الشرق الاوسط
إن من يستمع من مواطنات ومواطني سوريا إلى قادة حزب الله، وهم يبررون مواقفهم الخاطئة صار يشعر بالغضب والإهانة، خاصة أنهم يتحدثون عن سوريا ويتعاملون معها بطريقة لا تليق بجهة تدعي العقلانية والرصانة والمقاومة وتتحدث دوما عن الحرية والكرامة الإنسانية، لكنها لعيوب جسيمة في عقلانيتها تتجاهل أسباب المشكلة السورية وتركز على نتائجها: على ما أوصل العنف السلطوي السوريين إليه، مع العلم بأنه لم يكن هناك أي سلاح من أي نوع كان في يد الشعب طيلة الأشهر الستة الأولى من الحراك السلمي، باعتراف بشار الأسد نفسه، وأن السبب الحقيقي لكل ما جرى كمن في الطريقة التي اختارها النظام لمعالجة مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، لم تصلح يوما وفي أي مكان لمعالجة مشكلات كهذه: ألا وهي العنف الأعمى.
وكم أسفت لأن سماحة السيد حسن نصر الله لم يشعر في حديثه الأخير بأي حرج تجاه شعبي لبنان وسوريا، عندما قال: إنه لن يسمح بسقوط سوريا، أي نظام الأسد، وتعامى عن واقعة جلية هي أن القسم الأكبر من شعب بلادنا لا يريد نظامه ويضحي حتى الموت كي يتخلص منه. وعندما علل السيد موقفه باعتبارات لا يقبلها السوريون، وربط مصيره بمصير نظام أحمق ينتحر في كل مكان من وطنه وينحر شعبه، مع أن حزب الله ليس بحاجة لأن يضع نفسه في هذه المعادلة المميتة، أقله لكونه جهة مقبولة نسبيا من قسم لا بأس به من اللبنانيين، وغير مهددة من أحد داخل لبنان.
وكان الأستاذ محمد رعد قد استبق خطاب السيد بالقول: إن سوريا لن تهزم ما دام هناك مقاومة في لبنان وسوريا. بما أن السيد لم يتحدث عن بلادنا إلا بوصفها سوريا الأسد: أي الوطن والشعب الملحقين بشخص حافظ الأسد ثم بشخص ابنه بشار، فإن سوريا هذه، التي لا وجود لها إلا في خطاب حزب الله وسدنة التلفيق الرسمي في دمشق، ليست سوريا المطالبة بالحرية: سوريا الشعب والوطن والدولة، وهي لا تعدو أن تكون في خطاب الحزب أشبه بمزرعة يملكها مغامر استولى على السلطة بانقلاب عنيف وغير شرعي عام 1970. وحين توفاه الله أورثها عام 2000 لابنه، الذي لم يحصل على أي خبرات تؤهله لتولي الرئاسة، وكان من المحال أن يصل إليها لو لم يكن ابن صاحب المزرعة الأصلي، الذي عينه رئيسا قبل وفاته، كي يجنب السلطة صراعات كانت ستنشب على الأرجح بين الأطراف والمراكز الممسكة بأعنتها، فجيء به على أمل أن يوحد صفوفها، وها هو يقضي عليها بـ«خبراته» الواسعة والمتطورة في إدارة الأزمات، التي حولت مطالب شعبية قال هو نفسه عنها إنها مشروعة وسلمية إلى حرب ضروس شنها ضد شعبه بعد أول خطاب ألقاه، بينما كانت قطاعات واسعة من الناس تمحضه ثقتها بل وتهتف باسمه في شوارع درعا وتناشده تخليصها من الفساد والفاسدين، لكنه تبين أنه قرر تخليص سوريا من شعبها للحفاظ على سلطة هؤلاء، وها هو يخوض غمار حرب خاسرة هدفها الوحيد والمعلن إنقاذ كرسيه وبطانته الفاسدة، التي تضم أساسا أقاربه وشركاءهم من حملة نظامه وحماته.
يتحدث السيد ومحمد رعد عن النظام باعتباره سوريا، متجاهلا ما ارتكبه من مجازر ضدها. ويعد مع سماحة السيد أن لا تسمح «المقاومة» بهزيمته، في علامة إضافية على ما وصل إليه الأسد من ضعف يستدعي ليس فقط انخراط الحزب في الحرب دفاعا عنه، وإنما كذلك رفع معنوياته بالقوة والسلاح، بعد أن غدا دمية تحتاج إلى حماية إيران وحزبها، الذي يقوده أشخاص من طراز محمد رعد، أقل ما يقال فيهم إنهم يفتقرون إلى حس العدالة، رغم أنهم يتحدثون منذ نيف وأربعة عشر قرنا عن مظلومية الحسين ويبررون سياساتهم الحالية بها. لو كان هؤلاء عادلين حقا، لكانوا رأوا ما يجري في سوريا تحت أعينهم من استخدام إجرامي للسلاح الكيماوي والطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ الباليستية وبراميل المتفجرات ضد مدنيين عزل تنتشل أشلاؤهم وجثامين أطفالهم من تحت الأنقاض، ولتوقفوا طويلا عن معنى إلقاء براميل متفجرة يوم الاثنين الفائت قرب سد الفرات، ولأرعبتهم الغارات على الآمنين، والفظاعات ضد الأطفال والنساء والشيوخ. لكن الحيط – كما يسميه الأستاذ وليد جنبلاط – يتوهم أن ما يقوله سيلقى القبول، لمجرد أنه يصدر عنه كممثل ينطق باسم حزب الله، ولو كان واقعيا لأدرك أن حزبه، الذي نذر نفسه منذ سبعة أعوام للحرب على اللبنانيين وينخرط اليوم في حرب ضد السوريين، فقد حظوته لدى الناس، وأن اسمه في الشارع السوري صار حزب الشيطان أو اللات، ورموزه صارت عرضة لإهانات وشتائم لا أرضاها لها، وأن السوري العادي يرى فيهم اليوم طواغيت وظلمة يشاركون في قتله دونما سبب، لا يتورع جندهم عن استخدام السكاكين في ذبح أطفاله ونسائه، مثلما حدث في جديدة الفضل، حيث قتل قرابة خمسمائة إنسان ذبح معظمهم من الوريد إلى الوريد، في عملية تبز أضعافا مضاعفة ما ارتكبه الصهاينة من مذابح في قبية وكفر قاسم ودير ياسين خلال حربهم ضد شعب فلسطين.
ليس في سوريا من يشعر اليوم بالاحترام حيال حزب الله، الذي كانت غالبية البشر تكنه له. إذا كان الحزب لا يحسب حسابا لشعب سوريا ولموقفه منه، فهذا معناه أنه دخل في مرحلة حدها أن يكون قاتلا أو مقتولا، تمثل أخطر ما يمكن لحزب أن يورط نفسه فيه، قبل أن يموت معنويا ويتلاشى ماديا!