتابة أسمائنا (على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربيّة المعاصرة، ص. 132 – 134)، واليوم نواصل “تطفّلنا” فنتناول طريقة اختيار هذه الأسماء أيضا. الاسم ملكيّة فرديّة طبعا، ولحامله الحقّ كلّه في اختاره. حتّى اسم العائلة يمكن المرء تغييره، فلا يحمل “فرادته” العمر كلّه، كما نجد لدى كثيرين حولنا في مجتمعنا.
إطلاق الاسم على المولود يقوم به الوالدان عادة، مع الولادة أو بعدها بقليل. لا يستشار المولود في الاسم الذي سيحمله هو طول حياته. لو توخّينا الإنصاف لجعلنا المولود يختار هو، بعد سنين، اسمه الذي يريد. الغريب أنّ بعضنا يحمل اسمه، مكرها، حياته كلّها، ولا يغيّره “حفاظا على الموروث” !
النظر العميق في الأسماء، كثيرا ما يشي بالفترة التي وُلد فيها حاملوها. طبعا حين يكون الاسم اختياريّا، غير جاهز سلفا. لاحظوا كم من الرجال حولنا، مواليد الخمسينات حتى السبعينات، يحملون اسم جمال أو خالد. حبّا في جمال عبد الناصر، أبو خالد، وإكبارا لدوره في تاريخ العرب الحديث.
هناك أيضا من يختارون لأبنائهم الأسماء الأجنبيّة. هنا أيضا يمكن إيجاد التفسيرات لشيوع هذه الظاهرة في فترة معيّنة بالذات. المسألة طبعا من صلاحيّات الوالدين فحسب، وإن كنّا لا تعجبنا نحن. مع ذلك لنا رجاء صغير: إذا رغبتم في اختيار اسم أجنبي للمولود/ة، فليكن اسما يقدر عليه اللسان دونما إرهاق !
أمّا إذا رغبنا في اختيار اسم عربي، فليكن خفيفا على اللسان أيضا، لا يحمل دلالة سلبيّة لم يقصدها الوالدان. لا نسمّي الصبيّ “ناهد”، مثلا، ومعناها الغالب: “المرأة التي نهد ثديها”، ولا نسمّيه “بسيم”، تجنّبا لاسم باسم الشائع، لأنّ الصفة المذكورة لا تدلّ على ثبات، في أسلوب النحاة. باختصار: إذا رغبنا في اسم عربي فليكن سهل اللفظ ما أمكن، حسن المعنى طبعا، فلا نقع في الخطأ، رغبة في الإغراب !
(-) يوم الميلاد، عيد ميلاد !
هذا الخطأ، في رأينا، بتأثير لغتنا المحكيّة أيضا. كلّ طفل يحتفل في المدرسة بيوم ميلاده لكنّه يسمّيه، هو ومعلّمته وأهله، عيد الميلاد، حتّى غدا صعبا اليوم تغيير ذلك. على كلّ حال، علينا الصياح الذي نقدر عليه، لكنّنا لا نضمن طلوع النهار.
لا فرق لغويّا بين الميلاد والمولد. فالمولد موضع الولادة أو وقتها، والميلاد وقت الولادة. بل إنّ المولد، بكسر اللام تصلح لأن تكون مصدرا ميميّا أيضا، بمعنى الولادة.
إلا أنّ التقاليد اللغويّة المعاصرة جعلت يوم ولادة السيّد المسيح “عيد الميلاد” لدى المسيحيّين، ويوم ولادة الواحد منّا يوم ميلاده. ألم يكتب الشاعر كامل الشنّاوي:
عدتَ يا يومَ مولدي / عدت يا أيّها الشقي
على فطنة: نقول “عيد الميلاد” لدى المسيحيّين، و” وعيد المولد ” لدى المسلمين. تقاليد لغويّة درجنا عليها في العربيّة، بحيث يبدو الخروج عنها خطأ !
– أهي شترودل / שטרודל أم أَتْ (@)؟
هذا البند أيضا أكتبه اضطرارا. فالمعذرة. في كلّ مرّة أعطي فيها عنواني الإلكتروني، أو يُملي عليّ عنوانه صديق، تفجؤني شترودل هذه، فأجدني مضطرّا إلى رفضها وتبرير موقفي أيضا. شترودل هذه هي كلمة ألمانيّة / إيدش، تعني “خبيزة مصنوعة من عجينة رقيقة مدهونة بالفاكهة أو الجبنة أو اللحمة وغيرها بعد لفّها على ذلك”. وعلى الألسنة في العبريّة سمّوا بها “أت” (@) الإنجليزيّة في العنوان الإلكتروني.
في العبريّة اشتقّوا لهذه الكعكة اسما من الفعل كراخ / כרך، بمعنى جلّد، أو لفّ، أو ضمّن، فسمّوها هي والعلامة في العنوان الإلكتروني تبعا لذلك، كروخيت / כרוכית. إلا أنّ أحدا لم يلتفت إلى استحداثهم هذا، فظلّت شترودل الألمانيّة على الألسنة والأقلام غالبا. في الدلالة على الكعكة المذكورة، وعلى العلامة تلك في العنوان الإلكتروني أيضا !
الغريب أنّ معظم العرب عندنا هنا يستخدمون شترودل هذه، جاهلين أنّها لا يمكن فهمها خارج حدود البلاد. @ هذه في العنوان الإلكتروني هي اختصار الكلمة الإنجليزيّة “أتْ” ، بمعنى في، فلنقرأها أتْ، ليفهمنا جميع الناس، في كلّ مكان. فإذا لم يفهمها بعضهم هنا فالذنب ذنبهم هم طبعا !
/ פנסיה – تقاعد ؟ pension –
ألفاظ ومصطلحات كثيرة دخلت العربية الحديثة من باب “غير شرعي”. في حالات كثيرة لم تقم المجامع اللغوية بواجبها في استحداث المصطلحات الحديثة الدقيقة، فاستعارت الحياة والصحافة ما شاع على الألسنة، دونما تدقيق أو تمحيص. في مصر مثلا، يقولون ويكتبون “أحيل على المعاش” لمن يعتزل العمل المنتظم. وفي قاموس “الوسيط” المصري أيضا: “المعاش هو المرتب الذي يتقاضاه من قضى مدّة معيّنة في خدمة الحكومة بعد انقطاعه عن العمل. (مج)”. لكنّ المعاش عندنا مثلا هو ما يتقاضاه الأجير في آخر الشهر. هو الراتب أو المرتب في دول أخرى. هذه الفوضى مردّها إلى ما يشيع على الألسنة وفي الصحف في كلّ دولة عربيّة، ثمّ ينتقل إلى اللغة المكتوبة في ذلك البلد.
لكنّي أردت هنا الاعتراض على “التقاعد” بالذات. فهل يقعد من قضى سنوات العمل الرسميّة في البيت على كرسيّه أو قفاه ؟ في العبريّة استعاروا اللفظ الأجنبي פנסיה واستراحوا. في لغتنا، على كلّ حال، لفظ يصلح لهذه الدلالة. اعتزل تعني في اللغة الكلاسيكيّة بعد وتنحّى. والمعتزلة فرقة دينيّة معروفة، سمّيت بهذا الاسم لأنّ واصل بن عطاء اعتزل بأتباعه عن الحسن البصري وحلقته. فلماذا لا نستعير ذلك لمن يخرج من عمله، فنقول اعتزل العمل، بمعنى “تقاعد”، ونشتق منها كلّ الألفاظ الأخرى في هذا الحقل الدلالي؟
بذلة أم بدلة ؟
البدلة لباس يتألّف من جاكيت وبنطلون، وصدريّة أحيانا، مصنوع من القماش نفسه لونا ونوعا. في اللغة الحديثة، في الصحف والقصص، كثيرا ما نجد هذا المصطلح بالدال مرّة وبالذال أخرى. حتى في بعض القواميس، فير وشاروني مثلا، نجده على الوجهين أيضا. هكذا وجداها في النصوص الحديثة.
“الوسيط” يوردها بالذال فقط ويفسّرها: “البذلة من الثياب ما يلبس في المهنة والعمل ولا يصان” . وهذه طبعا لا توافق ما نريده نحن هنا.
أما “المنجد في اللغة العربيّة المعاصرة” فيوردها بالدال فقط ويفسّرها: “ثوب رجّالي يتألّف من سترة وشروال، وله صدريّة أحيانا، جميعها متناسقة ومن قماش واحد”. فإذا استبدلنا الشروال، لباس آبائنا التقليدي، بالبنطلون يكون المنجد قصد بالبدلة ما قصدنا.
ثمّ إنّ الأصل قد يساعدنا في ترجيح بدلة بالذات: بدل، مثل استبدل، تعني أخذ شيئا بدل آخر، وهذا ما نفعله حين نبدل لباسا بآخر. ولعلّ العبريّة سمّتها חליפה وفق المنطق ذاته، أو أخذتها عن العربيّة. أمّا بذل فتعني قدّم وضحّى، كأن يبذل جهده أو مسعاه، وهذه يصعب تطوّر دلالتها إلى ما نريد.
أضيف أخيرا أننا في قريتنا نسمّيها بدلة بالدال أيضا، ونحن نميّز في محكيّتنا بين الدال والذال في اللفظ. سبب ذاتي أخير لانحيازي إلى البدلة !
מיחזור: تدوير أم مدورة ؟/ recycling-
قبل سنوات عديدة تناولنا هذا المصطلح الحضاري الجديد، وقضينا وقتا غير قصير في تناوله، ومحاولة إيجاد بديل عربي له. واضح أنّ هذا المصطلح حديث، لم يعرفوه في العصور الوسطى ولا حلموا به. حتّى الورق كان ابتكارا عظيما ذات يوم. أمّا اليوم فقد غدا الورق مادّة مبتذلة، لا نكاد نلتفت إلى قيمتها وفضلها. لذا فنحن اليوم لا نكتفي باستخدامه فقط، بل نجدّد ما استهلكناه منه، كأنّما هو ورق جديد. وعمليّة التجديد هذه لا تقتصر على الورق فحسب، بل طالت الإلكترونيكا والزبالة والخشب وغيرها من الموادّ أيضا. وتلك عمليّة عظيمة الشأن، اقتصاديّا وبيئيّا.
في “اللجنة العليا لشئون اللغة العربيّة”، اقترح أحد الأعضاء “تدوير” بديلا للمصطلح المذكور. كان الاعتراض على ذلك أنّ للفظ أوّلا دلالات أخرى سابقة في اللغة. ثمّ إنّ التدوير لا تعني عمليّة مكرّرة، كما هي فعلا، وكما انعكست في بادئة اللفظ الإنجليزي.
أخيرا تمّ الاتّفاق على تبنّي مصطلح “مدورة”، وفعله مدور. في هذا المصطلح تأثّر بما استحدثوا في العبريّة طبعا، وذلك لا يضيره في رأينا. لكنّنا نلحظ أنّ كثيرين يواصلون استخدام تدوير رغم عدم الدقّة فيها كما قدّمنا. أرأيتم كم العربيّة في حاجة إلى مؤسّسة رسميّة معترف بها في البلاد العربيّة كلّها، لوضع المصطلحات الحديثة لمستجدّات كثيرة ضروريّة في لغتنا الحديثة ؟!
/ משיחי – مسيحاني : ما عيبها ؟!messianic –
كنّا في أمسية تردّد فيها المصطلح أعلاه غير مرّة. اعترض رفيقي الجالس بقربي: لماذا لا يقولون مسيحي كما هي في العبريّة أيضا ؟
إلى الصديق المذكور أقول إنّ المسيحي شيء، والمسيحاني شيء آخر، وهو استحداث موفّق، في رأينا.
في العبريّة استخدموا المصطلح משיחי لأنّهم لا يؤمنون بيسوع المسيح كالنصارى. إنّهم ما زالوا ينتظرون المسيح المخلّص أيضا. بل إنّ تاريخ اليهود حافل بالمسيحيين الكذبة، من ادّعوا أنّهم المسيح زورا وبهتانا. أمّا العرب، من مسلمين ومسيحيّين، فيؤمنون أنّ المسيح، أو عيسى، نزل إلى هذه الأرض فعلا، سواء صُلب أو لم يصلب. من هنا نشأت الحاجة في المصطلح الجديد، مسيحاني والمصدر مسيحانيّة، لتمييزهما عن المسيحي والمسيحيّة !
سليمان جبران- ناقد وباحث لغوي، له العديد من المؤلفات، رئيس سابق لكرسي اللغة العربية في جامعة تل ابيب- متقاعد.
jubrans3@gmail.com